[align=center]دراســة تــاريخــيــة
عـــن مـــدينـــــة الـقــــدس
د. باسم مصطفى

مستخلص[/align]
يتناول الموضوع في مضمونه دراسة شاملة عن مدينة القدس قديماً، والتسميات التي أطلقت عليها عبر التاريخ، كما تتحدث عن ديمغرافية المدينة ومكانتها في العصور الإسلامية وأبوابها وأسوارها وعن الذرائع والحقوق المزعومة لليهود في فلسطين، وتعرض الدراسة في النهاية الخطة التي يتبعها اليهود للتهويد القدس•
تمهيد
ما من مدينة في تاريخ العالم تمتعت بقداسة مستدامة مثل القدس•• فالقدس مدينة الإسلام والسلام ومركز الإشعاع الروحي للديانات السماوية الثلاث•• مدينة تضرب في أعماق التاريخ•• بناها العرب اليبوسيون، وتعرضت عبر مسيرة التاريخ لكثير من الحروب والغزوات، ولقد اتجهت إليها أنظار بني البشر عبر آلاف السنين وخفقت قلوبهم بحبها وتعلقت أفئدتهم بها وبكو حزناً لما ألم بها•
خصها الله بأنبياء كثيرين؛ ويقال بأنهم سكنوها وأن بناءها تم على يدهم حتى إنه لم يبق فيها موضع شبر إلا وقد صلى فيه نبيٌ أو قام فيه ملك•• كما خصها الله بإسراء رسوله المصطفى (عليه الصلاة والسلام) فقال في كتابه العزيز >سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً مـن المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير<•
والدلائل الأثرية تجمع على أن وجود حياة إنسانية على هذه الأرض يعود إلى العصر الحجري النحاسي 4000 ـ 3200 ق•م، وإن الكنعانيين أبناء الأموريين العرب هم أول من وطىء هذه الأرض من شبه الجزيرة العربية خلال الألف الثالث قبل الميلاد، وقد سميت فلسطين بأكملها بأرض كنعان نسبة لهم، وقد تحدر منهم العرب اليبوسيون الذين بنوا مدينة القدس التي سميت حينذاك باسم يبوس، وقد أقيمت هذه المدينة على إحدى التلال الأربع التي تقع عليها المدينة اليوم بمساحة 4.7 هكتار، نظراً لوجود عين ماء في السطح الشرقي لتل الضهور وهي عين سلوان، التي كانت تدعى عين جيجون وقد ورد ذكر المدينة باسم (أورسالم) في عدة اكتشافات تاريخية، منها الحفريات التي جرت في تل مرديخ في شمال سورية واكتشفت فيها آثار مملكة قديمة عرفت باسم مملكة إيبلا Ebla، وقد وجد بين الآثار ألواح من الآجر كتب عليها اسم مدينة سالم بلغة سامية وبالخط المسماري ترجع إلى حوالي 2500 سنة قبل الميلاد، وذكرت كذلك في عام 1842 ق•م في كتابات مصرية قبل دخول الملك داود إليها بنحو 842 عام ، وفي عهد الهكسوس دمرت المدينة، ثم أعيد بناؤها من قبل الكنعانيين وتحت إشراف الهكسوس، وذكرت المدينة في تل العمارنة المصرية عام 1250 ق•م، وفي عام 1930 اكتشفت فيها كتابات أثرية كنعانية تعود إلى نحو 2900 ق•م على قطعة فخارية داخل قبر يقع إلى الجنوب من مرتفع الضهور في القدس المعروف بتل (عوف أيل)•
ويقول العالم (مكنزي) في دائرة المعارف البريطانية إن الكنعانيين كانوا يطلقون على جبالهم المقدسة اسم صهيون، وبذلك نجد أن اكتشافات علماء الآثار في العصر الحديث في مدينة القدس تعود في معظمها إلى اليبوسيين والكنعانيين في المدينة، وخاصة المقابر التي اكتشفتها (كاثلين كنيون) العالمة البريطانية ـ في منطقة جبل الزيتون، كذلك اكتشافات العالم باركرو التي تكذب جميعها الادعاءات الإسرائيلية•
تسمية المدينة
اكتسبت القدس عبر تاريخها الطويل أسماء عدة، سماها الكنعانيون وهم سكان البلاد الأصليون يور شالم ـ أو يور ـ شليم وهي كلمة مشتقة من التسمية الكنعانية الأصلية، وسميت في التوراة أيضاً شاليم وساليم ومدينة الله، مدينة داود، بيت المقدس، وقد وردت باسم أورسالم في الكتابات الكنعانية التي ترجع إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، أي مدينة السلام، وظل اسم أورشليم شائعاً من ذلك العهد إلى يومنا هذا، ومن ياروشليم جاء الاسم الإفرنجي >جيروزاليم< Jerusalem•
نسبت المدينة إلى الملك الكنعاني (ملكي صادق) الملك الكاهن العادل الذي عرف بالتقوى وحب الخير والسلام، ولقب بملك شاليم الذي خضعت له طوعاً ملوك المنطقة، وقابل سيدنا إبراهيم عليه السلام وقدم له الخبز والخمر كما تقول التوراة•
وقد ذكرنا أن (يبوس) هو أيضاً من أسماء أورشليم القديمة نسبة إلى اليبوسيين، سكان المدينة الأصليين، واليبوسيون هم إحدى القبائل الكنعانية نزحت من جزيرة العرب وسكنت أورشليم وحولها، وقد أسماها الفراعنة في كتاباتهم الهيروغليفية (>يابيثي< ويابتي)، وهو تحريف لاسم الملك يبوس الكنعاني، وقد ورد ذكر يبوس في التوراة ووصفت أنها هي أورشليم ومن هنا صار الكنعانيون يطلقون اسم (يبوس) على كل أورشليم•
وكان لليبوسيين قلعة حصينة على الرابية الجنوبية الشرقية من أورشليم كانوا يطلقون عليها اسم (صهيون) وقد سميت (حصن صهيوني)، وصار الحصن يعرف في عهد المسيح عليه السلام أيضاً باسم جبل صهيون، و يوجد الآن في جوار مدينة أورشليم واد يسمى >وادي صهيون <و هذه التسمية حديثة لا تمثل موضع جبل صهيون الأصلي الذي كان يقع في القسم الجنوبي الشرقي من المدينة•
و في الألف الأول قبل الميلاد وجد الملك داود قبائل إسرائيل التي خرجت من مصر، وتمكن من احتلال المدينة وتغيير اسمها فصارت تسمى مدينة داود•
و قد بلغت مملكة داود ذروتها في عهد ابنه سليمان عام 970-930 ق•م غير أنها انقسمت بعد وفاته الى مملكتين /مملكة إسرائيل و مملكة يهوذا/و عاصمتها القدس•و في زمن الرومان بدل اسمها إلى >إيليا كيبتولينا Aelia capitolina بعد أن استولى عليها الإمبراطور هادريان ودمرها عام 135م و حولها إلى مستعمرة رومانية، ثم أعاد لها قسطنطين اسمها القديم >أورشليم < كما عرفت المدينة أيام الخلفاء الراشدين باسم >ايليا< الذي ورد ذكره في نص >العهدة العمرية<، أي عهد الأمان الذي أعطاه الخليفة عمر للسكان عام 15 للهجرة• و بذلك نجد أن تسمية >أورشليم< التي يحاول الصهاينة اليوم عدها من الأسماء العبرية >بمعنى اليهودية<هي في الحقيقة كلمة كنعانية عربية الأصل وردت بهذا الاسم في النصوص الكنعانية التي وجدت في مصر قبل ظهور اليهودية بعدة قرون• فهذه دعوى باطلة لا تستند إلى مصدر تاريخي، حتى في التوراة تعترف المدونات العبرية اعترافاً صريحاًبأنه ليس لليهود أية صلة بتاريخ أورشليم القديم لا من حيث التسمية ولا من حيث القومية•
سكانها
كان اليبوسيون الكنعانيون أول من سكن أورشليم، و يرجع الخبراء تاريخ وجودهم في المدينة الى ما قبل خمسة آلاف عام، حين نزح الكنعانيون من جزيرة العرب الى فلسطين، و كانوا يقطنون في المنطقة في نواحي أورشليم، و كانت أورشليم مركزهم الرئيسي و عاصمة ملكهم واستطاعوا أن يكَّونوا في وطنهم الجديد حضارات ذات حكومة و صناعة و تجارة و ديانة، تداول على حكمها عدة ملوك منهم >عبد خبيا< الذي ورد ذكره في المقصوصات الفرعونية و>أدوني صادق<الذي قتله اليهود و >ملكي صادق<الذي حكم زمن إبراهيم الخليل في القرن التاسع عشر قبل الميلاد•
و بعد غزو الموسويين لكنعان بقيادة يسوع بن نون اتحد ملك اليبوسيين >أدوني صادق<مع أربعة من الملوك المجاورين له و استعدوا للمقاومة، غير أنهم وقعوا في أسر >يشوع<فأعدمهم ثم اتحد بقية اليبوس مع >يابين<ملك حاصور ضد >يشوع<، إلا أنهم انهزموا و تشتت شملهم• و لم يتم الاستيلاء على المدينة إلا بعد موت >يشوع< حيث حاصرها الموسويون و أشعلوا فيها النار و دمروها، لكنهم لم يتمكنوا من الاستيلاء على القسم المحصن المسمى >حصن صهيون< و بعد معارك قاسية تمكن يهوذا و أخوه شمعون من دخول المدينة و قتل خلالها ملك القدس>أدوني صادق<و عدة آلاف من اليبوسيين، و بعد ذلك تمكن اليبوس من إخراجهم من المدينة ثانية ثم تولى شاؤول قيادة الإسرائيليين و احتل الحصن بزعامة >يوآب< قائد جيشه، لكن الفلسطينين تمكنوا من هزيمته و قتله هو و أولاده الثلاثة في معركة الجلبوع، و في هذه الأثناء كان الملك داود يقيم في حبرون التي منحه الإقامة فيها اليبوسيون تقديراً لتحالفه معهم في بعض المعارك ضد شاؤول•
ـ وفي عام 1010ق•م توج داود ملكاً على اليهود،و تحلل من كل تحالفاته، و زحف بجيشه نحو يبوس، و أحكم الحصار عليها، و بعد مقاومة عنيدة من أهلها استطاع إقامة مملكة داود لمدة 33عاماً توفي بعدها، و جاء سليمان الذي حكم أربعين عاماً و بعد موته اختلف أبناء يربعام و رحبعام، و انقسمت الدولة إلى دولتين بقيتا في صراع حتى انهارت الأولى على يد الأشوريين عام 733ق•م و الثانية على يد بنو خذ نصر، حيث سقطت القدس بيده عام 687ق•م، و شهدت القدس بعد ذلك صراعاً طويلاً و طاحناً بين أمم و شعوب عدة، من بينهم البابليون والآشوريون والفرس و الرومان غير أن الثابت تاريخياً أن الوجود اليهودي في القدس لم يدم أكثر من 516 عاماً ولم يحكم اليهود القدس حكماً مستقلاً سوى فترة 73 عاماً في عهد الملك داود و عهد الملك سليمان، و حتى خلال الفترة القصيرة لم يخل الأمر من خضوع المدينة للفينيقيين حيناً و للمصريين حيناً آخر•
ومن جهة أخرى تؤكد المصادر القديمة، فضلاً عن الحفريات الأثرية والدراسات الانثروبولوجية، أن العنصر السامي العربي الذي انبثق منه العموريون والكنعانيون واليبوسيون والفينقيون ظل الأساس الذي شكل البنية السكانية لفلسطين، حتى فترة الحكم اليهودي، وكان هذا الأساس يضفي الطابع العربي السامي على المدينة في كل فترة احتلال طالت أم قصرت وفي هذا السياق يؤكد >كيت وايتلام Keilh whitelan أستاذ في جامعة استيرلنج في كتابه >اختلاف اسرائيل القديمة+اسكان التاريخ الفلسطيني< The In uention of Ancient Israel. The Silencing of pale Stinion History. الصادر عام 1996 أن إسرائيل التاريخية، التي تتحدث عنها الروايات التوراتية التقليدية>لم تكن إلا لحظة عابرة في مسيرة التاريخ الحضاري لفلسطين القديمة<
وإن ازدياد الوجود اليهودي في المدينة يعود الى استقرار بعض الحجاج اليهود فيها خلال القرنين الثامن عشر، والتاسع عشر الذين توافدوا إليها من الأقطار الأخرى كاليمن وبخارى والمغرب أما الذين انتقلوا إليها من الأندلس، فلم يكن عددهم عند غزو نابليون لفلسطين وحصاره عكا يتجاوز 1850شخصاً يعيشون في حارة اليهود في القدس القديمة، إضافة الى الذين طردوا من إسبانيا والبرتغال بعد عام 1492ومن بولونيا عام 1777م وفي منتصف القرن التاسع عشر أخذ عدد اليهود بالتزايد مع البدايات المبكرة للاستيطان الصهيوني في فلسطين وكثرة الأحياء اليهودية، وازداد هذا الاستيطان اليهودي داخل المدينة، لأن السياسة الديمغرافية التي تتبعها سلطات الاحتلال الصهيوني بشأن القدس تستهدف إحداث هيمنة ديمغرافية مطلقة، لهذا وضعت مخططات تستهدف جعل اليهود في القدس الكبرى أغلبية، وذلك بتحويل الهجرة الخارجية إلى القدس، واستخدام شتى الوسائل لإفراغها من سكانها الفلسطينيين، ومن هذه الوسائل القانون الذي ينص على>طرد الفلسطيني الذي يعيش خارج القدس سبع سنوات متتالية، وإذا حصل على جنسية غير إسرائيلية، وإذا سجل إقامته في بلد آخر ، ونتيجة لهذا القانون، يتوقع اليهود فقدان مابين 50،60ألف فلسطيني بطاقاتهم، هذا يعني ترحيلهم خارج القدس•
السكان
قدر عدد سكان القدس في عام 1997 بنحو 210 ألف مواطن فلسطيني 34 ألف منهم يعيشون داخل البلدة القديمة، ويعيش في القرى الفلسطينية المجتمعة حول مدينة القدس، 11389 نسمة، يضاف إليهم 4496 تقديرات الدراسة البعدية لدائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية، امتلك الفلسطينيون قبل دخول الاحتلال الإسرائيلي للمدينة 13 ألف وحدة سكنية في القدس الشرقية، ويمتلكون الآن حوالي 22 ألف وحدة سكنية، الزيادة فقط 8850 وحدة سكنية، يحتاج الفلسطينيين بشكل فوري 26 ألف وحدة سكنية أخرى إلا أنهم منعوا من قبل الإسرائيليين بوسائل مختلفة ومن خلال استخدام أنظمة وقوانين خاصة ضد المواطنين الفلسطينيين استجابة للتطور الطبيعي لنمو السكان مما اضطر المواطنين الفلسطينيين إلى الخروج للسكن في محيط القدس خاصة منطقة الرام والضاحية وبير نبالا وأبو ديس والعيزرية الأمر الذي أثر بشكل كبير على نسبة الفلسطينيين اتجاه اليهود في المدينة، وحاول الإسرائيليون أن لاتزيد هذه النسبة عن 27%•••
ومع ذلك تفيد كل المعطيات أن السياسة الإسرائيلية العنيفة والمنهج الترانسفيري القصري الذي تتبعه، وإن حقق بعض أهدافه إلا أنه لم ينجح بخفض عدد الفلسطينيين إلى هذه النسبة لغاية اليوم، حيث نسبة الفلسطينيين اليهود في المدينة 30.6% طبقاً لإعلان المكتب الإحصائي المركزي الإسرائيلي لعام 1997 وفق إصدار مكتب الاحصاء الإسرائيلي لعام 99 علماً أن الإحصاء الفلسطيني يرفع هذه النسبة لعام 98، وكانت النسبة لسنوات السبعينات لم تتجاوز 23%••
والجدولان التاليان يوضحان تفصيل الوجود الفلسطيني في القدس:
ونتيجة أساليب التهجير والطرد الإسرائيلي المتبعة إزاء الشعب الفلسطيني وصل إجمالي عدد الفلسطينيين المقدسيين وأبنائهم أو اللاجئين إلى نحو 400 ألف نسمة عام 1988، فيما تذهب إحصائيات أخرى صادرة عام 1999 إلى تقدير هؤلاء بنحو 500 ألف نسمة••• وطبقاً للمعطيات المتوافرة راهناً التي نشرها "معهد القدس لأبحاث إسرائيل" صيف 1999 بلغ عدد سكان القدس بشطريها نحو (633.7) ألف نسمة منها نحو (433.6) ألف يهودي و 196.19 ألف فلسطيني و 4 آلاف دون تصنيف معظمهم من مهاجري رابطة الدول المستقلة، أي إن اليهود يشكلون نسبة 68.4% من سكان القدس، بينما يشكل الفلسطينيون نسبة 31%، ووفق هذه المعطيات يقيم نحو 37% من يهود القدس أي 60.4 ألف يهودي في المناطق التي ضمت إلى المدينة بعد عدوان 1967 وهؤلاء يشكلون نحو 46% من مجمل السكان الفلسطينيين واليهود في هذه المناطق؟•
الفتح الإسلامي لمدينة القدس
كتب الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي عبيدة عامر بن الجراح طالباً منه التوجه إلى القدس قائلاً: >أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو و أصلي على نبيه• وقد وصلني كتابك تستشريني وأنا أدعوك لك إلى أي ناحية تتوجه بالمسير إلى بيت المقدس، فإن الله يفتحها على يديك و السلام•<
توجه أبو عبيدة بن الجراح بعد الانتصار على الروم في معركة اليرموك وبناء على توجيهات الخليفة عمر إلى>إيلياء< واحتلها بعد حصار دام أربعة أشهر، ولما اشتد حصار المسلمين للمدينة، ورغب البطريارك/صفروينوسي/في التسليم،اشترط أن يكون ذلك على يد الخليفة نفسه، فقبل عمر ذلك وفي عام 638م فتحها المسلمون، واشترط الرؤساء المسيحيون، على جيش المسلمين الذي كان يحاصر المدينة، أن لا تفتح أبواب سورها وتسلم إلاّ للخليفة العادل عمر بن الخطاب، وأن يعطيهم عهداً بعدم السماح لليهود بالإقامة في المدينة والمحافظة على كنائسهم ودينهم وأملاكهم وأموالهم••
وبالفعل تسلم الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدينة بيت المقدس بنفسه وكتب وثيقة الأمان التي عرفت فيما بعد بالعهدة العمرية وهذا نصها:
[بسم الله الرحمن الرحيم•• هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقص شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود••
وعلى أهل إيلياء إعطاء الجزية كما يعطي أهل المدائن وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام فهو آمن وعليه ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم•• فإنهم آمنون على أنفسهم•• حتى يبلغوا مأمنهم ومن كان فيها أهل الأرض، فمن شاء منهم قعد، وعليه ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء "من الجزية" حتى يحصدوا حصادهم]•
و يروى أن عمر بن الخطاب أقام مسجداً في المكان الذي وضعه الرسول الكريم، وأقام فيه الصلاة ليلة الإسراء، أما الشروط المتعلقة بعدم السماح لليهود بالعيش في المدينة فقد جاءت بناء على طلب النصارى الذين لم ينسوا آنذاك الدور الذي لعبه اليهود في غزو الفرس للمدينة و تدميرها•
ولكن هذا الخطر رفع تدريجياً بسبب تسامح السلطات الإسلامية إلى أن نسي كلياً، وأصبح بإمكان اليهود دخول المدينة دون حرج حتى غدا تحديد التاريخ الذي سمح به لليهود بممارسة الطقوس الدينية، خارج الجزء من الحائط الغربي للحرم الشريف غدا غيرمهم، وجاءت تسمية ذلك الجزء>حائط المبكى<ويحتمل أن تكون ممارسة اليهود لزيارة حائط المبكى قد بدأت بشكل غير رسمي وعلى نطاق ضيق محدود جداً،مما لم يلفت انتباه السلطات الإسلامية، وربما عاد تاريخ ذلك، الى ما بعد استرجاع القدس وتحريرها على يد صلاح الدين عام 1187 •
سقوط القدس في يد الفرنجة
في عام 492 للهجرة ـ1099م سقطت القدس في أيدي الفرنجة في وقت كانت فيه كلمة المسلمين متفرقة أشد التفرق وقوتهم في غاية الضعف، وقد كتب الصليبيون للبابا بعد دخولهم مدينة القدس أن خيولهم خاضت في دماء المسلمين إلى الركب• فقد قتلوا المسلمين رجالاً ونساءً وأطفالاً بلا رحمة أوتمييز بين المحارب وغير المحارب•
ولقد سكن الفرنجة بيوت المسلمين وحولوا مسجد قبة الصخرة إلى كنيسة وجعلوا المسجد الأقصى ثكنة لفرسانهم وأسفله اصطبلاً لخيولهم• أما سكان المدينة من نصارى الشرق فقد أبقاهم الفرنجة، لكن جردوهم من السيادة الدينية بإلغاء البطريركية الأرثوذكسية وإقامة أخرى لاتينية مكانها••
وأما من كان في المدينة من اليهود فقد جمعهم الفرنجة في الكنيس وأحرقوها عليهم•
وقد تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق (بنيامين نتنياهو) عن هذا في كتابه (مكان بين الأمم)، حيث قال: إن /الحاخام هاليفي/ جاء إلى القدس بعد تحريرها من الغزو الفرنجي ولم يجد فيها أحد من اليهود فأخذ يدعوهم إلى القدوم إليها••
تحرير صلاح الدين للقدس
فتح صلاح الدين بن أيوب مدينة القدس في 26 رجب عام 583هـ- 1 تشرين الأول 1187م، وفي اليوم الثاني احتفل المسلمون بليلة الإسراء والمعراج، وصلى صلاح الدين ورجاله تحت قبة الصخرة، وقد ملأ صلاح الدين الحرم الشريف بنسخ من القرآن أحضرها من مكتبة دمشق العظيمة، وما تزال بعض هذه النسخ محفوظة حتى الآن، وأمر بترميم المسجد الأقصى وجاء إليه بمنبر لا مثيل له في الإسلام، والذي قام اليهود عام 1969 بإحراقه أثناء الاحتلال الإسرائيلي للمدينة••
وفي عام 1515 حكم العثمانيون المدينة حوالي 400 عام ازدهرت المدينة خلالها ازدهاراً واسعاً لا سيما في عهد سليمان القانوني، وقد قام بأعمال عمرانية واسعة وشاملة منها:
1- تجديد قبة الصخرة بإبدال الفسيفساء على جدران القبة بالقاشاني وتجديد النوافذ والأبواب، كما أمر بترميم قلعة القدس•
2- أمر ببناء سور القدس لحماية المدينة من العدوان الخارجي، واستغرق بناؤه خمس سنوات، بلغ طوله 4 كليومترات، ومعدل ارتفاعه 12 متراً، وله أربعة وثلاثون برجاً وثمانية أبواب رئيسة، واستمر تقدم المدينة وازدهارها عمرانياً وتجارياً، وتوسعت خارج السور، وبقيت تحت الاحتلال العثماني حتى عام 1917، ثم وقعت تحت الانتداب البريطاني الذي أحدث انقلاباً في الميزان الديمغرافي لصالح اليهود تواطأت فيه سلطات الانتداب البريطاني مع المنظمة الصهيونية العالمية وقد أحدث هذا ازدياد مكثف للهجرة اليهودية أيام سيطرة إبراهيم باشا، الذي أدخل إصلاحات على النظام الإداري وأقام مجلساً إدارياً للقدس أدخل فيه ممثلين للطوائف غير الإسلامية ومن ذلك أخذت القدس في التمدد شمالاً وجنوباً وغرباً، وتوسعت فيها أحياء الساهرة والمصرارة ومأمن الله والطالبية••
جغرافية المدينة
تقع القدس في قلب فلسطين مع ميل واضح باتجاه الشرق، على خط طول 35.13 درجة، وخط عرض 31.47 وتبعد عن البحر الأبيض المتوسط 52كم وعن البحر الميت 22كم، ويبلغ ارتفاع المدينة 2500 قدم فوق سطح البحر المتوسط و38000 قدم فوق سطح البحر الميت•
ترجع أهمية موقع القدس الجغرافي إلى أنه يجمع بين ميزة الانغلاق وما يعطيه من حماية للمدينة وميزة الانفتاح وما يعطيه من إمكان الاتصال بالمناطق والأقطار المجاورة•
فالطبيعة منحتها أقوى التحصينات لحماية نفسها من الغزو، فهي تقع على أرض مرتفعة محاطة من جميع أطرافها بأودية عميقة، يحدها من الشرق (وادي قدرون) ومن الغرب (وادي هنوم) ويبدأ الواديان من الطرف الشمالي الغربي من المدينة ويلتقيان في جنوب المدينة، وبذلك يحوطان المدينة من أطرافها الثلاثة /الشرق والغرب والجنوب•
وهناك وادي ثالث يعرف بوادي (الجبانين) يخترق المدينة يبدأ شمالاً من قرب باب دمشق الحالي وينحدر جنوباً عند البركة الحمراء، وتقسم أرض المدينة إلى قسمين مؤلفين من هضبتين مستطيلتين، الهضبة الغربية والشرقية•
ومحيط القدس صخري قاحل، لا سهل فيه ولا بحيرة ولا ينابيع، اعتمد أهلها على ماء عين أم الدرج ومياه الآبار التي تعتمد على مياه الأمطار• وفي جوار حصن يبوس شرقاً يوجد نبع غزير في وادي قدرون، وكان يعرف باسم (جيحون)، وكان اليبوسيون قد حفروا نفقاً تحت هذا الجبل لنقل مياه النبع إلى داخل الحصن•
كما قام الملك (خرقيا) ملك يهوذا بمد هذا النفق، بعد إغلاقه في اتجاهه الشمالي، إلى جهة الغرب، وأنشأ في نهايته سد مخرج مياه جيحون الأعلى، وأجراها تحت الأرض إلى الجهة الغربية••
وجو القدس معتدل صيفاً بارد شتاءً أمطارها متوسطة••
أما جبالها فأهمها >موديا< وارتفاعه 2440 قدماً، وهوالجبل الذي يقوم عليه الحرم الشريف وتقع على قمته قبة الصخرة المشرفة، بينما يربض على سطحه من الجهة الغربية حائط البراق ويقع عليه سور القدس القديم الذي يحيط بالمدينة المقدسة من جهاتها الأربع••
وجبل المشارف ويدعى أيضاً جبل /المشهد-جبل الصوانة/ لأن معظم الفاتحين أقاموا عليه معسكراتهم حينما غزوا القدس، وكان هذا الجبل ملكاً لاذبان أوأرونة اليبوسي فاشتراه داود من صاحبه بخمسين شاقلاً من الفضة، وبنى فيه مذبحاً للرب وأصعد محروقات وذبائح، وفي الموضع نفسه بنى سليمان الهيكل بعد ذلك••
ومن جبال القدس أيضاً الطور >جبل الزيتون< ويقع إلى الشرق من القدس القديمة ويفصلها عنه وادي قدرون ويقع جنوب جبل المشارف وارتفاعه حوالي 825 متراً عن سطح البحر، لهذا الجبل أهمية خاصة عند النصارى حيث تنتشر على سفوحه وقممه الكنائس والأديرة، ويعتقد النصارى أن المسيح كان يدرس تلاميذه في منطقة /آليا/ الواقعة في قمة الجبل، كما تناول عشاءه الأخير قبل القبض عليه في كنيسة الجثمانية، وفي هذه الكنيسة ثماني شجرات من الزيتون يقال إن تاريخها يرجع إلى أيام المسيح كان يستظل بها مع تلاميذه•
و >جبل المكبر<: سمي كذلك لأن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب أطل منه على المدينة المقدسة وهو في طريقه لتسلمها وقال (الله أكبر) ورددت جموع الجيوش الإسلامية النداء خلفه، ويقع في الجهة الجنوبية الغربية من القدس•
مساحتها
تبلغ مساحة المدينة قبل عام 1948 نحو 37.5كم2 منها 6.5 كم2 هي مساحة المدينة القديمة وقد وضع اليهود يدهم على ما نسبته 4% من هذه المساحة، والباقي الذي تبلغ مساحته 31كم2 هي مساحة القدس الغربية، استحوذ اليهود منها على 17% فقط، وبعد عدوان حزيران (يونيو) 1967 أصحبت سلطات الاحتلال تستحوذ على مانسبته 84% من عقارات القدس وحوالي ثلثي المساحة الكلية منها•
وبعد إعلان سلطات الاحتلال عن ضم القدس الشرقية إلى الكيان الصهيوني في 1980/7/30 وسعت من استيلائها على أراضٍ شائعة من المدينة تقدر بـ 108 آلاف دونم•
وعمدت سلطات الاحتلال إلى توسيع مدينة القدس على حساب أراضي الضفة الغربية لتصل إلى ربع مساحة الضفة الغربية، وذلك قبيل البدء بمفاوضات ما يسمى بالحل النهائي، وقد اتبعت سلطات الاحتلال سياسة سكانية تستهدف إفراغ القدس الشرقية من مواطنيها العرب وبهدف تهويد المدينة التي بات يقطنها من اليهود ما نسبته 11.1% من مجموع اليهود في فلسطين والبالغ عددهم، وفق معطيات الإحصاء الإسرائيلي نحو 4.8 ملايين نسمة•
أسوار المـدينـة قـديماً وحديثاً
1ـ السور القديم (السور الأول)
يبلغ محيطه خمسة أميال ومتوسط ارتفاعه أربعون قدماً، وعليه أربعمئة وثلاثون برجاً، وله ثمانية أبواب بناه اليبوسيين عام ألفين قبل الميلاد، يحيط بحصن يبوس و(حصن صهيون)، فيشكل شبه مستطيل يتوسطه الحصن، وكان النفق الذي يسحب المياه من عين جيحون ينتهي إلى البركة داخل هذا السور• وبعد احتلال الملك داود للحصن في القرن العاشر قبل الميلاد أقام داود أبنية أضافها إلى الحصن وسميت المنطقة "مدينة داود" رغبة في تبديل اسمها الكنعاني الأصلي على الأرجح، ثم اشترى أرض المريّا الواقعة إلى الشمال من حصن يبوس وبنى فيها مذبحاًللرب ويقال إنه وسّع سور اليبوس ليضم داخله جيل المرّيا، كما أنه من المحتمل أن يكون الملك سليمان هو من قام بتقوية هذا السور وتوسيعه بعد أن أقام الهيكل في أرض المريّا، وهذا هو السور الأول، ولايوجد الآن أي آثار ظاهرة لهذه الأسوار القديمة، كما أنه لايوجد أي أثر للأسوار التي ترجع إلى الفترة التي تلي عهد سليمان، والتي تبدأ بعهد الانقسام وتنتهي بتهديم الهيكل والسور في عهد نبوخذ نصر سنة 586 ق•م، وذلك لكثرة التغييرات التي وقعت خلال هذه الفترة نتيجة التهديم وإعادة البناء مرات عدة• يتضح مما تقدم أن التحصينات اليبوسية التي يـرجع تاريخها إلى أوائل الألف الثـالثة قبل الميلاد كانت قائمة في أورشليم لفترة حوالي ألفي سنة قبل أن يحتلها الملك داود••
2 ـ السور الثاني
ثاني سور للمدينة، أعيد إنشاؤه بعد السبي البابلي في عهد /نحميا/ (عام 444 ق•م) وقد أتبع في إعادة الإنشاء الخط نفسه الذي كان يسير عليه السور القديم الذي كان قد أقامه منسى ملك يهوذا سنة 944ق•م في أثناء الحملة الآشورية في عهد آشور بانيبال ثم هدم في عهد نبو خذ نصر عام 586ق•م، وقد استعملت الأسماء القديمة نفسها لأبواب السور وأبراجه• ويعطينا هذا الوصف فكرة واضحة عن اتساع المدينة في ذلك العصر، حيث كان السور يبدأ من باب الضأن شمال الهيكل، ويمتد غرباً ثم جنوباً ثم شرقاً وشمالاً حتى يعود فيتصل بنقطة البداية، والأبواب وفق تسلسلها ثلاثة في السور الشمالي وهي باب الضأن والباب العتيق، وباب السمك سمي كذلك لأنه الموضع الذي تدخل منه الأسماك المستوردة من صور• ويلاحظ أن السور عند الزاوية الشمالية الغربية أضخم من سائر أقسامه، وتعليل ذلك هو أن القسم كان مجرداً من وسائل الدفاع الطبيعية بخلاف ماكانت عليه بقية الأقسام التي تحيط بها الأودية من كل أطرافها• أما الأبواب الأخرى فهي: باب أفرايم غرباً وبابا الواد والدمن جنوباً وأبواب العين والماء والخيل والشرق والسجن والزواية شرقاً، وأهم أبراج السور كانت تقع في الطرف الشمالي وفي الزاوية الشمالية الغربية المكشوفة، وهي وفق تسلسلها: برج المئة وبرج حنئيل وبرج التنانيز وتبلغ المساحة داخل هذا السور حوالي 336 دونماً، وهذه كانت تضم السكان الأصليين (اليبوسيين وغيرهم) الذين بقوا مع اليهود، ثم استأثر السكان الأصليون بجميع المنطقة واستقروا فيها بعد سبي اليهود من أورشليم عام 586 ق• م، حتى عاد بعض اليهود في العهد الفارسي فأعادوا بناء الهيكل والسكان الأصليون باقون في أرضهم•
السور الثالث والأخير
والأرجح أن معظم السور الذي بناه /نحميا/ بقي في عهد المكابيين (37 ـ 167ق•م) على الرغم من قيام بطليموس الأول بهدم جانب منه سنة 300 ق•م وانطيوخس الرابع جانب آخر سنة 168 ق•م• وفي عهد هيرودس الكبير تمت تقويته دون أي تغيير في تخطيطه على الأرجح• وفي عهد هيروس أغريبا شرع اليهود في بناء سور جديد في الجهة الشمالية، غير أن الإمبراطور الروماني /كلوديوس/ منعهم من متابعة العمل لكنهم أتموا بناءه قبل حصار تيطس سنة 70م، وهذا هو السور الثالث، وسمي السور الشمالي الحالي للمدينة ويسير بالاتجاه نفسه• هذا في حين أن حدود المدينة من الجنوب تقلصت بتراجع السور إلى الداخل إلى الاتجاه نفسه الذي يسير فيه السور الجنوبي للمدينة حاليا• وقد ظل هذا السور متأرجح بين الهدم وإعادة البناء كلما تحولت المدينة من يد إلى أخرى في العصور التالية، ولكن رغم هذه التقلبات حافظ على الاتجاه الأخير، والسور الحالي الذي نشاهده اليوم حول المدينة الحالية هو الذي جدده سليمان باشا القانوني، دامت عمارته خمسة أعوام، وأضاف إليه عدداً من الأبراج، وفوق الأبواب كتابات على الجدران تشير إلى ذلك• (رمم معظمه في زمن السلطان العثماني سليمان القانوني••)
أبوابها
لمدينة القدس سبعة أبواب مازالت مستعملة وأربعة أبواب مغلقة والأبواب المستعملة هي:
1ـ باب العمود /باب دمشق/
يقع في منتصف الحائط الشمالي لسور القدس تقريباً، ويعود تاريخه إلى عهد السلطان سليمان القانوني العثماني، وتعلو هذا الباب قوس مستديرة قائمة بين برجين• أما سبب تسمية باب العمود فقد بينت حفريات جرت عام 1936 وجو د بابين يعود أحدهما إلى زمن الإمبراطور /هادر يانوس/ وأضيف داخل أحدهما عمود، بقي هذا العمود حتى الفتح الإسلامي، لذلك سمى العرب هذا الباب باب العمود، وكان يدعى من قبل باب دمشق لأن القوافل تخرج إليها منه••
2ـ باب الساهرة يسميه الغرب /باب هيرودوس/
يقع إلى الشمال من سور القدس على بعد نصف كيلو متر شرقي باب العمود وباب الساهرة بسيط بني ضمن برج مربع• وهو يعود إلى عهد السلطان سليمان القانوني•
3ـ باب الأسباط يسميه الغرب /باب القديس اسطفان/
يقع في الحائط الشرقي، وهو مثل باب الساهرة في شكله، يعود تاريخه أيضاً إلى عهد السلطان سليمان•
4ـ باب المغاربة
يقع باب المغاربة في الحائط الجنوبي لسور القدس وهو أصغر أبواب القدس، وهو قوس قائمة ضمن برج مربع•
5ـ باب النبي داود: يعرف عند الأجانب باسم /باب صهيون/
يقع في الحائط الجنوبي للسور•
6ـ باب الخليل
يقع في الحائط الغربي، ويسمى باب يافا••
7ـ الباب الجديد
يقع في الجانب الشمالي للسور على مسافة كيلو متر تقريباً غربي باب العمود، وفتح عام 1898 أثناء زيارة الإمبراطور الألماني غليوم الثاني لمدينة القدس، كي يتمكن من دخول البلدة القديمة بسيارته•
أما الأبواب المغلقة هي
باب الرحمة /الباب الذهبي/: أطلق عليه هذا الاسم لجماله ورونقه يقع على بعد 200 م جنوبي باب الأسباط في الحائط الشرقي للسور• يعود تاريخه إلى العصر الأموي، وهو باب مزدوج يعلوه قوسان، ويؤدي إلى باحة مسقوفة بعقود ترتكز على أقواس قائمة فوق أعمدة كورنتية ضخمة وقد أغلق هذا الباب أيام العثمانيين بسبب خرافة سرت بين الناس آنذاك تقول: إن الفرنجة سيعودون من هذا الباب يحتلون مدينة القدس•
والأبواب الثلاثة المغلقة الأخرى تقع في الحائط الجنوبي من السور قرب الزاوية الجنوبية الشرقية، وتؤدي جميعها إلى داخل الحرم مباشرة أنشئت في العهد الأموي أيام الخليفة عبد الملك بن مروان وهي:
1) باب الواحد
2) باب المثلث، وهو مؤلف من ثلاثة أبواب تعلو كلاً منها قوس
3) الباب المزدوج: وهو بابان يعلو كلاً منهما سور•
الحقوق الدينية والتاريخية المزعومة
احتاجت الحركة الصهيونية إلى ذريعة دينية تاريخية لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين، لذلك دأبت الصهيونية على تزييف الحقائق التاريخية••• فاتبعت وسائل شتى في إثبات ادعاءاتهم التاريخية بالعقيدة السكانية ونسجت الأساطير حول شخصياتهم التاريخية، وروجت للادعاء القائل بأن فلسطين وطن اليهود التاريخي، وأن يهود اليوم هم أحفاد داود وسليمان•
وبدأت الحركة الصهيونية بإصدار سلسلة من الكتب بثت في سطورها الفكرة الصهيونية المستمدة من التوارة لكونها المصدر الأساسي للتاريخ اليهودي، وركزت فيها على الموضوعات التي تكرس التفوق اليهودي والسمو العرقي، فمثلاً تزعم الصهيونية أن الحدود التاريخية لأرض إسرائيل هي الحدود المقدسة كما نص عليها العهد القديم (من النيل إلى الفرات) وغيرها من الادعاءات••
وإن الحقوق التاريخية هي أيضاً الحقوق المقدسة كما وردت في العهد القديم ـ اليهود ـ شعب الله المختار ـ الذي يَدّعي بأن حقوقه مستمدة من العهد الإلهي الذي قطعه على نفسه لإبراهيم•
وإن الادِّعاء بالحق التاريخي لهم من أهم الذرائع التي تقوم عليها الحركة الصهيونية وحقها المزعوم في إنشاء الدولة اليهودية، ولكن المزاعم الصهيونية بحق اليهود الديني والتاريخي في فلسطين تبدو هزيلة أمام حقائق تاريخية عدة:
ـ إن الزعم الديني الذي يقوم في الأساس على مايسمى بالدعوة التوراتية التي أعطاها الرب إلى إبراهيم من أربعة آلاف عام، بأنها له ولنسله إلى الأبد غير منطقي وغير عادل لأن معظم اليهود ليسوا من نسل إبراهيم، كما أن عبارة لنسلك لاتستثني العرب الذين يعودون بنسبهم إلى إسماعيل بن إبراهيم•• ومع ذلك نجحت الحركة الصهيونية في الأوساط اليهودية في تأكيد مقولة الملكية التاريخية لفلسطين اعتماداً على أساطير غير قابلة للمناقشة•
ـ إن الادِّعاء بالحق التاريخي المزعوم يأخذ في القدس طابعاً خاصاً لما لها من مكانة فريدة، فهي من وجهة النظر اليهودية ترمز إلى وحدة اليهود واستقلالهم وتذكرهم بماضيهم•
ومهما يكن من أمر المزاعم الصهيونية، فإنهم لم يكونوا أول من سكن المدينة فقد سبقهم إلى ذلك أناس كثيرون ورد ذكرهم سابقاً•
ـ إن الزعم بأن ليهود العالم حقاً تاريخياً في فلسطين وأن يهود اليوم هم خلف للعبريين غير صحيح، فيهود العالم لايشكلون أمة منفردة، وإنما هم أفراد في الأمم التي يعيشون فيها ويتكلمون لغاتها، كما أن التاريخ وعلم الأجناس والقانون لا يقر هذا الادعاء في تسويغ العودة إلى فلسطين، ولم يستطع حتى علماء اليهود البرهنة عليه••
خطة تهويد القدس على مستوى التنظيم والتخطيط الهيكلي
مشروع تهويد القدس فكرة بدأت تراود زعماء الحركة الصهيونية من وقت تأسيسها، وأعطت تلك الحركة أهمية قصوى للاستيطان في القدس بشكل خاص ثم عملت على تحديد وجهة هذا الاستيطان في القدس الغربية وعملت أيضاً على توجيه العمل لبناء أحياء ومستوطنات إسرائيلية في محيط القدس وقد أقيم حي /يمين موشه/ عام 1850 في منطقة جورة العناب ليكون نواة للأحياء اليهودية في المدينة، ثم أقيم حي مئة شعاريم في منطقة المصرارة وماكورحايم قرب المسكوبية عام 1858، وجاء بناء هذه الأحياء خارج البلدة القديمة التي لم يستطع الاسرائيليون الاستيطان داخلها، حيث لم تتجاوز مساحة الحي اليهودي داخل البلدة القديمة 5 دونمات ولم يتجاوز عدد اليهود فيها مئات قليلة•
وبعد وعد بلفور بدأ البريطانيون تمهيد الطريق لسيطرة اليهود على فلسطين وتدعيم الوجود اليهودي في القدس، ولذلك قام البريطانيون برسم حدود بلدية القدس، وكان أول مخطط هيكلي أعد بأمر من الجنرال اللنبي، عمل هذا المخطط على ربط الأحياء اليهودية بشكل عام داخل حدود القدس، حيث امتدت الحدود إلى الجهة الغربية عدة كليو مترات لتشمل /جبعات شاؤول/ بيت هاكيرم شخنات هيوعليم، وبيت فكان، وكانت تبعد حوالي 7 كم عن البلدة القديمة، فيما لم يقم البريطانيون بتوسيع حدود المدينة باتجاه الشرق والجنوب تفادياً لإدخال القرى والأحياء العربية في هذا التوسع حتى قرى لفتا ودير ياسين وعين كارم، لم يتم شملها بالتوسع إلا بعد عام 48، وبعد تهجير المواطنين الفلسطينيين منها وفي سنة 1921 جرى ترسيم حدود القدس لتدخل إليها كل الأحياء اليهودية التي ظهرت خلال تلك الفترة في داخل الأحياء العربية في القدس الغربية (القطمون والبقعة الفوقا والتحتا والطالبية والشيخ بدر ومأمن الله) التي بقيت جزءاً من المخطط الذي أعد سنة 1931، ثم وسعت حدود البلدية عام 1946 من قبل البريطانيين، وتم التركيز على الجهة الغربية أيضاً، وذلك بغية استكمال استيعاب الأحياء اليهودية التي استمرت بالظهور، وجاء مخطط 1946 بمساحة 20.430 دونماً، وكانت الأملاك العربية فيها حوالي 53.86% ـ 10640 دونماً ولم تتجاوز الأملاك اليهودية 26.12% 5107دونماً والباقي 26% أملاك عامة، وبذلك يكون العرب قد خسروا 80% من الأراضي التي يملكونها في القدس عام 1948 •
ويمكننا أن نلاحظ كيف استخدم الإسرائيليون بعد ذلك السياسة البريطانية نفسها في توسيع حدود القدس بإخراج مناطق الكثافة السكانية العربية وإدخال مساحات غير مأهولة لانطلاق المشروع الاستيطاني الإسرائيلي••
بعد إقامة دولة إسرائيل عام 1948 أعطى الإسرائيليون أهمية كبرى للاستيطان في القدس الغربية وتعزيز الوجود الإسرائيلي فيها وإعلانها عاصمة لإسرائيل• ومع بداية انطلاق الحركة الصهيونية مَهَدَ الاحتلال البريطاني الطريق للإسرائيلين للسيطرة على القدس الغربية، واستمر الإسرائيليون بتطوير برامجهم الاستعمارية التي تسعى لإتمام سيطرتها عليها وفقاً للتطورات في الواقع السياسي المحلي والدولي، وبعد سقوط القدس الشرقية عام 1967 بدأ الإسرائيليون بتوظيف كل العوامل بمافيها القوانين والأنظمة البريطانية والمخططات الهيكلية التي أعدها البريطانيون لتنفيذ هذه السياسة ليتمكنوا من بلورة مخطط متكامل عملوا على تنفيذه على أرض الواقع•••
استهدف هذا المخطط عزل القدس عن محيطها وتهجير أهلها وإحلال المستوطنين مكانهم وأسر من تبقى وإضفاء الطابع اليهودي على المدينة وجاء هذا المخطط على النحو التالي:
الإطباق تماماً على القدس الغربية من خلال:
1ـ توظيف قوانين التنظيم البريطانية لإحداث التغيرات الديمغرافية لصالح اليهود وبشكل خاص•••
2 ـ مخطط 5 R.J البريطاني الإقليمي•••
3 ـ نقل المهاجرين الجدد إليها•
4 ـ توسيع الحدود باتجاه الأحياء اليهودية•
5 ـ نقل المؤسسات الحكومية والكنيست الإسرائيلي إليها•
6 ـ إعلان القدس الغربية عاصمة لإسرائيل•
ـ احتلال القدس الشرقية وتنفيذ المخطط التالي:
1ـ عزل القدس
2 ـ تهجير المواطنين الفلسطينيين من القدس•
3 ـ إقامة المستوطنات الإسرائيلية•
4 ـ إحلال وتسكين المستوطنين مكان الفلسطينيين •
5 ـ الاسرى•
6 ـ التهويد•
المصادر
ـ القرآن الكريم، سورية الأسراء ـ الآية(1)•
ـ غازي إسماعيل ربابعة، القدس في الصراع العربي الإسلامي، الجامعة الأردنية، دار الفرقان للنشر والتوزيع، الأردن، د•ت•
ـ أحمد غنيم، القدس نداء أخير، الطبعة الأولى، تشرين الأؤل 9991•
ـ معلومات دولية مركز المعلومات القومي، العدد ـ 56، صيف 0002•
ـ كامل العسلي، الموسوعة الفلسطينية، المجلد السادس، 4891•
ـ محمد عبد الرؤوف سليم، القدس في مشاريع التقسيم•
ـ أحمد سوسة، العرب اليهود في التاريخ، العربي للطباعة والنشر•
ـ روحي الخطيب، تهويد القدس، عمان 1972.
ـ سمير جريس، القدس المخططات الصهيونية، الاحتلال، التهويد، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1981 •
ـ الموسوعة الفلسطينية، الجزء 3، دمشق 1984 •
ـ مجلة العربي العدد 518 يناير 2002 •