اليكم الحوار الصحفي الذي اجرته صحيفة (الزمان) العراقية مع سمو الأمير الحسن بن طلال... الواقع السياسي الراهن فتح المجال أمام قوى التطرف والغلو لملء الفراغ.

– الهويات الاثنية لم تكن مشكلة للدولة الوطنية المتشكلة على أرض المشرق مع النهضة العربية

– إذا عظمنا الفكر والعقل سرنا على الطريق الصحيح وهزمنا الطائفية

– الحوار بين العرب والاكراد يفتح الابواب والنوافذ لرسم مستقبلهم

– القوميات الأربع الكبرى في المنطقة تمتلك جوامع بدأت قبل الاسلام

احمد عبد المجيد

يقف سمو الأمير الحسن بن طلال في صف كبار مفكري العصر، الداعين الى حوار الحضارات والثقافات ونبذ العنف ، وتشكل اطروحاته بشأن المشتركات والجوامع بين القوميات الكبرى في المنطقة ، رؤية إستشرافية لمستقبل تبحث عنه شعوب جميع الدول ، ولطالما تبنى مبادرات لتعميق ثقافة التفاهم، المبني على تقليل نقاط الأختلاف ، في ذروة المشكلات التي تتفاقم نتيجة الإستقطابات الدولية وإستلاب القوى العظمى للمنطقة .

ويحمل الأمير، المفكر، هموم العرب الإنسانية ، بدءاً من مغرب الوطن مروراً بسوريا والعراق وإنتهاء باليمن والخليج ، حيث تتصارع مصالح وتتوارى قيم خلف احتراب مكونات اثنية وأزمات ثقافية ونكوص فكري وضعف روحي شبه عام .

ولا يصعب على باحث أو صحفي، مثلي، أن يلمس في قلب الأمير الذي أمضى عقوداً من العمل الدؤوب والجهاد القومي والنشاط السياسي والتأمل في ازمات العصر ، إكتشاف نوع من الوجع الموغل في إعماقه ناجم عن رؤية امة ترث اكبر حضارات الدنيا ، وهي تتباعد اكثر مما تتقارب ، وتتراشق اكثر مما تلجأ الى الحوار البنّاء والكلمة الطيبة، امة مصابة بعارض طارئ وليس مرضاً لا يرجى شفاؤه. وقد رأيته عن قرب وهو مثقل بهموم هذه المحصلة المفجعة ، بينما يلتقط انفاسه في حديث مسترسل ، ويسحب نفساً عميقاً دالاً على صعود الوجع، الذي في العمق الى السطح ليبدو مثخناً بصواعق الدلالات والمعانـــــي .

ومن واقع إنشغالات الأمير الحسن بتلك الهموم، فإنه غالباً ما يبرز بصيص أمل أو ضوء في نهاية النفق يلتقط منه رهان الأمير ، وهم المثقفون أو النخب الاجتماعية الواعية ، قصب السبق مستفيدين من إيمانه بإمكانية إيقاد شعلة النهضة العربية التي ثار العرب، بناء على معطياتها في المشرق لتحقيق التحرر والوسطية والوحدة .

وليس عسيراً على سليل اسرة كريمة رفعت لواء الإعتدال ودافعت عن قيم الحق وصنعت ملاذات للحرية، أن يتحمل أعباء دور يتولاه متطوعا لتعزيز روح الرسالة الاولى والمبادئ السامية ، بتوظيف ارث فكري هائل ونزوع إنساني فريد ، لتعظيم خطاب الدور الثقافي والحضاري للاسلام ، في السلوك قبل أي شيء آخر ، وفي الممارسة قبل البلاغات الفارغة التي تؤدي الى الغلو والغاء المواطنة ، وهو ما (أفقد الشعوب بوصلتها بسبب غياب العدالة والمساواة وإحتكار السلطــــة ).

وعلى هامش ندوة الحوار العربي الكردي التي رعاها منتدى الفكرالعربي في العاصمة الاردنية إلتقت (الزمان) الأمير الحسن الذي احاط المشاركين بكل ما عرف به من سعة صدر وتواضع كريم وحنان أبوي يترجمه القول المأثور :

روى الحسن عن ابي الحسن عن جد الحسن القول الحسن : ان أحسن الحسن الخلق الحسن . وكان لها مع سموه الحوار الآتي :

{ عرفتم باهتمامكم بما أسميتموه ” القوميات الكبرى في الإقليم ” ما أبرز سمات الحوار الذي تدعون إليه بين أركان هذه القوميات ..؟

– إن القراءة المتسلسلة لتاريخ إقليم المشرق ، تبين الجوامع الحضارية المشتركة لمسيرة هذه القوميات الكبرى في الإقليم ، والتي تضمّ العرب والفرس والأتراك والأكراد ، وهي مسيرة بدأت قبل الإسلام ، وقد أعطت هذه الجوامع الحضارية لشعوب الإقليم فرصة دائمة للتشابك والتداخل ، لغة وثقافة وانصهارا بشريا على أراضي الإقليم ، ومع الإسلام تشكلّ بين هذه الشعوب رابط قوي دعمّ المسيرة الحضارية السابقة ، ولم تنقطع هذه العلاقات عبر القرون التي صهر فيها الإسلام هذه الشعوب معا ، فازدادت وشائج القربى والتلاقي ، مع وجود فترات عصيبة مرت بعلاقات بعضها بعضا ، لكن التلاقي الثقافي ظلّ واضحا في العلاقات البينية بينهم ، وهذا يشكلّ بالتأكيد سببا رئيسا للدعوة للحوار الواعي بينها في مفتتح هذا القرن ، على أمل أن يتم تعميق الجوامع وتقليل نقاط الاختلاف ، وعلينا أن نفكر بهذا التلاقي في الإقليم للوقوف أمام استلاب القوى العظمى للمنطقة فيما يسمى اليوم ” لعبة الأمم ” التي تحاول إعادة رسم خارطة المنطقة

بطريقتها، وهذا الحوار المطلوب يجب أن يكون ضمن رؤية مستقبلية لا يعظم مصالح جهة على جهة أخرى ، وهو الدافع لدينا للدعوة للحوار بين شعوب الإقليم الأربعة بكل مكوناتها الاثنية التي نرى أنها تغني الإقليم ولا تضعف مكوناته الحضارية التي تشكلت عبر التاريخ .

{* في عديد لقاءاتكم بالنخب الفكرية تكررون الإشارة إلى أهمية الدور الثقافي والحضاري للإسلام في إشاعة مفاهيم التسامح والاعتدال ، هل ترون نتائج في تكرار هذا الخطاب إزاء هذا المطلب ؟

تخاطب ” رسالة عمان ” التي أطلقناها في الأردن باعتبارها خارطة طريق العصر ، الفئات كافة ، لكنها تتوجه إلى النخب الفكرية بشكل مباشر ، باعتبارهم الفئة التي تحمل التنوير وتشرع الابواب والنوافذ للزمن القادم ، ومن هنا فإن تعظيم خطاب الدور الثقافي والحضاري للإسلام هو المنطلق لإشاعة العدالة والسلم والحرية والاعتدال في الفكر والسلوك معا ، وهو الطريق الذي نتمنى للبشرية كلها أن تسير عليه ، وأما أن نبقى على هذا الخط ونكرر الدعوة فلأننا ومن منطلق وراثتنا للنهضة العربية التي ثار العرب بناء عليها في المشرق ، لتحقيق التحررّ والوسطية والوحدة للعرب ، وتحقيقا لرسالة عمانّ نجد أن من واجبنا أن نكررّ هذه الدعوة ونتبناها ، لأنها تحقيق لمسيرة التنوير التي بدأتها الثورة العربية الكبرى مع مطلع القرن العشرين ، وما زال مشعلها في أيدينا .

{ كيف ترون واقع الأوضاع الراهنة في الوطن العربي ، لديكم رؤى بشأن التحديات التي تواجه الدول العربية المشرقية ، هل لكم أن تفصلوا ذلك ..؟

– هذا الواقع السياسي الراهن ما هو إلا نتيجة لحقب التاريخ السابقة ، حيث فقدت الشعوب بوصلتها اليوم بسبب غياب العدالة والديمقراطية والمساواة ، وهذا فتح المجال واسعا أمام قوى التطرف والغلوّ لتملأ الفراغ ، ولا شكّ بأن التحديات التي تواجه ما أسميته بالدول العربية المشرقية، تكاد تكون واحدة ، وعلى رأسها مآلات الصراع العربي الاسرائيلي، وتوسع دور القوى العالمية في صناعة أحداث المنطقة ، ولا سبيل إلى استعادة الهدوء والطمأنينة إلى المنطقة إلاّ بالحوار المبني على المصالح المشتركة ، وعلى المواطنة التي تعظمّ الانتماء للوطن والأمة ، وهو الخطاب الذي يجب علينا جميعاً في الاقليم شعوباً وقادة أن ندركه.

{ تمثل الهويات الاثنية داخل حدود بعض الدول مشكلة متفاقمة ، كيف يتمّ تجاوز تحدياتها خلال العقد المقبل..؟ وهل لديكم خريطة طريق بشأنها؟

– لماذا لم تشكل الهويات الاثنية مشكلة للدولة الوطنية التي تشكلت على أرض المشرق العربي مع النهضة العربية ..؟ لماذا كانت الهويات منسجمة في إطار الدولة ضمن الدستور ..؟ دستور عام 1925 م في مملكة العراق ، مثلا، كان النموذج الذي جمع كل الاثنيات على أرض العراق ، وكانت المواطنة هي الجامع في إطار الدستور الذي يحقق العدالة والمساواة للجميع ..؟ المفتاح هو تعظيم المواطنة التي تحفظ الكرامة والحقوق والعدالة والمساواة والديمقراطية ، وهذه هي خارطة الطريق لكل زمان ومكان .

{ ما أهم الحلول التي ترونها أنسب لمواجهة أخطار الصراع الطائفي ..؟ وما هي النصائح التي تقدمونها لزعماء المنطقة وشعوبها ؟

– الطائفية هي الغول الذي سمحنا له أن يكبر ويغتال عصر التنوير في المشرق العربي ، وإذا نشر العلم والمنهجية الفكرية الراقية رايتهما على المشرق العربي ، تراجعت كل مظاهر الطائفية التي لا تنتشر إلا بحضور الجهل والمصالح الفردية ، ولا أظن أن هناك نصيحة أفضل من تعليم التفكير السليم والموضوعية لبناء الأوطان ، العلم هو الذي ينور العقول والنفوس ، وإذا عدنا إلى عصر التنوير والفكر ، وعلمنا المنهجية القائمة على تعظيم الفكر والعقل ، سرنا على الطريق الصحيح وقمعنا بإرادتنا الموحدة كل أشكال الطائفية ، وهذا منوط كله باستعادة العقلانية إلى حياتنا .

{ ما هو هدفكم من فتح أبواب الحوار بين العرب والكرد تحت رعاية منتدى الفكر العربي الذي يحظى برعايتكم المباشرة ؟

– إذا لم يتبن منتدى الفكر العربي مثل هذا الحوار ، فمن هي الجهات التي تتوقعون منها أن تقوم بتبني مثل هذه الخطوة التي تفتح الأبواب والنوافذ أمام الشعبين الشقيقين ..؟ هذا هو هاجس المنتدى وخط سيره عبر مشواره الطويل ، لقد كانت جلسات الحوار غنية بالطرح المباشر والثري وهو الحوار المطلوب لرسم المستقبل لشعوب المنطقة كلها ، لأن أي خطة مستقبلية لإعادة بناء الإقليم، لا تنطلق من الثنائيات ، بل من البناء الشامل المتكامل ، وهو ما نتمناه على المدى البعيد لشعوب هذا الإقليم، الذي يضم مخزونا حضاريا ممتدا ومتشابكا ، فيه من الجوامع وأسباب التلاقي أكثر من الفوارق ، لقد وفر المنتدى منبرا متوازنا سمح بطرح الأفكار والآراء بحرية ومحبة بين النخبة المتميزة المشاركة في الحوار، من عرب وأكراد ومغاربة ومكونات أهالي بلاد الشام ، وهذا هو المقصود بمنبر الحوار في منتدى الفكر العربي الذي يحمل اسمه الدلالات والأهداف من وراء فعالياته.