كيف تنظر إسرائيل إلى الهدنة ؟

[ 23/12/2007 ]




اقتراح إسماعيل هنية بعقد هدنة مع إسرائيل ليس بالجديد في فكر حماس السياسي. فقد صدر للتو كتاب لآفي شليم من جامعة أكسفورد بعنوان "أسد الأردن" يتحدث فيه عن عرض حماس لعقد هدنة مع إسرائيل لمدة ثلاثين عاما. وكتبت أنا شخصيا في كتابي الذي نشر قبل عامين وبشيء من التفصيل عن عرض حماس لعقد هدنة مع إسرائيل عام 1997 والذي قدم من خلال الأردن إلا أن رد إسرائيل كان محاولة اغتيال رئيس مكتب حماس في عمان. فهذا العرض ينسجم مع فكر تيار عريض في حماس الذي لا يؤمن بحل الدولتين والذي يرى عامل الوقت في صالح القضية الفلسطينية، على العكس من غالبية الشعب الفلسطيني، كما تبين الاستطلاعات المختلفة. يفهم إسماعيل هنية أن مصالح إسرائيل في غزة تدور حول مواضيع ثلاث: وقف إطلاق صواريخ القسام على بلدة سديروت، منع تهريب السلاح إلى غزة، وإطلاق سراح الجندي الأسير جلعاد شاليت. تكسب إسرائيل وبخاصة حكومة أولمرت كثيرا بتحقيق هذه الانجازات. لكن قبول إسرائيل بعقد هدنة مع حماس سيخلق تحديات أمام إسرائيل، سيقوى وضع حماس على حساب سلطة الرئيس محمود عباس وهذا لا يصب في مصلحة إسرائيل ولا ينسجم مع الموقف الدولي الذي يسعى لخلق نموذج "ضفة غربية" ناجح مقابل نموذج حماس الفاشل. وعلى المستوى الإستراتيجي، تشير التقديرات الاستراتيجية الإسرائيلية المختلفة أن حماس ستسعى لاستخدام الهدنة لإعادة ترتيب وضعها والحصول على المزيد من السلاح تحضيرا لجولة أخرى. وبالتالي، ومن وجهة نظر عسكرية إسرائيلية، من الأفضل مواجهة حماس الآن وهي معزولة. عقد هدنة مع حماس وإن يحقق بعض المصالح الحيوية لإسرائيل إلا أنه لا يتفق مع الاستراتيجية العامة لإسرائيل التي تهدف إلى تعزيز الانقسام في الصف الفلسطيني وإضعاف حماس. ويزداد صانع القرار الإسرائيلي حيرة بعد نشر تقارير الشين بيت وتقارير الجيش الإسرائيلي التي تفيد بأن موقف إسماعيل هنية الجديد هو بسبب الضغط العسكري الإسرائيلي الذي أعقب مؤتمر أنابوليس ورغبة هنية لتجنب اجتياح إسرائيلي لغزة. يستخلص تقرير الشين بيت إلى ضرورة مواصلة الضغط العسكري من اجل أن تكون إسرائيل في وضع تفاوضي أفضل. من هنا نفهم موقف إسرائيل العلني الذي يرفض التوصل إلى هدنة مع حماس قبل استجابة الأخيرة لشروط اللجنة الرباعية الدولية الثلاثة. وهذا ما أكد عليه شمعون بيريس في كلمة ألقاها في كفر قاسم قبل يومين والتي ردد فيها موقف أولمرت. فعلى الرغم من حماس بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية إلا أن الموقف العام هو "لندع حماس توقف إطلاق الصواريخ وتحقق تهدئة عندها يمكن أن نستجيب بشكل ايجابي لكن دون اتفاق رسمي". أستبعد أن تكون إسرائيل مهتمة بأكثر من تحقيق المصالح الثلاث، التي ذكرت، دون الحاجة إلى تهدئة حقيقية. فوجود حالة من التوتر بكلفة منخفضة تساعد إسرائيل على إبقاء المقولة الأمنية لتعطيل أي جهد سلمي إن لم ينسجم وشروط إسرائيل المعروفة. بهذا المعنى فإن لحماس موقعا في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي لتسهيل تحقيق أهداف إسرائيل. وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن لدى حماس مخططا للعمل بما يحقق المصلحة الإسرائيلية، لكن الأمور بنتائجها. وهذه يقودنا لطرح تساؤل آخر. إذا كانت حماس تتعامل بشيء من البراغماتية لحماية الشعب الفلسطيني في غزة من اجتياح مع ما يحمل من عواقب اقتصادية وعسكرية سيئة، فلماذا لا تحاول حماس الاقتراب من الرئيس محمود عباس وتقدم مصلحة الشعب الفلسطيني قبل مصلحة البقاء السياسي لها! ونفس السؤال يمكن توجيهه إلى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، ألم يحن موعد مراجعة الذات والنظر إلى فلسطينيي غزة بالعين الأخرى؟!


حسن البراري - صحيفة الغد