ام كلثوم ( مطربة ) تفاصيل عن حياتها الشخصية والفنية
كوكب الشرق أم كلثوم التي توفيت يوم الثالث من شباط عام 1975 بعد رحلة طويلة من العطاء قدمت فيها مئات من الاغاني والقصائد احبها المستمعون العرب من المحيط الى الخليج بل كانت حفلاتها موعدا لوحدة الامة العربية عندما كان المستمعون يجلسون قرب المذياع لانتظار حفلاتها كل آخر شهر خاصة الحفلات التي كانت تحرص سيدة الغناء على تقديم اغنية جديدة في هذا الحفل ولكن النقطة الاهم في مسيرة ام كلثوم انها استطاعت تقديم اجمل القصائد العربية بصوتها وجعلت اجيالا كثيرة تستمتع بسماع الشعر العربي الفصيح الذي قدمه رواد الشعر العربي على مختلف العصور فكان ابو فراس الحمداني اولهم وقائمة طويلة ضمت احمد شوقي وحافظ ابراهيم وابراهيم ناجي وعبدالله الفيصل وجورج جرادق وعمر الخيام واحمد رامي ومحمد اقبال وكان السوداني الهادي آدم آخر شعراء الفصحى الذين غنت لهم طوال خمسين عاما من رحلة الغناء, وقد اتسمت القصائد التي غنتها ام كلثوم بطابع سيطرة الفكر الروحاني والوجداني والفلسفي الى جانب الطابع الديني الواضح خاصة في القصائد الصوفية التي غنتها.
علاقة من البدايات
علاقة ام كلثوم مع القصائد كانت منذ بداية مشوارها الفني عن طريق سماعها للفوتوغراف في ديوان العمدة في قريتها طماي الزهايره اي قبل حضورها للقاهرة كما ان والدها كان له اكبر التأثير في ذلك حيث كان يشدو القصائد في حفلاته ولكن الاستاذ الحقيقي لأم كلثوم في مجال القصيدة هو الشيخ ابو العلا محمد الذي التقت به في قريتها والذي طلب من والدها ان تنتقل ام كلثوم الى القاهرة وهذا ما قاله اكثر من مؤرخ لفن ام كلثوم وللموسيقى العربية وقد ادت هذه البداية الى تعلقها بالشعر العمودي المكون من شطرين صدر وعجز وفضلته وابتعدت عن ظاهرة الشعر الحر الذي انتشر في منتصف القرن الماضي ومع ذلك فانها اضطرت للغناء الحر في اضيق الحدود كما حصل في قصيدة.. اصبح عندي الان بندقية للشاعر نزار قباني.
أما بالنسبة لعلاقتها مع القصائد التي غنتها في بداية مشوارها الفني فتؤكد الدكتورة رتيبة ان هذه القصائد لم تكن ملحنة لصوت ام كلثوم, لكنها اخذتها عن الشيخ ابو العلا ومن تسجيلاته حيث كان قد غناها من قبل بصوته وهذا ما يؤكده الناقد الفني الراحل كمال النجمي في السياق نفسه ان سيدة الغناء العربي قد تعلمت فن غناء القصائد من هذا الملحن العبقري خلال السنوات الخمس التي صاحبته فيها من قبل الرحيل وهذه القصائد لم يكن فيها لحن واحد صنعه ابو العلا لأم كلثوم بالذات, فهذه القصائد كلها غناها بصوته وسجلها على اسطوانات ثم اعادت غناءها أم كلثوم.
واشار النجمي كذلك الى ان ام كلثوم لم تتمكن من تسجيل سوى ست قصائد في حياة الشيخ ابو العلا, وبعد وفاته سجلت بقية هذه القصائد.
ابو فراس الاول
لقد كان الشاعر العربي ابو فراس الحمداني من اوائل الشعراء العرب الذين تغنت بكلماتهم سيدة القصيدة العربية حين قدمت له في عام 1926م جزءا من قصيدته اراك عصي الدمع ومن كثرة اعجاب ام كلثوم بهذه القصيدة وبهذا الشاعر, فقد تغنت بها اكثر من مرة وبأكثر من لحن!
فقد كانت المرة الاولى بلحن ابو العلا ثم اعادتها بالاربعينيات بلحن لرياض السنباطي ثم طورته في الستينيات واعادت تقديمها بحفل غنائي وفي فيلم فارس بني حمدان الذي تحدث عن حياة ابو فراس الحمداني حيث غنت فقط بصوتها دون ان تظهر صورتها, وكان لأم كلثوم في الوقت نفسه تجارب اخرى عديدة مع قصائد اخرى لكبار الشعراء الذين عاشوا خلال العصر العباسي, من امثال الشريف الرضي الذي غنت له ام كلثوم جزءا من قصيدته ايها الرائح المجد, وكذلك الشاعر العباسي العباس بن الاحنف الذي غنت له جزءا من قصيدته يا بعيد الدار كما غنت ام كلثوم للشاعر صفي الدين الحلي قصيدة مثل الغزال نظرة عام ,1931 وقصيدة افديه ان حفظ الهوى للشاعر ابن النبيه سنة 1928م, وغنت للشاعر نفسه قصيدة أمانا ايها القمر المطل, وغنت للشاعر الصعلوك ابن النطاح الذي كان مشهورا بلقب ابو وائل قصيدة اكذب نفسي عام 1931م.
كما قدمت من شعر الشاعر الفارسي عمر الخيام, الرباعيات التي ترجمها احمد رامي وقد ساعد ام كلثوم ايضا على تقديم مثل هذه القصائد في الثلاثينيات والاربعينيات من القرن الماضي تقديمها لعدد من الافلام السينمائية, وهذه الاعمال اخذت الصبغة التاريخية ومنها وداد ودنانير, وسلامة التي تعود احداثها لعصور المماليك والعباسيين.
سيدة غناء القصائد
بعد ان تركت ام كلثوم السينما واشتدت المنافسة في عالم الاغاني الحقيقية بينها وبين عدد من المطربات امثال اسمهان وليلى مراد قررت ام كلثوم منافسة غريمها التقليدي في غناء قصائد امير الشعراء احمد شوقي حيث قررت دخول هذا المجال بالتعاون مع الملحنين رياض السنباطي الذي لحن معظم قصائد ام كلثوم الخالدة وكانت البداية بهذه الفترة بقصيدة (سلو كؤوس الطلا) ولكن مع بداية الخمسينيات قررت ام كلثوم العودة للغناء الديني بتقديم ثلاث قصائد من شعر شوقي وهن (نهج البردى) و(ولد الهدى) و(سلو قلبي) تبعتها بقصيدة (حديث الروح) للشاعر الباكستاني محمد اقبال لتكون هذه القصائد نقطة تحول في مسيرة ام كلثوم الغنائية كما غنت في هذه المرحلة من شعر حافظ ابراهيم لكنها ابتعدت بعد ذلك عن هذه القصائد الا ما ندر وكان بعضها من نظم احمد رامي مثل ذكريات وقصة الامس لاحمد فتحي.
الستينيات وقصائد متنوعة
تعتبر مرحلة الستينيات من القرن الماضي من اغزر الفترات في تاريخ ام كلثوم من حيث تقديم القصائد للعديد من الشعراء وان غلب الطابع الفلسفي على هذه القصائد بداية من قصيدة (ثورة الشك) للشاعر الامير عبدالله الفيصل والاطلال لابراهيم ناجي وهذه القصيدة ستكون لنا وقفة معها كما قدمت (هذه ليلتي) للشاعر اللبناني جورج جرادق التي شهدت اول تعاون لسيدة الغناء العربي ام كلثوم مع الموسيقار محمد عبدالوهاب في مجال القصيدة الفصحى بعد ان كان قد لحن لها اربع اغان كانت بدايتها اغنية (انت عمري) التي سميت وقتها بلقاء السحاب لانها جمعت ما بين ام كثلوم ومحمد عبدالوهاب الا ان عبدالوهاب بدأ تلحين القصيدة لام كلثوم في هذه ليلتي ثم تلاها اصبح عندي الان بندقية من شعر نزار قباني والتي غنتها ام كلثوم تجسيدا لروح المقاومة الفلسطينية التي انطلقت بذلك الوقت. ومع نهاية الستينيات قدمت ام كلثوم قصيدة (اقبل الليل) من شعر احمد رامي ولحن رياض السنباطي وفي الستينيات ايضا عادت ام كلثوم لتقديم قصيدة (اراك عصي الدمع) وفي تلك الفترة عادت ام كلثوم لغناء القصائد الدينية الصوفية لتقديمها في فيلم رابعة العدوية وقد اتسمت هذه القصائد بالصوفية حيث قدمت خمس قصائد كان للشاعر الديني طاهر ابو فاشا نصيب الاسد حيث الف اربع قصائد وهي عرفت الهوى التي لحنها رياض السنباطي والرضا والنور وحانت الاقدار من الحان محمد الموجي ولغيرك ما مددت يدا من تلحين كمال الطويل وكانت هناك قصيدة واحدة من تأليف عبدالفتاح مصطفى بعنوان يا صحبة الروح وصاغها لحنا رياض السنباطي.
فترة قصيرة
اما فترة السبعينيات فلم تغن ام كلثوم الا ثلاث سنوات تقريبا حيث ابتعدت عام 1973 بعد ان سقطت على المسرح ودخلت في مشاكل صحية وفي هذه الفترة قدمت اربع قصائد شهدت النور ووصلت للمستمعين وهي الثلاثية المقدسة من شعر صالح جودت ولحن رياض السنباطي ومن اجل عينيك عشقت الهوى من شعر عبدالله الفيصل ولحن رياض السنباطي ايضا واغدا القاك من تأليف السوداني الهادي ادم وتلحين الموسيقار محمد عبدالوهاب والقلب يعشق كل جميل للشاعر الشعبي بيرم التونسي ولحن رياض السنباطي وان كانت الاخيرة تعتبر مزيجا ما بين الشعر والزجل العامي الذي عرف به بيرم التونسي.
قصيدة سجلت ولم تذع
وفي بداية السبعينيات وبالتحديد شهر تشرين الاول قامت ام كلثوم بتسجيل قصيدة (عصر الزعيم) من تأليف نزار قباني وتلحين رياض السنباطي والتي رثا فيها نزار الزعيم الراحل جمال عبدالناصر رغم الخلاف السياسي الذي كان موجودا بينهما الا ان الاذاعة المصرية رفضت اذاعة الاغنية نظرا لتولي الرئيس انور السادات مقاليد الحكم في مصر ونزار قباني كانت نظرته سوداوية لمستقبل بلاد النيل والامة العربية بعد رحيل عبدالناصر.
وقد رفضت الاذاعة المصرية بيعها لاكثر من جهة حتى تبثها نظرا لان القصيدة تقول انه بعد عبدالناصر لا يوجد زعيم وبالتالي فهي تستخف بمن سيأتي بعده لقيادة الامة وتحريرها كما فعل جمال.
مزيج
وقد امتازت ام كلثوم بانها جعلت بعض الشعراء يمزجون ما بين الشعر العامي في اغانيها ويقدمون ايضا القصائد الشعرية الفصحى وكان ابرز هؤلاء احمد رامي الذي احب ام كلثوم فعلا لكنه لم يتزوجها وكان اكثر شاعر غنت له ام كلثوم في الثلاثينيات والاربعينيات والخمسينيات والستينيات ومن اشهر قصائده ذكريات, اذكريني, اقبل الليل, والحب تفضحه عيونه التي لحنها ابو العلا ورباعيات الخيام واغار من نسمة الجنوب.
وكذلك الشاعر بيرم التونسي الذي كتب معظم اغاني وقصائد ام كلثوم في بداية مشوارها الفني وبعد رحيله بسنوات قدمت له ام كلثوم القلب يعشق كل جميل وهذا الامر ينطبق على الشاعر عبدالفتاح مصطفى الذي قدمت له ام كلثوم العامية والفصحى ايضا.
عالمية الاطلال
وقد جاء اختيار قصيدة الاطلال التي صاغها شعرا د. ابراهيم ناجي ولحنها الموسيقار رياض السنباطي لتكون ضمن افضل مائة اغنية بالعالم كدليل ان القصيدة العربية الفصحى مهما صعبت مفرداتها تصل للمتلقي ان قدمت بلحن وموسيقى تتناسب مع المعاني وبصوت عذب مثل صوت ام كلثوم, فقد امتاز لحن السنباطي بهذه القصيدة انه اعتمد على المعاني اكثر من اعتماده على الموسيقى المأخوذة من عروض الابيات لذلك خلدت وبقيت ووصلت ولا زالت مطلوبة حتى يومنا هذا.. فالاطلال قصيدة الفها ابراهيم ناجي في الخمسينيات من القرن الماضي قبل رحيله عام 1953 وقد نشرت في ديوان ليالي القاهرة الذي اهداه ناجي لام كلثوم في نقابة الفنانين, وهذه القصيدة تتألف من مائة وثلاثين بيتا وقد احتفظ بها ام كلثوم بعد رحيل ناجي وكان من الصعب تقديمها في فترة من الفترات الا ان ام كلثوم ارادت المغامرة عام 1966 بتقديمها كنوع من التحدي منها ومن رياض السنباطي بعد ان سيطرت الموسيقى الراقصة على اغاني ام كلثوم التي قدمت بتلك الفترة من الحان محمد عبدالوهاب وبليغ حمدي في الوقت الذي نجحت اكثر من قصيدة بتلك الفترة من شعر نزار قباني وكامل الشناوي ولحن محمد عبدالوهاب وكمال الطويل بصوت نجاة الصغيرة وعبدالحليم حافظ ولتؤكد أم كلثوم على انها الاولى في عالم القصيدة طلبت من الشاعر احمد رامي اختصار ابيات القصيدة لتصلح للغناء مع المحافظة على المعاني الفلسفية والعاطفية بها ولكن تم تغيير صيغة المؤنث فيها الى المذكر لتتناسب مع غناء امرأة كما قامت ام كلثوم بتعديل بعض الكلمات.. ومع ذلك فالقصيدة نجحت.. واصبحت علامة من علامات الغناء والموسيقى العربية رغم ان أم كلثوم كان عمرها 68 عاما عندما غنتها الا انها كانت تمثل جزءا من تجربتها وحياتها بعد ان شعرت ان قطار العمر بدأ يسير واقتربت النهاية.. الطريف ان ام كلثوم وابراهيم ناجي من مواليد نفس الشهر والعام كانون الاول 1898م.
على الهامش
* سجلت ام كلثوم اكثر من سبعمائة اغنية وقصيدة طوال مشوار فني امتد لحوالي خمسين عاما ولها 64 عملا مصورا ما بين افلام سينمائية وحفلات غنائية.
* كتب قصائد واغاني ام كلثوم 22 شاعرا حديثا وسبعة من شعراء العصرين العباسي والاموي وقام بتلحينها 14 ملحنا وكان رياض السنباطي هو صاحب الرصيد الاكبر من الالحان.
* قصيدة والله زمان يا سلامي التي لحنها كمال الطويل ابان العدوان الثلاثي على مصر كانت هي السلام الجمهوري لمصر لفترة طويلة حتى وقع الرئيس انور السادات اتفاقية السلام مع اسرائيل وقرر الغاءها واستبدالها بقصيدة بلادي لسيد درويش التي اعاد توزيعها الموسيقار محمد عبدالوهاب.
* الفيلا التي كانت ام كلثوم تجتمع فيها مع الشعراء والملحنين واجراء تجارب على القصائد والاغاني التي ستقدم والتي سكنتها بداية الاربعينيات من القرن الماضي في حي الزمالك وبالتحديد بشارع ابو الفدا, هذه الفيلا لم تعد موجودة حيث تحولت الى مجمع سكني وتجاري كبير بعد ان قام الورثة ببيعها بعد وفاتها وبذلك لم يتحقق حلمها بتحويلها الى متحف فني باسمها كما باع الورثة معظم مقتنياتها وحاجاتها الخاصة.
رد مع اقتباس
المفضلات