د.حسين الخزاعي
"عمون" تفتح ملف الانتحار ،،، الظاهرة بدأ ت تأخذ أشكالاً أكثر وحشية في التخلص من النفس .. فمن المسؤول ؟ * تسع حالات منها استخدمت طريقة الشنق, وثلاث حالات القفز من فوق بنايات عالية, وثلاث تناولت كميات كبيرة من العقاقير ..
عمون – خاص - متابعة وتحليل د. حسين الخزاعي - الحقيقة المؤلمة والمؤكدة ان الانتحار اصبح ظاهرة عالمية حيث لا تخلو دولة في العالم من قدوم بعض افرادها على الانتحار، واستنادا الى تقديرات منظمة الصحة العالمية فأن نحو مليون شخصا يموتون سنوياً في العالم نتيجة للانتحار وبمعدل منتحر لكل دقيقة ، وهذا يمثل عاشر أسباب الموت عامة وثالثها بين الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 44 عاما. وتتزايد اعداد حالات الانتحار بين فئة الشباب, وهذا يدل على تفاقم هذه المشكلة وتزايد مشكلات الشباب التي تؤدي إلى الانتحار.وفي نفس الوقت فان منظمة الصحة العالمية تقدر أن محاولات الإنتحار تفوق هذا الرقم بما قد يبلغ عشرين ضعفا.
سوف ابتعد عن الفلسفة والتنظير والإشارة إلى النظريات الموجودة في بطون الكتب, نريد إجراءات لا نظريات ، فمئات من رسائل الماجستير والدكتوراه مرصوفة على الرفوف في شتى الحقول السياسية والاقتصادية والاجتماعية والزراعية والعلمية والطبية لا تقدمنا خطوة إلى الإمام إلا إذا سخرناها لخدمة الوطن ، سأبتعد عن النظريات وسرد أسباب ودوافع الانتحار, فلكل مجتمع خصوصياته الثقافية والحضارية وعاداته وسلوكياته, وهذه السلوكيات بعيدة كل البعد عن قيمنا وديننا وعاداتنا وتقاليدنا, سأنطلق من الفلاسفة القدماء حيث اعتبر الفيلسوف اليوناني طاليس الانتحار بأنه: عمل غير أخلاقي ينم عن عدوانية الفرد ضد نفسه يضر بالمجتمع والعائلة. والفلسفة في ذلك العصر كانت ام العلوم, سأنطلق من تعاليم وإحكام الديانات السماوية جلها التي طالبت في إتباع الطرق كافة لتوفير السعادة للبشر وعدم إيذاء النفس وسأرفع صوتي مذكرا وقائلا: "لجسمك عليك حقا". وهل هناك أعمق وأغزر من هذه التوصية للإنسان بان يحافظ على جسده من التعرض للأذى.
الذي زاد قلقي ودفعني للكتابة من جديد زيادة عدد حالات الانتحار التي تمت بشكل كامل منذ مطلع هذا العام حيث بلغت (15) حالة لتاريخه, وهذا العدد من المنتحرين بين الأردنيين فقط ، ويوجد عدد آخر من حالات الانتحار بين الجالية العربية والخادمات ، وهذا يعتبر تحولا كبيرا في عدد الحالات ونوعية طرق الانتحار لأن عدد الحالات قبل خمس سنوات لم يكن يتجاوز أل (20) حالة طيلة العام, والمقلق أن طرق الانتحار بدأت تأخذ إشكالا أكثر عدوانية وجرأة في الإقدام على قتل النفس وإيذاء الجسد وتعذيب الآخرين.
فالحالات الخمسة عشر التي تمت, تسع حالات منها استخدمت طريقة الشنق, وثلاث حالات القفز من فوق بنايات عالية, وثلاث حالات تناولت كميات كبيرة من العقاقير. والمحزن ان الذين أقدموا على الانتحار (ستة فتيات) وتسعة ذكور. وجميعهم تتراوح أعمارهم بين (12 سنة و 65 سنة ) منهم الحدث والطالبة والزوجة والمسن .
أسباب الانتحار
تؤكد كافة الدراسات التي تناولت موضوع الانتحار على انه لا يوجد سبب واحد للقدوم على هذا السلوك الانتحاري فهو نتيجة تفاعل سلسلة من العوامل تدفعه الى تدمير وانهاء حياته ، ولذلك يعتبر من الصعب جداً وضع أسباب محددة للانتحار, فكل الدراسات القديمة والحديثة أجمعت على تضافر العوامل النفسية والاجتماعية والطبية فيما بينها لحدوث الفعل الانتحاري, وتعتبر الأمراض النفسية والاضطرابات العصابية والذهانية من المسببات الرئيسية للانتحار, ولكن فرويد (عالم النفس المشهور) أشار إلى أن الانتحار هو توجيه العدوانية الكامنة بالشخص ضد ذاته, أي أن هناك أزمة نرجسية يعاني منها الفرد تتجلى في اضطراب التوازن عنده بين العالم المثالي المنشود والعالم الواقعي المعيش.
وقد يكون التفكك الأسري من أهم الأسباب المؤدية للانتحار, والبيت المحطم يعني الأسرة أو العائلة المفككة الأوصال والمتنافرة الأفراد, إذ تبين أن الذين فقدوا والديهم قبل سن الخامسة كانوا الغالبية بين المنتحرين وخاصة في عمر الشباب.
وأكدت الدراسات أن الرجال أكثر انتحارا من النساء, ولكن النساء يكثر انتحارهن في أعمار الشباب بين 20 ـ 29 سنة.
وتتفق معظم الدراسات على ان 90 % من حالات الانتحار ترجع إلى أمراض نفسية وعقلية كالاكتئاب والفصام والإدمان. وان 65 % منها تعود الى عوامل متعددة مثل التربية وثقافة المجتمع والمشاكل الأسرية أو العاطفية والفشل الدراسي والآلام والأمراض الجسمية أو تجنب العار . ولعلي في هذا الصدد اشير الى الاسباب الاجتماعية والتفكك الاسري وعدم الرعاية والتوجيه من الاهل وانعدام الحوار الأسري واهمال الأبناء وضعف الوازع الديني والبعد عن الاخلاق والقيم والسلوكيات الاسلامية السليمة التي تهذب النفوس وتجنبها الانزلاق في المخاطر ، وتعتبر هذه العوامل " محرشات " او " دوافع الانتحار " .
الوضع في الاردن
يتراوح عدد حالات الانتحار السنوي (30-65) حالة ، ولكن تسجيل (15) حالة انتحار منذ بداية هذا العام بين الأردنيين فقط ، فهذا مؤشر خطير بحاجة الى وقفه سريعة وخطوات عملية ناجعة، اما محاولات الانتحار فهي تبلغ بحدود ( 400 – 500 ) . ولان الاقدام على الانتحار او محاولة الانتحار تعتبر من الناحية الاجتماعية وصمة عار فان الاسر تلجأ الى عدم الافصاح عن محاولات ابنائهم للانتحار . وفي جميع الاحوال فان هذه الاعداد مقارنة مع الدول العربية والاجنبية تعتبر قليلة جدا . ومع انها قليلة فان الحاجة اصبحت ماسة لانشاء مركز لمعالجة وتاهيل ومتابعة كل من يحاول الانتحار وعدم تسليمة الى الاهل الا بعد الشفاء تماما من الاسباب والدوافع التي دفعته لارتكاب محاولة الانتحار خوفا من اعادة المحاولة مرة اخرى .
الوقاية والعلاج .
من المهم جدا تقديم يد العون والمساعدة للأشخاص المعرضين لخطر الانتحار وخاصة إذا كانوا من فئة الشباب عصب الحياة والمجتمع, وذلك عن طريق:
1ـ حماية الفرد من المحيط وتوفير الرعاية الطبية والنفسية له .
2 - عدم الاستهانة او الاهمال للاشارات والتحذيرات التي تصدر من الابناء وتهديدهم لذويهم بالانتحار، واخذ هذه الاشارات موضع الجد لان معظم حالات الانتحار تحدث بصورة مفاجئة ، والتعامل مع أبنائهم الذين حاولوا الانتحار في حضارية ومتابعة علاجهم ، وايجاد حلول لمشاكلهم ، والمراقبة الدائمة للأبناء وعدم المبالغة في اللوم او استخدام العنف في التربية .
3 – عرض الأبناء على الأطباء النفسيين ومتابعة علاجهم .
4- إنشاء مركز لإعادة تأهيل وعلاج محاولي الانتحار, ولنعترف بان التدخل المهني والعلاجي غير موجود لمحاولي الانتحار, حيث أن محاول الانتحار يسلم إلى أهله من دون أن يتم عرضه على طبيب نفساني مختص يتابع إعادة تأهيله والإشراف على علاجه.
مسك الكلام,,, تعاملوا مع قضايا الانتحار بجدية, لا تمروا مرور الكرام على حالات الانتحار التي تتم في الأردن, حتى لا نفاجأ بأرقام كبيرة وطرق أكثر وحشية في الاعتداء على النفس.
* الكاتب أستاذ – تخصص علم اجتماع – جامعة البلقاء التطبيقية
رد مع اقتباس
المفضلات