احباب الاردن التعليمي

صفحة 7 من 7 الأولىالأولى ... 567
النتائج 61 إلى 69 من 69

الموضوع: مقامات عائض القرني

  1. #61
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Mar 2008
    الدولة
    ஓஓمقبرة العيزريه ஓஓ
    العمر
    39
    المشاركات
    2,985
    معدل تقييم المستوى
    19
    المقـامَــــة الأنـدلـسـيّـــة



     كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ 
    جَادَك الغيثُ إذا الغيثُ هَمَى
    لم يكن وصلك إلا حُلما
    يا زمانَ الوصلِ بالأندلسِ
    في الكَرَى أو خِلْسةَ المختلسِ

    حدثنا محمود بن أنس ، قال : لما دخلنا الأندلس ، وهي في ثياب الجمال تتبهرج ، ولسانها من الخجل يتلجلج ، قلنا : كيف الحال ، يا موطن الرجال ، أنتِ بلسم الفؤاد ، وأرض الآباء والأجداد ، ومهبَط جيش طارق بن زياد ، فقالت : أهلاً بالأخوة من النسب ، أهل الكرم والحسب ، وبيننا سبب الإسلام أعظم سبب ، ثم التفتنا إلى ثلاثة شباب ، وقد ارتدوا أجمل الثياب ، فقام أحدنا معرفاً بأسمائهم ، ونسبهم إلى آبائهم ، فقال : أما الأول : فاسمه عبد الرحمن بن طارق بن زياد .
    والثانـي : عبد الله بن موسى بن نصير .
    والثالـث : عبد السلام بن عبد الرحمن الداخل .
    فقلنا يا أبناء الأجواد ، وأحفاد الأسياد، حدثونا عن هذه البلاد .
    فقال عبد الرحمن : أما قرأتم التأريخ ، وما فيه من مدح وتوبيخ ، أما علمتم أن أجدادنا دخلوا الأندلس فاتحين ، مكبرين مسبحين ، عظموا الله في القلوب ، فملّكهم الشعوب ، نشروا رضاه بالدماء ، فرفع رايتهم في السماء ، صدقوا في الديانة ، فشرفهم بحمل الأمانة ، نشروا العدل ، وطردوا الجهل ، فهم كالغيث على المحل ، فلما تخلف بعدهم جيل ، وضلوا السبيل ، أصبحوا في الذيل ، ثم بكى وأنشد :
    هل سألت الدهر عنا يوم كنا
    ونشرنا في بلاد الله نورا
    كنجوم الليل للجوزا وصلنا
    نقلت أخبار أهل الفضل عنا

    فقام عبد الله ، فقال : يا الله ، كيف كنا ، وكيف أصبحنا ، بعدما قصرنا في ديننا ما أفلحنا ، كانت المنائر تؤذن بدعوتنا ، والمنابر تضج بخطبتنا ، كنا بالإيمان سادة ، وللشعوب قادة ، لأننا أطعنا الرحمن ، وحكّمنا القرآن ، وحاربنا الشيطان ، فلما قعدنا عن الجهاد ، وعصينا رب العباد ، ووقعنا في الفساد ، صرنا ما بين طريد وشريد، وقتيل وفقيد ، ثم بكى وأنشد :
    هذا جزاء أناس بالهوى غلبوا

    وقصروا في أمور الدين فاستلبوا

    كانوا شموساً عيون الناس ترمقهم

    لكنهم بعد طول الدهر قد غربوا

    ثم قام عبد السلام ، فاندفع في الكلام ، وقال : لما اتبعنا الأثر ، حكمنا البشر ، وبلغ مجدنا القمر ، وفرح بنا البدو والحضر ، فلما وقعنا في الترف ، وأدمنا السرف ، ودعنا الشرف، وصرنا كالصّدف ، ثم أنشد :
    يا رب هل من عودة للدين في

    أرض فتحناها برسم الدين

    شِدْنا بها صرح العلوم فأصبحت

    تاجاً لكل موحد مأمـون

    قال الراوي محمود : ثم دخلنا غرناطة ، والقلب قد هد نياطه ، فوجدناها قد كتب على بابها : السلام على من اتبع الهدى ، وأجاب الندا ، أنا غرناطة فاعرفوني ، سلبت من أيدي أهلي فارحموني ، كنت مدينة العُبَّاد والزهاد والأجواد، فأصبحت ملعب الأشرار ، ومرتع الكفار ، ومسرح الفجار ، فرحم الله عبداً ترحم عليَّ ، وأهدى ثواب حجه إليَّ ، فبكينا مما رأينا ، وكأنها تشكو إلينا .
    ثم أتينا قرطبة ، وهي معبسة مقطبة ، فوجدنا على باباها كتابة ، كأنها كتبت بالسبّابة ، فقرأنا فإذا هي تقول ، يا أهل العقول ، أنا قرطبة دار العلوم ، سلبني الظلوم ، ونهبني الغشوم ، كنت داراً للعلماء ، وكعبة للحكماء ، ومزاراً للكرماء ، ومنـزلاً للعلماء ، واليوم أصبحت بارة للخَمَّار ، وحانوتا للشَّطار ، بعد أن كنت بيت الأبرار ، وكهف الأخيار ، فوقفنا نبكي ، وإلى الله نشكي .
    ونادى منادينا ، وصاح حادينا ، فقال أين القوم الفاتحون ، أين الملأ الناصحون ، أين صقر قريش ، أين قادة الجيش ، أين الناصر والزهراء ، أين الحاكم والحمراء ، أين المنذر بن سعيد ، صاحب الرأي السديد ، والنهج الرشيد .
    أين ابن عبد البر ، الذي نشر العلم في البحر والبر ، ونثر الجوهر والدر ، أين الاستذكار ، من أنفع الكتب في الآثار ، أين التمهيد الذي ما حمل مثله البريد .
    أين ابن حزم ، صاحب العزم ، إمام الظاهر ، صاحب العلم الباهر ، والقلب الطاهر ، صاحب القدح المعلّى ، ومؤلف المجلّى ، والمحلّى ، الذي بلغ الإمامة ، وألف طوق الحمامة .
    أين القرطبي صاحب التفسير ، أين الشاطبي الإمام الشهير ، حامل الفكر المستنير ، أين ابن زيدون ، وابن خلدون ، وابن عيذون ، وأهل الفنون ، ما لهم لا ينطقون .
    أين رائعة :
    أضحى التنائـي بديلاً من تدانينا

    وناب عن طيب لقيانا تجافينا

    أين السحر الحلال ، والروعة والجمال في :
    جادك الغيث إذا الغيث همى

    يا زمان الوصل في الأندلسِ

    أين العويل والبكاء في أم الرثاء والقصيدة الغراء :
    لكل شيء إذا ما تم نقصان

    فلا يغر بطيب العيش إنسان

    أين لسان الدين الخطيب ، ومؤلف نفح الطيب ، وابن رشد الحفيد ، الذكي الفريد ، صاحب بداية المجهتد ، ونهاية المقتصد . أين المنصور بن أبي عامر ، البطل المغامر ، صاحب العزم القاهر . لله كم من علم جليل ، ورأي أصيل ، ونسب نبيل ، ووجه جميل ، دفناه في هذا الثرى ، وتركناه آية للورى .
    هنا تركنا أكبادنا ، هنا دفنا أولادنا ، هنا قبرنا أجدادنا ، هنا دموعنا سفحت ، هنا دماؤنا سفكت ، هنا مرابع سمرنا ، وهنا ديار شمسنا وقمرنا . هنا طرحنا نفوس الأبطال الأشداء ، في بلاط الشهداء ، هنا أرواحنا خفاقة ، على قتلى معركة الزلاّقة .
    ما كنا نظن أنَّا إلى هذا الحال نصير ، بعد أمجاد موسى بن نصير . اسألوا الجبال والوهاد ، اسألوا كل ناد ، واستنطقوا كل واد ، عن كتائب طارق بن زياد .
    أعندكم خبر عن أهل أندلس

    فقد سرى بحديث القوم ركبان

    تلك الفجيعة أنست ما تقدمها

    وما لها في قديم الدهر صنوان

    لمثل هذا يذوب القلب من كمد

    إن كان في القلب إسلام وإيمان

    السلام على كل أندلس في الآخرين ، وجمعنا بأهلها من المسلمين ، في جوار رب العالمين . هذه أخبار الأندلس : وسلامتكم .

  2. #62
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Mar 2008
    الدولة
    ஓஓمقبرة العيزريه ஓஓ
    العمر
    39
    المشاركات
    2,985
    معدل تقييم المستوى
    19
    المقـامَــة الأفغانـيّــــة



     إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ 
    تأخرت استبقي الحياة فلم أجد
    وليس على الأعتاب تدمى كلومنا
    لنفسي حياة مثل أن أتقدما
    ولكن على أقدامنا تقطر الدما

    لما دخلنا أفغانستان ، سألنا عن حدودها ، فقيل يحدها باكستان ، وطاجكستان ، وحولها بلوشستان ، وهي قريبة من كردستان ، وأسفل منها عربستان ، ووراءها تركمانستان ، ووجدنا شباباً من قحطانستان ، وزهرانستان ، وشهرانستان ، وشمرانستان ، ولما وصلتها وحدت جند الرمن ، وكتيبة الإيمان .
    ووجدنا الموت يصنع هنا الحتوف ، تعلنه كل وقت الكلاشنكوف ، من شركة إسلام أوف ، ليقتل بها كل ملحد أوف ، وملعون أوف ، من قائمة خرتشوف ، وغرباتشوف . فحيينا الأفغان بقصيدة شعبية ، نيابة عن الأمة العربية ، فقلت :
    يا سلام الله لحكمة هو وخان

    وانعم يا سياف حضرة جنبخان

    قايد القوات فيهم جنخاني

    كم عدو بأرض كابل جنخوه


    فرد أحد العربان ، وليس أحد الأفغان ، فقال :
    اللهب في المعركة سوَّى دخان

    والعساكر كل واحد جنخان

    كل جندي جاب مركب جنخاني

    يوم كل يتقي في جنب خوه


    ويل لمن قاتل الأفغان ، أين عقله كيف يمازح الأسد وهو غضبان ، الأفغاني يأتي المعركة كأنه يأتي العرس ، ويصب دمه كأنه يسكب حبراً على طرس ، عنق الباكستاني أربع أصابع ، لأن آخر من قتل من أجداده الجد السابع .
    وعنق الأفغاني سبع أصابع ، لأنه لا يموت إلا في المعركة بسيف قاطع .
    الأفغاني في الغالب لا يسمع الأغاني ، ولا تلهه الغواني ، لأنه مشغول بالمثاني ، واستنباط المعاني .
    وجدنا في أفغانستان رجالاً كالأسود ، وكتائب كالسدود ، أرضهم للملاحدة لحود ، ورصاصهم لبلادهم حدود . الأفغاني قليل الدعابة ، ظاهر المهابة ، غزير النجابة ، كأنه ليث غابة .
    الأفغاني إذا غضب أحرق مزاجه ، ورمى علاجه ، وذبح الرجال كذبح الدجاجة .
    أخرجت لنا شوارع سميرا ميس ، فاتنات في الحرير تميس ، وشباباً من أتباع انطون وجرجيس ، وأخرجت لنا جبال الكندوش ، تلك الجيوش ، فهذا الأصلي وذاك المغشوش .كبّلت كابل أعداء الدين ، وقهرت قندهار الملحدين ، وأخرجت جلال أباد المجاهدين . دخل شعب الأفغان الدين وأسلم ، على يد قتيبة بن مسلم ، وصاح شاعر الأفغان ، محتجاً على الطغيان ، إذ يقول وهو يقاتل في الميدان :
    نامني نزام شرقيا
    مصطفى مجتبـي
    نامني نزام غربيا
    حبيبيا محمّـدا


    ومعنى أبياته أي أرفض النظام الشرقي ، والنظام الغربي ، وأريد نظام حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم المصطفى المجتبى .
    العجم أهل مبالغة في الأحكام ، إذا قالوا لك عن أحد هذا مولانا شيخ الإسلام ، وعالم الأنام ، فاعلم أنه يحفظ ثلاثة أحاديث من بلوغ المرام ، وإذا قالوا عن عابد: هذا بركة الزمان ، ونور الأكوان ، وولي الرحمن ، فاعلم أنه لا يزيد على صيام رمضان .
    أبو إسماعيل الهروى الأنصاري أفغاني ، وهو العالم الرباني ، وقد أحيا الشاعر محمد إقبال الأفغانِ ، في ديوانه المثاني . الأفغان شجعان ، في الليل رهبان، وفي النهار فرسان ، لو أن في أفغانستان ، طالب واحد لسلم من الخلاف الإخوان ، ولكن في أفغانستان ، طالبان اثنان .
    قبل القتال كان في أفغانستان ، عابدان ، أي عابدون ، وفي الحرب جاء مجاهدان ، أي مجاهدون ، وبعد الحرب ظهر طالبان ، أي طلبة متعلمون ، فهم في السلم عباد أولياء، وفي الحرب مجاهدون أشداء ، وبعد النصر علماء حكماء .
    المثنى عند الأفغان ، جمع مذكر سالم عند العرب أهل اللسان ، لأن واحدهم بعشرة في الميزان ، تستورد الهند وباكستان ، من أفغانستان ، القادة والزعماء ، وتصدران لها الرسّامين والشعراء ، الأفغاني يفهم إشارة العينين ، وبعض الناس لابد في إفهامه من حركة اليدين ، والبعض لا يفهم إلا باليدين والرجلين .
    احتل أفغانستان الروس ، فرجعوا جثثاً بلا رؤوس ، لأن عند الأفغان مثل : ( اقطع من الوردة رأسها ، واترك أساسها ) .
    الأفغاني تريد الإتمام به وهو يريد القصر ، قل له أجمل الدنيا الشام، يقول لك أجمل منها مصر ، إذا وقفت جلس ، وإذا قمت نعس ، وإذا تثاءبت عطس ، وافق الأفغاني إلا في الحرام ، وأظهر له الحب والاحترام ، يكن في يدك كالحسام ، وفي نصرتك كالغلام .
    غضبُ بعضهم في بطنه ، إذا غضب أكل أكْل الدواب ، وغَضبُ البعض الآخر في لسانه إذا غضب ملأ الدنيا بالسباب، وغضب الأفغاني في يده إذا غضب حوّل كل شيء إلى خراب ، لا تكلم الأفغاني وهو غضبان ، ولا تمازحه وهو تعبان ، ولا تصافحه وهو جوعان .
    يا أيها الأفغان ، أطيعوا الرحمان ، سوّوا صفوفكم ، واغمدوا فيما بينكم سيوفكم ، وسدّوا الفُرَجْ ، وانتظروا من الله الفَرَج ، ولكم منا تحية إجلال ، على حسن الفعال ، ولن ننسى لكم تلك البطولات ، وهذه التضحيات ، والحسنات يذهبن السيئات .
    واعلموا أنَّ الوفاق والاتفاق ، هو الطريق لحمل الميثاق .
    وأن الافتراق ، هو باب الإخفاق .

  3. #63
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Mar 2008
    الدولة
    ஓஓمقبرة العيزريه ஓஓ
    العمر
    39
    المشاركات
    2,985
    معدل تقييم المستوى
    19
    المقـامَــة الأمـريـكانيــة




     لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ 
    من بلادي يطلب العلم ولا
    وبها مهبط وحي الله بل
    يطلب العلم من الغرب الغبي
    أرسل الله بها خير نبي

    قال الراوي : يا عائض ، دعنا من الردود والنقائض ، فإنا نرى الفجر وشيكا، فحدثنا عن أمريكا قلت: الله المستعان ، وهو عظيم الإحسان ، ممدوح بكل لسان .
    لقد سافرنا قبل مدّة ، من أبها إلى جدة ، في صحبةٍ بالصدق معروفون ، وبالخير موصوفون ، فكنا قرابة العشرة ، قاصدين بلاد الكفرة ، فلما ودّعنا البلاد ، وحملنا الزاد والمزاد ، أنشد شاعرنا بصوت جميل ، ودموعه تسيل :
    سقى الله أرضاً لامس الوحي أرضها

    وجميـلها بالشـيح والنفـلانِ

    فأنتِ التي أسكنـتِ حـبكِ مهجتي
    مـهجتي
    وسحـرك في عيني وملءُ جناني

    ثم مشينا مع الجموع السائرة ، حتى ركبنا الطائرة ، فرأينا الكبتن، كأن خده لبتن، أحمر الوجنتين، أزرق العينين ، فلما طرنا مقلعين ، وسافرنا مسرعين ، قاربنا السحاب ، وللطائرة أزيز وانتحاب ، فنظرنا إلى القمر المضاء ، وطالعنا كتاب الفضاء ، فبهرنا ذاك الصنيع ، والخلق البديع، من شمس تسطع ، وقمر يلمع ، ونجوم زواهر ، وبحار زواخر ، الأرض مكوّرة ، والسماء مدوّرة ، والكون ليس عاطلا ، فسبحانك ما خلقت هذا باطلا وسمعت للركاب تصدية ومكاء ، قلت أين أنت يا بكاء :
    اقرأ القدرة في الكون البهيج
    قـل هو الـرحمن آمنا به
    لا تكن يا صاحِ في أمر مريج
    قدس الباري ورتل في نشيج

    فلما اقتربنا من تلك الولايات ، قرأنا بعض الآيات ، وأنشدنا شيئاً من الأبيات ، وهبطنا في مطار جون كندي ، ودثّرت من شدة البرد جسدي ، وأصبحنا من البرد في ثلاجة ، حين وصلنا ديار الخواجة ، وانتظرنا في صف عريض ، بين سود وبيض ، والجوّ من أفعال أولئك مريض ، ثم سمعنا أمريكياً يرطن ، يقول هيّا إلى واشنطن ، فغادرنا المحل والسكن، وركبنا مع شركة بان أمركن ، فحززنا أجسامنا بالرباط حزّا، وهزتنا الطائرة هزّا ، لأن قائدها أهوج ، قلبه مثلّج ، فكل راكب بالخوف مدجّج ، فكأنها من الركاب فاضية ، ونادى بعضنا يا ليتها كانت القاضية ، أما الأمريكان ، فما كأنّ شيئاً كان ، فهم في لهوهم يضحكون ، وإذا مروا بنا يتغامزون ، فما أدري ، والطائرة تجري، هل تعجبوا من جزعنا ، وسخروا من فزعنا ، وأنكروا هلعنا ، فليتهم يعلمون ، وعن غيّهم يرجعون ، أن أجدادنا نحن أهل الوجوه الصفراء ، والغتر الحمراء ، كانوا بالتوحيد فاتحين ، وعلى أمواج البحار سابحين ، قلوبهم مصاحف ، وبيوتهم للفضائل متاحف ، يحملون الأرواح على السراح ، إذا نادى المنادي : السلاح السلاح ، أما علمتم أنا أتباع محمد، خير من تعبّد ، وصام وتهجّد ، ومنّا الخلفاء الأصفياء ، الأوفياء الشرفاء ، ومنّا العلماء الكرماء الحلماء ، والسادة أهل الإفادة ، والرفادة والوفادة .
    نحن حملة المحابر ، وأصحاب الدفاتر ، وروّاد المنابر ، فضحكوا ساخرين ، والتفتوا لقوم آخرين ، وقالوا قطعتكم الأماني ، وأشغلتكم الأغاني ، يا ضرّابة العود ، ويا رعاة القعود ، ليلكم طرب ، ونهاركم لعب ، يا بلاد الفنانين والفنانات ، والمغنين والمغنيات ، الأحياء منهم والأموات ،.. قلنا كذبتم ورب المشارق والمغارب ، و لا يكتم الحق إلا كاذب ، أين أنتم يوم فتحت لنا السماء ، وكتب تاريخَنا الحكماء ، يوم عشنا في العالم رحماء ، وحكمنا الدنيا حلماء ، وملأنا المعمورة علماء .
    هل أشرق الفـجر إلا من مآذننا

    وهل همى الغيث إلا من مآقيـنا

    حتى النجوم على هاماتنا سجدت

    والشمس في حسنها قامت تحيينا

    فقالوا تلك أمة قد خلت ، وحقبة سلفت ، وقد نامت النعجة في مربض الأسد ، لما نسيتم قل هو الله أحد ، أخذتم من الغرب قشوره ، وما صنعتم للعالم طبشورة ، وأخبار لعبكم ولهوكم منشورة ،.. قلنا فاتكم الصواب ، وأخطأتم في الجواب ، فأنتم الذين تركوا العالم هشيماً ، أما دمرتم نجزاكي وهيروشيما ، أهلكتم النسل والذرية ، بالقنابل الذرية ، حكمتم بلا شريعة ، وأحللتم المخالفات الفظيعة ، ونشرتم كل عادة خليعة ، هجرتم الذكر ، ونسيتم الشكر ، وأبحتم السكر ،.. فقال قائل منهم ، وتحدث كاتب عنهم ، فذكر لنا صناعتهم ، وشرح لنا بضاعتهم ، وقال : أما ملأنا البر حتى ضاق عنّا ، وحكمنا البحر بقوة منّا ، أما صنعنا الطيارة ، أما هندسنا السيارة ، أما سهلنا التلفون ، ويسرنا التلفزيون ، واستفدنا من ذبذبات الأمزون ، أما صنعنا للعين زجاجة ، وللطعام ثلاجة ، وللطفل درّاجة ، ضخّمنا بالميكروسكوب الهباء ، وأضأنا الليل بالكهرباء، أجدنا الدفاع والهجوم وبلغنا بالاختراع النجوم ، هبطنا على القمر، واكتشفنا الماس من الحجر ،..
    قلنا رفضتم الإيمان ، وهجرتم القرآن ، وأطعتم الشيطان ، هدمتم المساجد ، وشيدتم للفجور المعابد ، أنفقتم المليارات على البارات ، وعرضتم للناس الغانيات، وملأتم المراقص بالمغنيات ، المخمور في شوارعكم يخور ، والكأس على رؤوسكم تدور ، الأبيض عندكم مقدس والأسود مقهور ، البنوك لديكم مرابية ، والأسواق في بلدكم لاهية ، ومجالسكم لاغية ، ملحدون لا موحدون ، متفرقون لا متحدون ، ليس لديكم إسلام ولا صلاة ولا صيام ، ولا حلال ولا حرام ، شهواتكم وثَّابة ، وألسنتكم كذابة ، كأنكم في غابة ، قتلت عندكم المبادئ في النوادي ، في كل يوم وللرذيلة لديكم ألف منادي ، أين الاعتراف بالاقتراف ، أين الكفاف والعفاف ، غارقون في المادة ومن الفضيلة أجلاف ، لا وضوء ولا طهارة ، ولا مسجد ولا منارة، بل أنتم أصحاب حانوت وخمّارة . للدماء سفكتم ، وللأعراض هتكتم .
    تكاد تسقط من أفعالكم غضباً

    هذي السماء وتخبو منكم الشهب

    والجو يظلم مما تصنعون فيا

    ويح الحضارة إذ ما صانها الأدب

    .. فقال دعنا من الأشعار ، ولا تلصق بنا العار ، فما يرتفع الدخان إلا من النار ، أما تشاهدون تقدمنا أما ترون ، ما لكم لا تنظرون ، غزونا المريخ ، وأنتم تعيدوننا إلى التأريخ ، فماذا فعلتم في قديم الزمان ، تكلموا ولكم الأمان ،..
    فقلنا : سبحان الملك القدوس ، ما أظلم هذه النفوس . أليس على أرضنا الوحي هبط ، وفي ديارنا غيث الرسالة سقط ، ومنا عرفت الهداية فقط .
    أليس منّا الصدّيق وعثمان ، وعمر وثوبان ، وعليّ وسلمان، وبلال وحسّان ، منّا خالد المقدام ، والقعقاع الصمصام ، ومنّا همّام ، وأبو تمام ، ومنّا أويس ، والأحنف بن قيس ، وأسماء بنت عميس .
    أما صفق لقدومنا الفرات والنيل ، وهلل لطلعتنا مضيق الدردنيل ، نحن أساتذة الأكراد والتركمان ، ومعلموا الإنجليز والألمان ، أما اندهش من عبقريتنا شارلمان ، وبسماحة الصّدّيق فتحنا الطريق ، بدرة الفاروق ، أدبنا أهل العقوق ، بصدق أبي ذر، قلنا الحق وهو مرّ ، منّا الرشيد الذي تحدّى السحاب ، وملك من طنجة إلى البنجاب ، ومنّا المعتصم الذي فتح عمورية ، ونسخ الدولة الآشورية ، منّا السعدان والسعيدان ، والسفيانان ، والحمادان ، ومنّا البخاري ، وصاحب فتح الباري ، ومؤلف لامع الدراري ، وشارح هدي الساري ، بعثنا للعالم مبشرين ، وخرجنا للناس ميسرين ، أذقنا العباد طعم الحرية ، وأعتقنا العالم من المنظمات السرية ، أذنّا في الحمراء ، وصلينا في الزهراء ، ربطنا خيولنا على ضفاف اللوار ( ) ، وسجدنا على صحراء سنجار، وتلونا القرآن على جبال قندهار ، رفعنا الإيمان في الهند ، ونشرنا المعرفة في السند ، أسرنا الجبابرة ثم أعتقناهم ، وملكنا الأكاسرة ثم أطلقناهم ، نكبّر فتسقط القلاع ، نؤذّن فتهتز التلاع ، نقرأ فتطرق الأسماع . لبسنا الثياب المرقعة ، والأحذية المقطعة ، ففتحت لنا البلاد ، ورحب بنا العباد ليلنا قيام، ونهارنا صيام ، في الدجى رهبان، وفي الميدان فرسان ، على المنابر سادة ، وفي المعارك قادة، ساوينا بين الأمراء والفقراء ، والحقراء والكبراء ، أنصفنا الشاة من الذيب ، وعلّمنا الوحوش التهذيب .
    نحن شموس العلوم ، ونجوم الفهوم ، ربطنا على بطوننا الحجارة من الجوع، وبللنا مواطن السجود بالدموع ، وكنّا في صلاتنا كالسواري من الخشوع .
    نتوضأ فتتناثر منّا الخطايا ، نغنم فتسيل من أيادينا العطايا ، نرتل القرآن فتقف على أصواتنا المطايا . نادى منادينا ، على سنة هادينا ، يا أيتها النفوس من الموت اشربي ، ويا خيل الله اركبي ، فجمّد الله لنا الماء ، وظلّل علينا الغمام في السماء .
    منّا من اهتز لموته عرش الرحمن ، ومنّا من كلّمه الله بلا ترجمان ، ومنّا من غسّلته الملائكة يوم التقى الجمعان ، لا نكذب ولو أنّ السيوف على الرؤوس ، ولا نسرق ولو أنّ الجوع يمزق النفوس ، اسمعوا ماذا قال كاتبكم وله منكم معجبون ، أعني جوستاف لوبون ما عرف العالم فاتحاً أعدل من العرب ، فهم أهل الرحمة والحلم والأدب ، واستشهِدوا الكتب :
    نحن هل تدري بنا للناس فجرُ

    قصدنا جـنّة مـولانا وأجرُ

    قد ملأنا الأرض عدلاً وارفاً

    وسِوانا في الورى عُجْرٌ وبجرُ

    أمّا ما ذكرت من تخلفنا هذه الأيام ، فهو لضعف تمسكنا بالإسلام، ملأنا الكروش وشاهدنا الدشوش ، وزينا الرموش ، وجمعنا القروش ، اشتغلنا بالمراسلات ، وسهرنا مع المسلسلات ، فأصبحنا في السلاّت المهملات ، والخانات الفارغات ، أحببنا الكرسي ، وعشقنا التبسي ، وأدمنا الببسي ، وتعلقنا بالتكسي ، نحن في الأسواق أمواج ، وفي الشوارع أفواج ، أموالنا في شراء الدجاج ، وأوقاتنا ذهبت في الحراج ، لما اتخمنا بالعصيدة
    ما أصبحنا ننظم القصيدة ، أصبح طالبنا أبله ، لأنه عاش مع طه والطبلة ، حفظنا متن التيس والتميس ، والكيس والكبيس ، أصبح نشاطنا بزفير وشهيق ، وتشجيع للفريق ، وللبواري هدير ونهيق . لا يصلي الفجر منّا إلا قلة ، ولا يحفظ القرآن إلا ثلة ، ونقول نحن أنصار الملة . مع العلم أن الاهتمامات دلّة ، وفلّة ، وسلّة ، وشلّة .
    كبارنا منهمكون في القيل والقال ، وحب المال ، إلا من رحم ذو الجلال ، وشبابنا كالأطفال في الروضة ، مشغولون بآخر موضة ، ولهم في الملعب ضجيج وفوضة ، عقل أحدهم كأنه ريشة ، وسلوته السيجارة والشيشة :
    رحماك فهل نحن أحفاد الأُلى ركبوا

    موج البحار بدين الواحد الصمد


    فـما دهـانا رجعنا القـهقرى
    أسفا
    أشك يا دهر في قومي وفي بلدي

    فوالذي زين الشمس في ضحاها ، وجمّل القمر إذا تلاها ، وحسن النهار إذا جلاّها، ما أصابنا التخلف، وما دهانا التوقف، إلا يوم عصينا رب العباد ، وتركنا الجهاد، وكثر فينا الفساد ، كان مؤذننا بلال ، وملعبنا ميدان القتال ، وقصدنا ذو الجلال ، فما أصبح لنا طول ولاحول ، لأن همنا كمْ سجلنا من قول ، فيا للهول ، بالأمس كان شبابنا بالقرآن يفرح ، وللسنة يحفظ ويشرح ، واليوم أصبح يسرح ويمرح ، مع نجوم الفن والمسرح ، أما تنظر إلى شعره إذا رصّه، وجعل له قَصَّة ، ثم مسح شفتيه بالمكياج ، ومشى وله ارتجاج ، فكيف لو رآه الحجّاج ، وما ترى لو دُبِغ بكرباج .
    لو أن للدهر عيناً منهموا دمعت

    أو أن للصخر قلباً نابضاً لبكى

    أزروا بأمتهم من سوء سيرتهم

    لأجلهم كم سألنا الموت لو فتكا

    .. فقالوا لنا : الآن حصحص الحق ، وبان الفرق ، وظهر الصدق . فودّعناهم وكل واحد منهم كأنه فارة ، وذهبنا للسفارة ، ثم زرنا مكتبة الكونجرس ، وطرقنا الجرس ، فما هو إلاّ وقت يسير ، حتى خرج لنا خواجةٌ يسير ، قلنا له : جدمورنج سير ، فدخلنا مكتبةً هائلة ، أدراجها مائلة ، فيها كل الفنون ، وملايين المتون، مما تبصرون وما لا تبصرون ، فناولونا هديةً في وعاءْ ، وقالوا : لا تنسونا من الدعاء .
    قلنا : اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم أحدا ، لأنك لو علمت ما صنع الأمريكان ، لاهتزت منك الأركان ، فهي أم إسرائيل ، وبيت كل داء وبيل ، يستعيذ منها أبرهة صاحب الفيل ، ناصرت اليهود ، ولم تعترف بالحدود ، وما ردعتها القيود ، أمريكا أفتك من هتلر وتيتو ، خدعت العالم بالفيتو ، من أطاعها فهو خادم مهين ومن عصاها فهو شيطان لعين ، تنظر إلى الأيتام وهم يُنقلون ، وتشاهد اللاجئين وهم يُقتلون ، ولا تُسأل عما تفعل وهم يسألون ، غيرها من خيرها محروم ، وهي ظالم في ثوب مظلوم ، تريد أن تكون المنتصرة والعالم مهزوم ، ولكن لها يوم .
    ليت البراكين في أرجائها رقصت
    وليت أن صدى الزلزال زعزعها
    والرعد يا ليته في أرضها خطبا
    حتى تصير على أطلالها لهبـا

    الله يمزق سداها ، وينصر عليها عداها ، ويقصر مداها ، ويظهر رداها ، الله يُخليها من سكانها ، ويقتلعها من مكانها ، ويزلزلها من أركانها ، فهي أم الكبائر ، وجالبة الخسائر ادعوا عليها في السجود ، عسى الله أن يلحقها بعادٍ وثمود .
    ثم قلنا من بحر الرجز ، بعد أن كَلّ الفؤاد وعجز :
    يقول عائض هو القرنــيُّ

    أحمد ربي وهو لي ولـيُّ

    مصلِّياً على رسول اللـــه

    مذكراً بالله كل لاهــي

    قد جئت من أبها صباحاً باكـرا

    مشاركاً لحفلكم وشاكـراً

    وحملتنا في السماء طيــــارة

    تطفح تارةً وتهوي تـارة

    قائدهـا أظنـه أمريـكــي

    تراه فـي هيئتـه كالديـك

    يـا سائل الأخبـار عـن أمريـكا

    اسمع رعاك الله من يفتيـكا

    وهـذه أخبـار هـذي النشــرة

    مسافة السير ثـلاث عشرة


    من الرياض عفشـنا ربطنــــا

    وفي نيويورك ضحى هبطنا

    أنزلنــا في ســرعة وحطنــا

    ثم قصدنـا بعدهـا واشنطنا

    ثم ركبنــا بعدهــا ســيارة

    مسـتقبلين جهة الســفارة

    منزلنـا في القصر أعنـي ردسن

    يا كم لقينا من قبيح وحسـن

    فـي بلد أفكـاره منكوســـة

    تثقله بصــائر مطموســة

    يقدسـون الكلـب والخنزيــرا

    ويبصـرون غيرهم حقــيرا


    ما عرفــوا الله بطـرف ساعـة

    وما أعــدوا لقيام الســاعة

    فهـم قطيـع كشــويهات الغنـم

    جــد وهـزل وضيـاع ونغم

    منهـم أخذنـا العـود والسيجـارة

    وما عرفنـا نصنـع السيــارة


    استيـقظـوا بالجـد يـوم نمـنا

    وبلغـوا الفضـاء يـوم قمنـا

    وبعد ذا زرنـا مبـاني الكونجرس

    فلم نجـد مستقبلاً إلا الحرس
    فيهـا ملايين حـوت من الكتـب

    في كـل فـن إنه من العجـب


    ومعنـا في صحبنـا العجـلان

    أكرم بـه مـع العـلا جـذلان

    وقد صحبت شيخنا السدحـانـا


    قـد صرت في صحبته فرحـانا

    وصـالح المنصـور من بريـدة

    يشبـه سعـداً وأبـا عبـيــدة

    وافقت فيـهم فالـح الصُغيِّـرا

    آنسـنا جـداً وكـان خيــِّـرا

    ومعنـا عبد العـزيـز الغامدي

    ابن عزيـز صـاحب المحـامـد

    والشـهم عـبد القادر بن طـاش

    ذو القـلم السيـال في انتعـاش

    فهـو أبونا فـي مقـام الترجمة

    لأننا صـرنا صخوراً معجمـة

    ثـم هبطـنا فـي مطـار دنفرا

    جلـودنا في البرد صارت كالفِرا

    أيضًا وزرنا أهل تكسس في دلس

    عند شبـاب كالنجـوم في الغلس

    بالمنقتن أخـت ثراهـوت التـي

    كأنهـا بـاقــة زهـر جنــةِ

    وِلْ كَمْ حفظنـاها بمعنـى ويلكم

    بليـز أي إبليـس قـد جاء لكـم
    والحمـد لله عـلى السـلامـة

    حمـداً يوافـي دائمـاً إنعـامـه


    ثم صـلاة الله مـا هب الصـبا

    على الرســـول الهاشمي المجتبى

    وبيـتـه والآل والصـحابــة

    والعـذر إن لم أحسـن الإصـابـة

  4. #64
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Mar 2008
    الدولة
    ஓஓمقبرة العيزريه ஓஓ
    العمر
    39
    المشاركات
    2,985
    معدل تقييم المستوى
    19
    المقـامَــة الـنسـائيــــة


    (( النسـاء شـقائق الرجـال ))
    لا أسأل الله تغييرا لما فعلت
    فالليل أطول شيء حين أفقدها
    نامت وقد اسهرت عيني عيناها
    والليل أقصر شيء حين ألقاها

    رفقًا بالقوارير ، فإنهن مثل العصافير ، لكل روض ريحان ، وريحان روض الدنيا النسوان ، هن شقائق الرجال ، وأمهات الأجيال ، هن الجنس اللطيف، والنوع الظريف ، يلدن العظماء ، وينجبن العلماء ، ويربين الحلماء ، وينتجن الحكماء ، المرأة عطف ، ولطف وظرف ، سبابها سراب ، وغضبها عتاب ، من وخطه المشيب، فليس له من ودهنّ نصيب ، لو جعلت لها الكنوز مهرا، وقمت على رأسها بالخدمة شهرا ، ثم رأت منك ذنبا قليلا ، قالت ما رأيت منك جميلا ، القنطار من غيرها دينار ، والدينار منها قنطار ، هي في الدنيا المتاع ، والحسن والإبداع ، وهي للرجل لباس ، وفي الحياة إيناس .
    وهي الأم الحنون ، صاحبة الشجون ، خير من رثى وبكى ، وأفجع من تألم وشكى، لبنها أصدق طعام ، وحصنها أكرم مقام ، ثديها مورد الحنان ، وحشاها مهبط الإنسان ، في عينها أسرار ، وفي جفنها أخبار ، في رضاعها معاني الجود ، وفي ضمها الود المحمود ، قُبَلاتها لطفلها صلوات القلب ، وبرّ طفلها لها مرضاة الرب ، شبعها أن لا يجوع وليدها ، وجوعها أن لا يشبع وحيدها ، غياب المرأة من الحياة وأْد للسرور، واختفاؤها في مهرجان الدنيا قتل للحبور.
    هي بيت الحسب والنسب ، وجامعة المثل والأدب ، ذهبٌ بلا امرأة لهب ، وجوهر بلا امرأة خشب ، تقرأ في نظراتها لغة القلوب ، وتعلم الحب من هجرها المحبوب ، وبالمرأة عرف الهجر والوصال ، والاتصال والانفصال ، والغرام والهيام ، والبراءة والاتهام ، تقتل بالنظرات ، وتخطب بالعبرات ، كلامها السحر الحلال ، ولفظها العسل السيَّال ، بسمتها ألذ من العنب والتوت ، وهي أسحر من هاروت وماروت ، وقال نسوة في المدينة ، كل مهجة فهي لنا مَدينة ، وأفضل النسوان ، الحصان الرزان ، ألفاظها أوزان ، وعقلها ميزان ، إذا تحجّبت فشمس في غمام ، وظبي في خزام ، هي رواية تترجمها الأرواح ، وهي مِسْك تذروه الرياح ، في شفتيها ألف قِصَّة ، وفي أعماقها سبعون غصَّة ، ليلى جعلت نهار المجنون ليلاً ، وصيرت عَزَّةُ دموع كثيِّرٍ سيلاً .
    ليلي وليلـى نفى نومي اختلافـهما

    في الطُّول والطَّول طوبى لي لو اعتدلا

    يجود بالطُّول ليلـي كلـما بخـلت

    بالطـّول ليـلى وإن جادت به بخـلا

    على شفتيها المطبقات سؤال ، وفي جفنيها مقال ، أحرف الحب صامتة على محيّاها، وقصائد الغرام حائرة على ريّاها ، حسن الشمس من حسنها ينهار ، والليل من شعرها يغار . من النساء خديجة رمز الأدب ، لها قصر في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب ، ومن النساء عائشة بنت الصديق ، صاحبة العلم والإتقان والتحقيق ، المطهرة الطاهرة ، صاحبة السجايا الباهرة ، والمحامد الظاهرة ، ومن النساء فاطمة البتول ، بنت الرسول ، أم السِبْطين ، الحسن والحسين ، سيدة نساء العالمين ، المقبولة عند رب العالمين .
    ولـو أن النسـاء كمـن عرفنـا

    لفضِّـلت النساء على الرجالِ

    فما التأنيـث لاسم الشمس عـيبٌ

    ولا التـذكير فخــرٌ للهـلالِ

    المرأة صحيفة بيضاء ، يكتب فيها الرجل ما يشاء ، من حب وعتاب ، وغضب وسباب ، وهي روضة خضراء ، وحديقة فيحاء ، فيها من كل زوج بهيج ، ومن كل شكل فريج ، أمضى سيوفهن الحب ، يصرعن به ذا اللُّب ، الحازم معهن ضعيف ، والعاقل عندهن سخيف ، ترى الرجل يصارع الأسود ، ويقارع الجنود ، ثم تغلبه امرأة..!
    وترى الرجل يزهد في الحطام ، ويصوم عن الشراب والطعام ، ثم تصرعه امرأة ، وترى الشجاع يطرح الكماة ، ويهزم الرماة ، وإذا قَصْدُه امرأة .
    عنترة فُتِن بعبلة ، فرأى بريق السيوف كثغرها فقاتَل ، ورأى سواد الهول كشعرها فنازَل ، حضر جيش فشم طيب العطارة منشم‍‍ ، فيا خسارة من شم ، فصار الجيش بطيبها في هزيمة ، ولأعدائه غنيمة .
    المرأة ولو أنها في الخصام غير مبين ، فدمعها أفصح شيء عند المحبين، سِرّ قوّتها أنها ضعيفة ، ولغز بأسها أنها لطيفة .
    يريد الغرب من المرأة أن تتبرج ، وبالفتنة تتبهرج ، وعلى الثلج تتزلج ، ويريد الإسلام منها العفاف والستر ، والتقوى والطهر، لتكون آية في الحسن والقبول والأسر ، يريد أهل الكفر منها أن تكون عالمة فيزياء ، وعارضة أزياء ، ولو فتنت رجالها ، وعقّت أطفالها ، وضيّعت أجيالها ، ويريد الإسلام أن تكون أمينة حصينة ثمينة ، الأمل من عينيها يشرق ، والظمأ في دمعها يغرق ، والسِّحر من بهائها يُسرق ، بكاؤها صرخة احتجاج ، وصمتها علامة الرضا بالزواج ، كان آدم في الجنة بلا أنيس ولا جليس ، فطالت وحشته، وصعبت عليه غربته ، فخلق الله له حواء ، فتم بينهما الصفاء والوفاء، وحسن اللقاء ، وجميل العِشْرة والاحتفاء ، فرجل بلا امرأة كتاب بلا عنوان ، ومُلْك بلا سلطان ، وامرأة بلا رجل صحراء لا نبت فيها ولا شجر ، وروضة لا طلع بها ولا ثمر .
    شكرًا يا آمنة بنت وهب لقد أهديت للإنسانية ، وقدمت للبشرية ، ابناً تضاءلت في عظمته الشمس في ضحاها ، والقمر إذا تلاها ، ابنا قال للوثنية وهي تعرض تلك العروض، وتفرض تلك الفروض ، والذي نفسي بيده لو وضعتم الشمس في يميني ، والقمر في يساري لن أترك ديني ، حتى يعم القرى والبراري ، ويكفي النساء ، ما أطل صباح وكرّ مساء ، أن محمدًا صلى الله عليه وسلم من امرأة وُلِد ، ومن أنثى وُجِد :
    بشرى من الغيب ألقت في فم الغار

    وحياً وأفضت إلى الدنيا بأسرارِ

    بشرى النبوة طافت كالشذى سحرًا

    وأعلـنت في الدنـا ميلاد أنوارِ

    وشقّت الصمت والأنسـام تحمـلها

    تحت السـكينة من دارٍ إلى دارِ

    قدَّمت المرأة للعالم الخلفاء الراشدين ، والأبطال المجاهدين، وعباقرة الدنيا والدين ، المرأة إذا حسّنت آدابها ، وطهّرت جلبابها ، ملأت القلب حنانا ، والبيت رضوانا ، والدنيا سكنًا وعرفانا .
    والبيت بلا امرأة محراب بلا إمام ، وطريق بلا أعلام، إذا اختفت المرأة من الحياة ، اختفت منها القبلات والبسمات ، والنظرات والعبرات .
    وإذا غابت المرأة من الوجود غاب منه الإخصاب والإنجاب ، والكلمات العذاب ، والعيش المستطاب .
    في الحديث : (( تزوجوا الودود الولود )) ، والسر في ذلك لتكثر الحشود ، وتزداد الجنود ، وليكاثِر بنا رسولنا صلى الله عليه وسلم يوم الوفود .
    يوم تخلع المرأة الحجاب ، وتضع الجلباب ، فقد عصت حكم الإسلام ، وخرجت على الاحتشام ، وقُل على العفاف السلام .
    كيف يُسكن بيت بلا أبواب ، ويُحل قصر بلا حجاب ، ويُشرب ماء ولغت فيه الكلاب، من حق الدرة أن تصان ، ومن واجب الثمرة أن تحفظ في الأكنان ، وكذلك المرأة بيتها أحسن مكان ، ولكن المرأة إذا قلبت ظهر المجن ، وعرّضت نفسها للفتن ، فهي ظالمة في ثوب مظلوم ، عندهن من أصناف المكر علوم .
    كيد الشيطان ضعيف وكيدهن عظيم ، وقوتهن واهية لكن خطرهن جسيم ، هن صويحبات يوسف ذوات السكاكين ، وقاهرات الرجال المساكين ، حتى قال الرشيد في بعض النشيد :
    مالـي تطاوعني البـريـة كلهـا

    وأطيعهن وهُـنَّ في عصيـاني


    فاجعل بينهن وبين الشر لهبا ، واملأ عليهن منافذ الفتنة حرسًا شديداً وشهبا ، فلا تَعرِض اللحم على الباز ، ولا تنشر القماش على البزّاز ، فأنعم بحرز الستر والصيانة ، وأكرم بحجاب العفاف والحصانة .
    وإذا رزقت بنات ، فإن هن من أعظم الحسنات ، حجاب من النار ، وحرز من غضب الجبار ، فاحتسب النفقة ، فإنها صدقة ، ولو أنه غرفة من مرقة ، وتعاهدهن بالبر والصلة ، فإن رحمتهن للجنة موصلة ، وكفاك أن الرسول المشرِّع ، رزق ببنات أربع .
    والمرأة هي بطلة الأمومة ، ومنجبة الأمة المرحومة ، فضائلها معلومة ، وهي معدن الحسب والكرم والأرومة.
    وتعليمها الدين من أشرف خصال الموحدين ، لأنها تصبح لكتاب الله تالية ، ذات أخلاق عالية ، تتفقه في الكتاب والسنة ، لأنهما أقرب طريق للجنة .
    وأما علاَّم الكفر ، الذي أعان المرأة على المكر ، وصرفها عن الذكر والشكر ، فهو المسؤول عن عقوقها وتضييعها لحقوقها ، وإصرارها على معصيتها وفسوقها .
    جعلوا المرأة سلعة للدعاية والإعلان ، وخطيبة في البرلمان ، تشارك في التجارة ، وتقاتل الجنود الجرارة ، جعلوها جندي شرطة ، فوقعت من الإحراج في ورطة ، تمتطي الدبابة ، وتطارد الكتائب في الغابة ، يُستدَر بهنّ عطف الجبابرة ، وتبرم بهنّ الخطط الماكرة ، ويكفيك في ضلالهم ، وسوء أعمالهم ، أن الهدهد وهو طائر ممتهن ، أنكر على بلقيس حكم اليمن ، وامرأة خلقها الله لمهمة ، كيف يزج بها في أمور مدلهمّة .
    ونحن الرجال أسندت إدارة الحياة إلينا ، وكتب القتل والقتال علينا ، وأما النساء في الإسلام فمقصورات في الخيام ، محفوظات من اللئام ، مصونات عن الآثام .
    وماذا فعل بالمرأة سقراط وبقراط وديمقراط ، أهل الأوهام والأغلاط ، جعلوها شيطانة ، وسموها الفتانة ، وإنما هي في بعض الأوقات قهرمانه ، وريحانة .
    أما الفُرْس ، البكم الخُرْس ، فجعلوها خادمة للمال والنفس ، بل قال بزر جمهور: المرأة ليست بإنسانة فلا تمول ولا تمهر ، وهذا غاية التهور .
    أما أهل الوثنية ، ودعاة الجاهلية ، فحرموها من الميراث، حتى جعلوها أرخص من الأثاث ، ووأدوا البنات ، وقتلوا الأخوات ، وعقّوا الأمهات ، وليس لها عندهم قيمة ، فهي في منزلة البهيمة ، فهي عندهم حق مشاع ، للخدمة والمتاع .
    أما الغرب فهي عندهم للمغريات ورقة رابحة ، أبرزوها في صور فاضحة ، أخرجوها بلا أدب ولا دين ، وعرضوا صورتها في الميادين ، باعوها في سوق النخاسة ، ووظفوها للرجس والخساسة ، وأقحموها مغارات السياسة .
    وما كَرَّم النساء ، مثل صاحب الشريعة السمحاء ، والملة الغراء ، فقد بيّن بقوله ، (( خيركم خيركم لأهله )) ، ويا معاشر الأمم هل عندكم ، حديث (( الله الله في النساء فإنهن عوان عندكم )) .
    وكان في بيته صلى الله عليه وسلم أفضل الأزواج ، دائم السرور والابتهاج ، يملأ البيت أنسًا ومزاحا ، وبشرا وأفراحا ، طيّب الشذى ، عديم الأذى ، لطيف المحشر ، جميل المظهر ، طيب المخبر ، لا يعاتب ولا يغاضب ، ولا يطالب ولا يضارب ، يؤثر الصفح على العتاب ، والحلم على السباب . ومن حبه للبنات ، وعطْفِه على الضعيفات ، يحمل أُمامة ، وهو في الإمامة ، فإذا سجد وضعها ، وإذا قام رفعها ، وكان يقوم لفاطمة الزهراء ، والدرة الغراء ، ويجلسها مكانه ، ويطأ لها أركانه ، فكأن سرور الحياة صب عليها ، وكأن الدنيا وضعت بين يديها .
    هي بنـت مَـنْ هـي أم مَـنْ

    من ذا يساوي في الأنام علاهـا

    أمـا أبوهـا فهو أشرف مرسلٍ

    جبريل بالتوحيـد قد ربـّاهـا

    وعليُّ زوجٌ لا تسلْ عنه سـوى

    سيـفٌ غدا بيـمينـه تيَّـاها


    وكان يجلس صلى الله عليه وسلم للنساء من أيامه ، فيفيض عليهن من بره وإكرامه، وجوده وإنعامه ، فكأنه الغيث أصاب أرضًا قاحلة ، والماء غمر تربة ماحلة، فإذا هو يملأ القلوب حبّا ، والنفوس أنساً وقُربا ، يبشر من مات لها ولد بالنعيم المقيم ، فتتمنى كل امرأة أنها ذهب لها فطيم ، لِما سمعت من الأجر العظيم .
    ويُخبر من تطيع بعلها ، وتُحسِن فِعْلها ، بأن الجنة مأواها ، والفردوس مثواها ، يقف مع المرأة الشاكية ، ويتفجع للأنثى الباكية ، فلو كانت الرحمة في هيكل لكانت في مثاله ، ولو الرفق في صورة لكان في سرباله ، تأتيه المرأة المصابة في خوف وهول ، وفي دهش وذهول ، فما هو إلا أن ترى إشراق جبينه ، ويُسْر دينه ، ولطفه المتناهي ، وخلقه الباهي، حتى تعود عامرة الفؤاد ، حسنة الفأل والاعتقاد .

  5. #65
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Mar 2008
    الدولة
    ஓஓمقبرة العيزريه ஓஓ
    العمر
    39
    المشاركات
    2,985
    معدل تقييم المستوى
    19
    مقـامَــةُ الـحـيّــل




    (( ولتعرفنـهم في لحـن القـول ))
    دهاء يريك الغيب في ثوب حاضرٍ
    إذا ظن ظنَّاً صار فينا حقيقة
    وفهم كحد السيف أمضى وأصوبا
    وإن قال قولاً صار للناس مذهبا

    إذا رأيت الرجل يعتاد المقاهي ، لشرب الشيشة والشاهي ، ومجالسة كل لاهي ، فاعلم أن الرجل فاسد الإرادة ، ظاهر البلادة ، لا يساوي جرادة ، ولن ينفع بلاده .
    وإذا رأيت الرجل ليلة الزواج ، وهو فاسد المزاج ، يبحث عن علاج ، ويقول فاظفر بذات الدين ، فاعلم أنه ظفر بعابسة الوجنتين ، خشنة اليدين، كل ما فيها شين ، وإذا رأيت الرجل خرج من عند القاضي وهو يتلو : وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين ، فاعلم أن القاضي ردّ شهادته ، وهو له من الغائظين ، وإذا رأيت الرجل يجلس في الملهى يقرأ جريدة ، أو ينظم قصيدة ، فاعلم أن حياته غير سعيدة ، أو أنه يبحث عن وظيفة ، ولو سخيفة ، وقد تقطعت به الحبال ، وخابت منه الآمال .
    وإذا سمعت الرجل ينشد كثيرًا قول الشاعر :
    ومن لم يذدعن حوضه بسلاحه

    يهدم ومن لا يظلم الناس يُظلمِ

    فاعلم أنه جحد لأخيه فلوسا ، وحلف عليها يميناً غموسا ، وإذا سمعت الرجل يردد كثيراً قوله تعالى  إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ  فاعلم أنه خطب عند بعض الوجهاء ، فردّ عليه بجفاء .
    وإذا رأيت الرجل خرج من بيته غاضباً وهو ينشد :
    أنا ابن جلاّ وطلاّع الثنايا

    متى أضع العمامة تعرفوني


    فاعلم أنه زوجته ضربته ضرباً مبرحا ، وهو يُعرِّض لئلا يكون مصرّحا .
    وإذا سمعت الرجل يقول كثيراً الدنيا ملعونة ، فاعلم أنه ذكر ديونه ، وما وجد من أحد معونة ، وإذا سمعت الرجل يكرر الآية وقليل من عبادي الشكور ، فاعلم أنه طلب قرضاً من رجل فاعتذر منه فأخذ يعرّض بالمذكور، وإذا سمعت الرجل يردد الدنيا لا تساوي جناح بعوضة، فاعلم أنه طلب من التجار قرضاً فرفضوا إلا بِرِهانٍ مقبوضه ، وإذا سمعت المحاضر يردد في محاضرته : الحديث شيِّق ، ولكن الوقت ضيق ، فاعلم أنه ما حضَّر للمحاضرة ، وقد كَدَّ ذهنه وخاطره .
    وإذا سمعت المفتي يكرر كثيرًا : لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم . فاعلم أنه قد احتار في الجواب ، وخفي عليه الصواب .
    وإذا سمعت الموظف يستشهد بقول الشاعر : لكل شيء إذا ما تم نقصان ، فاعلم أنه قد فصل من عمله وهو حاقد غضبان .
    وإذا رأيت الرجل يكثر من قول فسد الشباب ، وأصبحت أخلاقهم كأخلاق الكلاب ، فاعلم أنه ما عنده إلا بنات ، وهو يتمنى الأولاد من سنوات .
    وإذا رأيت رجلاً وقد ذكر عنده أحد الدعاة ، الذي نجح في دعوته ومسعاه، فقال هذا الرجل . أهم شيء الإخلاص لله في القول والعمل ، ومراقبة الله عز وجل، فاعلم أن الحسد قد أكل قلبه ، وضيّع لبّه .
    وإذا سمعت الرجل يحمد الله على أنه لا يشعر بجوع وظمأ وتعب ، وأن الصائم لا يشعر بنصب ، فاعلم أنه صائم، فهو يُلمِّح لك لتكون بصيامه عالِم، وإذا سمعته يخبرك بأن الليل طويل أو قصير ، ويخبرك أن الناس وقعوا في التقصير ، وتركوا القيام وهو سنة البشير النذير ، فاعلم أن الرجل في الليلة الماضية قام يصلّي ، ولكنه يريد أن يوضّح لك الأمر ويجلّي . وإذا رأيت الشاعر كل سنة له ديوان ، ويهدي شعره على الإخوان ، ويلقي قصائده على الجيران ، فاعلم أن شعره لا يَهزُّ شَعْرَة ، ولا يساوي بَعْرة ، وإذا سمعت المتحدث يقول ما كنت أرغب الحديث إليكم ، ولا أريد أن أطيل عليكم ، فاعلم أنه ما عنده كلام ، ويريد أن يتخلص من المقام .
    وإذا رأيت الرجل يكثر من قوله : نحن في نعم وخيرات ، وفي رغد ومسرات ، فاعلم أنه قريب عهد بمال ، أتاه هديةً أو بسؤال ، أو مُنِح أرضاً في الشمال .
    ومن يكثر كل يوم من العناق ، وذكر الاشتياق ، والسؤال عن الأهل والرفاق، فاعلم أنه ثقيل ، وعذاب وبيل ، فما لك إلا البعد عنه والرحيل، وإذا سلّمت على رجل فقال : من أنتم ، وأين كنتم ، فاعلم أن الرجل فيه إعجاب ، وكبر على الأصحاب ، وإذا رأيت الرجل يكثر على طعامه من الترحيب والتبجيل ، ويعتذر بأنه قليل ، فاعلم أنه بخيل .
    وإذا سمعت المتكلم يتفصح ، ويتبجّح ، ويقول : إن الحقيقة تنطلق من أطر، وتنبثق من بوتقة ، وتنصهر في قوالب ، وتلعب دوراً ، فاعلم أنه قليل بضاعة ، ما مَدَّ إلى العلم باعه ، وإذا سمعت الرجل يكثر من قوله : الناس معادن وأصول ، وفي الأنساب فاضل ومفضول ، فاعلم أن الرجل أباه شيخ قبيلة ، وهو لا يساوي فتيلة ، وإذا سمعت من يُسأل مسائل في الشريعة ، فيجعل الاحتياط له ذريعة ، فاعلم أنه قل علمه ، وبرد فهمه .
    • من جاور المسجد فهجره ، واستفاد من العالم وما شكره ، وأخذ المعروف وكفره فهذا رجل مخذول ، عقله مدخول ، وقلبه مخبول .
    • إذا رأيت الرجل يكثر من تاء المتكلم فيقول : دخلت ، وخرجت ، وقرأت ، وكتبت ، ولقيت ، وقابلت ، ودعيت ، وزرت ، وقلت ، وألفت فاعلم أنه أحمق ، وكلامه غير محقق ، لكنه متفيهق ، متشدّق ، متمنطق .
    • إذا رأيت الطالب يقول : ليس العلم بحفظ المتون ، ولا بجمع الفنون ، فاعلم أن ذاكرته في الحفظ تخون .

  6. #66
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Mar 2008
    الدولة
    ஓஓمقبرة العيزريه ஓஓ
    العمر
    39
    المشاركات
    2,985
    معدل تقييم المستوى
    19
    مقـامَــة الحـيــوان


     وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاْ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ 
    قال الراوي : فحدثنا عن عالم الحيوان ، فلعلك قرأت للجاحظ صاحب البيان ، قلت : سمعًا وطاعة ، والجاحظ صاحب فصاحة وبراعة ، فاسمعوا وعوا ، وفي رياض الذكر فارتعوا . اجتمعت الحيوانات ، في بعض الأوقات ، فقالوا للحمار ، يا المغوار ، أنت بطل الدار ، وحمّال الأثقال الكبار ، فحدثنا عن الدنيا الدنيّة ، قبل حلول المنيّة ، فانتحب الحمار وبكى ، وإلى إخوانه شكى ، وقال : من عنده ستون صاعًا من شعير ، وتبن كثير ، فلا يأسف من الدنيا على صغير ولا كبير ، فأطرقوا خاشعين ، وأنصتوا سامعين ، وشكروه أجمعين ، ثم قالوا : من علمك الحكمة يا أبا المغوار .
    قال : أنتم لا تعرفون السبب ولذلك طال منكم العجب ، أنا سافرت في طلب الحكمة إلى الهند ، فأخطأت الطريق إلى السند ، فلما قصدت السند مع أصدق رفيق ، ضللت الطريق ، فوقعنا في غابة ، فأكلت نبات الروض وأعشابه ، فلما شبعت رجعت ، ونسيت لماذا سافرت ، ولأي سبب غادرت ، فلهذا صرت من الحكماء ، لكثرة من لاقيت من العلماء ، فقيل له يا أبا المغوار ، ومن لاقيت من العلماء الكبار .
    قال لقيت عالمًا نسيت اسمه ، وضيّعت رسمه ، هذا العالِم يسكن في صنعاء عاصمة باكستان ، وله ابن في الخرطوم إحدى مدن أفغانستان ، وهذا العالم تزوج من عمان ، وهي قرية من قرى إيران . فقالوا له : يا أبا المغوار عافاك الله من العين، وسلّمك من الدَّين ما ندري هل نعجب من حسن نطقك ، أو من سعة حفظك .
    فقال : من سهر الليالي ، نال المعالي ، قالوا : زادك الله علماً ، ورزقك فهماً ، فما هي أمنيّتك في هذه الدنيا القصيرة ، فإنك صاحب بصيرة .
    فقال : يا ليت لي حقل من برسيم ، فأقع فيه وقعة والي مال اليتيم ، فأجعله كالرميم، ثم بكى حتى دمعت عيناه ، وقال : يا سعادة من نال مناه .
    ثم أنشد :
    من يذم الشعيـر عنـدي حقيـر

    فهـو بالذم والملام جديـرُ

    هو عنـدي ألـذُّ من كلّ شـيء

    ليـت أن الجبال تلك شعيـرُ

    فبكى الجماعة ، وراموا وداعه ، فانصرف الجمع ، وبُل الخد بالدمع .
    ثم قال الراوي : حدثونا يا أهل التهذيب، عن التيس والذيب ، لنأخذ من الحكمة بنصيب ، فقلنا : مر الذئب والتيس على منزل ، فقالا : يا جبان انزل ، فقال التيس : قاتلك الله يا إبليس ، يا ابن الذيبة ، وسلالة الخيبة ، يا قليل الهيبة ، فقال الذيب : عجيب ، متى جاءتك الشجاعة ، يا رمز اللؤم واللكاعة ، أنسيت يوم أكلت عمك قبل عامين ، وقتلت لك ولدين ، ما غرك إلا محلك ، وإلا فإنه معروف ذلك .
    فإن كنت صادقًا ، وبالحق ناطقًا ، فاهبط إلى الميدان، لأجعلك طعامًا للديدان ، فردّ عليه وهو يقول ، ويصول ، وفوق السقف يجول : اخرس يا خسيس ، فأنا التيس ابن التيس ، فلو قاتلت بالقرون ، لطرحتك والناس ينظرون ، ثم أنشد :
    قروني كالرمـاح إذ انتضاها

    كماة في الحـروب مدرّبـونا

    أنا ابن الأكرميـن أباً وجـدّاً

    فقل للقـوم هيَّـا جرِّبـونـا

    فقال الذئب : خبرك لديّ ، ولكن منصبك شجعك عليّ ، فليت الأيام تدور ، فإن الدهر غَرور ، والزمان عَثور ، لترى يا جبان ، قيمة الشجعان .
    ثم أنشد الذيب ، وفي صدره لهيب:
    يا تيـس ليـت لنـا مكانٌ نلتقي

    فيـه ليعرف هزلنـا من جِدِّنا

    فـإذاً لعـرّفنـاك أنـّا سـادةٌ

    نلنـا المكـارم كابراً من جَدِّنا

    فقالوا : حدثنا عن الصيّاد والحمامة ، يا أبا أمامة، فأنت في أخبار الحيوان علاّمة ، قال : خرج الصيّاد ، وقد وضع يده على الزِّناد ، يريد أن يصطاد ، ففارق أصحابه ، ودخل الغابة ، وخلع جلبابه ، ومدّ النظر ، بين الشجر ، وقال اللهم اتحفنا بصيد ، إنك تعلم ما نريد ، فكان كلّما مرّ به سرب من الطيور ، يأبى أن يقع لأنه يرى الرجل يدور ، والطير صاحب حذر ، ودقة نظر ، لا يغتر بكلام ، ولا يخدعه سلام ، ولا يركن إلى عهد، ولا يثق بوعد ، وهذه صفة الذكي الأريب ، والداهية الأديب ، أما الأحمق ، فإنه على كل صخر يسحق ، وبالأسرار يتدفق ، وفي مذهبه لا يترفق.
    فلما أيس الصياد ، صاح : يا حسرة على العباد ، حتى الطير ، أصبح يشك في الغير ويظن ظن السوء في أهل الخير ، ثم أنشد :
    وهـل مثـلي يخون بعهـد خلٍّ

    إذا أعطى ويحنث في اليميـن

    فلـو أن الحمامـة صـدقتنـي

    وَفيـت ولو أقامت في يمينـي

    ثم نادى الصياد : يا أيتها الطير ، أنا رجل من أهل الخير ، اهبطي يا جند سليمان ، ولك الأمان ، فأنا مشتاق لكِ من زمان ، فردّت عليه ، ونظرت إليه ، متى كان لك عهد وميثاق ، يا كثير النفاق ، كيف نصدقك ، وقد قتلت أمهاتنا بالرصاص ، بلا قود ولا قصاص ، ومتى تركت العادة ، يا من أمسك زناده .
    فقال الصياد : تبنا إلى رب العباد ، وتركنا عادة أهل الفساد ، وندمنا على ما سلف، وسوف نغرم ما تلف ، فانزلن مأجورات مشكورات ، وبالخير مذكورات .
    فقالت الطير : كلا يا عنيد ، يا ذا البأس الشديد ، فأنت عندي كذّاب مريد ، ثم ذهب الطير ولم يهبط ، وأسرع ولم يسقط ، فأيس الصيّاد وملَّ ، وهمّ أن يرتحل ، وأن يترك المحل ، فصاحت الحمامة الحمقاء ، تردد قاء قاء ، وتقول يا صياد لست أنا هنا ، فلا تشغلك المنى ، ولا تكثر من العنا ، وأنشدت تقول :

    يـا أيـها الصياد لست هنا أنـا

    فارحل ودع عنك المشقة والعنا

    لو كنت عندك يا أخي أبصرتني

    وكـذاك أنـت فلست أيضًا عندنا

    فالتفت فرآها ، فسدد رميته ورماها ، فقتلها وأدماها ، وهذا جزاء من نشر الأسرار وأفشاها ، ولم يجعل صدره منتهاها .
    قالوا: فحدثنا عن الدجاج والثعلبين ، فقد صرنا بحديثك معجبين .
    فقال : قصص النبلاء ، تخفف كل بلاء ، وسير الصالحين ، سلوة في كل حين ، وقد مرّ ثعلبان ، وهما يلعبان ، بجماعة من الدجاج ، داخل شبك من ساج، قال أحدهما لصاحبه ، وهو يحاوره ، والتفت إليه وهو يسايره ، ما رأيك في حيلة ، تكون لأكل هذا الدجاج وسيلة ، فإن الخديعة ، لأجدادنا شريعة ، وهذا زمان الماكرين ، وقلة الشاكرين ، وكما هو مكتوب في لوحة من إبريز ، لشكسبير شاعر الإنجليز ، حيث يقول :
    احتـل لنفسك في زمـان الحيلة

    أظهر لمن تنوي الردى تهليلة

    واخدع فأنت بأمة مخـدوعـة

    فنفوسهم عنـد العطـاء بخيلة

    فالمكر فيهم سنة معروفـة

    يسعـون للدنيـا بكل وسيـلة

    فقال الثعلب الصغير للكبير : يا أبا منير ، يا مرشدنا في كل أمر خطير ، تقدم وتكلم فمنكم نتعلم ، فأنت في الخير إمام ملهم ، فتقدم الكبير وقال : السلام عليكم أيتها الدجاج ، أنا أبو منير وهذا أبو الحجاج ، وكل منا للآخر محتاج .
    فقالت الدجاج : لا سلمك الله يا محتال ، يا كاذب في الأقوال ، يا سيئاً في الأعمال ، فرد عليها وقال : استغفر الله لي ولكم من الذنوب، وأعوذ بالله من العيوب ، فإنه مقلب القلوب ، ماذا سمعتم عني ، وماذا دهاكم مني .
    قالوا : أليس أبوك قتل أبانا ، وأخوك قبل عامٍ سبانا .
    فقال : وما شأني بأبي إذا ضل ، وبأخي إذا زل ، فالولد لا يحمل وزر الوالد ، واللئيم لا يعدي الماجد .
    فقالوا : الغدر فيكم طبيعة ، والمكر لكم شريعة ، وتاريخكم مليء بالأخبار الفظيعة، فقال : لست براض عما صار ، وأعوذ بالله من عمل أهل البوار ، جعلهم الله وقود النار.
    ثم أنشد :
    لزمت المصلّى وانقطعت إلى الذكرِ

    وتبت إلى الرحمان من عـادة المكرِ

    وألزمت نفسي الصدق في كل حالة

    وأشغلت بالإخلاص يا صاحبي فكري

    فلما سمعت الدجاج قول الثعلب ، قلنا : أظنه جاد لا يلعب ، صادق لا يكذب ، فاسألوه ماذا يريد ، بهذا النشيد والقصيد .
    قال أريد أيها الدجاج ، أن تفتحوا لي وأخي باب الساج ، لنطيل معكم السمر ، في ضوء القمر .
    فقالوا أعطنا اليمين ، أن لا تروغ علينا ضرباً باليمين .
    فقال : والذي نصرنا عليكم بالحيلة ، وفتح علينا بكل وسيلة ، لا نترك عادتنا ولو حال بيننا وبينكم قبيلة ، فما فهموا يمينه ، وما عرفوا دينه ، ففتحوا الباب ، وقالوا : مرحباً بالأحباب ، وخيرة الأصحاب ، فلما دخل هو وأخوه ، ردّوا الباب وأغلقوه ، فلما سكنّا ، جلسنا وتمكّنا ، فلما أظلم الليل ، وحضرت ساعة الويل ، وبان الفجر وحان ، وقعا في الدجاج يذبحان ، فصاح الدجاج : قيط قيط ، ما هذا يا عبيط ، الله من وراءكم محيط ، فقال الثعلب: لو ملأتم الدنيا قرقرة ، حتى سمعكم أهل أنقرة ، ما كففنا عنكم حتى نرى مهجكم معقّرة ، فأنشدت دجاجة تقطر دمًا ، إذ أصبح جسمها مهدمًا .
    واحسرتاه كيـف صدقنا الأشـر

    ومكـره بيـن البرايـا منتشـر

    هـذا جـزا من صدق الكذّابـا

    وأمِن الرفقة والأصحابا

    وصـاحب العقل يخاف العاقبـة

    مُـهيّئـًا لخصـمه مخـالبــه

    فضحك الثعلب وقال :
    مـوتي بغيظك يا دجاجـة إننـي

    كيـد الحسـود وناصر الإخوانِ

    رأيي تقدم في الحيــاة شجاعتـي

    والرأي قبل شجاعـة الشجعـانِ

    فلما شبع الثعلبان ، وقاما يذهبان ، فإذا الباب مغلق ، والشبك مطبق ، فإذا كل منهما مطرق ، فقال كبيرهما : وقعنا في بليّة ، وأظنها دنت منا المنيّة ، فكيف لو أن صاحب الدجاج أبصرنا ، لقصدنا بالرصاص وأمطرنا ، فقال الأصغر للأكبر ، أنت أبو الدواهي ، مرتكب المناهي ، طويل الباع ، في الحيل والخداع ، فأخرجنا منها سالمين ، فإن عدنا فإنا ظالمين . فصمت الأكبر ، وتأمل وتفكر ، ثم هلّل وكبر ، وقال لصاحبه: علينا أن نغمض العيون ، وننفخ البطون ، وننام فمن رآنا قال ميّتون ، فإن الناس أكثرهم لا يعقلون، ولا تغرك الصور ، فإن أكثر من ترى بقر ، فقال الأصغر : لا فض فوك ، وفداك شانئوك . ثم ناما كأنهم أموات ، وهجعا في سبات ، فجاء صاحب الدجاج فما وجد من دجاجة إلا الريش فصاح : إيش هذا إيش ، والله لا طاب بعدها العيش ، ثم نظر إلى الثعلبين ، وقال : شاهت الوجوه الكاذبة ، العاملة الناصبة ، الناهبة السالبة ، فلو كنتما أحياء ، لأسلت منكما الدماء ، جزاءً على فعلتكم النكراء ، لكن سبقني الموت عليكم ، وأسرع الفناء إليكم ، فسبحان الله الموت أعجل ، ثم سحبهما بالأرجل ، فلما رآهما في الوادي ، واستشهد على موتهما أهل النادي ، قاما مُسرعَين ، وهربا ضاحكَين ، والتفتا منشدَين . فقال الأكبر :
    أغبى من النـاس عيني لم تر أحدًا

    إلا القليـل فلا تحفـل بهم أبـدا

    هم كذبوا رسـل الله الكـرام فهل

    تريد منهم على طـول المدى سندا

    أما تراهم وهذا المـوت يطلبهـم

    لاهين في الأرض لا تأنس لهم رشدا


    وأنشد الأصغر فقال :
    لا تثق يا صـاح في هـذا البشر

    فالغبـا والجهـل فيـهم منتشــرْ

    هم عصـوا خـالقهم سبحانــه

    وهـو المنعم والكـافـي الضـررْ

    فقال صاحب الدجاج : أظن أنّا تورطنا ، فيا حسرتنا على ما فرطنا .
    قالوا : فخبرنا عن قصة الثيران والأسد ، فما سمعناها من أحد .
    فقال حباً وكرامة ، وحق الصاحب كالغرامة ، ونعود للحديث عن الحيوان والعود أحمد ، وما يطلب العلم إلا كل أمجد ، فكان هناك ثلاثة ثيران أبيض وأحمر وأسود ، يرعون بجانب الغدير ، وكل واحد منهم كأنه وزير ، في منصب خطير ، فمر بهم الأسد أبو أسامة ، فعرفهم بالعلامة ، ودعا لهم بالسلامة ، وقال كيف الحال يا إخوان ؟
    قالوا : بخير يا خوّان ، فقال : علام هذا السب علاما ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ، فقالوا يا أبا حيْدرة : كل يعرف بيدره ، أنسيت كم أكلت منا من ثور ، يوم ساعدك الحظ العَثور ، ثم أنشد الثور الأبيض فقال :
    لا تـأمن الليـث أبـا أسـامـة
    وفِـرّ منـه فهـو لا يحـابـي
    فإنـه سـلّ لنـا حسـامـَه
    وذكره قد جـاء في الكتـابِ


    ثم ارتجل الثور الأحمر منشدًا فقال :
    أشجع كـل الكائنـات حيـدره

    سـمَّاه ربي في الكتاب قسـورة

    فقلبـه في الروع أقسى من حجر

    لطـالـما أقسـم عمـدًا وفجـر


    فقام الثور الأسود وأنشد :
    هـذا الهزبـر ملك في الغـابة

    كشّر للمـوت مصرًّا نـابَــه

    تبَّت يـدا مـن أَمَّه ونـازلَـه

    ويـل لمـن عانـده وقاتلَــه

    وكلما أقبل عليهم الأسد ، ولِقتْلهم رصد ، أقبلوا كلهم إليه ، وتجمعوا عليه ، والوحدة قوة ، وهو رمز الأخوة ، والكثرة تغلب الشجاعة ، والاتحاد دليل البراعة، فلما أيس من الثيران ، لجأ لبعض الغيران ، ووضع رأسه على عود ، وزئيره كالرعود .
    وأنشد يقول :
    أنا الذي أرهب الدنيـا بصولته
    بصـولتـه
    ولـم أخـف عندما آتى الردى بشرا

    واليـوم تغلبني الثيـران عن سفه
    كثـرت
    يا جاهلاً عن ثبات الليث سوف ترى


    فليس لي حيلة في هذه الطائفة ، التي صارت بالألفة غير خائفة ، إلا أن أشتت قلوبهم ، وأظهر لبعضهم عيوبهم ، وآخذ كل واحد على حدة ، وأعده عدة ، لأترب يده، فجاء إلى الثور الأسود والأحمر ، في ليل مقمر ، وقال يا قوم ، رأيتكم اليوم ، وأنتم في الروض ترعون ، وإلى الغدير تسعون ، فرأيت الثور الأبيض يسبقكم ، وبعين الحسد يرمقكم ، يستأثر عليكم بنبت السماء ، ويزاحمكم على الماء ، فماذا ترون ؟ أفلا تبصرون، قالوا : جزاك الله خيراً على النصيحة ، يا صاحب اللغة الفصيحة ، والكلمات المليحة ، فأمرنا بما ترى ، وقد خاب من افترى ، فقال في نفسه : وقع القوم في بليّة ، وحانت منهم المنيّة ، ثم طلب منهم الوثوب إلى الثور الأبيض جميعًا ، حتى يرى صريعًا ، فقاموا على حرْدٍ قادرين ، وللموت مبادرين ، فناطحوا الأبيض وحاصروه، وصارعوه وحاجروه ، وبالعداوة كاشروه ، ثم طرحوه أرضا ، ورضّوه رضّا.
    فلما أحسّ بالموت ، وأيقن بالفوت ، وفاته القوت ، قال :
    هـذه الحيلة من نسْــج الأسـد

    يـوم يلقـانا ببغـي وحسـد

    مصرعـي مصرعكم لـو تعلموا

    غيـر أن الرأي منكم قـد فسد

    فلما مات الأبيض سر الأسد وفرح ، وسعد وانشرح ، ثم تركهم لزمن يسير ، وهو يقودهم لسوء المصير ، ثم أتى إلى الثور الأسود ، وقال يا أبا أسعد : هذا الثور الأحمر ، أظنه مغتر ، يخفي لك الشر ، أراه بقرونه يناطحك ، وبالعداوة يصارحك ، فماذا ترى لو عاونّاك ، ومن ظهره مكنّاك ، لنشق نحره ، ونفري ظهره ، فسحباه إلى الغدير ، وليس له من وليٍّ ولا نصير ، فلما أصبح في آخر رمق ، وفؤاده يحترق ، أنشد :
    يا عثـرة الرأي هذي عثـرة القـدم

    ويا حيـاتي هـذي سـاعـة النـدمِ

    يا فرقـة مزقتنـا حـاكهـا لبـقٌ

    صرنا بها ضحـكة للعـرب والعجمِ

    فبقي الأسود والأسد ، فقام الأسد وقعد ، وقال : كيف حالكم ، يا رفيق السعَد ، ويا زينة البلد ، فقال بخير يا أبا أسامة ، أدركنا من السرور تمامه .
    فقال الأسد : يا غاية المنى ، بقي أنت وأنا ، ونريد اليوم غدًا هنا ، قال الرأي لك يا ملك الحيوان ، ويا ثابت الجنان.
    فقال له الأسد : اقترب مني لأناجيك ، وادن مني لأشاجيك ، فأدنى من الأسد الراس ، وكتم على الأنفاس ، فأنشب الأسد فيه أنيابه ، ومزق جلبابه ، وخلع ثيابه ، وقال : ذق يا ابن البقرة ، يا سلالة الفجرة ، عليك غبرة ، وانفرد الأسد ، في البلد ، وعلى كرسي الملك قعد . وأنشد:
    وحارِبْ إذا حاربت بالرأي والقنا

    وكن واحدًا لدنيا وعبدًا لواحدِ

    ولا تخـش مخلوقًا فربك حـافظ

    فما انقادت الأمجاد إلا لماجدِ

    وإن شئت الزيادة ، وكثرة الإفادة ، فعليك بالجاحظ ، فإنه لأخبار الحيوان حافظ ، أو اسأل غيره وغيري ، كالحيوان للدّميري .
    وصل وسلم على المعصوم ، الذي علمنا كيف نصلي ونصوم ، ما مال الشيح والقيصوم ، واختلف الخصوم .

  7. #67
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Mar 2008
    الدولة
    ஓஓمقبرة العيزريه ஓஓ
    العمر
    39
    المشاركات
    2,985
    معدل تقييم المستوى
    19

    مقـامَــــة الـمــــوت
    (( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ))
    لقد لامني عند القبور على البكا
    أَمِنْ أجلِ قبرٍ بالملا أنت نائح
    فقال : أتبكي كل قبرٍ رأيتهُ
    فقلتُ له : إن الشَّجا يبعث الشَّجا
    رفيقي لتذرافِ الدموع السوافكِ
    على كل قبرٍ أو على كل هالكِ
    لِقبرٍ ثوى بين اللّوى فالدّكادِكِ
    دعوني ، فهذا كله قبرُ مالكِ

    الموت هاذم اللذات ، ومفرق الجماعات ، ميتم البنين والبنات ، مخرب الديار العامرات ، أسقى النفوس ، مرارة الكؤوس ، وأنزل التيجان من على الرؤوس، نقل أهل القصور إلى القبور ، وسلّ على الأحياء سيفه المنشور ، ألصق الخدود باللحود ، وساوى بين السيد والمسود ، زار الرسل والأنبياء ، وأخذ الأذكياء والأغبياء ، فاجأ أهل الأفراح بالأتراح ، ونادى فيهم الرواح الرواح ، كم من وجه بكفه لطمه، وكم من رأس بفأسه حطّمه ، يأخذ الطفل وفمه في ثدي أمِّه ، ويخنق النائم ورأسه على كمِّه ، ينـزل الفارس من على ظهر الفرس ، ويقتلع الغارس وما غرس ، يخلع الوزير من الوزارة ، ويحطّ الأمير من الإمارة ، إذا اكتمل الشاب ، وماس في الثياب ، وصار قوي الجناب ، يُرجى ويُهاب، عفّر أنفه في التراب ، يدوس ذا البأس الشديد ، والرأي السديد ، ويبطح كل بطل صنديد ، ولو كان خالد بن الوليد ، أو هارون الرشيد ، يسحب الملوك من العروش ، ويركب الجيوش على النعوش ، أسكت خطباء المنابر ، وأذهل حملة المحابر ، وشتت أهل الدفاتر ، وطرح الأحياء في المقابر ، كسر ظهور الأكاسره ، قصّر آمال القياصره، زلزل أساس ساسان ، وما سلم منه سليمان ، وما نجا منه قحطان وعدنان، صبّح ثمود وعاد ، وخرّب دار شداد وما شاد ، وهدم إرم ذات العماد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد، لا يترك السلاطين ، حتى يوسدهم الطين ، لا تظن أنك منه ناج ، ولو سكنت الأبراج .
    الموت ينادي كل صباح : الرواح الرواح ، ويصيح كل مساء : يا حسرة على الأحياء ، ويقول للناس : لِدوا للموت وابنوا للخراب ، فكلكم يصير إلى ذهاب ، يا من أعجبه شبابه ، وألهته ثيابه ، وأحاط به حرسُه وحجابُه ، أنسيت الموت وقد وصلك ركابُه ، يا من أشغله السكن ، وحب الوطن ، وأمن المحن ، كأنك بالموت زارك ، وهدم دارك .
    ستنقلك المنايا عن ديارك
    فدود القبر في عينيك يرعى
    ويبدلك البِلا داراً بدارك
    وترعى عين غيرك في ديارك

    الموت كأس يدور على الأحياء ، لابد أن يشربه أبناء حواء ، الموت ليس له موعد مناسب ، فهو يأتي القاعد والماشي والراكب ، في ليلة الزفاف ، إذا اجتمع الأضياف ، يقدم الموت بحشوده ، ويهجم بجنوده ، يأخذ العريس أو العروس ، لأن مهمته قطف النفوس ، يهنّأ الإنسان بالإمارة ، ويبارك له بالوزارة ، ثم يشنّ عليه الموت الغارة .
    يولد المولود ، ويعود المفقود ، ثم يفجؤ الموت الجميع بروعته، فتمتزج بسمة المحب بدمعته ، يكتمل الاجتماع ، ويلتقي الأحباب من كل البقاع ، فإذا تمت السعاده، وكل قلب بلغ ما أراده ، وصل الموت ففرق الجمع ، وأسبل الدمع .
    هو الموت ما منه ملاذ ومهرب
    نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها
    متى حُطَّ ذا عن نعشه ذاك يركب
    وعلّ الـردى مما نرجيه أقرب

    وقف أحد الصالحين على المقابر ، ودمعه يتناثر ، فقال : يا موت ماذا فعلت بالأحباب ؟ وماذا صنعت بالأصحاب ؟ ثم أجاب نفسه بنفسه ، فقال : يقول الموت : أكلت الحدقتين ، وأفنيت العينين ، ونهشت الشفتين ، وقطعت الأذنين، وفصلت الكفين من الرسغين ، والرسغين من الساعدين ، والساعدين من العضدين ، والعضدين من الكتفين ، وفصلت القدمين من الكعبين ، والكعبين من الساقين ، والساقين من الفخذين ، والفخذين من الوركين .
    أتيت القبور فناديتها
    تفانوا جميعاً فما مخبر
    فيا سائلي عن أناس مضوا
    تروح وتغدو بنات الثرى
    أين المعظّم والمحتقر
    وماتوا جميعاً ومات الخبر
    أما لك فيما مضى معتبر
    فتمحو محاسـن تلك الصور

    إذا رأيت قصراً مشيدا ، وملكاً عتيدا ، وبأساً شديدا ، فتذكر الموت فإذا القصر تراب ، والملك خراب ، والبأس سراب .
    إذا رأيت امرأة حسناء ، أو حديقة غنّاء ، أو روضة فيحاء ، فتذكر الموت فإذا الحسن مسلوب ، والجمال منهوب .
    فضح الموت الدنيا ، فلم يدع لذي لب فرحا ، ولكن أين من صحا ، وأصلح فصار مفلحا .
    بينا ترى الإنسان فيها مخبراً
    طبعت على كدر وأنت تريدها
    ألفيته خبراً من الأخبارِ
    صفواً من الأقذار والأكدارِ

    ويل لمن أشغله ماله ، وألهاه جماله ، وصده عياله . متى الإفاقة يا من بحب الدنيا مخمور ، وببهرجها مغرور ، أما تذكر إذا بعثر ما في القبور وحُصِّل ما في الصدور .
    أين من رفرفت عليهم الرايات ، ورفعت لهم العلامات ، وأقيمت لهم الحفلات ، وانعقدت لهم المهرجانات .
    صاحِ! هذي قبورنا تملأُ الرّحـ
    خفِّفِ الوطء ما أظنُّ أدِيمَ الأ
    سِرْ إن اسطعتَ في الهواء رويدا
    رُبَّ لحدٍ قد صار لحداً مرارا
    ودفينٍ على بقايا دفينٍ
    تعبٌ كلها الحياةُ فما أعـ
    إنَّ حزناً في ساعة الموت أضعا
    ـبَ فأين القبورُ من عهدِ عادِ ؟
    رضِ إلا من هذه الأجسادِ
    لا اختيالاً على رُفاتِ العبادِ
    ضاحكٍ من تزاحم الأضدادِ
    في طويل الأزمان والآبادِ
    ـجبُ إلا من راغبٍ في ازديادِ
    فُ سرورٍ في ساعة الميلادِ

    أين من ولّى وعزل ، وأين من ظلم وأين من عدل ، وأين من سجن وجلد وقتل ، أين من حفت به الجنود ، واجتمعت عليه الحشود ، وخفقت على رأسه البنود ، أين من دارت عليه الكؤوس ، وانخلعت من هيبته النفوس ، وطارت بأوامره الرؤوس ، أين من جمع ومنع ، ووصل وقطع ، واغتنى وافتقر ، وهزم وانتصر .
    باتوا على قللِ الأجبالِ تحرسهم
    واستنـزلوا بعد عز من معاقلهم
    تلك الوجوه التي كانت محجبة
    لطالما أكلوا يوماً وكم شربوا
    غلب الرجال فما أغنتهم القلل
    إلى مقابرهم يا بئس ما نزلوا
    من دونها تضرب الأستار والحلل
    فأصبحوا في لحود الأرض قد أكلوا

    بعض السلف ذكر الموت فخارت قواه ، وصاح أوّاه، وبعضهم كاد أن يطير لبه ، وأن يتفطر قلبه .
    إذا رأيت الإخوان والجيران والخلان ، فتذكر كل من عليها فان .
    إذا أبصرت البستان والأفنان والأغصان ، فتذكر كل من عليها فان .
    إذا شاهدت القصور والدور والحبور والسرور فتذكر يوم يبعثر ما في القبور ، ويحصل ما في الصدور .
    الله سمّى الموت مصيبه ، وأنت عنه في غيبه ، أخذ القوي والضعيف ، والوضيع والشريف ، والغالب والمغلوب ، والسالب والمسلوب ، قبر الغني جوار قبر الفقير ، وقبر المأمور بجانب قبر الأمير .
    الموت مباغت لا يستأذن ، ومهاجم لا يُؤمَن ، لا يترك شاباً ليكتمل شبابه ، ولا صاحباً ليتمتع به أصحابه ، ولا حبيباً يستأنس به أحبابه ، يفصّل الثوب فيأخذ صاحبه قبل أن يلبس ، ويبنى المجلس فيخترم الموت الباني قبل أن يجلس ، تزف المرأة لزوجها فيهاجمه الموت ليلة الزواج ، يزرع الزارع فيختلسه الموت قبل النتاج ، الموت له صور وأشكال ، ومشاهد وأحوال ، مرة يقتل بسيف أو برمح ، أو داء أو جرح ، أو بعرق ينبض ، أو بعضو يمرض ، أو بحرب هائله ، أو مجاعة قاتله ، المهم أنه لابد منه ، ولا محيص عنه  قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ  يصبّحكم أو يمسّيكم ،  أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ  ، أو دونكم جنود مؤيّده ، كل شيء هالك إلا وجهه الكريم ، وكل حي فانٍ إلا الحي القيوم .
    الموت يسقط الطيور ، ويخطف الصقور ، ويلتهم النسور ، يصيد الموت كل عائمه ، ويدرك كل هائمه ، ويجتاح كل سائمه ، يزحف على الحيوانات ، والعجماوات ، والحشرات ، يدخل القصور والأكواخ ، ويصرع الأطفال والأشياخ ، فسبحان من خلق الموت آية ، وجعله نهاية ، وصيره لكل حي غاية .  إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ 
    زار الرسل والأنبياء ، ووفد على الأصفياء والأولياء ، وطاف على الحكماء والعلماء والأدباء والشعراء ، فسقى الجميع بكأسه ، وهشم الكل بفأسه ، فلا صاحب القصر نجا ، ولا محب الدنيا عمّر ولو رجا ، ولا الكاره له سلم منه ولو ذمّه وهجا ،  وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ  .
    نعد المشرفية والعوالي
    ونرتبط السوابق مقربات
    وتقتلنا المنون بلا قتالِ
    فما ينجين من خبب الليالي

    أخرج الموت وساوس ساسان ، وما سلم منه سليمان ، وخرّب ما شيده وشاده شداد ، وعاد بالكسر على عود ثمود وعاد ، وحط قحطان ، وأعدم عدنان .
    الموت يفجؤ بعد العين بالأثر
    أنهاك أنهاك لا آلوك موعظة
    هي المنايا وقاك الله سطوتها
    ومرّغت قيصر الرومي ودولته
    ليت المنايا رعت من كان ذا همم
    وليتها إذ فدت عمراً بخارجة
    وابن الزبير أتى بالبيت محتميا
    قد ذاقها أنبياء الله ما سلموا
    دع الليالي مع الأيام تصحبنا
    فما البكاء على الأشباح والصورِ
    عن نومة بين ناب الليث والظفرِ
    دكت عروش ذو التيجان والخطرِ
    وألصقت خد كسرى أضيق الحفرِ
    وزلزلت أشبه الأحياء بالبقرِ
    فدت عليّاً بمن شاءت من البشرِ
    فمزّقته بقرب الركن والحجرِ
    من فتلها فاعتبر ما جاء في السيرِ
    فالبِيض والسُمر مثل البَيض والسَمرِ




    اتمنى ان تعجبكم


  8. #68
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sat May 2007
    الدولة
    أم الدنيا وارض الكنانه
    العمر
    39
    المشاركات
    120,668
    معدل تقييم المستوى
    21474973



  9. #69
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Mar 2008
    الدولة
    ஓஓمقبرة العيزريه ஓஓ
    العمر
    39
    المشاركات
    2,985
    معدل تقييم المستوى
    19
    جزاكي الله كل خير على المرور اختي رمز الوفاء

صفحة 7 من 7 الأولىالأولى ... 567

المواضيع المتشابهه

  1. اطلب ثوابك من ربك د. عائض القرني
    بواسطة عزتي احرقت جمر الاشواق.. في المنتدى المنتدى الاسلامي العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 23-12-2010, 08:05 AM
  2. الشيخ عائض بن عبدالله القرني
    بواسطة القيصر السليطي في المنتدى المنتدى الاسلامي العام
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 12-04-2010, 12:53 AM
  3. حسرات للشيخ عائض القرني
    بواسطة زهر الربيع في المنتدى المنتدى الاسلامي العام
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 13-02-2010, 12:25 AM
  4. لا تحزن للدكتور عائض القرني
    بواسطة رنين الاصوات في المنتدى المنتدى الاسلامي العام
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 11-02-2010, 09:19 AM
  5. خواطرللشيخ عائض القرني
    بواسطة Full MooN في المنتدى المنتدى الاسلامي العام
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 08-03-2009, 12:12 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك