العلم والرحمة ووزير التربية
موسى والخضر عليهما السلام (2)
أحمد الزرقان - أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل, وفي رواية قام موسى في بني إسرائيل خطيبا, فجاءه رجل فقال: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ فقال موسى: لا، وفي رواية فعتب الله عليه لما لم يرجع الأمر إليه، فأوحى الله إلى موسى: بلى، عبدنا خضرٌ، فسأل موسى السبيل إليه (للتعرف عليه والتعلم منه)، فجعل الله له الحوت آية، وقيل إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه ثمّ, وكان يتبع أثر الحوت في البحر، فكان من شأنهما الذي قص ّ الله عز وجل في كتابه"، وموسى عليه السلام اجتهد في إجابة السؤال على أنه أعلم من في الارض لما كان معه من النبوة، وما يأتيه من الوحي، فهو عالم بوظائف النبوة، وأمور الشريعة، وسياسة أمور الحياة، ولكن هذا لم يسعفه، بل عتب الله عليه، لأن الأمور الغامضة والمسائل غير الواضحة لا بد من الرجوع فيها إلى الله تعالى، ولا ينفع اجتهاد دون علم يقيني حقيقي، فألجأه الله إلى الخضر في سفر طويل شاق للتأدب في رد الأمر إلى الله، ثم للتعلم من علوم لا يعرفها، لذلك قال الخضر لموسى: إني على علم من علم الله علّمنيه لا تعلمه، وأنت على علم علمكه لا أعلمه.
وقيل إن موسى لم يجد طعم الجوع والعطش إلا بعد أن انطلق بقية ليلتهما ويومهما بعد فقد الحوت عند الصخرة التي ناما عندها للاستراحة، حيث سقط الحوت من فوق الصخرة في عين الحياة في أصل الصخرة، فانطلق في البحر سربا، كما في بعض روايات البخاري، {فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا. فلما جاوزا قال لفتاه ءاتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} 61- 64 الكهف.
والحياة تعترضها صخور وعقبات ومحن وفتن وابتلاءآت في الطريق وأثناء المسير قد تحيد بالإنسان عن جادة الصواب وطريق الحق، فإذا ما تاه المرء وتنكب طريق الحق، وسار في الطريق شوطا، فلا بد أن يرجع إلى نقطة البداية إلى الفطرة التي فطره الله علها، وذلك بالاستغفار والتوبة والندم والرجوع إلى الحق، مستعينا بقسط من زاد العلم والرحمة والتقى والإنابة، وهذا يحتاج إلى الجهد والنصب والتعب في العبادة والتحصيل والمجاهدة مع جماعة تعينك على ذلك، فموسى والخضر والفتى جماعة أعان بعضهم البعض على تحقيق المراد.
{قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا. فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} 64,65 الكهف. وفي منطقة مجمع البحرين، وهو مكان جغرافي يقول عنه سيد قطب رحمه الله في الظلال "هو بحر الروم وبحر القلزم، أي البحر الأبيض والبحر الأحمر، ومجمعهما مكان التقائهما في منطقة البحيرات المرة وبحر التمساح، أو أنه مجمع خليجي العقبة والسويس في البحر الأحمر، فهذه المنطقة كانت مسرح تاريخ بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر (أي في منطقة التيه التي بقي فيها بنو إسرائيل تائهين أربعين سنة).
ومجمع البحرين فيه إشارة إلى مجمع بحري الرحمة والعلم التي كان يقف عليهما الخضر من لدن الله الحكيم العليم، أو أنهما يشيران إلى مجمع بحر علوم الشريعة يمثله موسى، وبحر علوم الغيب يمثله الخضر، أو أنهما مجمع علوم الظاهر لموسى، وعلوم الباطن للخضر، أو أنهما بحر علوم الأسباب لموسى، وبحر علوم اللاأسباب للخضر، والله أعلم، ولكن إذا أخذنا بالرأي أنهما مجمع بحري الرحمة والعلم التي يقف عليهما الخضر، ففي هذا إشارة الى أن العلم بلا رحمة قد يكون فاسدا وظلاما وانتقاما ووبالا على البشرية جمعاء، فهؤلاء الذين حازوا علوم الطبيعة، وعلوم الأسباب الأرضية، وكشف الله لهم أسرار المادة، ووظفوها في الصناعة والتكنولوجيا، ولكنهم فقدوا الرحمة التي تضبط العلم، فصنعوا الطائرات والدبابات والصواريخ العابرة للقارات والقنابل الذرية، واستخدموها لقتل الأبرياء والأطفال والنساء، وظلم الناس وتعبيدهم البشر لهم من دون الله، فنزوة السلطة، وامتلاك خيرات الارض أشعلت حروبا عالمية قتلت عشرات الملايين، وخلفت الدمار والخراب وعشرات الملايين من المعاقين، فهذه أمريكا المجرمة التي لا تعرف الرحمة إلى قلبها سبيلا في الحرب العالمية الثانية بالقنابل النووية دمرت مدينتين يابانيتين مسالمتين بأطفالها ونسائها وشيوخها وعجائزها، فحرقت البشر والحجر والشجر، فلعنة الله على العلم الذي لا تضبطه الرحمة والأخلاق، ولقد ضرب المسلمون أروع الأمثلة في حروبهم مع أعدائهم، لأن الرحمة والرأفة بالأبرياء كانت تسبق العلم والسيف والقتال.
وبالأمس كان موقف لوزير التربية والتعليم في حكومتنا الرشيدة، هذا الرجل الذي يقف على رأس أكبر مؤسسة تربوية تعليمية، تعنى بعشرات الألوف من المعلمين وملايين الطلاب، هذا الوزير قد حاز شيئا من العلم شهادة برفسورودكتوراه وألقاب مملكة في غير موضعها، كالهر يحكي صولة الأسد، ولكن هذا الوزير لم يحز شيئا من الرحمة التي تضبط سلوكه وقراراته الجائرة والتعسف في استخدام السلطة والمسؤولية، وبخطوة مفاجئة وبنفس عرفي وأسلوب ثأري وسياسة قطع الأرزاق مقدمة لقطع الأعناق، لإخراس الألسن وقطع الأنفاس وتأديب الناس، قام بخطوة تفنيش المعلمين الذين انتفضوا لتحصيل حقوقهم، خطوة لا تستند إلى أي شيء من الرحمة والرأفة والأناة والصفح وتقدير الجهد والمعاناة التي يعانيها المعلم، كما أن هذه الخطوة تفتقد إلى أدنى معاني المروءة والرجولة والخصومة الثأرية، (فكبير القوم لا يعرف الحقدا), وهذا الوزير الذي أدخل الوزارة منذ استلامه من مصيبة إلى كارثة إلى دمار وتخريب لأعرق مؤسسة تربوية، والأصل أن يغادر الوزارة منذ جريمة خربطة علامات التوجيهي التي راح ضحيتها أبرياء كثر من أبنائنا الطلاب وأهاليهم المساكين، وهذه الآثام والخطايا تتحملها حكومة الرفاعي جميعا بعد ما أوصلتا إلى ما أوصلتنا إليه من رفع للأسعار، وفرض للضرائب، وإفقار للشعب بلا رحمة ولا شفقة، وأدت إلى خراب البلد وتدمير الوطن وقتل المواطن، فلتذهب غير مأسوف عليها، ونسأل الله أن يولي أمورنا خيارنا، ولا يولي أمورنا شرارنا، وأن يخلفنا في مصيبتنا خيرا.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شجون الامس
المفضلات