الأردن: حوارات برعاية ملكية تقرأ المستجدات

[رمز الوفاء]

الأردن: حوارات برعاية ملكية تقرأ المستجدات... حرب غزة لا زالت لغزا واوباما الخيار الأفضل... والمجالي يتحدث عن انقسامات ينفيها الرفاعي



اذا كانت كل اشارة او غمزة تعني شيئا بالنسبة للمخضرمين في الدولة الاردنية.. واذا كانت الاعتبارات البروتوكولية لا تؤسس على الصدفة.. واذا كانت عمان في بؤرة البركان الاقليمي تحسب خياراتها مرحليا فان تحليل آخر لقاء مهم عقد في القصر الملكي الاردني من زاوية الرسائل والايحاءات يعني الاستسلام فورا لسلسة مهمة من الترميزات السياسية في البعد الوطني والاقليمي.

وكذلك الامر الآن بالنسبة لجلسات الحوار التي رعاها الملك عبد الله الثاني شخصيا في ضيافة بعض الكبار من اركان الدولة ابتداء بأكثر رئيس وزراء خدم في البلاط في عهده علي ابو الراغب وانتهاء باللاعب الدائم زيد الرفاعي مرورا قبل ذلك بالرئيس السابق فايز الطراونة.

المراقبون عموما يعتبرون ان مؤسسة القصر وسعت مؤخرا من نطاق اتصالاتها واصغائها لهدفين الاول تحقيق الحد الادنى من التوافق الوطني في مرحلة صعبة عنوانها باراك اوباما، وما بعد حرب غزة، واقتراب الاطلسي من المنطقة، واحتمالات تقسيم العراق، والثاني خلق انطباع عند النخب بأن تعددية الآراء لا زالت السياسة المتبعة وان احدا من السياسيين ليس قريبا اكثر من الآخر.

ومن هنا حصريا يمكن القول بأن الرسائل والترميزات شغلت الجميع مؤخرا وتحديدا بعد لقاء مهم عقده الملك مع عشرين قياديا على الاقل في المجتمع.

وهذه الرموز تدلل على مضامين سياسية احيانا وعلى نظرة تأملية في عقل الدولة المركزي احيانا اخرى، خصوصا وان هذا اللقاء الذي تخللته مائدة ملكية هو اول لقاء من نوعه في سلسلة حوارات المطبخ يعقد بعد تطورين هامين.

الاول غياب رمزين مهمين جدا في السنوات الاخيرة كانا ابرز ادوات صنع القرار، وهما الدكتور باسم عوض الله رئيس الديوان الملكي الاسبق والجنرال محمد الذهبي رئيس جهاز المخابرات الاسبق ايضا، فلقاء الاحد هو اول لقاء عام بعد رحيلهما.

التطور الثاني هو حرب غزة التي لا زالت تشكل لغزا باطنيا للسياسيين الاردنيين من حيث بدايتها وخلفيتها واهدافها الحقيقية وتداعياتها في المستقبل.

في الماضي القريب كان عوض الله او الذهبي او كلاهما في اغلب الاحيان يصنعان تفاصيل مشهد الحوار المماثل عندما يرغب القصر بالاستماع لكبار نخب السياسة فعملهما كان تحديدا من واين سيجلس في موائد الحوار الملكية وهي مهمة يقوم بها الآن فريق آخر.

ولقاء الاحد العام هو الاول بدون الثنائي الذهبي وعوض الله وبعيدا عنهما مما شكل عمليا الرسالة الاولى التي تقول فيها المرجعيات انها لا زالت مهتمة بالاستماع وتداول الافكار وتوسع دائرة المسؤولية الوطنية كما توحي بأن حوارات الماضي لم تكن مؤسسة على قياس اي من اللاعبين المتقاعدين.



اين ومن؟



وفي لقاء الاحد التفاصيل كانت مهمة سواء من حيث مكان انعقاد الاجتماع وهو بيت الاردن المقر المخصص للاجتماعات الملكية وسواء ـ وهذا الاهم - من حيث تركيبة الحضور وهنا حصريا يمكن قراءة الممحي والمستتر بين السطور.

اللقاء حضره رئيس مجلس النواب عبد الهادي المجالي بصفته البروتوكولية ما دام هناك بين الحضور نواب لكن حضره بالمقابل منافس مفترض له في موقع رئاسة المجلس النيابي هو النائب المستقل سعد هايل السرور الذي يمكن ان يمثل ورقة إستراتيجية لإخراج المجالي من سدة الرئاسة اذا اقتضت الحاجة.

وبين الحضور اضافة لرئيس الحكومة الذي يحضر بالعادة كل اللقاءات بروتوكوليا ايضا رئيس الوزراء الاسبق عبد الرؤوف الروابده الذي حضر لانه الرئيس السابق الوحيد بين النواب ولانه الخصم المتمرس لتيار الاغلبية الذي يسيطر عليه المجالي كما حضر لانصافه بعدما كثرت الاستهدافات التي تطاله في عهد الفريق الامني السابق بقيادة الجنرال الذهبي.

وعمليا يمكن القول ان حضور الروابده الدائم لاغلب هذه اللقاءات اصبح بحكم العادة رغم انه حظي بخلوة خاصة قبلا في الوقت الذي يقول فيه المضيف بانه للجميع وليس لطرف دون اخر وهي رسالة طالما ركز عليها جلالة الملك وهو يبحث عن خيارات افضل في الادارة الحكومية والنخبوية.

ومن الحاضرين ايضا النائب محمود مهيدات بصفته رئيسا للجنة الشئون الخارجية وهو حضور بروتوكولي ايضا ما دام الملف الرئيسي هو الحرب على غزة بمعنى الحدث الخارجي، ومن بين القيادات الشابة في البرلمان الممثقلة لكتلة الاخاء حصل تنويع هذه المرة بحضور مبارك ابو يامين وهو نائب شاب ومسيس يمثل نكهة مختلفة عن بقية الطيف الفتي من نواب الجيل الجديد.

ومن الوزراء لم يحضر الا وزير الاتصال وشؤون الاعلام ناصر جوده فقط لكن الرجل وفي لعبة ترميزية يمكن التقاطها تمكن من التحدث ايضا والادلاء بمداخلة، الامر الذي سيعزز التوقعات بعدم وجود ما يمنع الآن من انتقاله لموقع أخر أكثر أهمية في القرار إذا ما نفذ رئيسه نادر الذهبي أجندة التعديل الوزاري كما هو متوقع.

احد الحضور تصور بأن كيمياء تحليل الارتياح الذي ظهر على وجه الوزير جوده قد تكون دليلا على رضا المرجعيات عن أدائه وتطور وضعه مستقبلا فالرجل حتى وقت قريب كان حسب بعض المصادر واحدا من أربعة مرشحين لتولي مهام رئاسة الديوان الملكي قبل ان يستقر الأمر على السياسي المهذب ناصر اللوزي الذي نقل الموقع حتى الآن لمستويات ضجيج اقل عموما.

وطاقم جلالة الملك الجديد حضر اللقاء أيضا فاللوزي تواجد قبل غيره في اقرب مسافة للملك وسط طاولة الحوار وفي طرف المائدة تقريبا جلس المستشار أيمن الصفدي الذي غير خلال احداث غزة قواعد اللعبة بظهوره علنا للإدلاء بتصريحات باسم الديوان الملكي.



نجوم جدد في سماء الحكم



وعلى اطراف مائدة الحوار وباتصال بصري مع الملك حضر نجمان شابان تزداد أهميتهما في لعبة الصف الأول هما أمين خليفات وجعفر حسان وكلاهما من كبار موظفي الديوان الملكي ويعملان منسقان للشأن الخارجي والداخلي وكلاهما مرشح مستقبلا لمواقع اهم.

ورغم ان حسان وخليفات انشغلا فقط بالتوثيق لمحاضر الاجتماع، الا ان الرسالة من وراء حضورهما لأهم الاجتماعات التقطت مبكرا لأن آخر مهمة انشغل فيها مدير المخابرات السابق محمد الذهبي قبل رحيله عن الموقع و{فشلت} كانت ابعاد خليفات وحسان عن كادر القصر على اعتبار انهما مقربان من خصمه اللدود باسم عوض الله.

ويمكن الاستنتاج بأن المعتدلين في مسألة عوض الله وبعض حلفائه او بعض الذين رفضوا المشاركة في حفلات خصومته حضروا بقوة في الاجتماع الذي خلا الى حد كبير من اي حليف محسوب على الجنرال الذهبي، وخصوصا من الطبقة البرلمانية على اعتبار ان حضور الرئيس المجالي لا علاقة له بهذا الاطار من التجاذب.

ونجم اللقاء الابرز كان مدير المخابرات الجديد الذي شكلت مشاركته في اللقاء الرسالة الأكثر أهمية، حسب غالبية الحاضرين، فاللواء محمد الرقاد ارفع مسؤول أمني الآن في المطبخ استبق الرعاية الملكية للقاء بعرض مثير للحاضرين عن الشأن الداخلي والاوضاع العامة وحتى الاقليمية شارحا تصور المستوى الامني في السياق.

الرقاد تحدث بطلاقة وبكفاءة وبرؤية سياسية شاملة ممارسا نفس الدور الذي كان يقوم به سلفه الذهبي في مثل هذه اللقاءات مع فارق بسيط هذه المرة تمثل في ان شقيق السلف المشار اليه هو الذي قدم رمز المؤسسة الأمنية للحديث وهي ايضا رسالة سياسية مفتوحة على الكثير من الاجتهادات والقراءات.

لكن حضور الجنرال الرقاد كان اشبه بنداء يردده بالعادة رموز الديجتال عندما يقولون في المدينة الآن عمدة جديد، مع فارق ان الرقاد الآن في موقع العمادة لأهم الأجهزة الأمنية وبشكل حقق الاسترخاء في المستوى الوطني بعد سنة صعبة للغاية كان عنوانها التجاذب.



هل هناك انقسام؟



وكان المجالي عمليا اول المتحدثين ملمحا لوجود انقسام في بنية المجتمع الأردني مع مخاوف لما بعد أحداث غزة، ومشيرا لوجود آراء ترجح الانضمام لمعسكر الممانعة وأخرى في الاتجاه المعاكس مطالبا بإدامة وإقامة الحوار الوطني لمعالجة مظاهر الانقسام المفترضة. وتعليقات المجالي تعكس عمليا مضمونا مماثلا ينقل على لسان مدير المخابرات السابق بعد تقاعده فالرجل يعتقد بان الحل الافضل اقليميا هو الالتحاق بمعسكر الممانعة ممثلا بسورية وحركة حماس مقدرا بان البقاء في خندق الاعتدال قد ينطوي على اخطار لها علاقة بجبهة مفتوحة تؤسس للوطن البديل مؤمنا بان سلطة محمود عباس فقدت شرعيتها ولا مستقبل لها.

الحضور لاحظوا بأن تشخيصات المجالي لم تحظ بالإجماع، والى حد ما لم تحظ بالإقرار الأمر الذي دفع شريكه في سلطة البرلمان زيد الرفاعي للتأكيد على وجود ثوابت في الخطاب والخط الوطني لا تحتاج لحوار، قبل ان يدفع النائب مبارك ابو يامين للتأكيد على منجز مهم تمثل بتوحد الموقف ازاء احداث غزة بين الشعب والقيادة.

المصدر : الحقيقة الدولية –القدس اللندنية 28.1.2009

[الاسطورة]

سلمتي للخبر اختي

[رمز الوفاء]