قريع يعترف: سنسقط جميعا لو عقدت انتخابات حرة في مؤتمر حر
إجتماعات عمان: ترويض مركزية فتح.. والخوف يوحد أعضاءها خلف عباس
قريع يعترف: سنسقط جميعا لو عقدت انتخابات حرة في مؤتمر حر إذا ما رفع الرئيس الغطاء عنا!
احمد قريع
الموقف داخل اللجنة المركزية لحركة فتح لم يعد يقبل الالتباس، فالفكرة التي انتهت اليها اجتماعات عمان امس الاحد تتمحور حول ظهور مستجدات يؤكد فتحاوي عريق لـ"القدس العربي" انها دفعت اعضاء اللجنة المركزية ليس فقط للتخلي عن تهديداتهم السابقة بعقد المؤتمر الحركي السادس في الخارج ولكن للتوحد خوفا من السقوط الجماعي.
المؤشرات قبل اجتماع عمان كانت تقول بان اعضاء المركزية الحاليين لن ينجحوا جميعا في ظل المشهد الحالي في العودة الى هذه اللجنة.. الرئيس محمود عباس وهو يلعب في الكواليس على وتر هذه المخاوف عرض بعض الرسائل التي تصله من اقاليم الحركة وشبابها بصفته رئيسا للحركة، وقال عبر هذه الوثائق بوضوح ان الهجوم الاعنف يطال اللجنة المركزية ويحملهم جماعيا مسؤولية تفتت حركة فتح وذوبانها.
في السياق تبنى احمد قريع ابو العلاء وهو يتحدث لعضو المركزية السفير عباس زكي على بوابة الرواق المؤدي لقاعة الاجتماع تعليقا ساخرا.. قال قريع سنسقط جميعا لو عقدت انتخابات حرة في مؤتمر حر اذا ما رفع الرئيس محمود عباس الغطاء عنا، وعندما استغرب زكي عالجه قريع بالتعليق الساخر قائلا: من لم يسقط منا لاسباب سياسية سيجد نفس المصير لاسباب ادارية او مالية.
إستثمار للخلاف بين القطبين
عباس الذي رتب اجتماعات عمان بحرص شديد مستثمرا بذكاء وفعالية هوامش الخلاف والازمة الشخصية بين الرجلين الثاني والثالث في الحركة فاروق القدومي وابو ماهر غنيم استعان خلال ترتيبات سيناريو طبخة عمان بثلاثة على الاقل من رموز رأس المال الفلسطيني الذين لا يدخلون بالعادة دائرة الضوء حتى عندما يصنعونها.
وعباس كما تدلل كل المعطيات المعلوماتية نجح في انضاج هذه الطبخة على نار مغرقة في الهدوء ومنذ اسابيع تقريبا ورغم ابلاغه مساء الجمعة اعضاء المركزية الذين ينتظرونه منذ اربعة ايام قبل الجمعة في عمان بانه سيبقى معهم في اجتماعات مكثفة تبدأ الجمعة وتنتهي الاحد تغيب عن اجتماعات اليوم الثالث.
وحمى الاسترخاء التي شعر بها الرئيس عباس لان الرياح جرت كما تشتهي السفن كما قال القيادي محمد دحلان الذي نشط دائرة تلفونية من الاتصالات الساخنة لمراقبة هذه الاجتماعات.. هذه الحمى وصلت لدرجة ان عباس غادر الاجتماع بدون ابلاغ المجتمعين وبدون اي مخاوف من انفلات الامور بعده وبحجة انشغاله مع وفد كويتي سيزور الضفة الغربية وهي زيارة ليست سياسية انما تتعلق بخلاف نخبوي كويتي فلسطيني على ملكية اسهم وعقارات في الاراضي الفلسطينية.
ولسبب او لاخر فهم اعضاء اللجنة المركزية بان السيطرة المطلقة للرئيس ورفاقه على المجلس الثوري وعلى اقاليم الداخل ستعني خروجهم جميعا بدون اي مكاسب تنظيمية اذا ما عقدت انتخابات شفافة للقواعد.
دحلان دخل في التفاصيل
وهنا تكفل كثيرون في حلقة عباس بالتفاصيل، فحتى صقور اللجنة المركزية مثل الجنرال نصر يوسف والسفير عباس زكي شعروا بالخوف الفعلي عندما ابلغهم احمد قريع بان فتح الملفات المالية سيخلق وضعا معقدا للغاية يلحق الضرر بالجميع، مشيرا الى ان الاختلاف مع الرئيس عباس شيء والتيقن من طريقته المباشرة والشفافة في الخصومة شيء اخر.
ولان الشيطان يكمن في التفاصيل برزت حيثيات محددة في سياق سعي الرئيس عباس لترويض اللجنة المركزية وانضاج السيناريو التي شهدتها اجتماعات عمان وبشكل حرفي دفعت عضو المركزية الذي يعتزل الاضواء بالعادة محمد جهاد لمقاطعة الاجتماعات ومغادرة القاعة وهو يصيح بصوت مرتفع متهما رفاقه في اللجنة بالنفاق وباخفاء ارائهم الحقيقية قائلا بالحرف الواحد: لقد بعتم الحركة، ولا تريدون مؤتمرا ثم اضاف: انهم نصابون يقولون خلف الرئيس عباس كلاما ثم يغيرونه امامه. هذه التفاصيل مهمة في فهم ما جرى بعدما اطلعت "القدس العربي" على الحيثيات والكواليس وعلى الجزء الاغلب من محضر اجتماع السبت لاعضاء المركزية في عمان.
قبل الاجتماع بأسابيع تعهد القياديان محمد دحلان وحسن عصفور بترتيب ملف الرجل الثالث في الحركة والشخصية الفتحاوية المهمة ابو ماهر غنيم الذي ضاق ذرعا بأسلوب فاروق القدومي في التعامل معه فأصبح لعدة اسباب كما تؤكد مصادر لـ"القدس العربي" مساحة قابلة للتأثير دخل عليها بقوة وذكاء عصفور ودحلان. النقطة المركزية في مسالة نجاح دحلان في التأثير على ابو ماهر غنيم تمثلت في التركيز على طرح اسئلة محرجة عليه تتعلق بموافقته اصلا على اتفاق اوسلو وبوجود فارق في الموقف السياسي بينه وبين القدومي في السياق.
هنا سأل دحلان وعصفور القيادي ابو غنيم ما الذي تريده تحديدا ما دمت من الموقعين على اوسلو؟ ثم قالوا له: هذه حقيقة تاريخية لا تستطيع تجاوزها وهي حقيقة تعني ان وضعك الطبيعي ينبغي ان يكون في صف الرئيس محمود عباس.
فرد ابو غنيم مشيرا لمسألة الفساد فقال له الثنائي المشار اليه: انضم اذا لنا لكي نحارب الفساد معا.
الإشكال بين القدومي وغنيم
وبطبيعة الحال لا يقف الامر عند هذا الحد فيما يخص قياديا تاريخيا بحجم غنيم، فقبل هذه الاتصالات كلها عين نجله ماهر وزيرا للدولة في حكومة فياض الاخيرة واصبحت خصومته مع الخط السياسي للرئيس عباس والفياض بالنتيجة محل تساؤل، لكن في السياق يشتكي ابو غنيم دوما من تجاهلات وطريقة تعامل القدومي معه.
ويقول المطلعون بان امتارا قليلة تفصل في تونس بين مكتب غنيم ومكتب القدومي لكن الثاني لا يشاور الاول في اي موضوع مهما صغر ولا يبلغه عن سفراته ولا عن تعميماته ولا عن زياراته لايران وسورية.
كما يختلف غنيم مع اسلوب القدومي في التعاطي الاعلامي العلني ويشعر بنفس الوقت ان وضعه كرئيس للجنة التحضيرية للمؤتمر السادس فرض عليه نوعا من القيود دفعته لتخفيف التجاذب مع الخط السياسي للرئيس عباس. وبهذا المعنى تمكن عباس والمقربون منه من استقطاب غنيم الى السياق العام لحركتهم وخطهم عبر استثمار المسافة التنظيمية والشخصية بينه وبين القدومي.
وفيما يخص القدومي نفسه لا احد يعرف بصورة محددة ما الذي حصل معه واقنعه بقبول شروط المصالحة التي فرضها عليه عباس. وترددت انباء عن تدخل شخصيات فلسطينية من خارج المعادلة السياسية في هذا الاطار خصوصا بعد تعيين نجله رامي سفيرا في وزارة الخارجية بهدف ابعاد الطابع الشخصي عن الخلاف معه. في المحصلة وفي عمان تحديدا انجز القدومي انقلابا كبيرا في موقفه، فمساء السبت ظهر على شاشة التلفزيون الفلسطيني وهو يدلي بتصريح عاطفي عن المصالحة قائلا بان ما اسماه "قانون المحبة" حكم القيادة والاطر الفلسطينية، وبث هذا التصريح بعد مثيل له للرئيس عباس نفسه الذي سئل عن مسار الاجتماعات والمصالحات فقال عبارة واحدة "حضرنا وقال كل الاخوة ما لديهم".
ترويض المركزية
وبقية اعضاء اللجنة المركزية ليسوا بحال افضل، فموقع السفير لدى عباس زكي يقيده تماما، ونصر يوسف يخشى من تفتت الحركة اذا ما انتهت اللجنة المركزية الحالية، وحكم بلعاوي لم يحضر الاجتماعات في البداية لكنه متمركز في حضن الخط الرئاسي، اما الطيب عبد الرحيم فهو اشرس من الرئيس نفسه في الدفاع عن هذا الخط.
ومع مرض اثنين من اعضاء المركزية وجلوسهما منذ سنوات على هامش الفعل والقرار بقي محمد جهاد مكتفيا بمعادلته الحالية ومعترضا على ما يجري دون اعلام بسبب تركيبة شخصيته او بسبب عدم وجود اولاد لديه حتى يصبحوا وزراء كما قال فتحاوي عريق جدا.
المثير في اجتماعات عمان ان عملية الترويض استعانت بجهود اعضاء من خارج حلبة اللجنة المركزية، وان عباس غادر الاجتماع بحالة استرخاء تامة دون ان ينفذ اعضاء اللجنة تهديداتهم السابقة له، مختارا الرابع من شهر اب المقبل موعدا مقترحا وللمرة السادسة على التوالي لانعقاد المؤتمر الحركي السادس، في صياغة تعتبر مكان انعقاد المؤتمر ساحة الداخل اذا لم توافق اي عاصمة عربية على استضافته.
بعض ابناء الحركة يعتبرون قرارات اجتماعات عمان الاخيرة تواصلا في مسيرة التسويف والمماطلة ومؤشرا على نجاح عقدة الخوف الجماعي من عقد مؤتمر حركي منفلت في حركة تحرر كبيرة تغلي كوادرها من الداخل.
البعض الاخر يرى ان كل الترتيبات بما فيها سيناريو عمان مقدمة لعقد مؤتمر حركي على مقاس الرئيس الفلسطيني عباس وعلى اساس ان المسألة لها علاقة باستحقاق امريكي يريد من حركة فتح اعلان تبني شروط الرباعية الدولية بهدف الانتقال لمرحلة تنفيذ خيار الدولتين.
وسواء كانت الحقيقة مرتبطة بالتصور الاول او الثاني فالنتيجة واحدة وتقول بوضوح مسألتين الاولى ان اللجنة المركزية توحدت بعد ان جمع الأعضاء الخوف من الخروج من دائرة الحكم الحركي والثانية ان المؤتمر الحركي سواء عقد ام لم يعقد خرج عن سكته التنظيمية وانعقاده بوضوح مرتبط تماما بعنصر مفصلي واحد هو الاكثر تأثيرا ويتعلق بمستقبل الرئاسة الفلسطينية والاهم مستقبل خطها السياسي.
ما يشعر به فتحاويون مخضرمون تحدثوا لـ"القدس العربي" الان هو ان الفرصة متاحة لانهاء برنامج حركة فتح التحرري وبداية فصل جديد لحسم مرحلة التحرر الوطني تحت عنوان التحرر الاجتماعي والاستعداد لـ(بناء الدولة)، الامر الذي يتطلب تلقائيا حسم الصراع مع حركة حماس وتحديدا في الضفة الغربية.
وهنا يلاحظ هؤلاء بان قياديين من طراز دحلان وقدورة فارس وروحي فتوح وحتى نبيل عمرو وياسر عبد ربه بدأوا يستخدمون كثيرا في سجالاتهم تعبيرات من طراز "مرحلة بناء الدولة".
لذلك فقط سكت صقور اللجنة المركزية ودخلوا في دائرة الصمت، ولذلك لم تشهد اجتماعات عمان صخبا كان متوقعا، فقريع والطيب عبد الرحيم تحدثا في الجلسة بحضور عباس عن مستقبل الحوار الوطني مع حركة حماس، وعباس زكي ونصر يوسف لم يشاركا في التفاصيل، اما القدومي ففاجأ الجميع قبل تحدثه عن قانون المحبة تلفزيونيا بمداخلة يتيمة تحدث فيها عن وقت مناسب لمصالحة مع حماس واستعداده للذهاب الى غزة اذا ما انعقد المؤتمر الحركي فيها، اما ابو ماهر غنيم فمال الى الهدوء والصمت هو الاخر مستعيدا عبارات الحفاظ على وحدة الحركة وجسمها ومؤسساتها، ولولا حالة الصياح التي رصد في وسطها عضو المركزية محمد جهاد لما تبددت حالة الاسترخاء التي شملت ايضا ابو الاديب (سليم الزعنون).
المصدر : الحقيقة الدولية – القدس للندنية- 15.6.2009
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الاسطورة
المفضلات