إعلان الأردن منطقة تجارة حرة
اعتادت مدينة العقبة منذ زمن أن تستقبل أعدادا من الأردنيين من مختلف قرى ومدن ومحافظات المملكة في الأعياد والعطل الرسمية بقصد السياحة والترفيه ولكن بعد تحويل العقبة إلى منطقة حرة جمركيا تضاعفت هذه الأعداد وتغيّر نمط الزيارات لتصبح مع عطلة نهاية كل اسبوع وليغلب عليها هدف التسوق. ومن يزور العقبة في عطلة نهاية الأسبوع يجد الأسواق تعج بالمتسوقين ويجد شوارع المدينة مزدحمة بالمركبات والمواطنين لدرجة أن المشهد في بعض الشوارع يكاد يشبه ازدحام العواصم.
الإعفاءات الجمركية التي تتمتع بها البضائع داخل العقبة يكاد يكون السبب الرئيسي لتفسير هذا التحوّل في نمط الزيارات وتضاعف الأعداد خصوصا بعد أن سمحت تعديلات قانون منطقة العقبة الاقتصادية الأخيرة برفع سقف المشتريات التي يسمح بإخراجها من العقبة إلى حدود 200 (مائتي) دينار للشخص.
هذه الحقائق والمشاهدات مضافا لها المكاسب الاقتصادية التي ستتحقق يقودنا إلى الدعوة لتوسيع نطاق الإعفاءات الجمركية لتغطي كافة مناطق المملكة وإعلانها منطقة حرة جمركيا (مع استثناء السلع الإستراتيجية بالنسبة لخزينة الدولة كالسيارات وتلك المحرمة شرعا كالمسكرات والتبغ) . فطالما أن القانون يسمح لكل أردني يزور العقبة بإخراج مشتريات معفاة جمركيا بقيمة 200 دينار فلن يضير خزينة الدولة أن تجعل هذا المواطن يحصل على مثل هذا الإعفاء في قريته أو بلدته دونما تكبيده عناء ومشقة وكلف السفر واستهلاك الوقود خاصة إذا علمنا أن عوائد المرافق السياحية من مثل هذه الزيارات لا تذكر.
هذا القرار الاستراتيجي يأتي مستكملا لسياسة التوسع في الإعفاءات الجمركية التي انتهجتها الحكومة سواء للسلع النهائية او مدخلات الإنتاج لمواجهة موجة غلاء الاسعار كما وينسجم تماما مع الجهود التي تبذلها المملكة منذ سنوات لدمج الاقتصاد الوطني في الاقتصاد العالمي ويتفق مع الانجازات التي تحققت في هذا المضمار سواء من خلال الانضمام لمنظمة التجارة العالمية او اتفاقية الشراكة الأوروبية أو اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة او اتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى او اتفاقية أغادير وغيرها من الاتفاقيات المبرمة او تلك التي قيد التفاوض والتي تهدف جميعها للوصول الى مرحلة التجارة الحرة.
لذلك فإن إعلان الأردن منطقة حرة جمركيا لتجارة السلع الآن في هذه المرحلة سيمثل تحقيقا استباقيا لهدف مستقبلي لربما لن تكون عوائده المستقبلية مثلما ستكون الان وفي هذه المرحلة وهذه الظروف.
لاشك بأن مثل هذه المبادرة ستوفر بيئة مميزه ودفعة قويه لتنمية اقتصادية واجتماعية شاملة واجزم بأن دراسة اقتصادية سريعة لهذا التحرير سوف تظهر بأن المكاسب والايجابيات الاقتصادية والاجتماعية التي ستتحقق في المدى المتوسط والطويل ستفوق كثيرا السلبيات (المعتقدة) التي تكاد تنحصر وهميا بالأثر المالي السلبي على الخزينة في المدى القصير، ومع أن هذا الأثر (إن وجد) قادم لا محالة خلال الأعوام القليلة القادمة مع استحقاقات الاتفاقيات الاقتصادية الدولية والثنائية التي وقعها الأردن إلا أنه يبقى وهميا إذا أخذنا التجارب العالميه وتجربة العقبة بعين الاعتبار والتي اثبتت أن ايرادات الخزينة ارتفعت بعكس ما كان يتصور البعض والجدول التالي يبين نمو ايرادات سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة خلال الفترة 2001-2006: المصدر : التقرير السنوي لعام 2006 لسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة.
كذلك فإن تجربة سنغافورة ليست ببعيدة عمن يرغب أن يمتحن واقعية وايجابية طرحنا فهذا البلد الذي لا يتجاوز عدد سكانه خمسة ملايين نسمه والذي تعتمد ايراداته على الرسوم والضرائب بشكل اساسي فإنه لا يستوفي الرسوم الجمركية إلا على 3 مجموعات من السلع هي وسائط النقل والتبغ والكحول ويطبق ضريبة عامة على المبيعات لا تتجاوز 5 (خمسة) بالمائة.
لذلك فإننا إذ ندرك بأن إعلان المناطق التنموية في كل من معان والمفرق وإربد يندرج ضمن إستراتيجية الحكومة بتنمية محافظات المملكة إلا أننا نرى بأن الأمر بات يتطلب مبادرة إستراتيجية أكثر جرأة تتمثل بإعلان الأردن ككل منطقة تجارة حرة خصوصا أن الظروف المالية والاقتصادية السائدة إقليميا وعالميا تهدد بركود اقتصادي وبالتالي تستدعي إجراء جريئاً للاستمرار في استقطاب الاستثمار وزيادة الطلب على السلع والخدمات.
فالأزمة العالمية الراهنة ومخاطر الركود الاقتصادي تتطلب سياسات واستراتيجيات تساعد على زيادة الطلب على السلع ومن الثابت نظريا وعمليا بأن أي تخفيف في القيود الجمركية يقابل بارتفاع وتحسن في حركة التجارة الخارجية لذلك فإن تحويل الأردن لمنطقة تجاره حرة وما يعنيه ذلك من إلغاء للرسوم الجمركية سيشكل نقلة نوعية وكمية وهيكلية في تجارة الأردن الخارجية حيث سيرتفع حجم الاستيراد ويقابله ارتفاع في حجم إعادة التصدير وتجارة الجملة والتوزيع لأسواق المنطقة إذ ستتوجه الانظار للسوق الأردني الذي سيتضاعف حجمه عدة مرات ليكون الاردن نظريا وعمليا ليس فقط البوابة التجارية للمشرق العربي لا بل ليكون مركزا تجاريا عالميا في الشرق الاوسط ومركزا هاما من مراكز النقل بأشكاله المختلفة.
محليا فإن الطلب على تجارة التجزئة سينشط بشكل واضح وملموس ليس الطلب الداخلي فحسب بل بشكل رئيسي الطلب الخارجي المتأتي من الافراد والجماعات الذين سيزورون المملكة من الدول المجاورة خصوصا خلال العطلات مما يكرّس التسوق كجزء هام من عوامل جذب السياح الى الاردن تحديدا السائح العربي المعروف عنه اهتمامه بسياحة التسوق وهذا يتفق مع سياسات الحكومة الهادفة لاستقطاب اسواق السياحة العربية كالسوق الخليجي والسوقين السوري واللبناني. فإعلان الاردن منطقة تجارة حرة سيوفر للمتسوقين قيمة عالية باسعار ادنى من الاسعار في اسواق المنطقة وبالتالي يعزز تبوء الأردن موقع الريادة في سياحة التسوق في المنطقة وهذا بدوره سيشجع الاستثمارات العقارية الكبرى في المملكة سواء ما هو قيد الإنشاء او قيد التخطيط للاستمرار في تنفيذ خططها وبرامجها خاصة استثمارات المنتجعات والمراكز التجارية ومراكز التسوق والمتاجر الكبرى.
مع أهمية الأثر الاقتصادي لمثل هذا القرار الاستراتيجي في المدى المتوسط البعيد فإن أثره الاجتماعي وخصوصا في المدى القصير يمثل خطوة سياسية ايجابية هامه في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الراهنة عالميا وإقليميا ومحليا.
رد مع اقتباس
المفضلات