يعرف التنوع الحيوي Biodiversity شاملا جميع أشكال الحياة من الميكروبات الدقيقة الى الكائنات الحية العملاقة بأنه: النوع والتنوع لجميع النباتات والحيوانات والكائنات الدقيقة والنظم البيئية التي توجد فيها. ويقاس التنوع الحيوي في منطقة معينة أو في نظام بيئي محدد بمقدار أنواع الكائنات الحية الموجودة فيه.
أما التنوع الحيوي الزراعي Agrobiodiversity فيشمل جميع مكونات التنوع الحيوي ذات العلاقة بالغذاء والزراعة و ديمومة النظم البيئية والزراعية.
يشير برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP الى انه يوجد على الكرة الأرضية اربعة ملايين نوع من الكائنات الحية ، تم تسجيل ووصف 75,1 مليون فقط ، حيث تساهم هذه الأنواع في : تنظيم الدورة المائية والمناخ، حماية البيئات الساحلية، تجديد وحفظ خصوبة التربة، تلقيح النباتات، تحليل المخلفات العضوية الى مركبات نافعة، صحة الإنسان وانتاج الدواء ، ضمان الأمن الغذائي وتوفير نباتات تتحمل الأمراض والظروف البيئية المحيطة.
وللأسف ، هنالك العديد من المخاطر التي تهدد وجود التنوع الحيوي أهمها: الممارسات الانسانية السلبية تجاه البيئة المحيطة به، النمو السكاني والزحف العمراني على حساب المناطق الزراعية والخصبة ، سياسات الزراعة والتجارة الدولية ،الانتاج والاستهلاك غير المناسبين، الصراعات الدولية والحروب مما سبب تدهور الأراضي، تغير المناخ، التلوث وعدم ديمومة انتاجية المصادر الطبيعية مما سوف يؤدي بدوره الى تهديد الأمن الغذائي والمائي والرعاية الصحية والنمو الاقتصادي.
ولا يمكن تقييم التنوع الحيوي لأنه رمز ثقافتنا وبقائنا ، فهل يمكن مثلا أن نقيم أشجار الزيتون والنخيل وأزهار السوسن والتي تعيش معنا منذ نعومة أظفارنا، وهل يمكن أيضا أن نقيم الطيور التي تطربنا بأروع النغمات صباحا و مساءا..الخ.
ويشار انه للكثير من النساء يعتبر التنوع الحيوي حجر الزاوية للعمل وكسب لقمة العيش. فقد بدأت العلاقة ما بين المرأة والتنوع الحيوي في العصر الحجري، فبينما كان الرجال يذهبون في رحلة الصيد كانت المرأة توطد علاقتها يوما بعد يوم بالبيئة المحيطة بها وتستكشفها، حيث تعرفت من خلال هذه العلاقة على العديد من المصادر الطبيعية والحيوية وقيمتها، واكتشفت بالصدفة أن البذور تنمو الى نباتات مثل النبات الأم مما أدى الى اكتشاف الزراعة وهكذا، ومع الزمن أصبحت المرأة تقوم بحفظ التقاوي والبذور لزراعتها في الموسم القادم ، بل هي التي تختار نوع و كمية المحصول المزروع، كما تحتفظ بها عند هجرتها بسبب المجاعات والحروب و تبادلها مع النساء الأخريات.
يقول المثل الافريقي : دون المرأة نموت جوعا، فحتى يومنا هذا تقوم المرأة بجمع النباتات الطبية والغذائية والجمالية ونباتات الحطب والطلاء وبناء المنازل، وبالتالي أسهمت المرأة المزارعة في العديد من الدول في تحسين وأقلمة العديد من الأصناف النباتية والحيوانية بل وأصبحت تنظم عملية جمعها و تراقبها.
تعتبرالحديقة المنزلية حقل تجارب تقوم فيه المرأة بزراعة انواع النباتات المدجنة والبرية والمستقدمة ، ففي تايلاند هنالك حوالي 230 صنف نباتي نجت من الاندثار بسبب تدمير بيائتها الأصلية، حيث تم اعادة جمعها وحفظها من اكثر من ستين حديقة منزلية قامت النساء هنالك أصلا بجمعها وزراعتها في حدائقهن.
وفي ماليزيا هنالك امرأة تدعى ماريا مالآنجا تلقب ب (المكتبة الحية) تحفظ اسم واستخدامات اكثر من 200 نبات طبي، وقد كان علمها غير الموثق مهددا بالضياع لأنه ليس لديها أولاد ولأن الجيل الجديد في بلدتها ليس له اهتمام بهذا الموضوع، الى أن تم توثيق علمها عن طريق أحد البرامج الدولية الانمائية.
وفي السودان، تعتبر المرأة العنصر الرئيس الفعال في حفظ الأصول الوراثية لنبات الذرة اما في البيرو فتقوم المرأة بحفظ الأصول الوراثية للفاصولياء وفي جواتيمالا تحفظ المرأة الأصول الوراثية للذرة.
أما في الأردن وبدون شك ساهمت النساء بحفظ التنوع الحيوي، فمثلا الكثير من النساء الريفيات ما زلن يتبادلن بذور الباميا والقمح واشتال الرمان والزيتون...الخ. أيضا قامت جمعية نسائية بتنفيذ إدارة ناجحة لغابة وطنية أردنية في منطقة مادبا لحماية البيئة والمصادر الطبيعية، ولا يمكن لنا الا أن نقدر الجمعية النسائية التي حولت مكب نفايات ماركا القديم الى حديقة عامة وأرض منتجة.
أصبحت برامج ادارة التنوع الحيوي الزراعي تعتمد بشكل أساسي على فهم الفروقات المختلفة ما بين الجنسين (الجندر) في المعرفة والمسئوليات تجاه التنوع الحيوي. فقد أشارت الدراسات الى أن الرجل والمرأة كلاهما لديه المعرفة بالبيئة المحيطة والمصادر الطبيعية ولكنهما يختلفان كثيرا في شكل الخبرة والمعرفة فيها. رغم ان شكل المعرفة عند المرأة أوسع من الرجل وهما يختلفان أيضا في الأجر ، في الملكية وفي صنع القرارت وفي المسؤوليات.
فمثلا ورثت المرأة من الأجيال التي سبقتها معلومات اوسع عن استخدامات التنوع الحيوي وأماكن تواجده، في حين ورث الرجل أساليب تسويقه. أما المرأة البدوية والريفية فتميل الى حيازة الحيوانات الصغيرة مثل الدجاج والأرانب في حين يميل الرجل الى حيازة أنواع أكبر نسبيا مثل الجمال والأغنام. كما تميل المرأة الى استخدام الأصناف والبذور البلدية القديمة والبرية في حين يميل الرجال الى استخدام الأصناف المستوردة والمدجنة. اضافة الى ذلك، تشير الدراسات أيضا انه في بعض الدول النامية تظهر النساء يظهرن اهتماما بنباتات الغذائية والدوائية في حين يهتم الرجال بنباتات المزاج.
ومن هنا تكمن ضرورة تحسين فرص مساهمة المرأة في حفظ التنوع الحيوي وذلك عن طريق توفير القانون المناسب لحماية التنوع الحيوي من التدهور لضمان استخدامها المستمر في الزراعة والصحة وإدارتها من قبل المجتمعات المحلية من النساء والرجال كل بخبرته المختلفة، وضمان العدل في استخدامها والاستفادة منها، وتحسين قدرة النساء على الحصول على مصادر الأرض، الماء، التدريب، الإرشاد، القروض والتكنولوجيات المناسبة، تحسين قدرة النساء كمستفيد وكشريك في صنع القرار وبخاصة في البرامج الدولية لحماية التنوع الحيوي والوصول الى الموارد الاقتصادية والخدمات الاجتماعية وبرامج المشاريع الصغيرة والمتوسطة و زيادة الوعي عند كلا الجنسين باهمية وقيمة التنوع الحيوي و حمايته من الضياع.
ويشار أن نسبة النساء العاملات في الزراعة بالنسبة للرجال تبلغ: في افريقيا 80%، وفي البيرو وكولومبيا 45%، في مصر 51%، في فلسطين 55%، في سوريا 27% و في الأردن 25%.
وختاما فإن حماية وحفظ التنوع الحيوي وخاصة التنوع الحيوي الزراعي سوف يزيد من قدرة المزارعين من الرجال والنساء للاستجابة للظروف المتغيرة ولتقليل المخاطر وللحفاظ على إنتاجية النباتات والحيوانات وتحسينها واستدامة الانتاج الزراعي و ضمان الأمن الغذائي.
رد مع اقتباس
المفضلات