إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك ، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ؛ أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
يقول الله عز وجل : {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }البقرة275
{رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ }النور37
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }الجمعة9
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يأتي على الناس زمان، لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم من الحرام ". رواه البخاري
لا شك أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم هي الشريعة الخاتمة والناسخة لجميع ما سبقها من الشرائع ، وأي حكم يخالف شريعة محمد صلى الله عليه وسلم هو شرع باطل أو منسوخ ، قال الله عز وجل : {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ }الجاثية18 ، والله عز وجل أكمل لنا هذا الدين كما قال لنا : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } ، وفي الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام مسلم عن سلمان؛ قال: قيل له: قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء. حتى الخراءة. قال، فقال: أجل. لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول. أو أن نستنجي باليمين. أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار. أو أن نستنجي برجيع أو بعظم ، فحتى دخول الخلاء علمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم ، لذلك لا عجب أن تهتم هذه الشريعة الإسلامية بأمور المعاملات من بيوع ومعاوضات ، وغير ذلك من المعاملات التجارية ، وإن كان الأصل في البيوع الإباحة إلا أن الشريعة قد حرمت بيوعاً ومنعتها ، كما قال الله عز وجل : { وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } .
والبيع ثلاثة أشياء : بيع عين مشاهدة ، وبيع شيء موصوف في الذمة ، إذا وجد على ما وصف به ، وبيع عين غائبة لم توصف .
فأما الأول : فتكون فيه السلعة قائمة ، كمن قال بعتك هذا الثوب ، والثوب موجود أمامه فهذا جائز باتفاق الفقهاء ، وأما الثاني : كمن باع سيارة على سبيل المثال بأوصاف معينة ، فإن وجدها المشتري على ما وصفت على ما وصفت عليه فجائز ، وإلا فلا ، وأما الثالث : فعين غائبة لم توصف ، كمن باع سيارة دون تحديد أوصافها ، فالخيار هنا للمشتري ولا يجوز للبائع أن يلزم المشتري بشرائها .
ومن شروط البيع أن يكون المبيع مملوكاً للبائع ، أو مأذوناً له كالوكيل ، فلا يجوز أن يبيع الإنسان سلعة لا يملكها حال العقد ، لحديث حكيم بن حزام قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يأتيني الرجل يسألني من البيع ما ليس عندي، أبتاع له من السوق ثم أبيعه؟ قال: " لا تبع ما ليس عندك " رواه الترمذي والنسائي ، جاء في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي : " ومقصود السائل هنا أن هل يبيع ما ليس عنده ثم يشتريه من السوق ثم يسلمه للمشتري الذي اشترى له منه " ، لذلك فالحديث واضح هنا على عدم جواز هذه الصورة من البيع ، وقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع الرجل طعاما حتى يستوفيه. قلت لابن عباس ( والقائل هنا طاوس) : كيف ذاك؟. قال: ذاك دراهم بدراهم، والطعام مرجأ ، وروى أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه). قال ابن حجر في فتح الباري : ( معناه أنه استفهم عن سبب هذا النهي فاجابه ابن عباس بأنه إذا باعه المشتري قبل القبض وتأخر المبيع في يد البائع فكأنه باعه دراهم بدراهم ، ... أي فإذا اشترى طعاماً بمئة دينار مثلاً ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام ثم باع الطعام لآخر بمئة وعشرين وقبضها والطعام في يد البائع فكأنه باع مئة دينار بمئة وعشرين دبناراً ) وفي الحديث الذي يرويه أبو داود : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " . .. وفي صفة القبض عن الشافعي تفصيل : فما يتناول باليد كالدراهم والدنانير والثوب فقبضه بالتناول ، وما لا ينقل كالعقار والثمر على الشجر فقبضه بالتخلية ، وما ينقل في العادة كالأخشاب والحبوب والحيوان فقبضه بالنقل إلى مكان لا اختصاص للبائع به . لذلك فما ذكرناه واضح لا لبس فيه على عدم جواز بيع ما لا يملكه البائع ، والله اعلم بالصواب .
رد مع اقتباس
المفضلات