يثير الاعتداء الإسرائيلي الوحشي علي غزة علامات استفهام كثيرة في حاجة إلي بحث عميق وإجابات واضحة.
''1'' في اليوم الأول للعدوان أصدرت قيادة القوات الجوية الأمريكية الوسطي في الشرق الأوسط بياناً أعلنت فيه أنها توفر الحماية الجوية لإسرائيل. وهناك سؤالان: الأول: هل تستطيع هذه القيادة أن تصدر مثل هذا البيان إلا إذا كان لديها تصريح بذلك من البنتاجون. وزارة الدفاع الأمريكية. لابد أن تحصل علي موافقة البيت الأبيض. أي الرئيس الأمريكي قبل إصدار مثل هذا البيان الذي يعني إنذار دولة قد تفكر. وأقول قد. مثل إيران بالإغارة على إسرائيل؟.
الثاني: معنى هذا البيان أن العدوان الإسرائيلي على غزة يحميه ويوافق عليه سلاح الجو الأمريكي. وفي ظل هذه الحماية يقول البيت الأبيض لإسرائيل: افعلي ما شئت في غزة فأنت آمنة مطمئنة ومحمية أيضاً. ولكن وسائل الإعلام العربي تجاهلت هذا البيان تماماً.
''2'' أذاع روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي تحذيراً للعالم قال فيه: لا تستغلوا ساعة الفراغ في السلطة.
أي فترة الانتقال بين رئاستي أمريكا لتغيير الأوضاع. وجيتس هو الوزير الوحيد بين وزراء الرئيس الأمريكي بوش الذي احتفظ به أوباما الرئيس الأمريكي الجديد.. الحالي.
''3'' السؤال الذي ردده العالم هو: توقيت العدوان في الأيام العشرين الأولى من يناير وهي أيام بوش الأخيرة في البيت الأبيض. قال البعض: اختارت إسرائيل أيام بوش الأخيرة في البيت الأبيض فهي تضمن تأييده لها غير المحدود وغير المشروط. بينما قد لا تجد نفس التأييد المطلق من أوباما. ونسي الجميع أن أوباما أعلن أن بوش هو الرئيس الأمريكي حتى يتم تنصيب أوباما. وقال أوباما: لا يمكن أن يوجد لأمريكا رئيسان في وقت واحد. والنتيجة أن بوش أدرك أنه يستطيع أن يظل رئيساً وحيداً لأمريكا رغم انتخاب أوباما. فليست إسرائيل وحدها التي تستطيع الإفادة من أيامه الأخيرة في البيت الأبيض. بل إن بوش يستطيع أيضاً أن يفعل ما يشاء كرئيس لأمريكا.
''4'' اعتادت إسرائيل أن تستأذن واشنطن قبل أن تدخل أي حرب ضد العرب. وفي عام 1967 سافر وفد من المخابرات الإسرائيلية إلى وشنطن وأطلع البنتاجون ووكالة المخابرات المركزية ''سي.آي.إيه'' على نية إسرائيل في شن حرب ضد مصر.. وشرح الوفد إمكانيات إسرائيل العسكرية وحصل الوفد علي تصريح صريح من الرئيس الأمريكي جونسون بالهجوم على مصر. وقال جونسون لإسرائيل بالحرف الواحد: ستنتصرون. وانتصرت إسرائيل بالفعل في حرب الأيام الستة. وفي عام 1956 عندما اعتدت إسرائيل على مصر بالاتفاق مع فرنسا وبريطانيا ودون الحصول على موافقة أمريكا أمر الرئيس الأمريكي أيزنهاور بانسحاب القوات الإسرائيلية والبريطانية وأسقط رئيس وزراء بريطانيا أنتوني إيدن.
فالحصول على ترخيص أمريكي بالحرب شرط أساسي حتى تشنها إسرائيل. وما جرى في الماضي يسري علي عام .2009 ''5'' تريد إسرائيل وقف الصواريخ التي تطلقها حماس علي المدن في جنوب إسرائيل. وصلة حماس بإسرائيل قديمة كانت إسرائيل هي التي وافقت وأيدت قيام حماس منذ عام 1987 في مواجهة فتح والحد من نفوذ فتح! ولكن عندما بدأت حماس تتطرف وتنكر حق إسرائيل في الوجود بدأت إسرائيل تقتل زعماء حماس ابتداء من مؤسس الجماعة الشيخ أحمد ياسين. واستمرت حماس في إطلاق الصواريخ على مدن جنوب إسرائيل من غزة ولكن الحقيقة أن هذه الصواريخ لم تقتل منذ عام 2001 حتى الآن سوى عشرين مدنياً إسرائيلياً. وفي الأيام الأخيرة السابقة علي العدوان وحتى بعد بدايته لم تقتل هذه الصواريخ سوى أربعة إسرائيليين. فالقول: إن هذه الصواريخ ستهدد مدن إسرائيل أكذوبة كبرى و مجرد ذريعة لشن العدوان الوحشي. قال البعض: إسرائيل تريد القضاء على حماس. وهذه أيضاً أكذوبة.
إن اختفاء حماس من الساحة السياسية الفلسطينية يعني انفراد فتح بالسلطة. وأمريكا بالذات رغم عدائها الشديد لحماس واعتبارها جماعة إرهابية إلا أنها تريد بقاء حماس حتى يبقى الفلسطينيون منقسمين. وتريد إسرائيل أن تبقي حماس في غزة لأن إسرائيل تريد منذ زمن الخروج من غزة.
ولذلك فالهدف واضح وهو إضعاف حماس والحد من تطرفها لا القضاء عليه.
''6'' قبل ثلاثة أشهر من عدوان إسرائيل علي غزة تلقت من أمريكا ألف قنبلة ذكية وهي القنبلة التي تصل إلى عمق 30 متراً تحت الأرض. وتلقت من أمريكا مباشرة القنابل الفوسفورية البيضاء زنة 155 رطلاً وتلقت أيضاً مزيداً من الطائرات والدبابات. ومعنى ذلك أن المناخ أصبح جاهزاً لعملية عسكرية مهدت لها أمريكا بالسلاح. قال البعض: لو أخلي الميدان من حماس يمكن لفتح الوصول إلى السلام مع إسرائيل. وقيل إن بوش أيد قيام دولتين في فلسطين إحداهما عربية. ولكن إسرائيل لا تريد السلام. والسلام له طريق واحد وضعه بيل كلينتون قبل 8 سنوات في المفاوضات بين ياسر عرفات وإيهود باراك. ولكن كلينتون بدأ مسيرة السلام في الأيام الأخيرة لرئاسته ولذلك لم يعط الفرصة لإتمامها سنة .2000 وبوش لا يريد السلام.
ولا يريد إقامة دولتين في فلسطين. بل أراد أن يلوح للفلسطينيين وللعرب بفكرة الدولتين دون أن يضغط على إسرائيل لتنفيذها. والدليل الأخير علي ذلك أن بوش ودع العراق فزارها في آخر أيام رئاسته وهناك تلقي ضربة الحذاء من الصحفي العراقي منتظر الزيدي فأصبح هذا أشهر حذاء في التاريخ المعاصر وازدادت مبيعاته بجنون. وعندما انتقل بوش من العراق إلي أفغانستان وجد أن القوات التي أرسلها من أمريكا ومن الدول المتعاونة معه والحليفة لا تسيطر إلا علي العاصمة الأفغانية كابول. فأحس بأن الحربين اللتين أشعلتا في عهده. وبقرارات منه لم تحققا أي نتيجة. فلم تظهر في العراق أسلحة الدمار الشامل التي اتخذها بوش ذريعة لاحتلال العراق. وفي أفغانستان بقيت زراعة الأفيون. وبقيت طالبان. ومن هنا فإن بوش لم يودع إسرائيل والفلسطينيين لأنه كان يزمع أمراً آخر بالنسبة لهما. وكان في تفكيره أن حماس أخذت شرعيتها بفوزها في انتخابات عام 2006 ولذلك فكر في الحرب ضدها.
''7'' فكر بوش في آخر حرب يشنها قبل رحيله. اختار أن تضرب إسرآئيل غزة. ووجد ذرائع كثيرة وفرتها له حماس باستمرارها في إطلاق الصواريخ ورفضها التهدئة. ووجد بوش أن إقامة ''إمارة إسلامية'' في غزة مرتبطة بإيران من ناحية. والعنصر الأهم أن بوش يكره الإسلام والمسلمين ويعتبر أن الهجوم علي برجي التجارة في نيويورك في سبتمبر عام 2001 تم بقيادات إسلامية. ومن هنا رأي أن تكون حربه الأخيرة بجنود إسرائيليين وليسوا أمريكيين بأسلحة أمريكية دون أن يظهر في الصورة علي الاطلاق. رأي بدلاً من أن تحصل إسرائيل علي ترخيص منه بالحرب ان تحصل إسرائيل علي ما هو أقوي من الأذن وهو أمر بالحرب. طلب إلي إسرائيل ان تحارب حماس وهو يعلم انها ليست جماعة مفضلة عند أغلب العرب لارتباطها بإيران. وقال لإسرائيل. وستكشف الوثائق السرية الأمريكية يوماً ما عن قراره هذا: - اضرب حماس وسأعطيك كل التأييد.
وبالفعل أعلن ان إسرائيل تدافع عن نفسها ضد صواريخ حماس! ولا يوجد في العالم سوي بوش وحده الذي وجد ان العدوان علي غزة هو دفاع عن النفس.
ووفرت القنابل الفوسفورية لإسرائيل الفرصة لتحرق جلود الفلسطينيين من سكان غزة وتحرق عظامهم أيضا. وضربت إسرائيل المساجد بدعوي انها تحولت إلي مخابيء لسلاح حماس. وساعدت إسرائيل الفلسطينيين ليختبئوا في مدارس وكالة غوث اللاجئين ''أونروا'' ثم ضربت هذه المدارس بالمدافع وقنابل الطائرات المروحية وصواريخها. ولو أن إسرائيل ضربت ودمرت أنفاق غزة وحدها ما كانت قد أثارت هذا الدوي العالمي. ولكن في عام 67 بعد الحصول علي اذن جونسون استطاعت إسرائيل أن تفعل ما تشاء ضد سلاح الجو المصري وضد القوات المصرية في سيناء. في عام 2009 بسبب قرار بوش استطاعت إسرائيل أن تجعل من غزة جحيما لا مجرد سجن فحسب.
''8'' بالنسبة لمصر فان بوش يحقد علي مصر أكثر من أية دولة عربية أخري. وقبلت إسرائيل علي الفور تنفيذ قرار بوش فلا شك لا يسعد زعماء إسرائيل وقادتها سوي حرب الفلسطينيين وقتلهم. وفي إسرائيل في الوقت الحاضر 3 رجال يتلهفون علي الغارة علي غزة الأول رئيس الوزراء أولمرت الذي يعاني من اتهامات ضده بالفساد وهزيمته في حرب لبنان عام 2006 وهو رئيس وزراء مستقيل ويحتفظ برئاسة الوزارة حتي تجري الانتخابات. والثانية تسيبني ليفني وزيرة الخارجية ورئيسة حزب كاديما التي تطالب بخروج كل الفلسطينيين من إسرائيل. وتري في ضرب غزة فرصة لها لتفوز في الانتخابات التي تجري في فبراير. والثالث إيهود باراك وزير الدفاع ورئيس حزب العمل الذي يتمني زيادة عدد المقاعد في الكينسيت القادم ولذلك لانه الذي سيقوم بالعملية العسكرية في غزة فهو يعرف انه سيحصل علي فرصة لن تتكرر. والسؤال الآن: - هل يعفي قرار بوش بالحرب إسرائيل أو يخفف من مسئوليتها عن العدوان والجواب بالنفي. - نجح بوش في أن يحقق آخر أحلامه كرئيس لأمريكا. جعل قضية غزة هي قضية معبر رفح وتركزت مطالبات الفلسطينيين والعرب في فتح معبر رفح حتي يخرج الفلسطينيون من غزة ليقيموا في سيناء لتصبح سيناء بديلاً عن غزة كما فكرت أمريكا من قبل في أن تصبح الأردن بديلاً عن فلسطين. وأصبح كل العرب الذين يبحثون عن بديل لعجزهم ينادون بفتح معبر رفح ليخرج الفلسطينيون من غزة إلي سيناء وبذلك تنتهي مشكلة غزة. وواجهت مصر خلال العشرين يوماً من الحرب أكبر تحد خارجي لها منذ عشرين عاماً.
ولكن مصر صمدت وهي تعرف ان قبولها بتحويل سيناء إلي غزة الثانية يعني نهاية القضية الفلسطينية ونهاية سيناء أيضا. ونجح بوش فيما كان يطمح فيه ويأمل أن يصل إليه وهو انقسام العرب وقد انقسموا فعلاً. وبوش أدرك ان غزة لن توحد العرب بل تزيدهم انقساماً.
''9'' وقبل ان يرحل بوش جعل سعر البترول ينخفض إلي 50 دولاراً أو أقل للبرميل. خفض استهلاك أمريكا من البترول. ونجحت الأزمة المالية العالمية في أن تجعل الاقبال علي البترول يقل وبالتالي انخفض سعره. وكان هدف بوش أن يقول للعرب: - لن تجدوا ثروة مفاجئة من ارتفاع سعر البترول.
''10'' أخر دليل علي ان القرار بالحرب في غزة أصدره بوش هو ان مجلس الوزراء الامني في إسرائيل أصدر قرارا بوقف القتال من جانب واحد وهو أول قرار يصدر بهذه الطريقة في إسرائيل. وصدر القرار قبل 48 ساعة من انتهاء ولاية بوش فهو المسئول عن قرار الحرب وكان يجب ان ينهيها قبل رحيله. وكل ما فطن إليه العرب ان بوش عندما ظل يكرر ان إسرائيل انما تدافع عن نفسها بهذه الحرب فانه لا يقول جديداً. والعرب لايدركون أو لا يريدون أن يعرفوا ان هذه هي الحرب الثالثة التي يشنها بوش ضد المسلمين بعد حرب العراق وأفغانستان. ومشكلة العرب انهم لا يريدون مواجهة أمريكا ولا أقول محاربة أمريكا بل سيفضلون ان يواجهوا بعضهم البعض فهذه حرب سهلة كلامية. والعرب مغرمون بحروب الكلام والخطب والمؤتمرات! *** والآن هل يشك العرب في أن بوش هو القاتل الحقيقي في غزة. والجواب ب النفي. فقد خدعهم بوش منذ اليوم الأول لرئاسته حتي اليوم الأخير.
رد مع اقتباس
المفضلات