لا ضرر ولا ضرار
تُعَدُّ قَضِيّةُ انْتِشارِ الخدمِ والمربّياتِ الأجنبيّاتِ اللّواتي حَلَلْنَ مَحَلَّ الأمِّ مِنْ أبْرَزِ القضايا الاجتماعيّةِ التي أثارَتْ جَدَلاً حَوْلَ آثارِها الاجتماعيّةِ والثقافيّةِ المُتَرَتّبَةِ عليها.
وعلى الرّغمِ مِنْ مشاعرِ الخَوْفِ والقَلَقِ المُلازمةِ لهذه العادةِ الاجتماعيّةِ، فإنَّ أعْدادًا مُتَزَايِدَةً مِنْ فئاتِ المُجْتَمَعِ وأفرادِهِ وَجَدَتْ نَفْسَهَا مَدْفُوعَةً إلى اسْتِخْدامِ المربّياتِ والخادماتِ الأجنبيّاتِ، وَلَيْسَ في هذا الأمْرِ حَرَجٌ مع المتغيراتِ الاقتصاديّةِ والاجتماعيّةِ، ولكنَّ السُّؤالَ يَدُورُ حَوْلَ سِمَاتِ المربِّياتِ الأجنبيّاتِ وخَصَائِصِهِنَّ، فَمَنْ هِيَ هذه الخادمةُ أو تلك المربّيةُ التي تقومُ بتربيةِ الأطفالِ، وَتَرْعَى جِيلاً سيكونُ قُرَّةَ عَيْنٍ للوطنِ؟
إنَّ الواقعَ العَمَليَّ يُشيرُ إلى فِئَةٍ كبيرةٍ مُسْتَخْدَمَةٍ مِنْ حَديثاتِ السّنِّ وَمِنْ غَيْرِ المتعلّماتِ، وَفَوْقَ ذلك فإنَّهُنَّ مِنْ غَيْرِ المسلماتِ، وَمَنْ كُنَّ بهذه السّماتِ فلا بُدَّ أنْ يَتْرُكْنَ آثارًا سَلْبِيَّةً في تَنْشِئَةِ المجتمعاتِ.
لقد أدّى وُجُودُ الخادماتِ والمربّياتِ في البيتِ إلى اهتزازِ العَلاقةِ المباشرةِ بَيْنَ أفرادِ الأسْرةِ، فَأَمْسَتِ الخادمةُ الوسيطَ والطَّريقَ السَّريعَ لمرورِ الطَّلَباتِ والمشاعِرِ والأمُنْيِاتِ، وَمِنَ المَعْروفِ أنَّ الأسْلوبَ المُباشرَ في الأخْذِ والعَطاءِ بَيْنَ أفْرادِ الأسْرةِ يُعَدُّ مِنَ العواملِ المُهِمَّةِ في تَعْزيِزِ الرَّوابطِ الاجتماعيّةِ وتَطْويرِها.
وَيْزَادُ الأمْرُ خُطورةً في طبيعةِ هذه العَلاقَةِ عِنْدَ غَرْسِ قِيَمِ المجتمعِ وعاداتِهِ في نُفُوسِ الأبناءِ، ونَقْلِ التُّراثِ إليهم، فَهَلْ تَصْلُحُ هذه المربّيةُ بمُعْتقداتِها، وما نشأتْ عليه في بيئتِها، وتَسَاهُلِها مع الأبناءِ أنْ تُؤَدِّيَ هذه المُهِمَّةَ في غِيابِ الرَّاعي والمسؤولِ؟!
ولا يَتَوَقَّفُ ناقوسُ الخَطَرِ على النّاحِيَةِ الاجتماعيَّةِ، بَلْ يَضْرِبُ دَفْةَ النّاحيةِ الثّقافيّةِ لِيُعْلِنَ خَلِيطًا ثقافيًّا غريبًا على المجتمعاتِ العربيّةِ، وَلُغَةً تُهَدِّدُ اللُّغَةَ الأمَّ التي تَتَّحِدُ مع الدّينِ والتّاريخِ المُشْتَرَكِ في ثَبَاتِ الهُوِيَّةِ.
عَلَى الأُسْرةِ عِبْءٌ كَبِيرٌ في ظِلِّ المتغيِّراتِ الاقتصاديّةِ والاجتماعيّةِ، ولكنَّها في الوَقْتِ نَفْسِهِ مَسْؤولةٌ عَنْ رِعايَةِ أبنائِها، ولا شَيْءَ يُبَرِّرُ غِيابَهَا، والضَّرورَةُ لا تُبِيحُ الضّرَرَ.
محمود فهمي عامر
الدوحة – قطر
المفضلات