هو أنت كل (الكل) وطنا دائم الرسالات،
فالتحيات له، فيضا من كرامة،
تاجه مهابة، وتزنرك سواعد الطيبين من أهلك، بينما نبضك نهر،
وروحك حق ونبل ورسالة تبقى وحدك الحامل لها، الحامي لمعانيها،
مذ كانت الفكرة الأولى، معنى ساميا، ورؤى عليا، حتى صار الاستقلال
متحققا، لوطن هو بكل ما فيه يتشكل نسيجا واحدا؛ قيادة، وشعبا، وجيشا..
مكانا وإنسانا.. نهرا، وجبلا، وسهلا.. بحرا، وبادية، وغورا.. شرقا، وغربا..
جنوبا، وشمالا.. سماء، وعمقا.. ذاكرة وتاريخا.. قصصا وحكايا.. شعرا ونثرا..
قصيدا، وغناء، ومواويل.
هذا الوطن جميل، بكل أوقاته، ويزداد بهاء حين يكون يوم الاستقلال
الذي تتجلى فيه ارادة الأردن، وعزم قيادته، وأهله، ويحضر تاريخه العريق
حضارات شكلت العمق القوي له، وتجلت ذاكرته مع العمونيين والأدوميين،
والمؤابيين، والأنباط، وبقيت صفحات كتاب الوطن تسجل بمداد الكرامة
والدم مفاصل التاريخ في البتراء وأذرح والحميمة ومؤتة والكرامة وطبقة
فحل واليرموك ونهر الأردن وما تبقى من أمكنة على امتداد مساحة الوطن
المزروع ببيادر التضحيات، والمعاني السامية، وقصص المؤسسين للاستقلال،
والمضحين لأجله، رعاة معانيه، وحماة حدود الوطن.. كل الوطن.
وثيقة الاستقلال
هذه مناسبة تعزف على أوتار نبض كل أردني..
هذه مناسبة، لا بد من أن تكون مُفتتحاً لاستذكار الذين قدموا دماءهم
"فدوى" للاستقلال، قبل هذا التاريخ، وبعده، هم الذين مهدوا له،
وهم من حموه، وهم دائما حول القيادة قلبا واحدا، وسواعد قوية،
مؤمنة، يعبر عنها الجيش العربي الأردني، كرمز من رموز الاستقلال،
وكحام للوطن، وكمدافع عن حدوده.
هنا بين يدي كتاب عنوانه "الجيش العربي الأردني/ تسلسل أحداث،
وتواريخ منذ التأسيس حتى عام 1969م" من تأليف الرائد المتقاعد
جريس يوسف الشعيني، أقرأه بمناسبة عيد الاستقلال، وأستحضر
من خلاله، كثيرا من مراحل عزة الوطن، وتاريخه المشرف، وتفاصيل
أحداث، وأشخاص كان لهم كل الأثر في مسيرة الاستقلال، وكتابة حكاية
الأردن، مرة بالدم، ومرة بمواقع الكرامة والعزة والرجولة، وهنا أبدأ من
لحظة توقيع وثيقة الاستقلال في عام 1946م، حيث بويع الأمير
عبد الله بن الحسين، في 25 أيار 1946م، ملكا على شرق الأردن،
وأصبح شرق الأردن إحدى الدول العربية المستقلة، وحل اسم
المملكة الأردنية الهاشمية محل إمارة شرق الأردن.
رسالة الثورة العربية
هذا الاستقلال، منارة، التف حوله الشعب، كيوم وطني، ومحصلة
لسنوات طوال من النضال من أجل هذه اللحظة التي كانت حلم
القيادة والشعب، وكان لا بد من العمل بهذا الاتجاه، لتعزيزه،
وتقويته، تحت مظلة قيادة حكيمة، من خلال شعب مخلص،
وجيش قوي، مؤمن بالرسالة، حريص على كل ذرة من تراب
الأردن، جيش وريث مبادئ الثورة العربية الكبرى، وهنا
يشير الكتاب في تداعياته للتأسيس لتأريخ بدايات الجيش،
وعناصره الأولى، بدءا من استذكار "قيام الثورة العربية
الكبرى بقيادة الشريف حسين بن علي، وجيوش هذه الثورة
الأربعة بقيادة أنجال الشريف حسين بن علي، الجيش الشمالي
بقيادة الأمير فيصل، الجيش الجنوبي بقيادة الأمير علي،
والجيش الشرقي بقيادة الأمير عبد الله، والرابع بقيادة
الأمير زيد"، ثم استعرض المعارك التي خاضتها هذه
الجيوش في إطار الثورة العربية الكبرى، ويتتبعها
حتى تأسيس إمارة شرق الأردن على يد الأمير عبد الله بن الحسين.
التأسيس
في فصل آخر من الكتاب، يشير الرائد جريس الشعيني في كتابه
الى "بدايات تأسيس الجيش العربي بمساعدة عدد من الضباط العرب،
منهم فؤاد سليم، وعبد القادر الجندي، ومحمد علي العجلوني الذين
شكلوا أربع قوى: الدرك (راجلين)، وكتيبة الدرك الاحتياطي (فرسان)،
والكتيبة النظامية، وقوة الهجانة"، ويورد هنا سبب تسمية الجيش
ب"الجيش العربي" حيث كان منذ تأسيسه يضم جنودا وضباطاً ينتمون
الى عدد من الأقطار العربية: لبنان، سوريا، ليبيا، فلسطين، العراق،
مصر، السودان، بالإضافة الى الأردن.
معارك القدس
يمرّ الكتاب في كثير من فصوله على الأحداث التاريخية في
تلك الفترة، محليا، وعربيا، وعالميا، وكذلك مشاركة الجيش العربي
في الحروب في تلك الفترة، ورصد لجميع ضباط الجيش خلال الفترة من
1920-1943م، وكذلك يتابع مراحل تطور الجيش العربي، والمملكة
الأردنية الهاشمية، وحرب 1948م، والمعارك التي خاضها الجيش العربي
ضد اليهود وحقق انتصارات ساحقة فيها، خصوصا معارك القدس واللطرون
وبابا الواد والشيخ جراح والنوتردام والرادار، ونص وثيقة استسلام
اليهود في القدس للجيش العربي. كما يرصد الكتاب ضباط الجيش العربي
الذين شاركوا في حرب 1948م، وأعداد الأسرى لدى الجانبين العربي
والإسرائيلي، منهم 673 أسيرا إسرائيليا لدى الأردن، مقابل 17
أسيرا اردنيا لدى إسرائيل.
ومن العناوين الأخرى بعد هذا الفصل؛ الوحدة بين الضفتين،
واشتباكات الحدود،واغتيال المغفور له الملك عبد الله بن الحسين
في القدس، وتولي الملك طلال العرش، وتنازله عنه، وتولي
الملك حسين بن طلال العرش خلفا لوالده، وما وقع في عهده
من أحداث وبخاصة تعريب الجيش.
وأنت.. أيها الشعب الوفي
هنا لا بد من التأني والوقوف على معاني تعريب الجيش،
وهو خطوة مهمة في تعزيز الاستقلال، وتقوية البلاد ليقودها
أبناؤها، ويحميها جيشها، وفي هذا السياق يشير كتاب
"الجيش العربي الأردني الى أنه "في 1 آذار عام 1956م-يوم الخميس-
وعلى أثر تردي الأوضاع الأمنية، وموقف الأردن السياسي في أعقاب
محاولة ضمه لحلف بغداد. قرر الملك حسين إقالة الفريق كلوب رئيس
أركان الجيش، والاستغناء عن خدمات جميع الضباط البريطانيين،
وترفيع مساعده للإدارة الزعيم راضي عناب الى رتبة لواء،
وتعيينه لمنصب رئاسة أركان الجيش العربي الأردني".
ويضيف في ذات السياق، بأنه "في 2 آذار عام 1956م-
في الساعة السابعة والنصف من صباح يوم الجمعة نقلت
الإذاعة الأردنية نبأ الخطوات التي لم يكن أحد يتوقعها،
وحمل الأثير صوت الحسين بنبراته القوية الواضحة:
(أيها الضباط والجنود البواسل: أحييكم أينما كنتم، وحيثما
وجدتم، ضباطا وحرسا وجنودا وبعد، فقد رأينا نفعا لجيشنا،
وخدمة لبلدنا، ووطننا أن نجري بعض الإجراءات الضرورية
في مناصب الجيش، فنفذناها، متكلين على الله القدير،
ومتوخين مصلحة أمتنا وإعلاء كلمتها، وأنني آمل فيكم
كما هو عهدي بكم النظام والطاعة. وأنت أيها الشعب
الوفي، هنيئا لك بجيشك المظفر الذي وهب نفسه في
سبيل الوطن، ونذر روحه لدفع العاديات عنك مستمدا
من تاريخنا روح التضحية والفداء ومترسما نهج
الأولى في جعل كلمة الله هي العليا "إن ينصركم
الله فلا غالب لكم" والسلام عليكم). وعلى إثر هذه
الخطوة الجريئة عمت الفرحة البلاد، فقامت المظاهرات
والاحتفالات تعبيرا عن الفرحة التي كان الجميع يحلم بها،
ليقود البلاد رجالها، وهم الأحق بهذه القيادة، وقد ثبت
منذ ذلك التاريخ الى الآن قدرة أبناء هذا الوطن على قيادة نفسه بنفسه بجدارة.
.. لكننا أصحاب حق
يستمر الكتاب في رصد أهم الأحداث بعد ذلك، الى أن يكون الوصو
ل الى المحطة المهمة الأخرى في تاريخ الجيش العربي، والأردن،
حيث معركة الكرامة في 21 آذار 1968م، محطة نصر، حققه
الجيش العربي الأردني على القوات الصهيونية في تلك المعركة.
يشير كتاب "الجيش العربي الأردني" حول معركة الكرامة بأنه
"في 21 آذار 1968م وفي الساعة 5:30 صباحا بدأت المعركة
في وقت واحد، وعلى جبهة واسعة امتدت من شمال جسر الأمير
محمد في وادي الأردن الى غور الصافي جنوب البحر الميت،
وعلى أربعة محاور (محور العارضة، محور واد شعيب، محور
سويمة، محور غور الصافي)". وفي موقع آخر يكمل بأنه "كان
القتال عنيفا على جميع المحاور، وفي الساعة 11:30 اضطر
العدو لأول مرة في تاريخ الحروب بين العرب وإسرائيل أن يطلب
وقف اطلاق النار عن طريق الجنرال (أودبول) كبير المراقبين
الدوليين، ذلك أن قادة القوة الاسرائيلية المهاجمة أرادوا
الانسحاب بعد أن أنهوا أعمال النسف والتدمير في قرية الكرامة،
وعجزهم عن التقدم شرقا لاحتلال التلال المشرفة على غور الأردن".
وفي 27نيسان 1968م افتتح الملك حسين التلفزيون الأردني
، وخاطب وجدان العالم وضميره بقوله "إننا لسنا طلاب حروب،
ولكننا أصحاب حق نفتدي كل ذرة منه بآخر نقطة من دمائنا".
التشكيلات
وبعد ذلك، يرصد المؤلف الرائد المتقاعد عيسى الشعيني
تشكيلات الجيش العربي، مستعرضا تاريخ نشأة وتطور كل قوة
من القوات، حيث يعرض كل من قوة الحدود (الزنار الأحمر)،
وقوة البادية، وسرايا المشاة المستقلة (الحاميات)، وحدات المشاة،
سلاح المدفعية، سلاح الدروع، سلاح الجو، سلاح البحرية،
سلاح الهندسة، سلاح اللاسلكي، الحرس الوطني، المظليون.
كما يوثق تاريخ التشكيلات الادارية وهي دائرة الجوازات،
الموسيقات، هندسة الكهرباء والميكانيك، الخدمات الطبية
، التموين والنقل، الشرطة العسكرية، مطبعة الجيش العربي.
ويسرد كذلك سيرة المعسكرات، ومدارس ومراكز التدريب.
وبعد ذلك يكتب مدونة اسمها الضباط في الجيش، حيث يشير
الى الضباط في مرحلة التأسيس، ومدرسة المرشحين،
والكلية الحربية الملكية، ومدرسة المرشحين، وكلية
الأركان، وفي فصل آخر يشير الى المراسم الرياضية وليلة النادي.
الشهداء.. زيتون الوطن
ما ان تنتهي هذه التفاصيل حول تاريخ وبنية وتشكيلات
الجيش العربي، حتى يختم الكتاب فصوله بصفحات كلها
كرامة، ونبل، وتمسك بتراب الأرض، حيث عنوان فصل
الشهادة، وفيه سرد لأسماء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم
، ورروا بدمائهم، زيتونة استقلال الوطن، مسيجينه بتقديم كل
ما يملكون، ولم يضنوا عليه حتى بالأرواح فداء للوطن، حيث
دوّن الكتاب أسماء شهداء الأردن من عام 1915 الى عام
1947 م، بادئا بشهداء عام 1915م، ثم ساردا شهداء
الثورة العربية في المناطق الأردنية عام 1916، وشهداء
عام 1917-1920 م، وشهداء الجيش العربي 1921 الى
نهاية عام 1947 م، وشهداء الجيش العربي في فلسطين
من 8/4 الى 31/12/1948م، وشهداء الجيش العربي
من 1949/1/9 - 1947/6/4 م، وشهداء الجيش العربي/
حرب الأيام الستة من 1967/6/5 – 1968/2/27 م، وشهداء
معركة الكرامة، وشهداء ما بعد معركة الكرامة حتى عام 1969م
حيث السنة التي ارتأى المؤلف أن يحددها فترة زمنية يتوقف
عندها كتابه، ويضيف للأسماء كذلك أسماء شهداء الجيش
العراقي والجيش المصري والجيش السوري والجيش السعودي في حرب عام 1948م.
وما زالت مسيرة العطاء متواصلة لنشامى وطننا الحبيب
في سبيل تحقيق الآمال العربية
.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بلال طوالبه
المفضلات