الشعب الإيراني يطيح بولاية الفقيه
مجلس الخبراء وبعض المراجع الدينيين دعوا لتشكيل مجلس قيادة جماعي
الشعب الإيراني يطيح بولاية الفقيه
الحقيقة الدولية – عمان – محرر الشؤون الدولية
يشهد التاريخ المعاصر للجمهورية الإسلامية الإيرانية أن براغماتية التغيير في هذا البلد تأتي عبر المراكمة الكمية للأحداث التي تؤدي إلى التغيير النوعي، وأنها لم تتعود أبدا طوال تاريخها المعاصر على التغيير الفجائي أو العشوائي.
فما يحصل اليوم في إيران من أحتجاجات شعبية رافضة لنتائج الأنتخابات الرئاسية التي جرت يوم 12 من الشهر الحالي وأدت إلى فوز الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية لمدة أربع سنوات، وغليان الشارع الرافض لنتائج هذه الأنتخابات يدل صراحة أن التغيير القادم في إيران بدأ بتراكم المواقف منذ الإعلان عن نتائج الأنتخابات الرئاسية.
الصراع السياسي في إيران بدأ مباشرة بعد إعلان الداخلية الإيرانية بفوز نجاد بولاية دستورية ثانية وبنسبة تخطت منافسه الثاني وبحسب مقياس الداخلية الإيرانية بأحد عشر مليون صوت، الأمر الذي رفضه موسوي وأنصاره مسرعين باتهام خصمه بالتزوير، كما رفض كل من المرشحين الآخرين مهدي كروبي ومحسن رضائي النتيجة مشيرين إلى أن تزويراً كبيراً قد تم في علمية فرز الأصوات، وهو الأمر الذي حول الشارع الإيراني ليكون مسرحاً لمعارضة نتيجة الانتخابات ودعوة مير حسين موسوي بإلغاء نتائجها وإعادتها من جديد. وتدفق الملايين من أنصاره وأنصار الخاسرين الآخرين إلى شوارع مدن إيران وخاصة طهران وشيراز وذلك للاحتجاج والتعبير عن غضبهم وعدم رضاهم عن النتيجة.
الغليان الشعبي وجه بقوة من قبل الحرس الثوري الإيراني وقوات مكافحة الشغب، التي عمدت إلى استخدام الرصاص والهراوات لتفريقهم وأدت بالنتيجة إلى مقتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص واعتقال المئات، بينهم أبرز القيادات الإصلاحية.
الإحتجاج أخذ أبعادا جديدة بعد خروج المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي، وهو أعلى سلطة سياسية ودينية في إيران، عن صمته بعد أسبوع من المظاهرات ليقطع الشك باليقين ويعلن صراحة فوز نجاد بالولاية الثانية.
وباعتباره، خامنئي، أعلى سلطة حاكمة في إيران فإن قراره هذا جاء كصفعة قوية في وجه الإصلاحيين والذين كانوا يعولون كثيراً على أنه سيتخذ موقفاً محايداً على الأقل. إلا أن جهر خامنئي بحبه لأحمدي نجاد واعتباره أقرب إلى قلبه من أي شخص آخر كان المسمار الأخير في نعش الإصلاحيين، على الرغم من حديثه الجميل عن رئيس مصلحة تشخيص النظام هاشمي رفسنجاني، وتفانيه في خدمة وحماية النظام الإسلامي في إيران.
ظهر خامنئي بعد صلاة الجمعة الماضية أنه يفضل أناسا على آخرين وذلك بتمسكه بفوز نجاد، مما يظهر أنه كان ينتظر فوزه أو ربما هو الذي جعل منه فائزاً دون سواه، الأمر الذي أزعج الإيرانيين لأن المرشد الأعلى يفرق بين أبنائه، كما يقول المحللون السياسيون الإيرانيون.
الطرق على أبواب الفقه السياسي
دفع هذا الأمر بالمعارضين للإنتخابات والإصلاحيين إلى الإصرار بالبقاء في الشارع على الرغم من تحذيرات خامنئي من عدم التظاهر، في رسالة شعبية قوية على أنهم غير راضين على المرشد العام للثورة قبل أن يبدو غضبهم على نجاد، بل ويذهب بعض المحللين أن الإصرار على البقاء الشعبي في الشارع يبين أن هناك معارضة شعبية لولاية الفقيه ولشخص الولي الفقيه نفسه.
وهكذا تحولت المواجهة بين المرشحين موسوي وكروبي من جهة والمرشح الفائز نجاد من جهة أخرى إلى صراع يتجاوز السياسة ويطرق بقوة أبواب الفقه السياسي وشرعية قرارات المرشد العام السياسية، بل وشرعية وجود المرشد ذاته.
ودخل على هذا الخط المرجع الديني آية الله حسين علي منتظري، وهو وأحد من الآباء المؤسسين للثورة الإيرانية ونظام ولاية الفقيه، بتحريم الوقوف أمام مطالب الشعب، داعيا للحداد لثلاثة أيام بدءا من اليوم الأربعاء.
ومنتظري أحد رجال الثورة الإسلامية التي شهدتها إيران عام 1979، وكان المفروض أن يكون في منصب الولي الفقيه بعد الخميني، لكن مواقفه الرافضة لولاية الفقيه دفعت الخميني لإزاحته عن منصبه ليصل الأمر بعد ذلك بقاضي طهران إلى فرض الإقامة الجبرية عليه أتقاء لخطر داهم تخوفوه منه.
كلام منتظري اليوم وبعد سنوات الصمت الطويلة وضعته في مواجهة مباشرة مع علي خامنئي، وبالتالي تحولت الأزمة من أزمة سياسية إلى أزمة مشروعية المرشد، وبات الخامنئي وهو كما يقول بعض الفقهاء الشيعة بأنه نائب الإمام المهدي الغائب، أمام أمتحان الشرعية الدينية في قراراته السياسية .
مجلس للقيادة الجماعية
فضلا عن ذلك تحول الحديث عن المشرعية إلى تفكير جدي بإيجاد مرجعية سياسية ودينية تأخذ على عاتقها قيادة الجمهورية بعيدا عن قرارات الولي الفقيه، حيث بحث مجلس الخبراء وبعض المراجع الدينية في قم أفكاراً تدور حول تشكيل مجلس قيادة جماعي للبلاد بدلاً من ولي فقيه واحد بهدف إيجاد مخرج من الأزمة الحالية التي تعصف بالبلاد منذ إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة.
وأكدت مصادر إيرانية أن العديد من أعضاء مجلس الخبراء، المعني أصلاً بتعيين أو عزل الولي الفقيه، وهم من كبار مرجعيات قم الذين التقاهم أخيراً رئيس المجلس هاشمي رفسنجاني، يميلون إلى تشكيل مجلس جماعي، في ضوء ما يقولون عن انحياز الولي الفقيه خامنئي لصالح الرئيس المنتهية ولايته أحمدي نجاد، وأنه فقد بعض شروط القيادة التي نص عليها الدستور.
وألمحت المصادر إلى عقد لقاءات بين رفسنجاني وعدد من مراجع الدين في مدينة قم وأعضاء بارزين في مجلس الخبراء، وأيضا مع جواد الشهرستاني ممثل المرجع الأعلى آية علي السيستاني في قم.
كما بينت المصادر أن رفسنجاني بحث مع المراجع الدينيين إمكانية أن تكون استقالة الرئيس المنتهية ولايته نجاد حلا منطقيا يخرج إيران من عنق الزجاجة بعد أن تدخلت الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية لصالح حقوق الإنسان في إيران بسبب القمع الذي يتعرض له المتظاهرون العزل، وإصرار المرشح مير حسين موسوي على المضي في طريق الاعتراض على نتائج الانتخابات مفضلا القتل على التسليم لرغبة خامنئي في خطبة الجمعة الماضي بإنهاء التظاهرات.
يشار إلى أن رفسنجاني لم يحضر صلاة الجمعة التي ألقى فيها الولي الفقيه خطابا ثبّت فيه انتخاب أحمدي نجاد رئيسا لولاية ثانية، ولم يصدر رفسنجاني أي بيان عن التطورات الأخيرة خصوصا بعد خطاب خامنئي الذي أشاد بالأول ورد عنه اتهام أحمدي بالفساد، كما ألمح خامنئي إلى احتمال فتح ملفات أبناء رفسنجاني أمام القضاء.
المصدر : الحقيقة الدولية – عمان – محرر الشؤون الدولية- 23.6.2009
رد مع اقتباس
المفضلات