الأردنييون في فصل الشتاء


أحبها وأحبها وأحبها تلك التي تسمى القهوة، وأبوح لها بحبي كلما بدأت بها يومي صباحا وختمت بها عملي مساءا، ومابين عام وآخر أذكرها وتذكرني بباكورة العلاقة التي جمعتنا سويا عندما كنت في السابعة من عمري وقفزت الى غاز المطبخ معلنة وبكل شجاعة قيامي بتنفيذ العملية البطولية المتمثلة في صنع القهوة!

نعم صنعت القهوة وصببتها في الفناجين وحملتها بيدي الصغيرتين وأنا أتبختر وأتراقص على نغمات أغنية كانت تذاع على المذياعظ¬ وعندما أصبحت المسافة بيني وبين ضيوفي وهم والداي لا تزيد عن 3 أمتار سقطت هاوية الى الأرض وسقطت الفناجين وانسكبت القهوة الفاترة – الحمد لله أنني لم أغلها الى الحد المطلوب – وشربت القهوة وشربتني وكان بكائي في تلك اللحظة ليس من ألم السخونة بل من ألم وجنتي! فأبي كان يلملم زجاج الفناجين تارة ويباغتني بقرص وجنتي تارة أخرى قائلا: العجلة من الشيطان يا بنت حمدي....

القهوة وأقصد "القهوة الحلوة" كما نسميها تتمتع بخاصية عجيبة في كونها متقلبة المذاق حسب فصول السنة ويغلب علينا ذلك التأثير! فأمزجتنا في الصيف تختلف البتة عن أمزجتنا في الشتاء! وعلى سيرة الشتاء فقد أعلن رسميا قبل أيام عن تعديل الوقت طبقا للتوقيت الشتوي وأعلنت أنا عن ذلك باصطحاب "جاكيتي" معي طوال اليوم مهما ارتفعت درجات الحرارة، فشعوري بالراحة لا يتحقق مطلقا إذا لم أكن والجو من حولي غاية في الدفء.

للأردنيين طقوس خاصة في الشتاء تمايزوا بها عن باقي الشعوب، ومشهدهم واحد في مضمونه مع اختلاف بسيط في بعض جزيئاته، تخيلوا معي إذا قرر أحدنا الذهاب في صباح شتاء بارد الى دائرة أو مؤسسة حكومية وفي بعض الأحيان خاصة فسيجد أن نصف الموظفين لم يتمكن من الوصول الى عمله في الثامنة بسبب أزمة المواصلات، أما النصف الآخر فيهرول مسرعا أولا ليرفع الشماغ عن رأسه ويعلقه على الشماعة ويصفف شعره الذي تزحزح عن قواعده بسبب الشماغ الذي يعد ارتداؤه أحد أهم طقوس الشتاء الأردني، ومن ثم ينادي على المراسل ليأمره وبكل فظاظة بإحضار فنجان القهوة ليلتحق بزملائه الذين يحيطون بمدفأة "الفوجيكا" التي عبق المكان بدخنتها السوداء وتشربت سندوتشات الزيت والزعتر التي وضعت على صينية "الفوجيكا" طعم البخار الأسود ومع ذلك فقد جمعتهم، ولك ان تحاول الاقتراب من أي منهم كمواطن أراد متابعة معاملته او حتى السؤال عنها لتجد أن أحدهم يجيبك بالقول إنه مصاب بـ "كآبة الشتاء" هذه الكآبة التي يصاب بها الأردنيون..والأردنيين فقط.

كآبة الشتاء تتجلى في عيون الأردنيين وألسنتهم في مجالسهم التي تتبلور للتنديد بالحكومة بسبب أسعار المحروقات ولشتم الحكومة بسبب أزمة المواصلات وللمطالبة بحكومة جديدة ما لم توفر الحكومة الحالية المعاطف الصوفية والجلدية بأسعار ضمن حدود المعقول، بالإضافة الى أسعار الخضروات التي قد ترتفع بسبب حالات التجمد والصقيع والدواجن التي قد تنفق ولن ننسى انقطاع المياه عن بعض الأحياء بالرغم من إعلان الحكومة لتخزينها واستثمارها لكميات مرتفعة من الأمطار... يمكنني القول إن الحكومة هي حديث الساعة في شتاء الأردنيين ..

أنا وبالرغم من كل المصاعب التي أواجهها في الشتاء كحال غيري وقلة حيلتي إلا أنني والحمد لله لا أصاب بكآبة الشتاء مذللة كل الصعاب أمام رؤية الغيوم تغطي سماء عمان منذرة باقتراب المطر وأصلي للرب وأدعوه ما استطعت الى ذلك سبيلا بأن يرزقنا بالأمطار ويجعلها سقيا خير ورحمة.

وبقدر عشقي للقهوة مع أنني أعلم بأضرارها الصحية الجسيمة فأنا أعشق الشتاء في بلدي بكل تفاصيله الحميمة...فيا الله ما أجمل المنظر عندما تخرج الى الشارع وترى صغيرنا قبل الكبير يلتف بالشماغ ويبادر الى تقديم المساعدة لمن تعطل سيره بسبب الشتاء...



بقلم دانا النجداوي