خالد محادين يكتب : الحكومة تحاول تكميم الأفواه من خلال قانونها المؤقت
سرايا - كتب خالد محادين : إنني فخور فخرا بلا حدود هذه الأيام بالقلم، لانه برهن تاريخيا على كونه الحقنة التي تلقح الناس بجرثومة الحرية وتبقي عليها باستمرار جارية في عروقهم، وبهذا يظل هناك افراد في كل زمان ومكان ناقلين لهذه الجرثومة كجرثومة التيفوئيد وقادرين على عدوى الاخرين بمجرد الاحتكاك والقدوة، وهؤلاء الاشخاص موضع خشية من جانب كل طاغية، اذ يعبر عن خوفه منهم بحرق الكتب وتصفية الاشخاص، وفي هذه الايام ينطلق الكاتب في مهمته يخالطه شعور زائد بالارتياح النابع من معرفته بانه سيكون اول من يطاح برأسه، إنني افضل لدرجة لا حدود لها ان ادخل عالم الفاشية دون رأسي على ان ادخل ذاك العالم ورأسي فوق جسدي لانها لم تعد ذات فائدة لي، كما انني لا ارغب في ان احمل فوق كتفي هذا العبء وهذا العائق الثقيل"....آي.بي وايت ... كاتب أمريكي ...
القانون المؤقت لجرائم أنظمة المعلومات غير قابل للتصديق، وغير قابل للتنفيذ وغير قابل للنقاش، وعندما تعتبر الحكومة انتقاد قراراتها او التعبير عن آراء الشارع الاردني عملا من اعمال الدعارة، فان علينا ان نتوقع المزيد من القوانين المؤقتة والقرارات التي تصدرها اذ ان هذه الحكومة تحديدا تنظر الى الوطن أرضا بلا شعب وأنها وحدها الشعب و الدليل على صحة ما نقول هذا القانون المؤقت الذي لم تصدر حكومة في العالم مثله حتى في اعتى الدول البوليسية والانظمة القمعية الديكتاتورية.
ترددت في الكتابة عن هذا القانون المؤقت حتى أصدق أنه صدر وان رئيسا وتسعة وعشرين وزيرا ووزيرة وقعوا عليه دون ان يخطر ببال (الذكور) منهم انهم سيقفون في اليوم التالي على اصداره امام مراياهم لحلاقة ذقونهم ورؤية وجوههم على مراياهم وقد ظهرت امامهم بكل بشاعة الدنيا، اما مرايا اصدقائهم وزوجاتهم وابنائهم وبناتهم فمن المؤكد انهم لن يجرؤا على النظر الى وجوههم في هذه المرايا، ومع انني لم استطع الوقوف مع قرار جيد واحد لهذه الحكومة منذ هبوطها على صدورنا ورؤوسنا الا انني اعتبر القانون الاخير الدليل الاكثر وضوحا على سعي الحكومة الفاشل لستر عورتها والتعتيم على سياساتها السياسية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية والاستثمارية والبوليسية بامتياز.
سعي الحكومة لتجهيل الاردنيين والتعتيم على قوانينها وقراراتها وتعييناتها ومحاولة تكميم الافواه، من خلال هذا القانون المؤقت تعيد الى بالنا حكاية المرأة التي ارادت ان تغطي رأسها فرفعت ثوبها حتى انكشفت عوراتها وغطت هذه الرأس، ومواده من المادة الثالثة وحتى المادة قبل الاخيرة رقم 17 تحدثت عن غرامات بالسجن وغرامات مالية، وهي بهذا تشبه مخالفة مطعم يقدم الطعام الفاسد ونظام جمارك يحدد المخالفات والغرامات واي امر مماثل مع خلاف عميق هو ان الهدف ليس جمع المال وانما محاولة اخفاء الممارسات الحكومية السيئة التي لا تخفى على مواطن واحد .. الأردنيين .
يبدو ان علاقة دولة الرئيس الاستاذ سمير الرفاعي مع التاريخ ليست قوية او متينة، وفي بلد مثل بلدنا ولد قبل تسعين عاما فان كل اوراقه واسراره منشورة على الارصفة، ولهذا لا بد من تذكير دولة الرئيس ولا اضيف ووزراءه لان مجلس الوزراء كما تؤكد وقائع كثيرة واشاعات كثيرة وتسريبات كثيرة لا يتشكل الا من دولة الرئيس الذي يتصرف مع وزرائه بطريقة اسوأ من تصرفه من تصرفه مع الأردنيين من حيث عدم الاحترام وعدم التشاور وعدم سماع أي رأي اخر وهنا لا بد من طرح السؤال المحير: لماذا ايها السادة الوزراء والوزيرات تقبلون هذا الذل وتستكينون لهذه المذلة؟.
واقول لدولة سمير الرفاعي انه لم تكن هناك مواقع الكترونية مشاكسة او مهادنة عندما قرر ممثلو الشعب الاردني حجب الثقة عن جده المغفور له سمير الرفاعي عام 1963، كما ان هذه المواقع لم تكن موجودة عندما فجر الاردنيون الطيبون والشجعان انتفاضتهم عام 1989 ضد حكومة والده دوله الاستاذ زيد الرفاعي، فكانت الاستجابة السريعة لمطالب الاردنيين من قبل جلالة المغفور له الملك الحسين عندما اقال الحكومة وكلف المرحوم الامير زيد بن شاكر بتشكيل حكومة تستأنف مسيرتنا الديموقراطية ثم تلغي الاحكام العرفية.
واذا كان الاعلام المنافق والمهادن والمستسلم والمدفوع ثمنه اعجز من ان ينفع حكومة من خلال اخفاء تشوهاتها الكثيرة فان الامر المؤكد ان الاعلام الصادق والشجاع والملتزم يستطيع ان يقلب الطاولة على كل حكومة تدير ظهرها للمواطنين وتوجه رصاصها وهرواتها وسكاكينها الى ظهورهم، ولو ان دولة الرئيس جرب ان يقف مع مسيرة حكومات كثيرة وقفت عدوا لحرية التعبير ولحرية المعلومة لما احتاج الى اكثر من نصف ساعة لادراك ان هذه الحكومات ذهبت الى الجحيم والنسيان وان صحافيا واحدا كان حريصا على قول كلمته والوقوف مع شعبه لم يخسر شيئا بل كسب الكثير.
عندما اصدر الرئيس سمير الرفاعي قانونه المؤقت وتحدث فيه عن جرائم انظمة المعلومات، لم يكن معنيا بردود الفعل الداخلية وكان مطمئنا لردود الفعل الخارجية (الامريكية والاوروبية) ولعله يذكر كل ما قالته هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية في مطلع هذا العام (عن ان حجب المواقع عن المواطنين بصورة او اخرى هو جريمة في حق الناس)، واطلقت العديد من التحذيرات ضد الدول التي تقدم على منع الناس من الوقوف مع الحقائق او من استخدام الانترنت، وهذه السيدة الامريكية كانت تتحدث عن الصين وايران وسوريا وكوريا الشمالية وليست عن الاردن البلد الحليف والصديق، لهذا لا اتوقع من هيلاري بك ان تظهر ادانة او امتعاضا او اسفا على قرار الحكومة الاردنية لان ما يحق للاصدقاء لا يحق للاعداء ونحن لسنا من اعداء امريكا او اوروبا.
حسب وكالة رويترز للانباء (طالبت هيلاري كلينتون بادانة دولية لمن يقومون بشن هجمات الكترونية على شبكة المعلومات الدولية – الانترنت-) (وقالت هناك ستار معلوماتي جديد ينزل في الكثير من انحاء العالم، ووصفت تزايد القيود على الانترنت بانه المعادل الحديث لجدار برلين) ووقالت كلينتون ( نحن مع شبكة انترنت واحدة يكون فيها للانسانية كلها حقوق متساوية للحصول على المعلومات والانظار، وان الدول التي تبني حواجز الكترونية امام اجزاء من الانترنت تنتهك الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي يضمن حرية المعلومات) واختتمت كلينتون تصريحاتها بالقول (الدول التي تقيد حرية الحصول على المعلومات او تنتهك الحقوق الاساسية لمستخدمي الانترنت تخاطر بعزل نفسها عن التقدم في القرن القادم).
هذا كلام واضح وصريح ومنطقي لكن الحكومة – حكومتنا- غير معنية به، ولن تواجه باحتجاج او اعتراض او نقد من أي مسؤول امريكي فنحن لسنا من ابناء الضرة ولكن من عظام الرقبة الامريكية.
لا يحتاج الاردنيون الى اجهزة حاسوب ولا الى مواقع الكترونية ولا الى اشتراك في الانترنت ليصلوا من خلالها الى المعرفة والحقائق والفضائح، فانوف الاردنيين تشم رائحة الفضيحة ولو على بعد الاف الكيلومترات ولو ارسلنا عشرة مواطنين اردنيين الى المحيط المتجمد الشمالي او المحيط المتجمد الجنوبي لتلقينا من تسعة منهم رسائل الكترونية تتحدث عن ممارسات خاطئة وفضائح معلنة وتعيينات مخالفة وهم هناك يرتعشون بردا رغم انهم اشتروا ملابسهم الثقيلة من عمان بعد ان قررت الحكومة ان تكون جمارك الملابس بالوزن وليس بالنوعية ومنعت استيراد الملابس الرجالية والنسائية والولادية الخفيفة والصيفية.
في تبرير حكومتك وليست حكومتنا لاصدار (القانون المؤقت لجرائم انظمة المعلومات) توقفت ووزير لا احفظ اسمه عند التوفير الحكومي من حجب المواقع الالكترونية عن موظفي القطاع العام، وقدرتم المبلغ بتسعين مليون دينار اردني وهذا مبلغ تافه اذا ما قيس باهمية تمكين الناس من الوصول الى الاخبار والمقالات الممنوعة في الصحف ونشر آرائهم، وكان يمكن ان توفروا مئات الملايين فيما لو قررتم اغلاق المدارس والجامعات وهو اغلاق سيؤدي الى نفس الهدف: التعتيم والتجهيل وستر الفضائح، ولان من المؤكد انكم تجلسون على الحاسوب وتقرأون المواقع الالكترونية على حسابكم الخاص وتستطيعون البحث على غوغل فانني اقترح عليكم ان تبحثوا عما يكلف موظفو القطاع العام في بريطانيا حكومتهم نتيجة استخدام الانترنت ساعة واحدة اثناء العمل الرسمي، كان الرقم الذي توصلت اليه احدى منظمات العمل البريطانية هو اربعة عشر مليار جنيها استرلينيا أي ما يعادل خمسة عشر مليار ونصف المليار من الدنانير الاردنية.
ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا لا يقل جمالا عنك بل اؤكد انك اكثر جمالا منه واكثر اناقة، وهو من جيلك وربما تفصل ولادتك عن ولادته بضعة اسابيع قليلة شكل الحكومة في اول ائتلاف بين حزبين بريطانيين منذ 1945- انت ترفض الائتلاف مع احد او التحاور مع احد او حتى الاستماع الى نصيحة احد فمثلك اكبر من كل النصائح- وهو اصغر رئيس وزراء في بريطانيا منذ قرنين، جاء الى موقعه من زعامة حزب وانت جئت الى موقعك من زعامة شركة، ومع كل هذا التشابه والاختلاف فانه لم يقدم على حجب الانترنت عن موظفي الحكومة البريطانية ولو فعل هذا لارسل بعد دقائق الى حي سوهو وليس الى حي اخر في العاصمة البريطانية اعرف ان المسألة لا تطرح هكذا وان الخلاف بين الرئيسين هو خلاف في الاسماء: سمير الرفاعي رئيس وزراء الاردن وديفيد كاميرون رئيس وزراء المملكة المتحدة.
بقي اقتراح او استشارة متأخرة كنت اود ان اقدمها لدولة الرئيس الرفاعي لو طلبها مني، وهي متعلقة بالتوقيت فلو ان دولته قام بحجب التلفزيون اقصد تلفزيون ام الحيران عن الاردنيين لانشغلوا بهذه الفرحة الكبرى عن الجريمة الكبرى جريمة حجب المواقع الالكترونية وما يزال الوقت مناسبا لمثل هذا الامر لتهدئة الخواطر، خاصة وان رمضان الكريم يدق الباب لاستقباله.
رد مع اقتباس
المفضلات