نصف عام على غياب عبدالوهاب المسيري
من ابرز المؤرخين العالميين المتخصصين بالصهيونية واليهودية عبدالوهاب المسيري اسم هام سوف يظل حاضرا ومحفورا في ذاكرة التاريخ والسياسة والفكر الفلسطيني والعربي والعالمي.. انه مفكر من نوع فريد.. انه المحاصر والفاضح للصهيونية بشكل معرفي كامل.. فهو صاحب الموسوعة العالمية عن (اليهود والصهيونية) وتلك هي قضية القضايا التي تؤرق الوجود العربي منذ عقود وعقود!! وذلك ايضا بجانب (المائة) كتاب ودراسة عن كل ما يتعلق بتاريخ اليهود من عدة نواح: انثروبولوجياً وتاريخياً ودينيا منذ بدايات عصور التاريخ القديم حتى عصر الصهيونية الحديث، ليثبت بالادلة والبراهين العلمية انها جزء من الحضار الغربية والاوروبية.
والدكتور عبدالوهاب المسيري عالم اجتماع المعرفة والمفكر الاسلامي والناقد والمترجم والمؤلف الادبي كان قد افنى جزءا كبيرا من حياته (رحل في منتصف العام الماضي 2008) في دراسة اليهود والهيودية والصهيونية وكل ما يتعلق بهم.. لذلك فقد كان هذا المفكر يشكل خطرا معرفيا على الكيان الصهيوني لانه كشف اكاذبيها بطرق اكاديمية وعلمية وموضوعية راقية.. كذلك فقد وقف في وجه الاستبداد والفساد والسلطات المحلية دفاعا عن قيم الحرية والعدالة (كان قبل وفاته رئيسا لحركة كفاية في مصر).
والجدير بالذكر ان الموسوعة والتي ذكرناها سابقا (اليهودية والصهيونية) كان د. المسيري وهو المتخصص بالادب الانجليزي اصلا قد عكف على تأليفها لمدة (20) سنة وهي من اهم الاعمال الموسوعية العربية في القرن العشرين، فقد عُدّ على اثرها واحدا من ابرز المؤرخين العالميين والمتخصصين في الصهيونية وعشرات المقالات والدراسات حول ذلك ايضا.. لذا فقد اصبحنا بدورنا نحن العرب نملك موسوعة عن الاخر المزروع بيننا.
ومن المثير ان نعرف في خضم هذا الكفاح التأليفي لهذا المفكر الموسوعة الهامة والفاضحة للصهيونية ان (مائير كاهانا) وهو عضو الكنيست السابق ورئيس جماعة كاخ الصهيونية الارهابية حينما عرف بأمر موسوعة المسيري قام بارسال خطابات تهديد بالقتل لمؤلفها والمشرف عليها في العام ,1984. واعترف بارسال هذه الرسائل في حديث مع جريدة يديعوت احرنوت الاسرائيلية، فقد ارسل (6) رسائل تهديد على عنوان الدكتور المسيري في الرياض وارسل (6) رسائل اخرى على عنوانه في القاهرة.. اما الخطاب الاخير فقد ارسله له في القاهرة فور عودته من الرياض وجاء فيه: (ان مرسلي هذا الخطاب يعلمون بأمر عودته وانهم يعدون قبرا له.. ان لم يتوقف عن نشاطاته المعادية للصهيونية، لذا فقد وُضع الدكتور المسيري تحت حراسة سلطات الامن المصرية حماية له).
وفي السياق نفسه، وقبل وفاة عبدالوهاب المسيري بشهرين اطلق المسيري بيانه الاخير في الذكرى الستين لنكبة فلسطين استهلها بقوله ''في ذكرى نكبة فلسطين وتأسيس الكيان الصهيوني تعلن الشعوب العربية ان ستين عاما من الاستعمار الاستيطاني الاحلالي العنصري وارتكاب اكبر جريمة في العصر الحديث: سرقة وطن كامل وتشريد اهله لا يعني سقوط الجريمة او السكوت عليها.. لان الجرائم ضد الانسانية لا تسقط بالتقادم.. وان ذاكرة الشعوب اقوى من كل محاولات ومؤمرات المحو والتضليل، وستظل الشعوب العربية وشعوب العالم الحر تتذكر ان فلسطين ارض عربية تم اغتصابها بقوة السلاح الغربي وتحت مظلته.. ولكنها لن تبقى كذلك لاننا لن ننسى ولن نسكت.. وبقي المسيري داعما بثقله المعرفي معنويات مواجهة العدو حتى آخر ايامه.
وفي موسوعته الشهيرة فقد عمل المسيري على نقد وتفكيك النموذج التفسيري الاختزالي العنصري الذي كان يتبناه كل من الصهاينة والمعادين لليهود والذي يرى اليهود باعتبارهم تجمعا بشريا يتمتع بقدر عال من الوحدة والاستقلال وله حركيات مستقلة عن بقية البشر، وانهم اينما وجدوا في أي زمان ومكان يشكلون وحدة مستقلة عما حولهم وتسرى عليهم قوانين لا تسري على مجتمع الاغلبية، وان ثمة وحدة تربط بين اعضاء الجماعات اليهودية كافة في كل زمان ومكان، وان هذه الوحدة تتمثل في وحدة الهوية والشخصية والسلوك، وفي اشكال مختلفة من التضامن، وفي نهاية الامر في القومية واليهودية وفي الشعب اليهودي الواحد ذي الهوية الواحدة المستمرة وكذلك التاريخ اليهودي الواحد.
وقد خصص المسيري دراسة منفصلة حول النموذج الاختزالي والنموذج المركب في كتابه (اليد الخفية ( دراسة في الحركات اليهودية الهدامة والسرية) تناول فيها عدة حالات للدراسة منها: (البروتوكولات - التلمود - السحر - الماسونية - البهائية - الفرانكية - السبئية - الجاسوسية اليهودية - الجريمة اليهودية - اللوبي اليهودي والصهيوني) كما تناول الكتاب اشكالية العبقرية اليهودية، كما توضح دراسته (الايديولوجية الصهيونية) دراسة حالة علم اجتماع المعرفة اول دراسة متكاملة باللغة العربية عن الايدولوجية الصهيونية حيث توضح انها ايديولوجية عنصرية معادية لكل من العرب واليهود!! ويؤكد المسيري في سيرته الذاتية ان عداءه للصهيونية نابع من عدائه بشكل اساسي لكل اديولوجيات العنف والعنصرية مثل النازية وايدولوجية التفرقة اللونية في جنوب افريقيا.
وهكذا سيظل الدكتور والمفكر الانساني عبدالوهاب المسيري قيمة كبرى لمصر وفلسطين وللعالمين العربي والسلامي.. لانه كان احد القيادات التي اعتز بها الكثيرون من المثقفين والاحرار.. فقد انحاز ايضا لقضايا الناس اليومية، فقد شارك في الحراك السياسي والحضاري من اجل علو راية العرب والانسانية كذلك.
لذا ستنهل من فكره ومؤلفاته اجيال واجيال.. ولن يستطيع التاريخ ان يواري هذا الفكر خلف احداثه المضجرة.
رد مع اقتباس
المفضلات