الصحابي الظريف.. نعيمان الأنصاري

لم يكن الضحك أمراً غريباً أو مستهجناً في حياة الصحابة ، بل كانوا يضحكون ويتفكهون، وربما مازح بعضهم البعض بشيء من الدعابة اللطيفة المستحبة، ولكن كان للمزاح وقته ومناسبته فلم يسمحوا للفكاهة والدعابة أن تطغى على حياتهم أو تشغلهم عن أداء فرائض الدين ومسؤوليات الدعوة، وما أصدق بكر بن عبد الله المزني عندما وصف الصحابة بقوله: " كان أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يتبادحون (أي يتراشقون) بالبطيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال".

ومن مزاح الصحابي نعيمان الأنصاري، أنه خرج أبو بكرt في تجارةٍ إلى البصرة قبل وفاة الرسول –صلى الله عليه وسلم- ومعه سويبط بن حرملة – وكان قد شهد بدراً- ونعيمان، وكان سويبط على الزاد، وكان نعيمان مزاحاً، فقال له نعيمان : أطعمني، فقال : حتى يجيء أبو بكر، فقال : أما لأغيظنك، فمروا بقومٍ فقال نعيمان : أتشترون مني عبداً؟ فقالوا :نعم! فقال إنه عبد له كلام وهو قائل لكم إنه حر فإذا قال هذه المقالة تركتموه فلا تفسدوا على عبدي، فقالوا: بل نشتريه، قال فاشتروه مني بعشرة قلائص (والقلائص من الإبل الشابة)، ثم أخذوه فوضعوا في عنقه حبلاً، فقال سويبط: إني حر ولست بعبد وهذا يستهزئ بكم، فقالوا له: قد خبرنا خبرك، فانطلقوا به فجاء أبو بكر فأخبره الخبر فتبع القوم فرد عليهم القلائص وأخذ منهم سويبطاً، ولما قدموا على النبي –صلى الله عليه وسلم- فأخبروه الخبر، ضحك –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حوله، وكان سويبط قد كف بصره بعد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ، فلقيه نعيمان في المسجد وهو يقول: من يخرجني حتى أقضي حاجتي؟ قال: أنا، وأخذ بيده فمضى به إلى زاوية في المسجد عامرة بالناس، فقال له: بل هنا، فلما كشف ثوبه صاح الناس عليه من كل ناحية، فقال: من غرني؟ قالوا: نعيمان، فقال: لله علي لئن لقيته لأضربنه بعصاي، فلقيه بعد أيام فقال : أتحب أن أدلك عل نعيمان لتوفي نذرك؟ قال: نعم، لله أبوك! فأخذ بيده حتى أتى عثمان بن عفان t وهو يصلي فقال: هذا هو فرفع عصاه وضربه فصاح به الناس وقالوا: أوجعت أمير المؤمنين، فقال: من قادني؟ قالوا: نعيمان، قال: لا يغرني بعدها، والله لا تعرضت له بسوء بعدها .

فكيف ينفر الصحابة من المزاح والرسول –صلى الله عليه وسلم- بين ظهرانيهم يوصيهم قائلاً: روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت، وكان يعرفهم ببعض شمائله الكريمة قائلاً:" إني لأمزح ولا أقول إلا حقاً " ثم يعلمهم الحدود الشرعية للمزاح بقوله:" إن الله لا يؤاخذ المزاح الصادق في مزاحه" فإذا كان الصحابة من أمثال عبد الله بن حذافة، وعلي بن أبي طالب، وصهيب الرومي، قد اشتهروا في ميادين أخرى بعيدة كل البعد عن المزاح والفكاهة، فإن هذا الصحابي قد برز اسمه مع أعلام الفكاهة والمشاهير والظرفاء، فكان بحق من أبرز وجوه الفكاهة في عصر النبوة، الذي تسابق الرواة والمصنفون في جمع نوادره وتتبع أخباره.

ومن نوادره الظريفة: يقول ابن الأثير وابن حجر أن نعيمان كان يشرب الخمر، فكان يؤتى به للنبي فيضربه بنعله، ويأمر أصحابه فيضربونه بنعالهم ويحثون عليه التراب، فلما كثر ذلك منه قال له رجل من الصحابة: لعنك الله، فقال له رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : لا تفعل فإنه يحب الله ورسوله .

كان نعيمان رجلاً صاحب دعابة ظريفة أضحك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأمتعه بنوادره حتى كان الرسول يضحك بمجرد النظر إليه كما ذكر صاحب السيرة الحلبية، وإن من يقرأ أخبار نعيمان ونوادره الطريفة يلمس فيها تلك الروح الفكهة التي تميز بها نعيمان وشغلت جانباً من حياته فاستحق أن يكون أحد أبرز أعلام الفكاهة في الأدب العربي، ونوادر نعيمان محفوظة في عدد كبير من الكتب تأتي في مقدمتها كتب أعلام الصحابة والاستيعاب والإصابة وأسد الغابة .

لم يكتف نعيمان بممازحة كبار الصحابة ، بل لقد امتد لرسول الله r ، فما ضاق به ولا عبس في وجهه ، بل كان يكتفي بابتسامة رقيقة وما يزيد على أن يقول : " إحدى هنات نعيمان "

لا تقولوا لنعيمان إلا خيرا، فإنه يحب الله ورسوله.
(ابن سعد - عن أيوب بن محمد مرسلا) (النعيمان بن عمرو بن رفاعة وتوفي في خلافة معاوية وذكر ابن سعد في الطبقات (3/494) الحديث. ص).

http://bent-almara7.ahlamontada.com/.../topic-t15.htm