تحمل الأولى شعار "غزة حرة" مقتبساً من اسم مؤسسة "حركة غزة الحرة" أحد المعدين للرحلة، في حين رفعت السفينة الثانية شعار "يو إس ليبرتي" تيمناً بالسفينة الأميركية التي قصفها الصهاينة عام 1967. أبحرت السفينتان من قبرص باتجاه غزة وعلى متنيهما أكثر من أربعين ناشطاً في مجال حقوق الإنسان في رحلة بدأ الإعداد لها منذ عامين في محاولة لكسر الحصار المفروض على القطاع، ورغم كل التحذيرات الصهيونية إلا أن الإصرار لدى تلك المجموعة كان أقوى من الخوف والتهديد الصهيوني، ووصلت السفينتان رغم بعض الصعوبات في طريق الرحلة، وانطلقت قوارب فلسطينية بانتظار هاتين السفينتين واصطف المئات من المحاصرين لاستقبال المتضامنين الذين يحملون أكثر من 16 جنسية ويبلغ عددهم فوق الأربعين، بل كان من المقرر أن تشارك في هذه الرحلة ناجية من معسكرات الاعتقال النازية سيدة عمرها 84 عاماً هي هايدي أوبشتين إلا أن طاقم السفينة نصحها بعدم السفر نظراً لأن صحتها لن تتحمل تكبد مشاقه، على أية حال كان من بين المتضامنين ناشط السلام اليهودي جيف هيلفر أستاذ شؤون علم الإنسان بجامعة بن غوريون في بئر السبع، ورئيس "اللجنة الإسرائيلية ضد هدم البيوت" الذي اعتقلته السلطات الصهيونية فور عودته بدعوى تحديه الأمر العسكري بمنع المواطنين الصهاينة من القيام بذلك. أما بقية المتضامنين فقد عادوا مؤكدين أن هناك المزيد من الأفكار والخطوات العملية التي ستقوم بها المجموعة من أجل رفع الحصار عن غزة وعودة الحقوق إلى الشعب الفلسطيني. كما أعلن مالك السفينتين "أن القوارب ستحمل المزيد من الشخصيات الكبيرة والبرلمانيين الأجانب تجاه غزة لاحقاً من أجل جعل ممر السفينتين ممراً بحرياً يتحرك فيه الفلسطينيون بشكل حر دون تدخل إسرائيلي".

تم تكريم المتضامنين بل ومنحهم الجنسية وجوازات سفر فلسطينية قبيل سفرهم، فهم سيكونون سفراء للشعب الفلسطيني في الدول التي يقيمون فيها. فهم أصحاب الموقف الشجاع خاطروا بحياتهم وحققوا انتصاراً للإرادة الإنسانية وحقوق الإنسان بوصولهم إلى غزة المحاصرة، مشكلين ضغطاً رهيباً على المتقاعسين والمتخاذلين من المسلمين.

كم تمنيت لو كانت السفن قد أبحرت من شواطىء عربية أو إسلامية، لن أكرر دعوة الحكومة الفلسطينية واللجنة الشعبية لفك الحصار لأمين جامعة الدول العربية بزيارة غزة، ولن أكرر دعوة رابطة علماء فلسطين لعلماء الأمة بزيارة غزة، لكني سأكرر دعوة رسولنا صلى الله عليه وسلم حين سألته ميمونة رضي الله عنها حين قالت: قلت يا رسول الله ، أفتنا في بيت المقدس، فقال: "ائتوه فصلوا فيه - وكانت البلاد إذ ذاك حربا - فإن لم تأتوه وتصلوا فيه ، فابعثوا بزيت يسرج في قناديله". أخرجه ابن ماجة وأبو داود.

بإمكاننا أن نسهم اليوم وكل يوم في إبحار السفن نحو القدس، ما "الجرائم" التي ارتكبتها غزة لتحاصر، سوى أنها ملتزمة بألا تتنازل عن القدس بل حتى عن شبر من فلسطين كلها من نهرها إلى بحرها.

قد يعجب البعض من أمر تلك السفن التي ستبحر نحو القدس، فإن كانت سفن المتضامنين وجدت طريقاً بحرياً لتشقه عبر عباب البحر، بعدما أغلق البر والجو، فكيف ستبحر سفننا نحو القدس وقد علم القاصي والداني أن لا شواطئ لها، فأقول: لا تنزعجوا كثيراً، ولا تذهبوا بعيداً، فإن دماء الشهداء التي تسيل على الأرض المباركة فلسطين هي الماء الجاري الذي ستبحر من خلاله سفن النصر، وسفن التحرير، وحتى تنطلق تلك السفن فلنبعث بزيت للأقصى، فإن لم يمكن أن نبعث بالزيت فإنا قادرون على أن نبعث بالمال والدعاء وهو أقل شيء نبعثه للأقصى، ولنتذكر أولئك الذين يبعثون بدمائهم لترسو سفن النصر والتحرير إلى مسرى رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، قال صلى الله عليه وسلم: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي" متفق عليه، واللفظ للبخاري. لم يدرك المتضامنون هذا الأجر ولا أجر الصلاة في مسرى رسول الله، ولا أجر نصرة المسلم، ومع هذا فقد أقدموا على ما أقدموا عليه، والسؤال: ما الذي سيعمله من أدرك ذلك كله وقد زادت المخاطر والتهديدات حول المسجد الأقصى وبلغت الحفريات ذروتها، فكر أولئك بالسفن ولن تعجز خير الأمم على أن تفكر بما هو أفضل من السفن بإذن الله، قال صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والبخل والهرم وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات".

ـــــــــــــــــــــــــــ