الحَرَم الثوري"، هذا هو الوصف الذي أطلقه بعض المتظاهرين المعتصمين في ميدان التحرير على الميدان الذي أصبح بمثابة "هايد بارك" يتبادل فيه الجميع الأحاديث والحوارات حول مستقبل بلدهم، وكيفية التعاطي مع الوضع الراهن الذي يرفض فيه الرئيس المصري حسني مبارك التنحي عن سدة الرئاسة.
أحيط الميدان بالعديد من اللافتات الاحتجاجية الطولية والعرضية، وهو يخضع لنظام كامل، بينما لا تنظيم يقف وراءه، بل ما يشهده هو سلوك عفوي، يقول أحد المتظاهرين.
ويشبه الأمر ساحة عمل كبيرة يتدرب فيها المتظاهرون من جميع الأعمار على تقبل الرأي الآخر وتنمية الوعي السياسي وإعلاء قيمة المواطنة، وأن "الصندوق الانتخابي" هو الحل.
نقاشات
آية قرآنية على مسجد عمر مكرم (الجزيرة نت)
وبحلول الليل تنعقد العشرات من الصالونات الثقافية وحلقات النقاش بين أناس يتلاقون لأول مرة. فيجلس الشيخ الملتحي مع اليساري فإذا حان وقت الصلاة، قال له "أنا ذاهب للصلاة".
قد يكون من يخدمك هنا طبيبا أو مهندسا أو أستاذا جامعيا، حيث التكافل الاجتماعي بين المتظاهرين، فالكل يوزع ما يأتي به من طعام قائلا "اللي جوعان يأكل". وأخرى توزع فطائر وهي تقول "كُلُوا يا أولادي".
في الليل يلجأ البعض لقيام الليل، ويركن آخرون للنوم ويتحلق عشرات حول شاب يلقي أبياتا من الشعر أو الزجل أو البيانات، في حين يعزف البعض الآخر ويغني على وقع آلات الطبل والعود. وفي الوقت المتأخر من الليل يتم تنظيف الميدان.
ينامون لكن أحلامهم لا تغادرهم (الجزيرة نت)
تواصل
في الميدان تستطيع أن توصل للجمهور ما تريد من آراء، والأمر لن يكلفك سوى كتابة ما تريد على لافتة ثم الطواف بها في أرجاء الحرم، أو الجلوس في "صينية" الميدان لعرض ما لديك من بضاعة فكرية.
وتحول الميدان إلى مدينة متكاملة الخدمات. ويلذ للبعض الرقص فرادى وجماعات، كما يتم الاستماع للأغاني الوطنية طوال الوقت وفي مقدمتها أغنية "عظيمة يا مصر" و"صورة" لعبد الحليم حافظ، و"يا حبيبتي يا مصر".
وبينما تُؤدى الصلوات جماعةً في ساحات الميدان الواسعة، تتخللها أدعية القنوت.. ظهر جمهور فريقي الأهلي والزمالك في المدرجات وسط المتظاهرين، وارتقى مكانا عاليا، ثم أخذ ينشد الأناشيد التي تنشر البهجة والمرح.
دمية وسط الميدان تنطق بلسان الثوار
(الجزيرة نت)
لجان
وشكل المعتصمون لجانا ودوريات ليلية ونهارية لضبط الأمن بشكل عفوي، بينما تدور أحاديث ودية -أحيانا- بين عناصر من الجيش والمتظاهرين.
وظهر بعض أطفال الشوارع من أجل بيع الفطائر والبسكويت. إلى جانب باعة جائلين يبيعون "الكشري والمكرونة" وعبوات العصائر والمياه.
لم يحاول الباعة استغلال الوضع لزيادة أسعار ما يبيعونه تعاطفا مع المتظاهرين ربما، أو خوفا من منافسة الأطعمة والمشروبات المجانية التي يتم توزيعها على المتظاهرين.
أما مياه الشرب فيتم تدبيرها من خلال متطوعين يأتون بها من مسجد عمر مكرم، حيث يقضي المتظاهرون حاجتهم في دورات بالمسجد، أو دورات موجودة بالميدان نفسه لكن تظل المعاناة أكبر بالنسبة للنساء.
جاء من الشرقية للمشاركة (الجزيرة نت)
تحد
تحدى علاء النادي مهندس إلكترونيات إعاقته حيث يتنقل على مقعد متحرك، وجاء من محافظة الشرقية للمشاركة في الاحتجاجات.
وقال النادي "جئت من أجل تمثيل أصحاب الأعذار المطالبين بالتغيير، بعد أن تم حرمان المواطنين من كل شيء خلال أكثر من ثلاثين سنة."
وفوجئ عربي عارف (صاحب مكتبة وخطيب بالمسجد) بهذا المستوى الحضاري لشباب مصر، فقال إنه كان يهاجمهم من على المنبر إلا أنه الآن يعتذر لهم، بل ويعترف بأنهم أفضل منه، لأنهم كانوا إيجابيين أكثر.
ويعلق المهندس يحيى عبد الهادي الناشط السياسي على المشهد رافضا وصف هؤلاء الشباب بأنهم "شباب فيسبوك"، مؤكدا أنهم شباب مصر، ولا يجب اختزالهم في الوصف الأول، بل هم "شباب يسعى للتغيير، وقد أثبتوا أنهم واقعيون، لا افتراضيين"، بحسب تعبيره.
المصدر: الجزيرة
المفضلات