مرضى القلب.. شبكات وأدوية أسعارها توجع القلب!!
الجلطة تزداد شباباً والسماسرة يقبضون من الجميع
مرضى القلب.. شبكات وأدوية أسعارها توجع القلب!!
.. هل تخيلتم يوما ان ما يفصل الواحد منكم عن حتفه كبسة زر اي كبسة ON/OFF,.. هذه تداعيات مريض قلب اكتشف مؤخرا ان اكثر من عشرين عاما قضاها مغرما بمعشوقته الابدية السيجارة, قد اتلفت جزءا من شرايين قلبه, وباعدت بينه وبين معشوقته, فقبل شهرين تقريبا وقع على الارض مغشيا عليه, وهو يحاول جاهدا تدبير قيمة قسط الجامعة لابنه البكر, وحينما استعاد وعيه وجد نفسه ملقى على سرير في قسم طوارئ مستشفى البشير, وكانت اولى صور التقطتها عيناه وجه زوجته الملتاعة, وعينيّ بكره وهما تتجولان في المكان, ولولا ان نوبة ألم حاد جديدة في الصدر انتابته فافزعت مرافقيه, ودفعتهما للصراخ بوجه الاطباء للاسراع بانعاش قلبه, لفارق الحياة, فقد وجد الطبيب بعد فحصه ان ضغط دمه وصل الى ضعف المعدل الطبيعي وهذا وفق نفس الطبيب قد يودي بحياة المريض ان لم يتم انعاشه فورا.
المهم في امر هذا المريض انه مكث في المستشفى ثلاثة ايام, وخرج بعد ان قرر طبيبه اجراء عملية قسطرة لشرايين قلبه في مستشفى الجامعة الاردنية, واجراء اللازم لها, واعطاه الادوية اللازمة الى حين اجراء القسطرة, لكن الرجل بعد ان امضى اسبوعا راقدا في فراشه بالبيت, قرر ان يعود الى عمله, فموعده مع طبيب القلب في مستشفى الجامعة بعد اسبوعين, واسرته تحتاج الى الدنانير القليلة التي يجنيها من عمله سائقا على مركبة التكسي, فهي من دون دخل, وبالفعل عاد يعمل ولكن بساعات عمل اقل, وفي اليوم الرابع شعر بألم حاد في صدره, وكان قريبا من احدى المستشفيات الخاصة, فاوقف السيارة واسرع الى قسم الطوارئ والقى بنفسه على اول سرير.
الرجل توفي في اليوم التالي, فعضلة قلبه أبت الا ان تغادر منهية حياته, فبعد ان فحصه اطباء طوارئ المستشفى الخاص, اكتشفوا انه مصاب بذبحة صدرية حادة, وباحتشاء في عضلة القلب, فقرروا ادخاله الى المستشفى, ولكن قسم المحاسبة رفض اجراء عملية الادخال الا بعد دفع مبلغ الف دينار مقدما, فاحتار بكره الذي اسرع الى المستشفى بعد ان اتصل به والده, واخيرا قرر ان ينقله الى مستشفى البشير, من دون تنسيق مسبق, وبالفعل وصل المريض الى طوارئ البشير بسيارة تكسي, فأدخل من جديد الى قسم القلب ولكنه فارق الحياة في اليوم التالي قبل ان يتسنى لطبيبه تحويله الى مستشفى الجامعة او اي مستشفى آخر لاجراء عملية القسطرة وتركيب شبكات داخل شرايين قلبه المتضيقة لتوسيعها.
مستشفى البشير
قصة هذا المريض فتحت جرحا نازفا, ظلت الحكومات المتعاقبة تقطبه قبل ان تنظفه, فلا هي عالجت الامور, ولا هي تركت المشكلة مفتوحة امام مَنْ يأتي لعلاجها, وحسب احد اطباء القلب من القطاع الخاص فان الحكومة تركت الحبل على الغارب تنفق من موازنة الدولة وهي صاحبة الولاية بشأنها على اقسام القلب في جهات اخرى مثل الخدمات الطبية الملكية, ومستشفى الجامعة الاردنية ومستشفى الملك المؤسس, سواء بتخصيص مبالغ لها من موازنة الصحة او بمعالجة مرضى القلب المؤمنين لديها في هذه المستشفيات بالاسعار الدارجة في القطاع الخاص, فمع ان مستشفى البشير وفق نفس الطبيب يمتلك من الامكانيات ما يفوق أية مستشفى اخرى, وفيه كوادر طبية محترفة, ومنهم اطباء قلب بالطبع, وانفقت وزارة الصحة على اقسامه مبالغ طائلة لجهة شراء التجهيزات الطبية اللازمة, وتأهيل اطبائه, الا ان قسم امراض القلب ظل الوحيد الى اليوم اعرج او أعور, يمشي بساق واحدة, او يرى بعين واحدة فقط, فهذا القسم الذي أُسِّسَ قبل اية اقسام اخرى في الاردن للآن من دون وحدة لاجراء عمليات القسطرة, ولم تجر اية عملية قلب جراحية في مستشفىات وزارة الصحة الا قبل اشهر قليلة.
رئيس قسم امراض القلب في مستشفى البشير د. فخري العكور عزا السبب في هذا النقص النوعي بالقسم الى غياب الكوادر الفنية المدربة في السابق, ولكن الوزارة تداركت الامر, واهّلت كوادر خاصة لقسم القسطرة وهو شخصيا يعول كثيرا على تفهم وزير الصحة الحالي طراد الفايز, ويتوقع منه الكثير في هذا الشأن, فقد قرر الفايز سابقا انشاء قسم قسطرة في مستشفى الأمير حمزة, ويوجد عطاء خاص لشراء اجهزة القسطرة, اضافة الى انه يأمل في ان يحتوى المستشفى الجديد في الزرقاء الذي سينشأ قريبا قسما آخر للقسطرة, وهو متفائل بشأن التوسعة التي تجرى في مستشفى البشير, خاصة في البعد المتعلق باضافة عشرة اسرة جديدة لانعاش القلب.
الحكومة تنفق سنويا 25 مليون دينار على مرضى القلب المحولين منها الى مستشفيات الجامعة الاردنية والخدمات الطبية والملك المؤسس والقطاع الخاص, وهذا المبلغ كبير يكفي لتأسيس اكثر من قسم واحد للقسطرة.
القسطرة
قسطرة القلب, وتركيب شبكات معدنية لتوسيع شرايين القلب اصبحت الحل الامثل لامراض القلب, فبفضلها تراجعت عمليات القلب المفتوح الى مستويات متدنية, ما دفع جراحي القلب وفقا لاخصائي امراض القلب والشرايين د. زاهر الكسيح الى محاولة دخول عالم القسطرة, ففي آخر مؤتمر للقسطرة حضره في الولايات المتحدة الامريكية شهد حضور اكثر من الفي جراح ليتعلموا كيفية فتح الشرايين, فبحسبه اصبحت تقنية البالون وتركيب الشبكات اكثر فعالية, ونسبة النجاح فيها تتجاوز 96% واحتمال حدوث مضاعفات لا تتجاوز نسبته 4% فيما تتجاوز نسبة حدوث مضاعفات بعد التدخلات الجراحية 15%, اضافة الى ان مريض القلب بعد اجراء عملية تركيب شبكة او اكثر يغادر المشفى بعد 24 ساعة, واحيانا بعد ساعات, ويحتاج الى ايام قليلة للنقاهة, بينما تحتاج عملية القلب المفتوح الى اقامة اكثر من اسبوع في المستشفى وفترة نقاهة تصل الى شهرين احيانا.
الشبكات
بعد ان انتشرت عمليات توسيع شرايين القلب بتقنية البالون وتركيب الشبكات, تشكلت على هامش ازدهار عمليات القسطرة مصالح لشركات وافراد يعملون في القطاع الطبي, مثل تأسيس شركات للاتجار باجهزة القسطرة, وبالشبكات والمستهلكات الطبية اللازمة, وهذا مبرر ومفهوم, لكن ما هو غير مبرر ولا مفهوم وفقا لاحد الأطباء فضل عدم ذكر اسمه دخول عدد من اطباء القلب, خاصة المشهورين منهم عالم البزنس وانشائهم شركات باسماء زوجاتهم او ابنائهم لاستيراد الشبكات, وغيرها من المستلزمات, والتحكم باسعارها, ما جعل سعر الشبكة المطلية بالمادة الدوائية الفعّالة المستوردة من فرنسا وفقا لاخصائي جراحة الاوعية الدموية د. سهيل صويص تصل الى ضعف سعرها في بلد المنشأ فرنسا, علما بأن سعرها يجب ان يكون اكثر في فرنسا, لان الضرائب في فرنسا اعلى, ومستوى الدخل فيها اضعاف اضعاف مستوى الدخل في الاردن.
سماسرة
في السياق ذاته يرى احد اطباء القلب ان شيوع منطق السوق وسيطرته على القطاع الطبي, وجشع عدد من العاملين فيه يدفع باتجاه الاتجار بالشبكات ومستهلكات طبية اخرى, اقل جودة من غيرها, واستعمالها في حالات تحتاج الى شبكات غيرها, بسبب دخول عدد من الاطباء على قطاع طب القلب من دون ان يكونوا مؤهلين وحسب الطبيب نفسه فان مرضى قلب تتدهور صحتهم وقد يكونون قد فقدوا حياتهم لان اطباء غير مؤهلين استعملوا شبكات غير مناسبة, ما تسبب في حدوث تسلخ في شرايينهم, ويعتمد هؤلاء الاطباء وفقا لنفس الطبيب على سماسرة معظمهم من المتقاعدين خاصة بالنسبة للمرضى العرب, يبدأون معهم من المطار فيبيعونهم الى صاحب الشقق المفروشة, والى المستشفى والى الطبيب الاخصائي, والى اي جهة يحتاجون منها خدمة.
د. سهيل صويص يؤكد ما ذهب اليه الطبيب لجهة دخول البعض على قطاع طب القلب من دون تأهيل او امتلاك شهادات تؤهلهم لذلك وهؤلاء وفقا له يتركون اخصائيي قسم القسطرة يجرون عمليات القسطرة وهذا يتم احيانا بعلم ادارات المستشفيات والاخصائيين ووفقا لاحد اطباء القلب المعروفين فان احد اطباء الباطنية ألح عليه كي يتدرب معه على عمليات القسطرة, وبعد اربع مرات شارك في عمليات القسطرة, توقف عن التدريب واخذ يجري عمليات بنفسه, وتوفي احد المرضى معه اثناء العملية, علما بأن الوفاة خلال عمليات القسطرة نادرة جدا.
نقيب الاطباء د. احمد العرموطي يؤكد ان قانون نقابة الاطباء والقوانين الصحية الاخرى تمنع غير الحاصلين على تأهيل مناسب القيام باجراءات طبية, وبشكل عام فان النقابة لم تتلق اية شكاوى بخصوص قيام اطباء غير مؤهلين باجراء عمليات قسطرة للقلب.
تجربة خاصة
ادوية القلب وفقا لاخصائي امراض القلب د. قاسم الشمايلة غالية جدا, فمريض القلب بعد اجراء القسطرة وتركيب الشبكات او بعد جراحة القلب يحتاج شهريا ما بين 100 الى 150 دينارا ثمنا للادوية ويمكن ان يرتفع هذا المبلغ ليصل الى اكثر من مئتي دينار شهريا اذا ما كان المريض يعاني من السكري او أية امراض مزمنة اخرى, وهذا المبلغ كبير جدا بالمقارنة مع مستويات دخل الاردنيين.
و د. الشمايلة يستطيع اليوم ادراك واقع مرضى القلب, ومعاناتهم الشديدة خاصة الذين لا يمتلكون اي نوع من انواع التأمين, فهو بوصفه عمل مدة طويلة اخصائي امراض قلب في الخدمات الطبية الملكية تعامل مع فئات محددة من المرضى قبل ان يتقاعد, واولئك كانوا يعانون من الآلام, ولجهة تكبدهم مشاق السفر للوصول الى المدينة الطبية, واضطرارهم للانتظار طويلا لحين رؤية الطبيب ... الخ, لكن مرضى القطاع الخاص خاصة الفقراء منهم, او الذين يضطرون للعلاج وشراء الادوية على حسابهم الشخصي فان امرهم صعب جدا وهو كطبيب قلب يشعر في كثير من الاحيان بالعجز امام حالات لا يستطيع تقديم العون لها.
وبشكل عام فان اسعار ادوية القلب في الاردن مرتفعة جدا, وقد تزيد عن اسعارها في بلدان اوروبية وامريكا وكندا, ويعود ذلك لاكثر من سبب, من ابرزها كثرة حلقات البيع والتوزيع, فحسب مدير تسويق احدى شركات الادوية العالمية في الاردن خالد عطا تعتبر الدول العربية ودول قليلة في العالم الوحيدة الآن التي لا زالت تعمل وفقا لنظام الوكيل الحصري وهذا يضيف حلقه الى حلقات البيع, وبشكل عام فان الدواء الاجنبي يصل الى يد المستهلك بعد ان يتم اضافة ما مقداره 75% تقريبا من سعره الى سعره من المنشأ, ولاجراء مقارنة بهذا الشأن فان علبة الدواء التي يكون سعرها دولارا واحدا حينما تدخل السوق الفرنسي على سبيل المثال يضاف اليها ما مقداره 8.5% هامش ربح للمستورد, و 8.5% للصيدلية, و 4% ضريبة, فيصبح الدولار تقريبا 1.25 دولار, بينما في الاردن فان الوكيل الحصري يضيف حوالي 20%, والصيدلية تضيف حوالي 22%, وضريبة المبيعات 4%, اضافة الى 8% يتم اضافتها نفقات نقل من المطار الى مستودعات المستورد.
احصائيات
د. صويص يحب الاحصائيات ويرى انها قادرة على تقريب الصورة الحقيقية الى ذهن القارئ, ويقول ان 34% من حالات الوفاة في الاردن بسبب امراض القلب منها 7% تحت سن الـ 44 سنة, وهذا يدعو الى وقفة تأمل ومراجعة.
د. العكور يعزو السبب في ان الجلطة اصبحت اكثر شبابا- وفقا لتعبيره - الى نمط الحياة الحصرية بالجلوس فترة طويلة امام شاشات الكمبيوتر والتلفزيون والى وجبات الفاست فود المليئة بالدهنيات غير المشبعة, وغياب ثقافة الرياضة, ما جعل 72% من الشعب الاردني وفقا لدراسة وزارة الصحة يعانون من زيادة الوزن.
الامر لا يتوقف عند هذه الارقام, فما نسبته 8.5% من حالات الجلطات الحادة التي دخلت مستشفى البشير في الاعوام القليلة الماضية كانت لشباب دون سن الثلاثين, وهذه مأساة, وهذا يعود اضافة الى ما ذكره د. العكور سابقا من اسباب الى ظاهرة تدخين الارجيلة التي تعد الشفطة او السحبة منها تعادل 6 أضعاف الواحدة من السيجارة, بسبب وجود مواد الجليسرين والمعطرات التي تحترق مُشكلة مواد شديدة السُمية.
ومن الارقام الاحصائية ايضا ان مستشفيات وزارة الصحة لا تمتلك سوى 35 سريرا لانعاش القلب, علما بأن ما يقارب 60% من الاردنيين مؤمنون لديها, ومنها ان 25% من فاتورة المستشفى تذهب فقط للطبيب, والباقي للمستشفى والمستهلكات الطبية, ومنها ان احد ادوية تمييع الدم ومقاومة الصفائح الدموية يباع في الاردن بسعر 66.5 دينار, بينما سعره في بلد المنشأ فرنسا 56.8 يورو, والجنيس لهذا الدواء بسعر 30 يورو, بينما في الاردن بسعر 47 دينارا, ومن المفارقات ان سعر عبوة فيها 400 حبة في امريكا 5 دولارات, ومن الاحصائيات ان ثلثي الوفيات في رومانيا وروسيا من امراض القلب, بينما فرنسا 28%.
المصدر : الحقيقة الدولية - العرب اليوم - محمد ابو عريضة 24.4.2010
رد مع اقتباس
المفضلات