في خطاب له أمام مؤتمر تجديد الفكر القومي والمصير العربي
الرئيس الأسد : جاهزون لأي معركة مع إسرائيل





أعلن الرئيس بشار الأسد أن سوريا تستعد للحرب مع إسرائيل، وترى أنها احتمال قائم، لكنه استبعد حصولها ربطاً بالمعطيات والمؤشرات المتوافرة. وقال إنّ السؤال الوجودي في إسرائيل طُرح بعد حرب لبنان الأخيرة، معرباً عن تفاؤله بالمستقبل العربي.

وقال الرئيس الأسد في لقاء مع مشاركين في مؤتمر تجديد الفكر القومي والمصير العربي إنّ: «سوريا تعرف ما يجري في لبنان، وهي ليست على مسافة واحدة من الجميع، لكنّنا تصرفنا بمسؤولية في موضوع دعوة الرئيس فؤاد السنيورة إلى القمة العربية، رغم كل ما يوجه إلينا من إساءات من الفريق الذي ينتمي إليه السنيورة، وهي حملة مستمرة، لكننا نشعر بأن الولايات المتحدة راضية عن الوضع الحالي، ولا تريد التوصل إلى حل في لبنان، نحن لا نعتقد بوجود خلاف دائم مع فريق سياسي، بل هو خلاف مؤقّت».

وأضاف: «نحن لا نمانع في المبادرة، ولكن ما الفائدة منها إذا كانت الأطراف التي تملك تأثيراً في لبنان لا تريد ذلك"، مشيرا الى انه كان التقى وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في سوريا، وقال له ان سورية مستعدة للتعاون.

واضاف الاسد مخاطبا الامير السعودي: ولكن أنتم تملكون تأثيراً أكبر منا في لبنان، ففي فريق السلطة قيادات أساسيّة نمت في حضنكم، وتعيش من دعمكم، وتخضع لتأثيركم المباشر. أمّا قيادات المعارضة اللبنانية فلم تخرج إلى السياسة من القصر الرئاسي السوري، وليس صحيحاً أننا نملك تأثيراً على فريق المعارضة أقوى من تأثيركم على فريق السلطة».

وتابع «نحن نرى الأمور بوضوح، إنّ أي مبادرة من جانبنا تحتاج إلى علاقة جيدة مع الأطراف الأخرى المؤثرة في لبنان، مثل السعودية ومصر».

وفي ما يتعلق بالعراق، قال الأسد إنه : «بعد سقوط بغداد بيد الاحتلال الأمريكي بأسابيع قليلة، جاء وزير الخارجية الأمريكي كولن باول إلى دمشق، وكان يتحدث بفخر عما أنجزه جيشه في العراق، وفي مرات كان يقدم نفسه كقائد عسكري أيضاً».

وأضاف أن باول : «قرأ ما بات يعرف لاحقاً بدفتر الشروط»، مشيراً إلى أن الوزير الأمريكي «لم يطلب فقط إبعاد قادة المقاومة الفلسطينية من سوريا، بل أتى على أمر لم يسبق أن ذكرته، وهو أن على سوريا منع استضافة علماء العراق، ومنع استضافة المفكرين العراقيين على أراضيها، ليتبيّن في وقت لاحق أن القوات الأمريكية استهدفت هؤلاء وقُتل منهم من قتل».

وتابع الاسد «إضافة إلى التدمير الممنهج للمتحف الوطني العراقي ونهبه وسرقة آثار العراق، ومن ثم تدمير البنية التحتية الفكرية، كان واضحاً أن الأمريكيين يريدون العراق بلداً مدمّراً من حيث تراثه ومن حيث قدرته على الإنتاج الفكري».

وأشار إلى أنه «بعد احتلال العراق، كنا نتوقع قيام مقاومة عراقية بوجه قوات الاحتلال، ولكنني اليوم أقول إن المقاومة العراقية فاجأتنا لناحية قدرتها على الانتقال إلى عمل كمي ونوعي في فترة قياسية، بالنظر إلى تجارب المقاومة في لبنان وفلسطين».

وشدّد على أن السياسة السورية في العراق «هي الحفاظ على وحدته وعلى الهوية القومية العربية فيه، ونحن نعتقد بوجوب الدعوة إلى مؤتمر وطني للمصالحة وإعداد دستور جديد ينظم الحياة في هذا البلد.

وقال الأسد : «ليس علينا نحن العرب أن نشكو ونتحدث عن مشاريع الآخرين في العراق، بل علينا أن نسأل أنفسنا عن المشروع العربي للعراق. فما يجري هناك الآن ليس حرباً أهلية بالمعني التقليدي، هناك تجمعات ذات طابع ميليشياوي تحاول فرض أمر واقع على الأرض، على طريقة ما يفكر البعض في لبنان.

واشار الى استضافة سوريا لأكثر من مليون ونصف مليون عراقي، وقال: "لم نشهد اقتتالاً فيما بينهم رغم تنوّعهم، وهذا دليل على أنه ليست هناك مشاكل تقود إلى حرب أهلية، بل هناك واقع الاحتلال وضرورة التخلص منه من جهة، وهناك الحاجة إلى مؤتمر مصالحة في داخل هذا البلد».

وشدد الأسد على أن «كل كلام عن مصالح طوائف ومذاهب لن يفيد في شيء، ولن يوحّد العراق ولن يحميه ولن يطوّره، وأي دستور يقوم على أساس تقاسم المصالح الطائفية أو المذهبية لن يحقق الاستقرار، وهذا اتفاق الطائف في لبنان قام على أساس حفظ مصالح ذات أبعاد طائفية ومذهبية وخلافه، وهو اتفاق يواجه مشكلات كبرى منذ إقراره».

وأوضح الرئيس الأسد أنه : «ليست هناك رؤية موحدة عند العرب إزاء ملف العراق، هناك وحدة في الكلام العاطفي، نحن الآن نمر في مرحلة ضبابية، وهناك جمود في ملفات كثيرة من بينها ملف العراق، وهناك محاولة لتقطيع الوقت، وربما هناك في العالم العربي من يريد أن ينتظر الإدارة الأمريكية الجديدة ليقرر خطوته اللاحقة سواء في ما خص العراق أو غيره». وأضاف: «ما نشهده اليوم حقيقةً، هو أن المقاومة في العراق قائمة و ناشطة، وربما علينا تركها وعدم الاقتراب منها حتى لا نخربها. وبعد فشل المشروع الأمريكي في العراق لم يعد بيدها سوى اللجوء إلى الفتنة سلاحاً ينقذها من ورطتها في هذا البلد».

وتابع الأسد: «هناك رغبة أمريكية وإسرائيلية في جعل إيران عدواً للعرب، وما قالته وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني في قطر قبل أيام يصبّ في هذه الغاية. نحن نعرف أن إيران دولة لديها سياسات ومصالح، وقد تكون هناك أخطاء في متابعة بعض الأمور، ولكن السؤال لا يجب أن يقوم على قاعدة أن إيران دولة عدوة، لقد قلت لقادة عرب يلومون سوريا على علاقتها بإيران، إن علينا أن نطرح الموضوعات والقضايا التي تهمّنا، مثل ملف المقاومة، ونرى، هل إيران معنا أم ضدنا، لا أن نتخذ منها موقفاً مطلقاً».

وفي الشأن الفلسطيني، قال الأسد : «نحن الآن، من موقعنا في رئاسة القمة، ننسّق مع الإخوة الفلسطينيين في أمور تخص مواجهة الحصار، لدينا الاتصالات المستمرة مع حركة حماس، وحتى مع الرئيس محمود عباس، وربما لو كانت علاقتنا مع مصر جيدة، لساعدنا أكثر في معالجة ملف الحصار المفروض على القطاع الآن".

وأضاف «هناك حاجة لتحقيق مصالحة فلسطينية، وقد وجدنا في المبادرة اليمنية مدخلاً مناسباً وقوياً، وحماس أبلغتنا أنها مستعدة للذهاب إلى الحد الأقصى ولإعادة الأمور إلى ما كانت عليه. لكننا لاحظنا أن الطرف الآخر ليس متحمساً، ما أعتقده أن المصالحة الفلسطينية الداخلية ممنوعة، وهو أمر صعب، ونحن لا نملك أدوات مباشرة للتدخل في هذا الملف، ولكننا نعتقد أن المبادرة اليمنية مناسبة لإطلاق عملية المصالحة الفلسطينية. ونحن نسعى إلى منع تحويل حصار غزة إلى فتنة داخلية».

وتابع إن: «الوضع العام أفضل من السابق، ربما مررنا بأوضاع صعبة سابقاً، ولكنني متفائل الآن، والقضية مرتبطة بالزمن، وكل يوم تتحسن أوضاعنا وتتعقد أوضاع الآخرين من الخصوم والأعداء».

وشدد الأسد على أنه «في سوريا، لا نرى بديلاً من الخيار القومي، لأن البديل الذي يريده الاستعمار هو الفتنة المذهبية كما يجري في العراق، وهو يدمّر، وسوريا محمية من تلقاء نفسها لأن هناك تطابقاً في الموقف من المسألة القومية بين السلطة والشعب».

وأضاف أن : «إسرائيل تريد التطبيع مع العرب كاستراتيجية بديلة من السلام الذي يعيد الحقوق، وعندما كان يحاول البعض أن يفرض علينا التطبيع شرطاً للسلام، كنا نقول له ونكرر الموقف الآن، إن استرجاع الأرض والحقوق يمكن أن يؤدي إلى علاقات عادية، ولكنه لا يؤدي بالضرورة إلى تطبيع، وما يجري في مصر والأردن يدلنا على أن الجمهور لا يريد التطبيع، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يفرض التطبيع على أحد. وأنا أعرف أن الشعب السوري يرفض التطبيع ولن نفرض عليه ذلك».

وأكد الأسد كذلك بأن : «لا أحد منا يستبعد خيار الحرب، ولكن هناك نقاش في ما إذا كانت إسرائيل ستشنّ حرباً على لبنان وسوريا أو أن أميركا ستشن حرباً على إيران. علينا قراءة الموقف من زاوية المصلحة الأمريكية، لأن حرب لبنان الأخيرة أظهرت أن إسرائيل كانت تريد التوقف في لحظة معينة، ولكن الإدارة الأمريكية كانت تجبرها على مواصلة الحرب».

وأضاف :«نحن نعرف أن في الإدارة الأمريكية من يريد هذه الحرب، ونحن نستعد للأسوأ، ونتصرف على أساس أن الحرب مقبلة ونستعد لها، ولكننا نقرأ في المعطيات ولا نرى أن في الأفق حرباً قائمة».

واشار الرئيس الأسد أن : «الأمريكيين يريدون استبدال خيار الحرب بخيار الفتنة، في لبنان فهم يريدون تحويل الصراع من خلاف سياسي إلى مشكلة مذهبية سنية شيعية، كما انهم يعملون على فتنة بين العرب وإيران».

وتابع أن «المعطيات تقول بأن احتمالات الحرب ضئيلة، وهذا ما يترافق مع سعي الأمريكيين إلى خلق الفتنة المذهبية بديلاً من الحرب لتمزيق الدول العربية».

وأوضح الأسد : «بعد حرب لبنان، ظهر أننا نحن العرب نجدّد شبابنا وأن إسرائيل تدخل مرحلة الشيخوخة، وبعد هذه الحرب ارتفع في إسرائيل السؤال عن الوجود ومصير الكيان، لنتركهم في سؤالهم، الأمر لا يعالج عاطفياً، ولكن الوضع الآن أفضل بكثير مما كان عليه قبل عشر سنوات»، مشيراً إلى أن «علينا عدم المبالغة في الأمر، إن منطقنا يستند إلى الانتصارات التي حققتها المقاومة في لبنان وفلسطين، لنترك الإسرائيليين يطرحون السؤال الوجودي، ولكن لنعمل نحن وفق مصالحنا».
وتابع:«بعد حرب لبنان، لاحظت كثرة الوفود الغربية وخصوصاً اليهود منهم، حتى إنه زارني مرة مسؤول أجنبي قال إن ابنه كان يخدم في الجيش الإسرائيلي، وشعرت بأن الحديث تبدل بقوة من مرحلة الضغط والضرب إلى مرحلة البحث عن السلام.

وبعضهم قال لي صراحة إن نتائج حرب لبنان توجب الإسراع في تحقيق السلام. لقد عرض الإسرائيليون علينا مفاوضات سرية. ونحن رفضنا الأمر، ولن نقبل بأي نوع من التفاوض السري، ليس لدينا ما نخفيه عن شعبنا. ولن نتنازل عن ثوابتنا».

وختم الأسد بالقول «هناك نجاحات كبيرة للمقاومة في لبنان منذ أواسط الثمانينيات، ثم شهدنا انتصارات لهذه المقاومة كما شهدنا انتصارات وتطورات للمقاومة في فلسطين، والآن الأمر نفسه في العراق، الأمور أفضل وأنا متفائل أكثر من أي وقت».


المصدر : الحقيقة الدولية – دمشق - إيمان عثمان | 17.4.2008 |