قلــب الأم .. نظـــرة جديــــدة
د.اياس نهاد الموسى - الرأىهذه قصة خيالية ، قد تحدث و قد لا تحدث ، و لكن حدوثها ليس مستحيلاً ابداً :
المكان : ساحة حرب / شقة سكنية متواضعة .
الزمان : 2008 .
الأشخاص : - أم (عائشة) : 30 عاماً
- طفل (بشار) : 4 سنوات ، مصاب برصاصة في الساق ، و ينزف
بشدة .
طبيب مبتدئ (لبيب) ، يسكن مجاوراً لهما ، ليس معه من أدوات
طبية الا بضعة ابر و أنابيب تغذية .
دخل الطبيب الشاب مسرعاً إلى غرفة الجلوس ، وجد الأم بحالة هستيرية ، وهي تحتضن ابنها الوحيد (بشار) وكان الدم يتدفق بغزارة من ساقه اليمنى حيث أصيب للتو برصاصة من قناص غادر كان يتربص به و هو يلعب أمام العمارة المتواضعة . هناك حظر للتجول يمنع مرور سيارة أو طفل أو حتى قطة من الشارع وأراد القناص أن يوصل هذه الرسالة للطفل و لكن بطريقته الخاصة .
نظرت الأم إلى جارهم الطبيب و صاحت ساعدني أرجوك
عرف فوراً انه يقف أمام مشكلة عويصة وحيداً . لن يحضر الإسعاف لان الجيش يمنعه من الحضور . و ليس معه الا بضعة ابر وريدية و أنابيب بلاستيكية توضع لتغذية المرضى بالوريد بالسوائل أو الدم ، المشكلة انه لا يحمل أية سوائل أو دم ليعطيه لهذا الطفل الشاحب الذي فقد 1/2 دمه حتى الآن .
احضر الطبيب قطعة قماش قوية و ربطها بحزم فوق منطقة الإصابة في ساق ( بشار ) ليوقف النزيف الغزير .
فكر لبيب : كما يلي :
الطفل فقد الكثير من الدماء ، و لو تركته هكذا سوف يتوقف قلبه عن العمل .
ليس هناك أمل في وصول طواقم إسعاف قبل 12 ساعة على الأقل حتى يرفع حظر التجول .
ليس معي أية سوائل تغذية وريدية ولا دم لأعطيها له .
الحل الوحيد هو توفير الدم من الأم ، ولكن كيف ؟؟
تذكر د. لبيب شيئاً كان قد قرأه عن بدايات عمل جراحة القلب للأطفال وطرق توفير الدم و الأكسجين خلال إجراء عملية القلب للطفل ، وقال ربما ينفع هذا في هذه الحالة سأحاول !
اخرج من حقيبته إبرة معدنية و ربط بها أنبوب التغذية وضع في نهاية الأنبوب إبرة أخرى ، ادخل الأول في شريان ذراع الأم ،خرج الدم الأحمر القاني من الشريان داخل الأنبوب و بسرعة وصل إلى أخر الأنبوب ، ادخل د .لبيب الابره الأخرى في شريان الطفل في فخذه الأيمن و بهذا أصبح الدم يخرج من شريان الأم إلى شريان الطفل ليغذي جسمه بالأكسجين و الغذاء و الدم اللازم للحياة .
كرر العملية بين وريد ذراع الأم ووريد الطفل وبهذا أصبح الدم غير المؤكسد يذهب من الطفل إلى الأم ليتم إضافة الأكسجين له عبر رئتيها ثم يعود إلى الشريان ليعيده إلى الطفل مليئاً بما يحتاجه من غذاء و أكسجين .
نظر لبيب إلى ما أنجزه براحة و رضا ، و قال لنفسه فعلاً إن « الحاجة أم الاختراع « . وشعر بالفخر بانجازه العظيم وسط إمكانيات شبه معدومة .
تحسن لون الطفل و اطمأن د. لبيب أن الخطر قد زال و لو مؤقتاً .
حضر الإسعاف بعد ساعات طويلة ، و دهشوا لمنظر الأنابيب المتصلة بين الأم و الطفل و لكنهم بعد دقائق قليلة كانوا يستمعون من د. لبيب لطريقته الجديدة في نقل الدم من الأم إلى الطفل رغم انف حظر التجول و بعد ذلك أسرعوا ينقلون الاثنين مرتبطين معاً إلى اقرب مستشفى .
نجا الطفل وعاد إلى بيته بعد أيام قليلة ليكون برهاناً جديداً على أن قلب الأم يستمر بالعطاء في كل الأوقات وفي كل الظروف و لكن يحتاج احياناً إلى من يسهل هذه المهمة له .
المفضلات