المنشور الأول من الشريف الحسين بن علي إلى جميع إخوانه العرب والمسلمين عن أسباب الثورة الجزء الثاني
تغيير الواقع السياسي الذي فرضه الاتحاديون
فيا أيها الاخوان المسلمون:
إننا قد وصلنا الى حال من الخطر، لم يسبق لها في الاسلام نظير- كان لنا دول عزيزة قوية، وليس اسلافنا العربية، وقد ورثتها الدولة العثمانية، فكنا نحن العرب أحرص الناس على حياتهاعلى كونها هي التي خذلت اللغة العربية، وانتحلت لنفسها منصب الخلافة دون الدول التركية والكردية قبلها، وكنا نحن امراء مكة وشرفائها أخلص زعماء العرب وغيرهم لها على حرمانها بلادنا، مهبط الوحي والعرفان من علوم الدين والدنيا، كل ذلك حرصاً منا ومن العرب كافة على ان يكون للاسلام دولة قوية تحفظ استقلاله وتنفّذ شرعه ولو في الجملة.
وقد صار آخر هذه الدولة إلى جمعية اغتصبت حق آل عثمان الكرام ملكهم بقوة الثورة وجعلته في أيدي زعانف ليس لأكثرهم في الشعب التركي الاسلامي أصل راسخ، ولا في الاسلام علم صحيح، وعمل صالح كأنور باشا وجمال باشا وطلعت بك، فكان من سوء تصرفهم فيها وفينا، ما اجملناه لكم في هذا المنشور، وقد كانت مقاومة إخواننا الترك لهم، أشد من مقاومة العرب. واما نحن، فكنا كلما سمعنا أو رأينا شيئاً من هجماتهم على الاسلام ندفعه بالتأويل، الى ان أعيانا التأويل، وكلما علمنا بجناية منهم او على الدولة او على العرب نقول لعله ذنب عارض يرجعون عنه بعد قليل، ولا نستحل مقاومتهم لاجله، لئلا يترتب عليه صدع في الدولة، ويزيد له ما يريدون من التفرقة بين العرب والترك. حتى انني ساعدتهم على مقاوتلة قومي ومقاومة أبناء أبي وامي، فلم يرضهم كل ذلك من العرب ولا مني.
ولما رايناهم عرضوا استقلال هذه الدولة التي نحرص عليها الى الزوال، ولم يبقوا على كرامة الدين ولا على أحكام الشرع، ولا على استقلال السلطان، ولم يبق من سبب نحتمل لأجله منهم هذا الخسف والهوان، ولما وصل سيل طغيانهم في حرم ربنا الذي أكرمنا بخدمة بيته واقامة دينه، وحرم جدنا ورسولنا عليه الصلاة والسلام الذي نحفظ من حديثه الصحيح: (إذا ذلت العرب، ذل الاسلام)، اضطررنا الى مقاومة بغيهم من أسلم الطرق، وهي حصر جنودهم في معاقلها، من غير أن نبادئهم بقتال، فمن سلّم سلم، ومن قاتلها كانت جنايته على نفسه، فما كان من حاميتهم بمكة إلا أن فعلت ما يعد برهاناً على ما تكن صدورهم للدين والعرب، وهو رميهم للبيت العتيق الذي أضافته العزة الأحمدية لذاتها العلية قوله تعالى: (وطهّر بيتيَ للطّائفين) ، وهي قبلة المسلمين، وكعبة الموحّدين، بقنبلتين من مدافعهم يحصن (جياد)، عندما علموا بقيام البلاد مطالبة باستقلالها.
وقعت احداهما فوق الحجر الأسود بنحو ذراع ونصف، والثانية تبعد بمقدار ثلاثة اذرع، فالتهبت بنارهما استار البيت حتى هرع الألوف من المسلمين لإطفاء لهيبه بالضجيج والنحيب، واضطروا الى فتح باب البيت والصعود الى سطحه للتمكن من إطفاء اللهيب، وما انتهى امرهم بهذا حتى عززوا الاثنين بثالثة، وقعت في مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهذا عدا ما وقع من القذائف في بقية المسجد الذي اتخذوه هدفهم الوحيد في غالب مقذوفاتهم بالقنابل والرصاص، ومازالوا يقتلون الثلاثة والأربعة في نفس المسجد كل يوم حتى تعذر على العباد التقرب من الكعبة المشرفة. وفي هذا من الاستخفاف بالدين، وازدراء بيت الله تعالى، والالحاد فيه، ما نترك القول والحكم فيه أيضاً لجمتعة المسلمين في مشارق الأرض ومغربها بعد تذكيرهم بقول الله عز وجل: (ومن يرد فيه بالحاد نذقه من عذاب اليم) ، وتذكيرهم بأن الجاهلي كان يرى قاتل أبيه في هذا البيت فلا يمسه بسوء نعم- نترك الحكم في هذا الاستخفاف والازدراء للعالم الاسلامي. ولكننا لا نترك مشاعر ديننا وشعائره العوبة في أيدي الاتحاديين، ولا نبيح لهم التصرف، في حرم الله ورسوله ما استباحوا في ديار الشام في الآستانة نفسها، ولا نسكت لهم بعد على شيء من بغيهم على أحد من أبناء جنسنا، إذ لم يعد في السكوت مصلحة راجحة لا للدين ولا للدولة بل صارت المصلحة الاسلامية والعربية (وهما متلازمتان)، في مقاومة هذه الفئة الباغية.
ولما كان امر حماية الحجاز، من هذا البغي والعدوان وإقامة ما فرضه الله فيه من شعائر الاسلام، ووقاية العرب والبلاد العربية من الخطر الذي استهدفت له الدولة العثمانية بسوء تصرف هذه الجمعية الباغية، كل ذلك لا يتم تداركه إلا بالاستقلال التام، وقطع كل صلة هؤلاء المتغلبين للدماء الناهبين للاموال، فقد هبت البلاد بتوفيق الله تعالى للنهوض بأمر استقلالها، بعد ان ضربت على أيدي عمال الاتحاديين ورجال حامياتها، فاستقلت فعلاً وانفصلت عن البلاد التي لم تزل تئن تحت سلطة المتغلبين من الاتحاديين انفصالاً تاماً مطلقاً، بكل معاني الاستقلال الذي لا تشوبه شائبة مداخلة أجنبية ولا تحكم بينهم وبين جميع من يدخل في حوزة استقلالها، من المخالفين، قائمة في كل اعمالها، على أساس احكام الشرع الشريف الذي لا يكون لنا مرجع سواه، ولا مستند الا إياه في جميع الأحكام وأصول القضاء وفروعه، مع استعدادها لقبول ما ينطبق على أصول الدين، ويلائم شعائره من أنواع فنون الترقي الحديث وأسباب النهضة الصحيحة، باذلة كل ما في الجهد والطاقة لإعزاز العلم وتعميمه بين الناس على اختلاف الطبقات، وعلى حسب الحاجة والاستعداد.
هذا ما قد قمنا به، لأداء الواجب الديني علينا، راجين من إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أن يؤدوا كذلك ما يرونه واجباً لنا عليهم من أحكام روابط الاسلام والتناصح على البر والتقوى، وليعلموا بأننا قد قمنا بما قمنا به ونحن نعتقد اعتقاداً راسخاً انه أفضل خدمة للاسلام، واذا لم تتحقق به أماني المسلمين الصادقين حتى الترك منهم، فإنه لا ضرر فيه يوازي عشر معشار الضرر في تركه. وستظهر لهم الأيام حقيقة ذلك، فليصبروا إن الله مع الصابرين، والله نسأل وبحبه وحب رسوله نتوسل أن يتولانا بالتوفيق ويمدنا بالهداية الى ما فيه خير الاسلام والمسلمين، والاعتماد على الله العلي الكبير، وهو حسبنا ونعم المصير.
شريف مكة واميرها
الحسين بن علي
25 شعبان 1334هـ
المعلم الاردني على الواتساب
اهم ما يهم المعلم حلول دورات اسئله امتحانات واختبارات وامتحانات تنافسية مقابلات
رابط الانضمام
https://chat.whatsapp.com/Hmi6yvIyaRDBisWR7mYGIf
المجموعة خاصة ومخفية للارقام