"]"الحقيقة الدولية" تتجول في سوق الصاغة بدمشق
"الحقيقة الدولية" تتجول في سوق الصاغة بدمشق... الشباب: أسعار الذهب المرتفعة تحرمنا من التفكير بالزواج... الفتيات: شبح العنوسة يطاردنا... والفضة سيد الموقف!!
- أقدم مشغولات الذهب قد اكتشفت منذ حوالي ستة ألاف عام
- قبل ارتفاع الأسعار كان حجم التداول في دمشق يتجاوز 75 كغ يوميا ً أما الآن فلا يتعدى 20 كغ يوميا
- أسعار الذهب حولت حلم الشباب من المسكن إلى خاتم الخطوبة
الحقيقة الدولية- إيمان عثمان – دمشق
أصبح من المشاهد المألوفة مؤخرا ً في الأسواق السورية وبالتحديد أسواق الصاغة وجود العديد من الناس أمام محلات الصاغة يعاينون القطع الذهبية من بعيد وعيونهم ترمق لائحة الأسعار بشيء من الخوف والرعب مما يجعلهم يحسبون ألف حساب قبل التفكير بأي مشروع يحتاج إلى ذهب و خاصة مشروع الزواج الذي هو أهم مشروع في أي حياة أي شاب أو شابة. ومجرد التفكير بالزواج سيضعهم في مواقف لا يحسدون عليها وبالتالي يكبسون على الجرح ملحا ً وينسحبون منتظرين طاقة القدر أن تعيد وضع الذهب إلى شيء من الاستقرار، فالذهب هذا المعدن الذي له صفات تختلف عن صفات المعادن الأخرى حيث أنه لا يصدأ ويمتع بالندرة والتي هي الأساس في تحديد القيم ولهذا وجد النقد الذهبي ليحل مكان نظام المقايضة منذ عصور مضت وكانت أقدم مشغولات الذهب قد اكتشفت منذ حوالي ستة ألاف عام في موقع دفن في (( فارنا )) في بلغاريا وكان العرب قد صكوا النقود الذهبية في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان ليحل محل النقد البيزنطي والساساني وذلك في عام 695 م بالقرب من دمشق في منطقة تدعى جسرين وكان الدينار الذهبي العربي يزن 4.3 غ من الذهب أي ما يعادل خمس دولارات حسب اتفاقية بروتون وودز .
واستمرت بعد ذلك الاتفاقيات والجهات الاقتصادية الدولية في عملها على تحديد قيم صرف العملات بالنسبة للذهب وبنسب وقيم مختلفة ورافق ذلك العديد من التقلبات والأزمات التي أدت إلى تقلب حركة أسعار الذهب صعودا ً وهبوطا ً إلى أن وصلنا إلى الألفية الثالثة حيث بدأ الذهب يرتفع بشكل جنوني منذ حوالي السنة من الآن إلى أن وصل إلى مستوى قياسي عند 920 دولار للأونصة لم يصل إليه تاريخيا على الرغم من ثبات الكمية المنتجة من الذهب خلال الخمس السنوات الأخيرة مما خلق تساؤلات عديدة عن سبب هذه الارتفاعات المتلاحقة التي تطرأ على الذهب وعن تأثيره على سوق الذهب السوري وعلى الاقتصاد السوري وعلى الصياغ وعلى المواطن السوري.
"الحقيقة الدولية "أثناء تجوالها في الشارع التقت الكثير من المواطنين والصياغ ومن ثم توجهنا إلى جمعية الصياغة السورية لنعرف مدى علاقتها بموضوع الارتفاع لننهي حديثنا مع المحللين الاقتصاديين الذين حددوا أسباب الارتفاع بدقة.
أحمد عبد الغفور موظف يعمل في مجال الكومبيوتر والاتصالات يقول لـ"الحقيقة الدولية " أفكر بالخطوبة والارتباط ولكن أسعار الذهب الكاوية والتي بدأت بالارتفاع يوما" بعد يوم أرهقتني وجعلتني أبتعد عن هذه الفكرة تماما" و لا نعرف شيئا ً عن أسباب الارتفاع وإنما الذي أعرفه هو أنني لا أستطيع الشراء.
ارتفاع الذهب سيهدم حلمنا بالزواج
نورهان ومحمود " خطيبين " قالا : أن ارتفاع أسعار الذهب أجل مشروع زواجنا بعض الوقت وإن ما كنا نحسبه ثمن ذهب لم يعد يمكننا من شراء نصف ما كنا نرغب .
وتقول راما في حال بقي الذهب يرتفع سيلجأ الشباب والشابات إلى استخدام الفضة عوضا" عن الذهب و إلا لن يكون هناك زواج أبدا" ، ومن جهتي أقبل بشاب يتقدم لخطبتي ويحضر لي شبكة من الفضة لأنني أحب الفضة أكثر من الذهب وأتمنى أن ترتفع أسعارها مثل الذهب حتى تلقى الإقبال من الشباب.
أما علي " طالب جامعي " قال الموضوع لا يهمني كثيرا ً الآن وربما بالمستقبل أفكر به وأعتقد أنه من مسؤولية الحكومة، لأن ارتفاع أسعار الذهب سيؤثر سلبا" على الشباب.
العنوسة تطرق بابنا في حال بقاء الذهب مرتفعاً
أما مايا والتي تعمل في السوق الحرة بدمشق قالت : يبدو أن ارتفاع الذهب سيخرب بيتنا نحن الفتيات وسنبقى في بيوت أهلنا ولا أعرف سبب هذا الارتفاع وأصبحت العنوسة أمام أعيننا لأننا لن نستطيع الزواج ولن نستطيع تأسيس بيت إذا بقي الذهب يرتفع بهذه الطريقة المخيفة.
أما أبو ممدوح الذي يعمل في البناء ولديه خمس بنات يقول لـ"الحقيقة الدولية " إن أسعار الذهب لا تناسب أبدا ً دخل المواطن السوري وبالتالي على الحكومة أن تجد حلا ً لأن معيشة المواطن يجب أن تكون همها وليس العكس.
وتابعت "الحقيقة الدولية "جولتها في سوق الصاغة بدمشق والتقت الصياغ الذين أكدوا أنهم خائفون من عدم الإقبال على شراء الذهب ، وأن ارتفاع أسعاره يجلب الضرر الكبير لهم.
الصائغ" لؤي "يقول : هناك نقص في الطلب على الذهب من قبل المواطنين والسبب هو الارتفاع الحاد في الأسعار وفي بدايات الارتفاع كان هناك إقبال كبير على البيع أما الآن فالذي يملك الذهب ينتظر أن يرتفع السعر أكثر حتى يبيع.
أما الصائغ "خليل" فيقول ارتفاع الأسعار أثر بشكل كبير على حجم المبيعات ونحن كصاغة لا نستطيع سوى الانصياع لأوامر السوق وبالتالي هذا الموضوع هو موضوع عالمي وليس محلي وتأثيره على الصائغ وعلى المواطن بنفس القدر.
أما رئيس جمعية الصياغة جورج صارجي الذي اتجهنا لزيارته فقال لنا: قبل ارتفاع الأسعار كان حجم التداول في دمشق يتجاوز 75 كغ يوميا ً أما الآن فلا يتعدى 20 كغ يوميا،وأكد إن ارتفاع الأسعار هو ارتفاع عالمي وبالنسبة لنا لا نستطيع التدخل بتخفيض الأسعار لأن ذلك مرتبط بالتغيرات السياسية والاقتصادية الدولية ونحن نقوم بتحديد الأسعار يوميا ً بقرار من الجمعية بعد الإطلاع على أسعار الأونصة ومن ثم حساب سعرها بالليرة السورية ومن ثم يتم تحديد السعر اليومي بالتشاور مع رؤساء الجمعيات في المحافظات السورية كلها، وقال إن ارتفاع الأسعار أثر بشكل كبير على حركة السوق حيث شهد السوق في بدايات الارتفاع إقبال كبير على البيع أما الآن فالحركة شبه متوقفة سواء من حيث البيع أو الشراء ويكفي أن نقول أن حجم تداول الذهب في أسواق دمشق بين بيع وشراء قبل ارتفاع الأسعار كان يتراوح بين 75 إلى 85 كغ يوميا أما بعد ارتفاع الأسعار وخصوصا ً في هذه الأيام فحركة التداول لا تتعدى 20 كغ يوميا ً ولكن في محافظة حلب حجم تداول الذهب أكبر. ومن الجدير ذكره إن الارتفاع الذي يشهده الذهب بين يوم وليلة هو ارتفاع لم يشهده التاريخ من قبل.
ارتفاع أسعار النفط هو السبب بارتفاع أسعار الذهب
"الحقيقة الدولية " سألت الدكتور إلياس نجمة أستاذ الاقتصاد المالي في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق عن أسباب ارتفاع الذهب حيث قال يعتبرالذهب قيمة وملجأ تلجأ إليه الناس عندما تفقد ثقتها بالعملات الأخرى وتلجأ إليه عند انخفاض أسعار الفوائد كما حدث عندما خفض البنك الفيدرالي الأمريكي نسبة الفائدة لأن الفوائد المنخفضة لا تشجع الناس على توظيف أموالهم في المصارف وتلجأ الناس للادخار عن طريق الذهب لثقتهم به أكثر من غيره وفي الحقيقة أن سعر الذهب يخضع للعديد من الاعتبارات الاقتصادية والسياسية ففي عام 1980 ارتفع الذهب إلى 830 دولار للأونصة وذلك عندما ارتفعت أسعار النفط ثم عادت الأونصة للهبوط مع هبوط أسعار النفط حتى وصلت إلى سعر 400 دولار وبالتالي فان ارتفاع أسعار النفط هي السبب الرئيسي في ارتفاع الذهب فالذهب يتأثر بالنفط لأن النفط سلعة إستراتيجية كون النفط يؤدي إلى ارتفاع الأسعار من خلال زيادة قيمته وكذلك يشكل فوائض نقدية كبيرة لدى الدول المنتجة للنفط والتي تقوم بدورها بزيادة الطلب على الذهب وفي الحقيقة ففي الخليج العربي هناك زيادة مخيفة في الإقبال على شراء الذهب والذي بقي إنتاجه مستقرا ً منذ عام 1998 وحتى الآن وتأتي الصين في مقدمة الدول إنتاجا ً للذهب تليها جنوب إفريقيا ثم استراليا ثم أمريكا وبعدها روسيا ومن ثم البيرو.
و يتابع الدكتور" نجمة" وبما أن الإنتاج مستقر والطلب يزداد بفعل زيادة أسعار النفط فمن الطبيعي أن تزداد أسعار الذهب كما أن لتراجع سعر صرف الدولار تأثير بسيط في رفع أسعار الذهب.
و ينقسم الذهب إلى قسمين ذهب رسمي وذهب غير رسمي والذهب الرسمي هو الذهب الموجود لدى المصارف المركزية أي الذي يشكل الاحتياطيات وتعتبر لبنان من أكثر دول المنطقة احتياطيا ً حيث تملك عشرة ملايين ونصف أونصة والذهب غير الرسمي هو الذي يخضع لعمليات السوق بيعا ً وشراء ً والذي يتداوله الأفراد ثلثه في الشرق الأوسط والثلث الثاني في دول جنوب شرق أسيا والثلث الأخير في بقية دول العالم أي أن الشرق الأوسط منطقة جاذبة لتجميع الذهب وهذا مرتبط بالعادات والتقاليد وبالتالي فان سبب ارتفاع أسعار الذهب هو الارتفاع في أسعار النفط والذي شكل فوائض نقدية كبيرة يتم استخدامها في شراء الذهب وبالتالي هناك طلب كبير على الذهب في الدول المنتجة للنفط.
أما سبب ارتفاع أسعار النفط فهو بالتأكيد ناتج عن الوضع المضطرب الذي تعيشه المنطقة والخوف من توقف الإمدادات من الشرق الأوسط في حال نشوب حرب أمريكية إيرانية وكذلك التوقعات المستقبلية بتزايد الطلب على النفط من قبل الصين والهند.
وعن تأثير ارتفاع أسعار الذهب على الاقتصاد السوري قال "نجمة" إن تأثير أسعار الذهب على حركة السوق السورية من ناحية الإنتاج والاستهلاك فهي ضعيفة لأن هناك قلة قليلة تشتري الذهب كسبائك بقصد الاستثمار وبالتالي لا يوجد تأثير مباشر على الاقتصاد السوري الداخلي .
وبالنسبة لتدخل الحكومة في هذا الموضوع أجاب : إن الحكومة غير قادرة على التدخل حتى ولو رغبت بذلك لأن سعر الذهب يخضع للسوق العالمي والحكومات تستطيع التدخل في السوق كبائعة أو شارية فقط وتابع إن الحكومة لا تعرف شيئا ً عن سوق الذهب بدمشق حيث أنه غامض و أنهم يخضعون لتعامل السوق وبالتالي الحكومة ليست طرفا ً بهذه السوق وخصوصا ً أن بعض القوانين تمنع استيراد السبائك و الذهب المشغول أي هناك تقديرات معينة تجعل عمل هذا السوق في جانبه المخفي أكبر بكثير من جانبه الظاهر وبرأيي أنه لا يعرف بهذا السوق إلا أهل السوق .
وعن إمكانية انخفاض سعر الذهب في وقت قريب قال الدكتور نجمة إن هذا الموضوع وحسب التجربة التاريخية ( تجربة الثمانينات ) مرتبط بانخفاض سعر البترول فإذا انخفض الأخير فان انخفاضه سيؤدي إلى انخفاض سعر الذهب.
ونلاحظ إن انخفاض أسعار النفط لن تكون في المدى القريب وما على المواطن السوري إلا أن يغير عاداته وتقاليده ويتجه إلى الفضة عله يجد ضالته فيها.
المصدر : الحقيقة الدولية- إيمان عثمان – دمشق- 19.4.2009
رد مع اقتباس
المفضلات