الطرف المؤثر
الطرف المؤثر
- الجلبة المتزايدة حول تقرير لجنة فينوغراد يوصل الاستغلال الهزلي للرأي العام الى ذروته: هناك تأثير فظ يمارس على الجمهور بصورة غير منصفة من اجل التأثير على موقفة من نتائج لجنة فينوغراد قبل ان تنشر.
اللجنة منحت الجمهور العريض مكانة المحلفين المخولين لحسم مصير رئيس الوزراء سياسياً. ولكن بدلاً من السماح للمحلفين بالانغلاق في الغرفة للتداول وقراءة نتائج التحقيق والحكم عليها بصورة موضوعية - يتعاملون معهم كجمهور من الرعاع يمكن التأثير عليه وإثارة حماسته من خلال المناورات المنفلتة.
الطرف المؤثر هو ايهود اولمرت. رئيس الوزراء سيطر طوال الوقت على عملية التحقق من أدائه لمهام منصبه خلال حرب لبنان الثانية، واحبط تشكيل لجنة تحقيق رسمية متخذاً القرار بتعيين لجنة تقصي حقائق برئاسة القاضي فينوغراد. هو الذي اختار اعضاء هذه اللجنة وصرح بأنه لن يستقيل نتيجة لقراراتها كائنة ما كانت. والان ها هو يقوم بهندسة رد فعل الجمهور من خلال التسريبات والمعلومات التي تحقن فيها الصحافة من اجل تكريس التصور بأنه لا حاجة لاقالته.
في بيئة سياسية اقل فظاظة كان رئيس الوزراء لينتظر نشر التقرير ومن ثم يرد عليه؛ ولكن اسرائيل 2007-2008 محكومة من قبل ثقافة المناورات الخداعة الامر الذي يحرك اولمرت ويدفعه لتوجيه ضربات فكرية وقائية للرأي العام واقناعه سلفاً بأنه ليس هناك مبرر لمطالبته بالتخلي عن منصبه.
هذا المجرى الذي تسير عليه الامور يحول تقرير فينوغراد الى تقرير بلا هدف او داعٍ: ذلك لأن الجدل حول استقالة اولمرت او عدمها يجري الان من دون علاقة بنتائج اللجنة التي لم تعلن بعد.
بدلاً من ترك توصيات اللجنة تتحدث عن نفسها اعد لها اولمرت رزمة وهو يعرضها على الجمهور من الآن حتى يدخل فيها توصيات اعضاء اللجنة بالصورة التي يرغب بها رئيس الوزراء.
اولمرت ليس لاعباً وحيداً وقبالته لاعبٌ لا يقل عنه مهارة واسمه بنيامين نتنياهو. هو ايضا شد الخيوط الاعلامية من اجل تلطيخ صورة رئيس الوزراء واظهاره كشخص غير قادر على ادارة شؤون الدولة من قبل ان يصدر التقرير.
يتحالف مع قائد الليكود نشطاء سياسيون واصحاب مصالح آخرون بعضهم شرعيون (العائلات الثكلى وجنود الاحتياط) والبعض الاخر من عابري الطريق السخيفين.
فداحة المسألة وجثامتها - الحرب مع الضحايا التي سقطت فيها - لا تثني هذا المعسكر عن استخدام الالاعيب الدعاوية من اجل تكريس موقفه. في اسرائيل 2007- 2008 لا يمكن حتى لصرخة الاهالي الثكالى او قادة الجيش القلقين ان تجتاز السواتر الصلبة التي يضعها ويستخدمها المستشارون الاعلاميون ورجال الدعاية.
الجلبة الاعلامية التي تسبق نشر تقرير فينوغراد هي قبل كل شيء نتيجة لقرار اعضاء اللجنة لتجنب صياغة التوصيات الشخصية بصدد قادة الدولة والجيش. اللجنة تصرفت على هذا النحو بسبب الضرورات وكذلك بسبب تصور مبدئي خاص بها مفاده ان مهمتها هي استيضاح الحقائق وتمكين الجمهور العريض من استخلاص النتائج المترتبة على ذلك.
هذا توجه ونهج صحيح من حيث المبدأ: من الافضل ان يكون الحسم بيد الجمهور العريض في قضية اهلية رئيس الوزراء لمواصلة أداء مهام منصبه من أن يوُدع ذلك بيد 5 اشخاص.
هذا نهج تطهيري في الواقع الاسرائيلي لا يأخذ بالحسبان الحاجة الى اتباع قواعد اللعبة المتبعة فيها. هنالك مجتمعات ديمقراطية يدفع فيها المعيار السلوكي المتبع المسؤولين الى تحمل المسؤولية حتى بعد صدور تقرير كتقرير فينوغراد الاولي وبسبب اخفاقات لا تقارن حتى من حيث الصغر بتلك التي تطرق لها ذلك التقرير.
المجتمع الاسرائيلي اليوم بحاجة الى موجه خارجي - على سبيل المثال لجنة تقصي الحقائق مكونة من شخصيات موثوقه - من اجل وضع مسطرة السلوك الملائم امام عينيها (وعيون قادتها).
يبدو ان لجنة فينوغراد لم تنجح في هذه المهمة.
* كاتب اسرائيلي
هآرتس
رد مع اقتباس
المفضلات