نتنفس جميعنا تلقائيا، دون أن نفكر أو نبذل جهدا في ذلك (عادة). فهل تستحق هذه العملية البديهية أن نبحث فيها وأن نفكر في دقائقها وأسرارها؟ دعنا نستعرض معا بعض التساؤلات الساذجة أو العميقة (معا)، والتي قد تخطر لأي عقل متفتح ومتعطش للفهم.. وخاصة عقول أطفالنا الذين لم يصبحوا بعد، بفعل قمع المدارس والمجتمع وأسلوب التلقين والقولبة، متقبلين لكل التعليمات وعاجزين عن التساؤل الذي يفتح باب المعرفة. من الأسئلة التي قد تخطر بذهن طفلك (أو حتى بذهنك أنت)، ما يلي:.
- ما هو التنفس، كيف نعرفه؟ وما معنى الكلمة لغويا؟.
- هل تتنفس جميع الأحياء، وهل تحتاج جميعها إلى الأكسجين؟.
- هل يتنفس الجنين، وهل تتنفس أجنة النباتات (في بذرة القمح مثلا)؟.
- كيف يتنفس السمك، والحشرات، ودودة الأرض وهي داخل التراب، والنباتات؟.
- هل التنفس إرادي أم تلقائي لا إرادي؟.
- بالإضافة إلى تنفسنا عبر الأنف والرئتين، هل نتنفس عبر الجلد؟.
- هل المعيشة في جو أغنى بالأكسجين يزيد الذكاء أو النشاط أو الصحة ويطيل العمر؟.
- كيف يتنفس رائد الفضاء، والغواص، وكم يتحمل الغواص البقاء داخل الماء دون اسطوانة أكسجين؟.
- كم يمكن أن تبقى حيا إذا حصرت في غرفة صغيرة ومحكمة الإغلاق؟ وهل عليك أن تخشى على حياتك إذا حصرت داخل مصعد معطل حجمه 2م لعدة ساعات؟.
- ما أقل نسبة للأكسجين في الهواء (في الغرفة مثلا) حتى نبقى أحياء؟ ولماذا قد نصاب بالغيبوبة والاختناق في غرفة مغلقة وبها مدفأة غاز أو كاز بعد بضع ساعات من إشعالها.
- لماذا قد يختنق ويموت من يهبط إلى قعر بئر مهجور؟.
- هل ثاني أكسيد الكربون، وأول أكسيد الكربون، والنيتروجين الموجودة في الهواء، سامة أو ضارة لنا؟.
- هل تتحمل رئاتنا الهواء مهما كانت درجة رطوبته أو جفافه؟.
- ما دور الشعر والمخاط في الأنف والمجاري التنفسية؟.
- كيف تعالج الرئتان وجود الملوثات كالدخان والغبار أوحتى الغازات السامة؟.
- كيف يتأثر التنفس لدى المصاب بالربو أو الحساسية؟.
- لماذا نجد نسبة عالية من أبطال المراثون (الركض للمسافات الطويلة) من بلاد جبلية مثل أثيوبيا وكينيا والمغرب والجزائر؟.
وهل توجد علاقة بين الانجازات الرياضية وفعالية التنفس؟.
- هل يمكن أن يتوقف التنفس أثناء النوم؟.
عودة للأساسيات: نحاول فيما يلي تقديم إجابات مختصرة لبعض التساؤلات السابقة، ونترك بعضها الآخر لك.
- لماذا نستطيع البقاء أحياء دون طعام لعدة أسابيع، ودون ماء لعدة أيام، لكننا لن نصمد دون أكسجين أكثر من بضع دقائق؟.
إن الغذاء والماء مخزنان في خلايا أجسامنا بما يكفي لبضعة أيام، لكن هذا ليس حال الأكسجين الضروري لإطلاق الطاقة اللازمة لاستمرار الحياة.
ما هو التنفس؟ هو تبادل الغازات بين الكائن الحي والوسط المحيط به، من أجل حرق الغذاء لإنتاج الطاقة.
هل تتنفس جميع الكائنات الحية؟ نعم ومعظم الكائنات تتنفس تنفسا هوائيا: تأخذ الأكسجين وتطلق ثاني أكسيد الكربون. لكن بعضها يتنفس تنفسا لا هوائيا، وهو ما يطلق عليه اسم التخمر لدى بعض البكتيريا والفطريات، وأيضا في عضلات أجسامنا عندما ينقصها الأكسجين.
- هل تمتلك جميع الحيوانات رئات؟.
كلا. فالرئة توجد فقط في أجسام الفقاريات البرية وبعض الأسماك المسماة (دبنست) (Dipneuste) أما في حالة الحيوانات الأبسط، كالإسفنج والديدان، فان تبادل الغازات يحصل عبر سطح الجسم. أما الحشرات فتتنفس بواسطة فتحات على جانبي سطح الجسم، تتصل بأنابيب متشعبة، وهذه بدورها تنقل الأكسجين لمختلف أنحاء الجسم.
أما الأسماك (عدا الدبنست) فتتنفس بواسطة الخياشيم المكونة من خيوط رقيقة غنية بالأوعية الدموية : هذه الخياشيم لا تحافظ على شكلها إلا بوجود الماء. وإلا فإنها تتلاصق ببعضها ويصغر سطحها الذي يقوم بتبادل الغازات. وهذا يفسر موت السمكة مختنقة بعد لحظات من خروجها من الماء.
أما وسيلة التنفس بواسطة الجلد فقد تكون الوسيلة الوحيدة للتنفس، كما في السلمندر وبعض أنواع الضفادع. أو أن يكون الجلد وسيلة مساعدة للرئتين كما في معظم الضفادع، أو يكمل التنفس بالخياشيم لدى بعض الأسماك التي لا يغطي جلدها قشور.
لكن التنفس عبر الجلد لدى الإنسان والثدييات الأخرى ضئيل جدا ومهمل، ولهذا السبب فإن ارتداء الملابس لا يضعف قدرتنا على التنفس.
كيف نتنفس؟ عندما تتمدد الرئتان نتيجة تقلص الحجاب الحاجز وعضلات الصدر، ينخفض ضغط الهواء داخل الرئتين فيحصل الشهيق. ويصل الهواء رئتينا دافئا ورطبا ومنقى من الدخان والغبار، وذلك بفضل الشعر والأهداب والمخاط التي تبطن المجاري التنفسية.
أثناء التنفس التلقائي العادي، تحتوي رئتا الشخص البالغ على 5,2 - 3 لترات هواء، ويدخلها في الشهيق نصف لتر من الهواء ثم يخرج في الزفير. لكن الشهيق الإرادي المطول يمكن أن يدخل إلى الرئتين 5,1 لترا من الهواء. وتكون هذه الكمية أكبر لدى الرياضيين الذين تصبح الرئتان لديهم أكثر مرونة وأقدر على التمدد، فتحقيق الانجازات الرياضية يعتمد على هذه الخاصية وعلى تنظيم الشهيق والزفير.
يحصل التنفس التلقائي اللاإرادي بفضل عدة مراكز عصبية في الدماغ. ويتكرر الشهيق والزفير نحو 12 مرة كل دقيقة، لكن هذا الرقم قد يزيد أثناء النشاط وبذل الجهد، أو ينخفض أثناء السكون أو النوم. بل قد يصل الأمر إلى انقطاع التنفس تماما أثناء النوم، والذي قد يستمر حتى دقيقتين،كحد أقصى. وقد يتكرر انقطاع التنفس لدى البعض عدة مئات من المرات في الليلة الواحدة مما يجعل الإنسان يعاني من إنهاك مزمن.
يمكن تقسيم عملية التنفس إلى ثلاثة أطوار : التنفس الخارجي ويعني وصول الهواء الجوي إلى حويصلات الرئتين ثم إلى الدم. والتنفس الداخلي ويتضمن انتقال الأكسجين من الدم إلى أنسجة الجسم. ثم التنفس الحيوي أو الخلوي حين تستخدم الخلايا الأكسجين لحرق الغذاء وإنتاج الطاقة، ويرافق ذلك بعض الماء، وثاني أكسيد الكربون الذي يعود إلى الرئتين ليخرج مع الزفير.
- كيف يتنفس الجنين؟ يتزود الجنين بالأكسجين ويتخلص من ثاني أكسيد الكربون بواسطة دم أمه، عبر الحبل السري، أي أنه لا يستخدم رئتيه لهذا الغرض إلا حين يولد.
- لماذا لا ينصح بالنوم في غرفة مملوءة بالنباتات الخضراء؟ نعلم أن النبات الأخضر ينتج أثناء النهار من الأكسجين بعملية البناء الضوئي، أكثر مما يستهلك منه. أما في الليل، في الظلام، فإنه يستهلك الأكسجين للتنفس دون أن يعوض شيئا منه. لكن هذا لا يعني أن النائم في غرفة تحتوي عدة نبتات خضراء سيتعرض للاختناق.
لماذا نلهث في المناطق المرتفعة؟.
إذا صعدت إلى ارتفاع يفوق 3000 م، يصبح ضغط الهواء، وضغط الأكسجين ضمنه، منخفضا لدرجة تجعل جسمك يلهث، أي يتنفس بسرعة أكبر لتعويض هذا النقص. لكن الجسم يعتاد على هذا الوضع بعد بضعة أيام، اعتمادا على عدة وسائل، منها زيادة عدد خلايا الدم الحمراء.
لكن قدرة الإنسان على التكيف مع الارتفاعات تبقى محدودة وأقل من قدرة الطيور مثلا.
أما عند الغوص عميقا في الماء فان الضغط يزداد ويزيد احتمال ذوبان النيتروجين في الدم. وهذا يؤثر على الجهاز العصبي وقد يسبب الغيبوبة على عمق 100م. ولهذا السبب لا تحتوي اسطوانات التنفس في حالة الغوص العميق على نيتروجين، وإنما يوضع مكانه الهيليوم والهيدروجين. وفي المقابل، يجب أن يصعد الغواص ببطء حتى لا تتشكل فقاعات غازية في دمه.
لماذا يلهث المدخن؟.
أثناء التدخين، ترتبط جزيئات أول أكسيد الكربون (وهو غاز سام) على بعض خلايا الدم الحمراء بدلا من الأكسجين. فتعجز تلك الخلايا عن القيام بوظيفتها المتمثلة بنقل الأكسجين. هذا عدا عن احتواء دخان التبغ على مواد قذرة ومحرشة مثل القطران، والتي تسبب التهاب المجاري التنفسية وتدمر الشعيرات المبطنة لها. وبما أن هذه الشعيرات تعمل عادة على طرد الغبار والبكتيريا التي يحجزها المخاط ? فان تدمير الشعيرات يجعل جسم المدخن عاجزا عن طرد الملوثات، والتي تهبط عندئذ إلى الرئتين. وحتى تحمي القصبات الرئوية نفسها فإنها تفرز مخاطا أكثر، يتراكم في القصبات ويصبح مرتعا خصبا للميكروبات وسببا لحصول التهاب القصبات أو الرئة المزمن. وهذا يسبب تقلص السطح القادر على تبادل الغازات وبالتالي يضطر المدخن للهاث، أي زيادة عمليات الشهيق والزفير، لتعويض انخفاض كفاءة الرئتين.
كيف تؤثر الحساسية والربو على التنفس؟.
عندما يتعرض الجسم لمادة تثير الحساسية لديه، تتقلص عضلات المجاري التنفسية العليا، ويرافق ذلك فرط إفراز المخاط في القصبات. وهذا يعيق مرور الهواء مما قد يسبب الأزمة والاختناق.
عن المجلة الفرنسية La Recherhe
رد مع اقتباس
المفضلات