ملحق الثقافة
مسمار في الحائط
أنطون تشيخوف
الترجمة من الروسية: د.باسم الزعبي
كانت مجموعة من زملاء القيد المدني وسكرتاريا الإدارة المحلية يسيرون متثاقلين على ضفاف نهر النيفا بعد انتهاء العمل. دعاهم السيد ستروتشكوف سعيدا إلى عيد الاسم. قال حالماً بصوت عالٍ:
- والآن، سوف نأكل حتى التخمة، أيها الإخوة، يا لها من متعة! زوجتي أعدّت فطائر. أنا بنفسي، أمس، هدّني التعب وأنا أبحث لها عن طحين. يوجد لدينا كونياك... ماركة فورونتسوف... لا بد أن تكون زوجتي قد ملّت الانتظار الآن.
كان ستروتشكوف يعيش في مكان بعيد. ساروا، وساروا حتى وصلوا بيته أخيرا. ولجوا إلى مدخل البيت. أحست الأنوف برائحة الفطائر والأوزة المشوية. سأل ستروتشكوف ضاحكاً من فرط سعادته:
"أتشمّون؟ انزعوا معاطفكم، أيها السادة! ضعوا فراءكم فوق الصندوق! لكن، أين كاتيا؟ إيه، كاتيا! لقد لملمت كلّ هذا الحشد! اقتربي يا أكولينا وساعدي السادة على نزع معاطفهم!"، سأل واحد من فريق الأصدقاء، مشيراً إلى الحائط.
- ما هذا؟
كان هناك مسمار كبير يظهر بارزاً في الجدار، وقد عُلّقت عليه قبعة "كسكيت" عسكرية جديدة بحواف وشارة لامعة. راح الموظفون ينظرون في وجوه بعضهم بعضا، وقد شحبت وجوههم. راحوا يتهامسون:
- هذه قبعته! إنه... هنا؟!
قال ستروتشكوف مدمدماً:
- نعم، إنه هنا، عند كاتيا... لنخرج أيها السادة! لنجلس في أي حانة، ولننتظر حتى يخرج.
أعاد فريق الأصدقاء تزرير معاطفهم، ثم خرجوا متهادين إلى الحانة. قال مساعد أمين المخطوطات بودّ:
- كان يفوح لديك الأوز المشوي لأن "الأوز" جالس عندك! لقد جاءت به الشياطين! هل سيغادر عما قريب؟
- عمّا قريب! إنه لا يمكث عادة أكثر من ساعتين. لكَم أرغب بالطعام! بداية سنشرب الفودكا ونأكل "مازة" سمك الإسبرط... ثمّ نعيد الكرّة، أيها الإخوة... بعد الثانية سنتناول الفطائر مباشرة. بخلاف ذلك سوف نفقد الشهيّة... زوجتي تصنع فطائر جيدة. وسيكون هناك حساء الملفوف...
- وهل اشتريت الساردين؟
- لقد اشتريت علبتين، وأربعة أنواع من النقانق... لا بدّ أن تكون زوجتي قد جاعت... لقد انهارت قواي، اللعنة!
أمضوا ساعة ونصف الساعة في الحانة، شرب كل منهم كوباً من الشاي عن العين، ثم ذهبوا مجدداً إلى بيت ستروتشكوف. ولجوا إلى مدخل البيت. كانت الروائح تفوح بشدة أكبر من السابق. رأى الموظفون عبر باب المطبخ نصف المفتوح أوزة وصحناً مليئاً بمخلل الخيار. كانت أكولينا تخرج شيئاً ما من الفرن.
- مرة ثانية، نحن لسنا محظوظين، أيها الإخوة!
- ما الأمر؟
كانت معدات الموظفين تنقبض من شدة الجوع، وكانت قبعة فرو السنسار معلّقة على المسمار اللعين. قال ستروتشكوف:
- هذه قبعة بروكاتيلوف! لننتظر من جديد، أيها السادة! في مكان ما... هذا لا يمكث طويلا...
سُمع صوت أجش وعال من داخل صالة الضيافة:
- ولدى هذا الشنيع مثل هذه الزوجة الرائعة!
قال صوت نسائي مؤيدا:
- تُعطى اللحمة لمن لا أسنان له، يا صاحب السعادة!
قال ستروتشكوف بصوت ضعيف:
- لنخرج!
ذهبوا مرة أخرى إلى الحانة. طلبوا جعّة. راح فريق الأصدقاء يواسون ستروتشكوف:
- إن بروكاتيلوف قوة! سوف يمكث ساعة عند زوجتك... لكن، مقابل ذلك ستحصل على عشر سنوات من السعادة. يا لحظك، أيها الأخ! لماذا تغضب؟ لا داعي للغضب.
- إنني من دون أن تتكلموا أعرف أنه لا داعي للغضب. لكن، القضية ليست هنا! فما يزعجني هو أنني جعت وأريد أن آكل!
عاد الأصدقاء بعد ساعة ونصف الساعة عند ستروتشكوف. كانت قبعة فراء السنسار ما تزال معلقة على المسمار. وكان عليهم أن يعودوا القهقرى.
أصبح المسار خالياً من أي قبعة، فقط، عند الساعة الثامنة مساء ، وكان بالإمكان الجلوس لتناول الفطائر! الفطائر كانت قد جفت، والحساء كان قد فتر، والأوزة شعطت - لقد أفسد منصب ستروتشكوف كل شيء! أكلوا، على أي حال، بشهية.
رد مع اقتباس
المفضلات