معراج المغاربة
عهد العالم الإسلامي والعربي أن تكون المملكة العربية السعودية أول من يغادر المكان عند حضور أي طرف من الكيان الصهيوني على طاولة واحدة، والتزم بذلك زمنا طويلا، حتى صار الموقف سمة تعرف بها المملكة، ولم يسبق لها أن وجهت دعوة رسمية إلى الكيان الغاصب إيمانا منها بمركزية قضيتها وقضية المسلمين أجمع، لكنها اليوم تصيب الجميع بصدمة نفسية وسياسية، وترسل دعوة رسمية إلى أكبر تجمع إرهابي في العالم لتجالسه في مؤتمر للأمم المتحدة، يكون حوار الأديان موضوعا له، في مقرها بنيويورك بداية من الحادي عشر من الشهر الجاري، بمبادرة من العاهل السعودي عبد الله بن عبد والعزيز. والذي يتأمل في هذا المؤتمر يخرج بعدد من النتائج والدلالات:
أولها أن الكيان الصهيوني نفسه قد تفاجأ بالهدية السعودية، ورأى في الدعوة إنجازا تاريخيا، حسب "يدعوت أحرنوت"؛ مادام أنها المرة الأولى التي توجه فيها المملكة دعوة رسمية إلى الكيان الغاصب؛ للمشاركة في مؤتمر تنظمه الرياض، على مرأى ومسمع من العالم، ودون اللجوء إلى أسلوب السرية والتعتيم، وهو في الحقيقة "إنجاز تاريخي"!! وحق ل"(إسرائيل) أن تفخر به وتطرب له، فأي شرف أكبر من اعتراف أرض المصدر الروحي الأول لمسلمين بقتلة الأحرار، وطردهم من ديارهم، وتشريدهم في العالم كله، وهي المعول عليها في الدفاع عن حقوق أهلنا أكثر من غيرها.
ثانيها أن رئيس الكيان الغاصب هو الذي سيلقي الكلمة مباشرة بعد العاهل السعودي، ولهذا الأمر ما له من دلالات، فمن المعلوم أن التقديم يكون للأهمية والمكانة؛ سواء أكانت سياسية أو دينية ....، وتقديم رئيس الكيان يحمل دلالة كبرى على أهمية الصهاينة في القرار العالمي قبل أي قوة، وإلا ما كان يقدم؛ والحاضرون في المؤتمر ليسوا من ذوي الشأن الهين، ذلك أن المؤتمر سيكون على مستوى رؤساء الدول ووزراء الخارجية. ومن المرتقب حضور الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن ورئيس الوزراء الإيطالي وعدد من الزعماء الأجانب. ومن الشخصيات العربية الوازنة سياسيا كذلك؛ والتي تم تجاهلها، وقدم بنو صهيون عليها؛ العاهل الأردني، وملك البحرين، وأمير الكويت، ورئيس السلطة الفلسطينية، والرئيس اللبناني، ورئيس الوزراء اليمني، ورئيس الوزراء ووزير الخارجية القطريان، والرئيس الباكستاني.
ثالثها أن المؤتمر سيكون فرصة للكيان الصهيوني لعقد لقاءات انفرادية مع قادة دول عربية، كما صرح بذلك بيان مكتب الرئاسة الإسرائيلية. فهو موعد تطبيعي بامتياز، تغنم فيه (إسرائيل) غنائم لم تكن تحلم بها لولا الخطوة المهينة التي قامت بها المملكة العربية السعودية!
رابعها تدشين المملكة لمسار جديد في التعامل مع القضية الفلسطينية، فبعد أن كانت تطلق مبادرات المصالحة، وتستدعي الأطراف المعنية في الصراع الداخلي الفلسطيني؛ صارت اليوم تدعو العدو التاريخي للحضارة الإسلامية، وتمنحه الهدية تلو الهدية، لعله يرضى عنها، ولعل راعية الدمار العالمي تمسك عنها لسان التهم التي لا حصرها، من قبيل رعاية الإرهاب، وتربية الإرهابيين...وهكذا!
خامسها أن المملكة بهذه الخطوة (التاريخية) تقدم لغيرها من دول العالم العربي والإسلامي مسوغ الانبطاح والتخاذل عن نصرة القضية، وتفتح لهم باب التطبيع على مصراعيه بلا تحفظ أو استتار!
خلاصة القول من هذه الدلالات أن القضية الفلسطينية فعلا قد أشاحت عنها الأنظمة العربية وجهها، وأن تلك التصريحات أوالمبادرات التي تطلقها من حين لآخر ثم تجهضها هي من تلقاء نفسها؛ ماهي إلا مساحيق تجميل لبشرة السادة الكرام، ولا نرى القضية يوما ستحل بمن يسارع بهذا الشكل إلى كسب رضى الكيان الصهيوني، ويحرص على مصالحه مع الولايات المتحدة بهذا الشكل المخزي قادرا يوما ما على قول لا في وجه العتاة الجبارين، فقد مضى زمن الأحلام كما كان في السودان، يوم أن رفع العرب اللاءات الأربعة، وما لبثوا أن تراجعوا عنها واحدة تلو الأخرى!
المفضلات