التسول وتكرار الفعل
بقلم الداعي بالخير : صالح صلاح شبانة
نرجو عدم وضع اى ايميل
كان لي شرف الخدمة في وزارة التنمية الأجتماعية لمدة خمس سنوات ونصف ، قبل أن أصاب بالجلطة الدماغية التي حولتني الى جالس في البيت ، وقد تشرفت بالخدمة مع أربعة وزراء ، أولهم معالي السيد رياض أبو كركي ، وأنا لا زلت من أشد المعجبين بذلك الرجل العسكري ، الديكتاتور العادل ان جاز التعبير ، الذي حوّل الوزارة الى ثكنة عسكرية ، تشتعل بالنشاط والعمل ، حتى ولو كان يعود الى بيته بعد نهاية الدوام الرسمي او يعمل خارج مبنى الوزارة ، ولكن طواقمه كانت تعمل حتى ساعات متأخرة من الليل ، وقد كانت وظيفتي موظف أمن منتدب من مؤسسة المتقاعدين العسكريين ، وكنت و زميلي العزيز حسن شبلي العبادي نتناوب على المبيت ليلة بعد ليلة ، وكانت الطواقم تأتي بعشرات المتسولين ، لترحيلهم الى مراكز الأيواء ، حتى يمثلوا امام القضاء ، وانا أقول بصراحة ، أنني منذ ذلك الزمن تخليت عن التعاطف مع المتسولين ، بعد أن كشفت لي الحقائق أشياء رهيبة كنت لا أعرفها ولا أتخيلها ، رغم سعة خيالي .....!!!
ومضى عهد أبو كركي ، المليء بالعمل والجد والإخلاص ، وأتى وزير آخر ، وكان له أسلوب آخر فأرخى قبضته ، فغنى المتسولون على الأيقاعات الراقصة يوم رحيل أبي كركي (الليله عيد) ، وصدق حدسهم ، وكان من النتائج التي خربت جهود ابو كركي عدم وجود نصوص قضائية رادعة ، فما أن يعرض المجرم المتسول على المحكمة حتى يخرج بكفالة تافهة ، ربما وعطية صغيرة من محسن مخدوع بذلك القناص المحترف ، وكان من تلك النتائج أن أحدهم كرر الفعل لـ (55) مرة ، يُقبض عليه ويخرج ، مما دفعني حينها أن أكتب في مقالتي والتي أنشرها اسبوعيا في جريدة اللواء الأردنية ومنذ سنة 2004 م حتى تاريخه ، مقالة عنوانها (تكرار الفعل) ، وقلت أن المتسولين ثلاثة أنواع ، نوع محتاج ، من حقهم على دولتهم أن تسد حاجتهم ، ونوع عاطل عن العمل ، ويقوم بهذا الفعل الرذيل من باب الحاجة ، ومن حقهم على دولتهم أن تجد لهم أعمالا تناسب مقدرتهم ، ونوع ممتهن محتال ، من حقهم على دولتهم أن تودعهم السجن ، وليس أي سجن ، أن يأخذوهم الى الصحراء منذ الفجر الى الغياب يزرعون الشجر حتى نهاية محكوميتهم ، وكان رأيي أننا نحقق غايتين أولاهما : تنشيط فكرة الأردن الأخضر ، والأستفادة من جهودهم الضائعة بالتذلل والمسكنة والتمثيل والبلطجة ، وزرع العزة فيها، وارهاقهم الشديد بالعمل الجبار ، وقلت : إذا عاد أحدهم الى التسول بعد انتهاء محكوميته اسجنوني مكانه ...!!!
وصدف أن كان معالي الوزير الرائع الذي له نكهة خاصة السيد الدكتور سليمان الطراونة قد استلم حقبة الوزارة حديثا ، وعند نشر المقالة ، ضمنها القسم الأعلامي في الوزارة التقرير اليومي فقرأها ، وعندما غادر قال لي : أشكرك على هذه المقالة الرائعة ، والفكرة الصائبة ، فقلت له : لقد سقت لك الفكرة ، وبيد معاليك التطبيق ، فأرجو أن تحقق الحلم ، فالكرة الآن في ملعبك ...!!!!
ولكن لأن الوزير محكوم بقوانين لا يستطيع تجاوزها ولا فرض وجهة نظره ، ولو كان الأمر كذلك لما كرر المتسول الفعل 55 مرة في عهد أبي كركي ، العسكري الصارم ، والوزير الذي استطاع ان يجعل كل المتسولين يعيشون حالة رعب شديدة ، وكانت مغادرته وقدوم خلفة من أعظم أعيادهم على ما أحسب وأظن ...!!!
كنت أثناء مناوبتي إذا ما اتصل مطعم او متجر يتضايق من اسلوب المتسولين الذين يشدون نشاطهم ليلا في الأماكن الراقية ، أتصل بالحملة مباشرة ، وفي وقت قياسي يتم القبض عليهم وترحيلهم ، حيث كانت وزارة التنمية الأجتماعية بكافة كوادرها ، على أهبة واستعداد ، وكان يقدم للعاملين مكافآت خاصة ليقوموا بعملهم خير قيام ...!!!
ما أعاد هذه الذكريات الى سطح الذاكرة مشاهدتي لندوة خاصة قامت بها جمعية الجسور الخيرية في الزرقاء ، في مركز الملك عبد الله الثقافي من ضمن فعاليات الزرقاء مدينة الثقافة الأردنية عن أضرار المخدرات والأدمان ، والصلة بينها وبين التسول ، حيث ألقت السيدة الفاضلة بسمة خليفات ، وهي مديرة مدرسة متقاعدة ورئيسة الجمعية محاضرة عن المخدرات ، تلاها أفلام عن أضرارها ونتائجها ، وبالمناسبة أشير بكل احترام وتقدير لجمعية الجسور الخيرية على جهودها ومعاناتها من نقص الدعم المادي للقيام بواجباتها الأنسانية والتنموية واختطاف الشباب الضائع من عالم الجريمة ومخالب المخدرات لتنمية الوطن والنهوض به ، وقد تلا ذلك محاضرة للسيد عبد الله الزبن ، مساعد مدير التنمية الأجتماعية لمحافظة الزرقاء ، وقد سرني جدا أنه ومنذ بداية عام 2010 تم تفعيل قانون عقوبة المتسولين بالسجن الفعلي وليس في مراكز التنمية المرفهة ، وأظن أن هناك دور في تفعيل هذا القانون لمعالي السيدة هالة بسيسو لطوف ، والتي تستلم دفة الوزارة على مدى حكومتين متتاليتين ، وقد تشرفت بالخدمة مع معاليها ، وهي من النجوم المضيئة التي قادت دفة سفينة وزارة التنمية الأجتماعية ، والتي هي الوزارة الأكثر تأثيرا وعملا على المجتمع الأردني بعد التربية والتعليم ، والصحة ، وفق الله الجميع لخدمة هذا البلد والقيام به ، ودحر كل من يعاديه ويشوه صورته البهية .
رد مع اقتباس
المفضلات