لا تنكروا ضربي له من دونه
مثلا شرودا في الندى والباس
فالله قد ضرب الاقل لنوره
مثلا من المشكاة والنبراس
..
ما مناسبة البيتين؟؟


لم يتبع أبو تمام أساليب القدماء في بناء القصيدة وخرج بذلك على عمود الشعر وبلغ من الإجادة والروعة المبتكرة ما لم يبلغه شاعر آخر، وغادر مصر يغشى منازل الكرماء ويتفيأ ظل النعيم فأقبل عليه عشاق الأدب والمدح إقبالاً لم يترك لغيره مجالاً فيه، وله في ذلك مواقف طريفة تدل على ذكائه الحاد وسرعة بديهته ومن هذه المواقف أنه أنشد أحمد بن المعتصم فقال:
ما في وقوفك ساعة من بأس ..... تقضي ذمام الأربع الأدراس

إقدام عمرو في سماحة حاتم ..... في حلم أحنف في ذكاء اياس
فقال أبو يوسف الكندي الفيلسوف وكان حاضراً: " الأمير فوق ما وصفت وإنك شبهته بأجلاف العرب" .
فأطرق أبو تمام قليلاً ثم قال فوراً
لا تنكروا ضربي له مَن دونه ..... مثلا شروداً في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره ..... مثلا من المشكاة والنبراس
بهذه الإجابة المفحمة ذكّر أبو تمام بأن هؤلاء المشهورين الذين أشار إليهم في معرض مدح الممدوح- جزء من عظمة العرب، وقد ذكرتهم العرب في أمثالها المشهورة، وذلك طبيعي أن نذكر الجزء للدلالة على الكل، فالله قد اختار المشكاة (كُوّة صغيرة)- لكي يضرب بها المثل على نوره تعالى وهو أبلغ من أن يوصف، فجعل المشكاة التي فيها مصباح لتقريب الصورة لعباده، وذلك في إشارة لآية سورة النور الله نور السموات والأرض، مثلُ نوره كمشكاة فيها مصباح…- النور، 35.
والتشبيه كما نلاحظ ضمني، ودفاع أبي تمام كأنه يقول: لا تثريب علي في ذلك ما دام القرآن قد ضرب التشبيه الأقل لنوره.

استطاع الشاعر في رده الحصيف أن يحوزعلى ثقة الخليفة، ويقال إنه أصبح واليًا على المَوصِل جزاءً على سرعة بديهته.

قيل: أخذ الكندي الرقعة التي كان قد دوّن فيها القصيدة، فلم يجد فيها هذا الرد المفحم فقال متفرسًا:

"إن هذا الرجل لن يعيش طويلاً، لأنه ينحِت من قلبه"