[grade="00008b ff6347 008000 800080"]وتمضي بنا الايام حيث لا ندري ... تمضي بنا قوافل الحياة في ركاب الليل المُضني ..
هناك في الحي القديم .. وعلى الطريق المهتريء مضت بنا السنين .. كان على ناصية ذاك الطريق بيت صغير تملؤه المحبة والالفة .. تملؤه الضحكات وعبق الذكريات .. كانت تسكنه تعابير الفرح .. وتستوطنه قسمات المرح ..
بيتنا الصغير بستائره الحمراء .. ونوافذه البيضاء .. و زهوره الصفراء .. وشرفته الارجوانية ..كان يضم أحلى الذكريات ..
ولدنا فيه .. لعبنا في ارجائه .. زيّنا زواياه برسوماتنا .. وكل غرفة فيه كانت شاهدة على أحلامنا ..
ذاك الكرسي القديم .. كنا نُطلق عليه كرسي العرش .. كان لوالدي الغالي .. وفي تلك الزاويه كانت آلة الخياطة .. وما زاال صوتها الآن في مسامعي .. كانت امي الغالية الراحلة في كل يوم تجلس تُخيط عليها ثيابنا .. كان بجانبها فنجان القهوة ... وكانت تستمع الي أغاني السيدة فيروز .. كنت الازمها منذ طفولتي .. وكنت اعبث بادوات الخياطة .. ولا زالت كلماتها للآن .. ( هس ماما تعي جنبي اعلمك)
كانت تُخيط لي فساتين لعبتي بوسي ..
وفي زاويه اخرى من بيتنا .. كانت غرفتنا (غرفة البنات) .. كنت في كل يوم استيقظ في الصباح لارى اختي الكبيرة وهي تستعد للذهاب الي الجامعة .. كانت تمشط لي وتربط جدائلي ببعض الشبر الاحمر ..
اما اخواتي الاخريات فكن يذهبن الي المدرسة .. وكنت ابقى عند امي الغالية .. كانت احلامي الاولى أن اصبح طبيبية .. ثم تحولت الي رسامة .. ثم الي كاتبة واديبة .. كانت امي الراحلة تُساندني في كل احلامي وتشجعني ..
بيتنا الصغير القديم شهد على طفولتنا .. وبين زواياه كبرنا .. ومن بوابته البيضاء خرجت اختي الكبرى الي بيت زوجها .. الكل بكا ولاول مرة شاهدت والدي يبكي ..
بيتنا القديم أصبح به متسع إضافي بعد خروج وزواج أختي ..
وفي يوم من الايام جاء اخي يطلب من والدي بأن يسافر لإكمال دراسته في الخارج .. وكان ذلك وكانت رحلته الي المطار حزينة سادها البكاء والدموع .. وعندما عدنا الي البيت كانت غرفته فارغة إلا من بعض الثياب والاوراق .. وعلى طاولته بقايا لسندويشة لم يكملها .. وهنا بدأت امي بالبكاء وكذلك ابي .. وبيتنا القديم اصبح فيه متسع اضافي بعد سفر شقيقي ..
ومرت الايام وكبرنا .. وحُدد موعد زواج شقيقاتي الاثنتين .. و
لكن كان زواجهما هذه المرة في بلاد الغربة .. سافرت كل واحدة تاركة ورائها سرير ثياب وذكريات ...
واصبح في بيتنا القديم متسع اضافي بعد زواج شقيقاتي الاثنتين .
ومرت الايام وكبرنا وها هي اختي تتزوج وتخرج من البيت .. واصبح البيت الحميمي المملوء باصوات الحب والفرح فارغ ..
ليس به الا والديّ وانا ..
وعاد اخي من سفره .. ومرضت امي مرضاً شديداً ولم يُفلح معها الدواء ..
كنا ونحن صغار مجتمعين .. وحين كبرنا لا تجمعنا الا حالات الرحيل والموت ..
وكان إجتماعنا كلنا في وفاة والدتي الحبيبة .. وكأن الايام لا تنصف الافراح .. بل ظلمتنا بإجتماعنا وظلمت والدتي ..
واصبح بيتنا القديم بيت تسكنه الذكريات والخيالات الراحلة.. هناك كانت طفولتنا .. وهناك كبرنا .. وهناك سرير والدتي ورائحة الموت .. وهناك دموع واوراق وحقائب سفر ..
اصبح بيتنا الصغير ذكرى واطلال ولكننا ما زلنا نعيش فيه ..
لايُفتح بابه إلا للمسافرين والراحلين ..
وما زال بيتنا ومهد طفولتنا شاهداً على ذكرياتنا ولقاء الاحبة .. وما زال شاهداً على الاسفار والغربة ..
ففي كل عام له يوم تاريخي وهو مرور الاحبة والمسافرين به .
وما زالت صورة امي في تلك الزاويه تضحك وتُخيط الملابس وتسمع أغاني السيدة فيروز .....
وما زلت للآن انظم الشعر والقصائد في بيتنا القديم ,,
بعد سنين الرحيل جيت اسلم يا دار
أحيّ جدرانك والجدران ما تسمع سلامي
بردت زواياكِ وانطفت مواقد النار
أتكلّم وصوت الباب يجاوب بكلامي
صرتِ مهجورة من الناس ومضافات الزوار
وما بُقى على جدرانك غير الصور وحفر الاسامي
كل شي فيكِ ملاه وكساه الغبار
وبين حيطانك نسيج العنكبوت يلالي
كل العاصفير هجروكِ والكل بجناحه طار
والعشاش فضيت فوق غصون الدوالي
يا حيف يبست بساتينك من الغلال والازهار
وبكل عرقن اخضر كان الامل والاماني
جفّت سواقيكِ والنبع اللي بأرضك فوّار
حتى الحمام غرّب لموردن ثاني
الريح يصفع بالابواب وغيره ما زار
وما ينسمع غير صوت الذيب العالي
كان لي فيكِ أم واب وذكرى وتذكار
كان لي بدروبك ومجالسك ربعي وخلاني
أنتي مربى الطفولة بيوم كنا صغار
ويا ليت نعاود للمتنا وزمنا الاولاني
**************************************** **************************************** **************************************** *********[/grade]
المفضلات