أبدأ بإثارة نقطة مهمة وهي أنَّ المحكمة تطلب إلى المترجم أن يترجم بالضبط ما يسمعه دون تغيير أو تحريف.
أما من وجهة نظري فهذا الطلب ذاته فيه مغالطات. نتذكر أفلاطون الذي قال إنَّ الأجسام الموجودة في العالم المادي تمثيل غير حقيقي للمثل العليا الحقيقية ثم يأتي الشاعر غير المُلهَم فيكتب شعراً حول الأجسام المادية فيكون الشعر بذلك تشويهاً عن تشويه عن الحقيقة. ويؤيد المبدأ الأساسي لأفلاطون ما يسمى بلعبة الهمس الصيني أو لعبة التلفون: عدد كبير من الأشخاص يقفون في غرفة. الأول يهمس قصة للآخر ثم الآخر ينقلها همساً لغيره الخ. حدث معي في إحدى الورشات تطبيق تلك اللعبة ولما سألوا آخر شخص ماذا كانت الرسالة قالت: إنَّ الرسالة تقول إنَّ الدولة أعلنت الحرب على دولة مجاورة. سالوا الشخص الأول فقال الرسالة تقول: لما رأت الحكومة أن أسعار الدجاج ارتفعت، قرر وزير التموين اتباع التدابير اللازمة من أجل استثمار الحكومة في المداجن لخفض الأسعار.
من ناحية علم النفس نقول:
- المعلومات تأتي للإنسان على شكل محفز stimulus ويدخل للدماغ من إحدى حواسه. لكنَّ الرسالة التي تدخل من خلال sensation لا يمكن أن تدخل الدماغ وتتسجل في الذاكرة إلا إذا عمل الدماغ ربطاً بينها وبين معلومات وخبرات سابقة في الدماغ. إذن الذي يخزن في الدماغ ليس المعلومة الأصلية بل تمثيل للمعلومة الأصلية perception.
هذا علم النفس
أما علم الأعصاب فيقول: عندما يحاول الإنسان أن يتذكر شيئاً ما فإنه في كل مرة يعمل دماغه على rewiring أي إعادة تكوين الذاكرة.. ويعني ذلك أنَّ الإنسان في كل يوم تتكون لديه تصورات مختلفة عن الرسالة ذاتها.
للعلم: عدد ذرات الكون المنظور 10 مرفوعة للقوة 60 أما عدد الارتباطات في الدماغ rewiring فهي 10 مرفوعة للقوة مليون.
من هنا يتبين لنا المغالطة الأولى وهي أن المترجم عندما يعطي ترجمته فغصباً عن أبو اللي خلفوه سوف يعطي انطباعه عن الرسالة وليس الرسالة الأصلية.