احباب الاردن التعليمي

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 13

الموضوع: غدر البشر وظلم الزمان..موت خلف القضبان

  1. #1
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Thu Dec 2009
    الدولة
    AlGeriA
    العمر
    36
    المشاركات
    395
    معدل تقييم المستوى
    15

    غدر البشر وظلم الزمان..موت خلف القضبان



    °°غدر البشر وظلم الزمان..موت خلف القضبان°°



    قام يُعيب حظه في احــــدى الليالي ويُنيب قهر الأيـــــــام.. لم يفكر لا في ذاك الأنين ولا حتى في أنس الحديث وغدر الأنام.. وأحسب أنه من رواد العلم في هذا الزمـــــان.. فلم تمر ليلة الا ورأيته من نافذتي على طاولة مضاءة بمجموع كتب.. بجانب حبر بائن للعيان..

    شدني من أمره الكثير.. فهو قادم جديد من بلاد الغرب.. فنحن لا نعرف من أصله ولا فصله الا جسما نحيلا.. وعمرا شديا غلب عليه طابع الشؤم وقل الكلام..

    حاكيت جميع من أعرف في أمر هذا الغلام.. فحسبنا يا صديق من الشقاء في هذه الدنيا.. مايأتينا به ذاك القدر في عز المنام.

    انقضت أيام الخريف وأقبلت أيام الشتاء وسالت الأجواء بردا وقرا.. كما نبع سيل ذاك الغلام.. وكان اعز عليَ من نفسي أن أتسمع أخباره من الاهل والجيران.. فعلى قدر غموضه وتعاسته البائنة.. على قدر تعلقي بأخباره وفضولي الزائد لاكتشاف ذاك المخفي خلف الأسوار.. بل كان كما الظل الزائل لأثر الأقدام..

    مرت ليال كثــار.. وكنت أراه من خلف نافذتي بذاك الطيف المصور للعيان.. اما باكيا أو منتحبا.. أو رافعا رأسه الى السماء كما العاشق الولهان..

    وهكذا انقطع هذا المسكين عن العالم بخيره وشره.. ليتكلم حس كامن بداخلي.. فلكم تمنيت أن أمسك بيده.. أتسمع لهمومه.. أشاركه دموعا لربما تزيح عنه ذاك الشيء الكبير ان غدت دموعي.. و لنقل نسان تبنى هموم انسان..!!

    وأنا اسطر مجموع هاته الافكار.. اذ بغيم أمر يجتاز عنان السماء بلون قاتم أصم.. بدد تفكيري الانساني وأرداه قتيلا خلف القضبان.. لأصير تائهة بين مدخل ومخرج كان هو للأفكار..

    كيف لي أن أصل الى سره.. وكيف لمجتمعي أن يتقبل جملة انسان تسمع لانسان بغض النظر عن فتاة أو غلام؟

    وماهي الا أيام قلائل حتى أبل من مرضه بعض الابلال.. وأعتقد أن الخادم التي زارته مذ ايام.. كان له منها من أخبار ما يسر الخاطر والوجدان..


    وهاهي تلك الحياة ابتسمت له لأيام.. وصار يخرج لهاته الدنيا بفم مبتهج وابتسامة على الرغم من أنها ابتسامة حزينة الا انها عبرت عن ما يلج في صدر ذاك الغلام..

    وهكذا مرت الأيام.. حتى حسبته انسانا آخر وعليَ الملام!! ..

    خرجت ذات يوم الى ذلك الشارع.. واذ بوجهي يقع على وجه تلك الخادم التي مافتئت تزوره لحقبة شهور تمثلت في مجموع أيام .. كانت مسرعة ووجهها كما المخضب التائه المصفر بادمان.. أردت استوقافها والسؤلان.. لكن الموقف فرض عليَ أمر التناسي والنسيان..

    قضيت حاجتي في يوم لازالت خيوطه تلمع كما خيوط شمس ذهبية في يوم حالك.. وكأني عانقت أمواج الشطآن.. تخيلت الخادم كما تلك الأمواج تأتي غدوا رواحا .. لتفرد تلك الشمس أناملها وتتركني في بحر أسميته بحر التيهان..

    زرت تلك النافذة من جديد بعد هجران كان شريد..فاذ بحاله القديم يزوره.. واذ بدنيا الاحباط واليأس تسوده.. هنا عقدت العزم على اقتفاء اثر الخادم.. لا لشيء.. سوى لأن حالا كما حاله تستوجب الوقوف والتشبت .. لتغدو حاله عندي كما الدم وسط الشريان..

    انتظرتها لشهور هكذا قالت مخيلتي.. في حين ان ساعات انتظاري لم تتعد أيـــام.. فلكم كانت أوقاتي تلك طويلة عسيرة.. وكأني أنا من كنت أعاني آلام الوحدة.. تعب الفراق ووحش الأقارب والخلان..

    نزلت سلالم العمارة ذات يوم.. واذ بعيني تطأ أرض الأقدام.. أرض تلك الخادم .. هرعت اليها وأنا أرديها السلام.. يا أخت العرب.. هلا تسمحين لي بسؤال؟؟ .. نظرت الي نظرة شريدة.. تملكني الرعب من ورائها وأصابت جسمي رعشة شديدة.. سقط كتاب من مجموع كتب كنت أحملها.. لتلتقطه متأملة اياه واياي بنظرة سديدة.. ردت علي السلام.. ليزورني حس الامان..قالت.. فلتتكلمي.. هنا صمت الكلام!! .. لم أجد ما اقوله وقد اختفى المقال.. قلت وأنا في غاية الاحراج والتيهان.. أحسبكي غريبة عن حينا.. فلتقبلي دعوتي ولتشرفينا الى بيتنا.. استغربت الانسانة من قولي.. وكاني قلت غريبا.. مخلا بالمشاعر بعيدا عن حلو الكلام..

    أجابتني قائلة.. أعذريني يا بنيتي.. فأنا من اللائي اكفهر لهن وجه هاته الدنيا بصمت الأنام.. أعمل في بيت بعيد من هنا .. وأخاف أن يحس اصحابه بغيابي.. ووقتها علي وعليهم السلام..

    قلت لها.. فلتسمحي لي ان ارافقكي الى مخرج الشارع .. فلا احلى علي من التعرف عليكي والكلام..

    مشينا ونحن نعانق أنس الصمت الولهان.. الى حين نطق شفاهها قائلا.. غريب أمر هاته الدنيا بغرابة بشر هذا الزمان.. أردفتها القول.. ولم هذا الكلام؟ .. اجابتني .. لازلتي بعمر الزهور ايا بنيتي.. ولا اريد تعكير الحال والمحال.. فلتعلمي ان هذه الدنيا سرب أوهام.. قد تتراءى لكي قمة في الشاعرية والحنان.. في حين أنها تلعب بكي وترديكي قاتلة ظالمة.. ليتبرأ منكي الناس وحتى الاخوان..

    توقفت لحظة ووصلت كلامها بحال ذاك الغلام.. استقطعتها الحديث قائلة .. مابالكي وذاك الانسان.. مابالكي وذاك الانسان؟؟

    أخرجت تنهيدة.. من أعماق النفس.. لو تكلمت لخاطبت الوجدان.. قالت.. قصته قصة طويلة لم يعرف فيها لهذا الحاضر عنوان.. في حين ان ماضيه أرهقه وأرهق تلك الفتاة المرمية على الفراش خلف الجدران.. فتاة؟؟ وأي فتاة؟؟ قاطعتني الحديث .. موت عمه و غربته الحالكة صنعت ذاك الشتات..

    هنا .. مر أبي من أمامي.. استوقف سيارته ناظرا الي بوجه شاحب سباني.. فهمت من عيانه أنه يسألني عن هاته المرأة .. أجبت وبلا استئذان.. صديقة.. صديقة عرفتها في هذا المكان.. واصلت حديثي.. مارأيكي لو نوصلكي الى بيتكي.. لتردفني الحديث قائلة.. لا.. تشرفت بعرفكي.. الى لقاء آخر والسلام.

    ركبت السيارة.. وبمخيلتي ألف سؤال وسؤال.. عرفت بداية الخيط.. حال عكر.. فتاة.. غربة.. موت وشتات.. يا الهــــي.. هل أنا في حقيقة.. ام منــــام..


    وهاهي الأيام تمضي بمضي عمر الانسان.. وصرت ارى مكان الكتب مجموع أدوية ومهدئات .. مرض ذاك الغلام مرضا شديدا أرقده الفراش امدا.. ولولا جار من جيران العمارة تكفل بطبه وعلاجه بأمر من رب العباد.. لكان حاله كما حال المجهول.. المشرد.. المعدم الهوية.. المسروق الحنان.

    أينكي ايتها الخادم.. ياليتني أخذت منكي العنوان.. أهكذا تسمحين في حال وتنسين عشرة سنين وأعوام..
    وهاهو الربيع يفرش بساط زهره على وجه الخليقة والانام.. بقدومه ازينت الدنيا.. ضحكت الافواه وغنت الالسنة اعذب الترانيم بألحان..

    وأنا أحمل ورقة وأخط هذا الكلام.. اذبتلك الخادم تعاود الزيارة وتقصي الحال والمحال..
    انتظرن خروجها بفارغ صبر لزمن يزيد عن الساعتين.. وهاهي تغادر المكان لتجدني في انتظارها.. يا الهي وكأني لعبت دور المحقق دون استئذان..

    تأملت ملامح وجهي لبرهة.. ابتسمت معها رغبة مني في اخماد نار تعجبها للحظة.. وها أنذا اسلم عليها .. سائلة عن حالها .. حال العائلة وكل من جاء ببالي حتى استوقفت لساني وأنا اراه مسترسلا في الكلام..

    قالت أنا بخير وأحسبك الفتاة التي التقيتها مذ شهور.. اي وربي مذ زمان..

    قلت أنا هي.. ولا تملكين اليوم اي حجة.. هاهي تلك غرفتي.. نافذتي ترديكي السلام.. فلتتقبلي اليوم ضيافتي ولن أرض بغير زيارة.. حتى لو استمرت وقتا قصيرا.. حسبي منكي ومنها تلاشف فنجان قهوة وتبادل اطراف الكلام.. ابتسمت في وجهي قائلة.. قبلت الدعوة على أطيل البقاء.. وهانحن نجلس على شرفة تلك النافذة.. سألتها عن الغلام.. لتخرج تنهيدة من اعماق النفس وتتكلم على لسان ذاك الانسان..


    "انا فلان ابن فلان.. فتحت عيناي على هاته الدنيا ولم أجد بجانبي غير رداء يقيني قر شتاء.. فأبي راح شهيدا قبيل ولادتي بأشهر.. وأمي لفظت أنفاسها الاخيرة بولوج أنفاسي هذا العالم.. لم أعرف للوالدين حنانا..ولم أغبط لهاته الدنيا أمانا.. وقد اعتبرت خادم أمي.. أبـــي وأمــــي.

    أبي كان ميسرا متيسر الحال والمحال.. فقد امتلك من الأراضي وحب التجارة والمتاجرة الكثير..الشيء الذي صنع له مكانة عظيمة بين اصحاب المال والجاه..

    كنت صغيرا.. وبوفاة ابي استحوذ عمي على ثروته.. ليتحول من مزارع بسيط الى تاجر وضع له وبدل الحساب الف حساب.. من شدة جشعه تركني مع الخادم التي اسميتها أمي.. أسير تقلب أيام..

    اشتغلت أمي ببيوت الناس والجيران.. أطعمتني.. ألبستني.. أحبتني حبا عظيما و حنت علي حنوا كبيرا..

    لحق عمي بمركب الأموات بعد ان اشتد عظمي.. وقد ترك وصية قبيل وفاته مخاطبا زوجته فيها.. 'لقد ظلمت ابن اخي في حياتي.. ولا اريد تحمل ازره في مماتي.. أحضريه الى بيتنا وليكن الرجل بعدي.. عامليه معاملة حسنة.. علني اكفر بها عن ذنبي'

    وها نحن ننتقل للعيش في قصر كما قصور الملوك ضخامة.. بل برؤيته تملكني حس.. اعتقدت انني بطل من ابطال قصص امي الليلية بهاوة..

    وكان لعمي فتاة تصغرني بعام.. كنا نقضي اليوم بطوله نجول ونتجول في انحاء المعمورة وأطراف الشوارع.. لم نترك بيتا الا وطرقنا بابه.. ولا عصفورا الا وولجنا اعشاشه.. أنست بها انس الأخ بأخته.. أحببتها حبا شديدا.. فكان لايرانا الرائي الا ذاهبين الى المدرسة او عائدين منها.. أو نحل الغاز السحاب أو نروي قصص الأصحاب.. أو مجتمعين في غرفة نستشعر حروف الكتاب..

    فقد كانت بريئة براءة الأطفال.. شدية شداوة عطر الأحلام.. أتممت دراستي دونها .. لكنها كانت بجانبي أينما احل.. على ضفاف بحيرة.. تحت ظل شجرة.. فقد عقد الود بين قلبينا عقدا لا يحله الا ريب المنـــون..

    لم أكن أعلم طبع حسي اتجاهها.. لكنني كنت أعلم أن ذاك الشيء المضمر.. يبقى بلا أمل.. بلا رجاء.. فأمها لن تحنو بها على بائس مثلي.. هذا ان صارحتها..والموت أهون علي من أكون أول فاتح لجرح في قلبها.

    كان الفصل خريفا.. وبينما كنت أتأمل حال الطبيعة المتقلب من على نافذتي.. اذ بباب غرفتي يطرق.. واحسبها أمي.. قابلتها بابتسامة.. فاذ بوجهها مكتئب حزنان.. وفي عينيها كلام بألف استفهام..

    قالت.. سيدة الكلام ترديك السلام.. وتقول.. ابنتي صارت صبية وقد نويت تزويجها.. وأنت تعلم ان الخاطب لا يطرق بابا مريبا.. قلت.. ماتقولين برب السماء؟ أكملت الحديث.. قالت.. سأشتري لك بيتا في أطراف المدينة وليكن بيتك.. و اتكفل بجمبع مصاريفك..

    هنا اسودت الدنيا بوجهي.. ولم اشعر بحالي الا مرتميا جاثيا على ركبتاي أعانق حضن أمي.

    حملت حقيبتي وأنا اتمتم قائلا.. ابنة عمي هي.. رفيقة طفولتي وصبايا.. فلا أحب علي من رؤيتها سعيدة .. هانئة في عيشها حالمة في حياتها.. وقد انسللت انسلالا لم يشعر أحد بم كان به.. عدا امي.. فكان اخر عهدي ببيت قضيت فيه اسعد ايام حياتي رفقة تلك الاميرة النائمة.. لأتوجه الى هذا اعالم وحيدا.. معانقا حياة البؤس من جديد.. "



    هنا توقفت المرأة عن الكلام بعد أن تملكها سعال شديد أحسست وكأن روحها تستأذنها به الخروج.. قامت تطل على شرفة البيت وقمت معها.. أخذت تتأمل وتتألم لتكمل الحديث قائلة.. "لم أنم تلك الليلة التي غادرنا فيها.. فقد قضيت ليلتي مذعنة صاغرة أدعو الله أن يحميه ويتولاه بالرعاية والحماية.. وهاهو الصباح يفرد خيوطه البيضاء ليبعث الأمل في النفوس الآملة ويسيطر بحزنه بجحوده على النفوس المتألمة السائلة.. وضعت الافطار كما عادتي.. وهاهي الأم وابنتها تجتمعان على مائدة لولا وجودها ما اجتمعتا يوما ولا استأنستا بأنس الحديث دهرا..

    نظرت الي الفتاة نظرة خاطفة وكأنها تود سؤالي عن ابن عمها وشقيق قلبها.. لتقطع سيدة المنزل هذا الصمت وهي تقول.. أين سلام؟ ليس من عادته المغيب صباحا.. تلعثم لساني واغرورق عياني لأسيطر على الموقف وحالي.. لقد غادر البارحة.. غادرنا البارحة.. ابتسمت الأم ابتسامة ماكرة شزراء.. لتدخل البنت في شبه غيبوبة وكأنها تود العزلة والانطواء..

    قامت باكية جاثية على شبه قدم الى غرفتها.. في حين أن الوالدة خاطبتني قائلة.. 'لقد كبر الولدان وما من داع لبقاءهما تحت سقف بيت واحد.. فابنكي خريج جامعة وبامكانه الاعتماد على نفسه.. تحسين حاله وتدبير محاله.. ستتألم.. ستتألم وئام قليلا.. وسيزول المها بمرور الوقت والأيام'

    هنا أحسست وكأني أنفاسي تلوذ بالفرار والخروج الى عالم غير عالم هاته الدنيا حزنا وقساوة.. واذ بمنظر الغروب يدلي بدلوه علينا وعلى وجوهنا المكتئبة الحزينة صانعا لنا كلمات صامتة.. لو نطقت لكونت في حد ذاتها قصيدة متكلمة..

    لتكمل حديثها قاطعة صمتنا بالكلام.. "قضت البنت أياما حالكة سوداء.. ماكانت تقوم من فراشها الا نادرا.. وهاهي تفقد نظارتها ونشاطها الذي عهدناه منها.. ماتركت أمها طبيبا الا واستشفت به.. ولا أنيس خير الا واستعانت به.. لكن حالها لم يتغير.. وقيد جرحها لم يتحرر..

    كنت أسهر الليالي بجانبها.. أذرف دموعا حارقة جمعت بين حال ولدي المجهول وحالها.. الى أن وصلني في صبيحة ذات يوم مرسال.. وكان من ابني.. نعم.. انه من ابني..
    "أمـــاه.. غادرت بيت عمي كارها وها أنذا اغادر وطني آبيا.. لم أقدر الفراق.. ولم يغبطني ومذ ولادتي ترشف حس اللقاء.. فمن عاش حياة البؤس والوحشة قدرا من الزمان .. لن يعيبه عيش الوحدة والفراق وهذا حال الانسان..

    مشيت في البراري والقفار.. تأملت حال الطبيعة ولون الشروق بخيوط فجر ..تحت سيول الأمطار.. تعاقبت علي الأيام وتنوعت رؤيتي للنجوم وتوضع وجوه الأقمار.. الا أن طيفها مالبث يلحقني أينما أحل وأينما تطأ قدمي هاته الأرض حتى وأنا أكتب رسالتي هاته بالمطار..

    سأغادر البلاد مع رفيق درب.. سأكمل دراستي ببلاد الغربة.. أستعين بها على طرد الوحشة .. فوالله أرى ساعتي أن الغربة عن الوطن أمي الحنون الرؤوم.. ستقسو علي هناك الأيام.. لكن لن تصل قساوتها الى قسوة أقدار وأنا بموطني الأم..

    سلامي لابنة عمي.. وأودعيها هذا الكلام.. أخبريها بأني عائد لامحال.. سأعود وأنا بأبهى حال.. سأكون مستقبلي وأرفع شهادتي .. فلتحفظ اسمي ولتقل انه كان ولازال ابن عمي حافظ سري .. رفيق دربي وهذا وعدي.. دعواتك أماه.. ولكما مني السلام"


    لم تسعني الفرحة.. فذهبت راكضة الى البنت لأقرأ عليها الكلام.. وهاهي تشرق من جديد.. فسبحان مغير الأحوال..

    هنا جلست المرأة على كرسي وقد أخذ منها تعب الكلام ومني شغف التأثر والاستماع.. لتستأذنني بالذهاب والمبيت عند ابنها.. من أسميته سابق عهدي غلام.. وصار اسمه عندي سلام.. أوصلتها الى العمارة المقابلة.. واستودعتها الى غد قريب بمشيئة الرحمن..

    وأنا في طريق العودة الى البيت .. اذ بصوت المرأة يصدح عاليا.. وكأنه بصوت عويل صارخ.. لم تتمالك قدماي هول المسمع لأركض جارية الى عيان المنظر.. فاذ بالغلام على الأرض ساقط والناس من حوله آثروا أنس السلام..

    أبي أينك ياابي.. قلت هذا الكلام بعد أن هاتفت والدي بلا شعور.. 'جار لنا بين الحياة والموت.. فان كنت تقرب المكان فلننقله الى المشفى عله يعانق الحياة من جديد.. والانسان للانسان'.. وما هي الا دقائق حتى نقل الى المشفى وسط اجتماع الناس والجيران.. أدخل العناية المركزة.. فحاله لم تسر الخاطر ولا العيان..


    فيارب تول برحمتك ذاك الغلام..



    وهاهو النهار يفرد خيوطه البيضاء .. وأشرقت شمس أسميتها شمس أمل من جديد بعد أمس كان ولا زال عالقا بتلك الذاكرة شريد.. حملت افطارا لتلك المراة واتجهت الى المشفى لاطمئن على حالها وحال ذاك الغلام البائس المسكين.. وهاهي على نفس جلستها فوق مقاعد الانتظار تتوجه بعيانها الى باب تلك الغرفة وسماء الرحمن..

    أسعد الله صباحكي خالتي.. كيف الحال؟.. وصباحكي اسعد بنيتي.. نحمد الله على كل حال وفي كل الاحوال.. سلام حاله مستقرة بعد ساعات من اجتماع الأطباء عليه.. لا ادري ماداؤه لم يشأ أحد منهم اخباري.. لكن اعتقد أنه بخير.. الحمد لله..

    "أتعلمين بنيتي.. نذرت للرحمن صوما لو شفي ابني.. كما نذرت قبل فترة من الزمان صوم أيام لو شفيت وئام.. لكني تمنيت شيئا والأقدار حكت أشياء" تقصدين ابنة عم سلام مالها وما لحق بها؟

    "بعد قراءتها لذاك المرسال .. سرى الدم في عروقها من جديد.. أشرقت وبانت للعيان.. وماهو الا وقت يسير من الزمان.. حتى طرق الخطاب بابنا من أصحاب عز ومال وجاه.. كانت ترفض كل من تقدم اليها وفاء لابن عمها.. الى أن جاء ذاك اليوم الذي لازالت دقائقه معلقة بذاكرتي..

    فرضت أمها عليها ابن رفيقة لها.. وخيرتها بين رضائها عليها في دنيا فانية.. أو قبولها الارتباط بمن أسمته ذكيا.. غنيا.. يحفظ مالها ويصون عرضها..

    هنا لم تجد الفتاة ملاذا عدا القبول.. وأخذت تتساقط أوراقها يوما بعد يوم.. تزوجت بذاك الانسان.. الا أنها لم تقدر النسيان.. فذكريات سنين لن تمحى بين اشراقة شمس وغطاء غمام..

    كان زوجها دائم السفر والترحال.. فكنت أزورها في كثير الوقت والأيام..
    أخذ المرض يسري بها وبجسمها النحيل .. كانت تسعل سعالا شديدا يفجع بسماعه سائر الأنام.. ليطلقها زوجها بعد ثماني اشهر وعام.

    في هذه الفترة عاد ابني سلام من الخارج وهو يحمل ارقى الشهادات.. قال هذا في رسالة أرسلها لبيت عمه.. بعث لي عنوان اقامته.. فداومت زيارته ونقلت رسائل ابنة عمه اليه قبل أن تتوفاها المنية بأيام"

    ماتت؟؟

    "نعم ماتت تلك البريئة بعد صراع مع المرض دام أعوام.. فمن الأطباء من قال أنه مستعص.. ومنهم من قال أنه يشفى بمرور ايام.. ليتكلم القدر في النهاية ويصمت الكلام.. كانت هاته اخر كلماتها داخل مرسال أرسلته لابن عمها..

    'أيا صديق القلب والوجدان.. فتحت عيناي على هاته الدنيا وأنا أرى صورتين متحركتين للعيان.. صورة والدي .. وصورة أمي رحمها ربي التي لم تطعمني ذاك الحنان..لتكون صورتك أبهى صورة زارتني في هاته الحياة ولربما جمعنا ربي بعد الممات..قضيت أسعد أيام طفولتي معك.. رأيتك كما الأخ.. الصديق.. وصرت بعدها لا أقدر فراقك وذاك الحس بالأمان.. علنا نلتقي يوما مع أني اود رؤيتك في اقرب الآجال.. دمت باروع حال.. ابنة عمك'


    "وما ان قرا المرسال حتى ركض جاريا وركضت معه مع أني لم أعرف سبب هذا القلق والهيجان.. وبوصولنا رأينا ذاك المنظر الذي تقشعر له الانفس والأبدان.. بكينا وبكينا.. لنسكنها الثرى.. ليكون آخر عهدنا بها.. ومن وقتها تدهور حال سلام"


    في هاته اللحظات من الزمان.. لحظنا تهافتا غير طبيعي على غرفة الانعاش.. وهاهي روحه ترحل الى بارئها.. لاحقا بدوره ابنة عمه .. وئام..

    يا الــــــــــهي تول برحمتك أم هذا الغلام.. ولتهمنا جميعا جميل الصبر والسلوان..


    لم يجتمعا على أرض الأنام .. فاجتمعا خلف رداء الموت بعيدا عن مجتمع الفوارق.. التصنع و سيطرة العيان



    .... ....


    ....


    ..

  2. #2
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Jun 2008
    الدولة
    صانعة رجال البواسل رجال الهيه المملكة الهاشمية
    المشاركات
    146,552
    معدل تقييم المستوى
    11586669



    غاليتي القصة عجبتني كثير وحابة
    انشرها كموضوع منفرد باسمك غير موضوعك السابق
    ولانني شهدت فيها جمال الاشتياق
    اسمحي لي ان اضعه عنوان منفصل وموضوع منفصل
    تقديري
    [IMG]http://upload.*************/images/x2mkz8wacct87217xe.gif[/IMG]

  3. #3
    الاداره
    تاريخ التسجيل
    Tue May 2009
    الدولة
    الرايه الهاشميه حفظها الله
    المشاركات
    212,599
    معدل تقييم المستوى
    21475063
    الف شكر للطرح الرائع
    يعطيكي الف عافيه
    ليس من الصعب ان تصنع الف صديق فى سنة
    لكن من الصعب ان تصنع صديقا لألف سنة
    يكفيني فخرا انني ابن الرايه الهاشميه

  4. #4
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Thu Dec 2009
    الدولة
    AlGeriA
    العمر
    36
    المشاركات
    395
    معدل تقييم المستوى
    15
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الاسطورة مشاهدة المشاركة



    غاليتي القصة عجبتني كثير وحابة
    انشرها كموضوع منفرد باسمك غير موضوعك السابق
    ولانني شهدت فيها جمال الاشتياق
    اسمحي لي ان اضعه عنوان منفصل وموضوع منفصل
    تقديري
    [img]http://upload.*************/images/x2mkz8wacct87217xe.gif[/img]

    أهلا غاليتي.. وشكرا لمبادرتكي أخيتي

    صدقيني بربي أني تأثرت بالقصة الى أبعد حد.. وكأني تقمصت أدوار أبطالها بكلم أسميته كلم جد

    شهادتكي تسعدني حبيبتي.. مروركي أضفى على القصة موسيقى بسمفونية عذبة رقيقة

    هو البهاء .. بل الرقاء والنقاء فدمتي لي و لقلبي شقيقة


    كتبت القصة بين أحضان الطبيعة وصلب الحجر

    لأتخيل مجريات أحداثها تحت ظل القمر.. والحمد لله راقتكي.. فيال فرحتي بكي.. وبحلو هذا المنظر





    نورتي سكرة



    تحياتي

  5. #5
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Jan 2009
    المشاركات
    2,026
    معدل تقييم المستوى
    18
    بوركت اخيتي على القصة الرائعة
    والتي نجد فيها حال الكثير من مجتمعنا

  6. #6
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Thu Dec 2009
    الدولة
    AlGeriA
    العمر
    36
    المشاركات
    395
    معدل تقييم المستوى
    15
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الدراوشه مشاهدة المشاركة
    الف شكر للطرح الرائع
    يعطيكي الف عافيه
    ولك جزيل الشكر على مرورك أخي

    ان شاء الله راقتك أحداث القصة مع اني تمنيت ان تغبطني برأيك وتلك مداخلتك النقدية والأدبية



    تحياتي

  7. #7
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Thu Dec 2009
    الدولة
    AlGeriA
    العمر
    36
    المشاركات
    395
    معدل تقييم المستوى
    15
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة الاسلام مشاهدة المشاركة
    بوركت اخيتي على القصة الرائعة
    والتي نجد فيها حال الكثير من مجتمعنا
    القصة رائعة بمداخلتكي أخيتي

    نعم حاكت واقعا مشابها لواقع حياتنا وأيامنا

    حملت في طياتها أنين بشر خلف جدران هذا الزمن


    نورتي سكرة


    تحياتي

  8. #8
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sat May 2007
    الدولة
    أم الدنيا وارض الكنانه
    العمر
    39
    المشاركات
    120,668
    معدل تقييم المستوى
    21474973
    اشكرك على روعة القصه

    يعطيكِ العافيه

    كل الود



  9. #9
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Nov 2009
    المشاركات
    105
    معدل تقييم المستوى
    15
    قصة رائعة شكرا

  10. #10
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Thu Dec 2009
    الدولة
    AlGeriA
    العمر
    36
    المشاركات
    395
    معدل تقييم المستوى
    15
    عزيزتاي رمــــــــز الوفاء و arya

    أنرتما متصفحي بهذا المرور العطر

    ان شاء الله راقتكما احداث القصة بفصولها وتشعب احداثها




    نورتو



    تحياتي

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. إذاعة مدرسية كاملة عن غض البصر - مقدمة عن غض البصر
    بواسطة A D M I N في المنتدى اذاعة مدرسية 2020/ 2021
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 22-10-2016, 10:26 PM
  2. شاهين خلف القضبان مجدداً
    بواسطة محمد الدراوشه في المنتدى كلام في السياسة
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 22-08-2011, 02:39 PM
  3. من وراء القضبان يرقد انسان
    بواسطة العفيف في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 20-12-2010, 07:07 PM
  4. شيخ الأقصى خلف القضبان الصهيونية
    بواسطة الاسطورة في المنتدى منتدى الاخبار العربية والمحلية
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 25-07-2010, 12:09 AM
  5. *** حب ... بهذا ..الزمان ... كذبه .. من ...كذب .... الزمان .... !!! ***
    بواسطة عدنان 22 في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 10-03-2008, 11:05 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك