حكم قراءه سوره الكهف يوم الجمعة
هذا تخريج مختصر لحديث (من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق )
أقول : هذا الحديث يرويه عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد جماعة منهم : شعبة و الثوري و هشيم :
فأما رواية شعبة فقد رواها عنه مرفوعًا :
1- يحيى بن كثير:
أخرجها كذلك النسائي في الكبرى ( 10788) و الطبراني في الأوسط ( رقم : 1455) و الحاكم ( رقم : 2072) و عنه البيهقي في الشعب ( رقم : 2754) ولفظه : ( 1) من قرأ سورة الكهف كما أنزلت كانت له نورا يوم القيامة من مقامه إلى مكة ، ( 2) و من قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يسلط عليه ، (3) ومن توضأ ثم قال سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة .
قلت : فهذا الحديث اشتمل على ثلاث جمل ، و قد اقتصر بعض رواته على جملة أو جملتين ، و منهم من أتى به تامًّا .
و قد يعمد بعض الحفَّاظ إلى تقطيعه حسب الباب – كما سيتضح قريبا من تخريجه - .
و لذا فإذا أردت الوقوف على طرقه و مظانه في كتب الحديث ، فانظرها بجملها الثلاث .
أعود فأكمل الكلام عن طريق يحيى بن كثير :
قال الحاكم عقب إخراجها : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ورواه سفيان الثوري عن أبي هاشم فأوقفه .
2- عبد الصمد : أخرجه البيهقي في الشعب ( رقم : 2754) .
3- روح بن القاسم : أخرجه المزكي في المزكيات - تخريج الدارقطني – من طريق عيسى بن شعيب عن روح عن شعبة مرفوعا ( التلخيص 1/102) .
و خالفهم :
1- غندر فرواها عن شعبة موقوفا بنحو من لفظه فقال : من حيث يقرؤه إلى مكة .
أخرجه النسائي في الكبرى ( رقم : 10789)
2- و معاذ بن معاذ : ذكر روايته ا البيهقي في الشعب (3/21) .
3- و عمرو بن مرزوق : أخرجه الطبراني في الدعاء (391) و لم يسق الجملة الشاهد .
و أما رواية سفيان الثوري :
فأخرجها عبد الرزاق ( رقم : 730) – و من طريقه الطبراني في الدعاء ( 391) – لكن لم يسق من لفظه موضع الشاهد - عن الثوري به و لفظه : (( من قرأ سورة الكهف كما أنزلت ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه ولم يكن له عليه سبيل ورفع له نور من حيث يقرأها إلى مكة )) .
فأخرجها النسائي في الكبرى ( رقم : 10789) عن محمد بن بشار عن ابن مهدي عن الثوري به موقوفا ، و لفظه : ((من قرأ سورة الكهف كان له نورا من حيث قرأها ما بينه وبين مكة )) .
فكأن النور يحصل له لما يخرج الدجال ، لكن هذا الظاهر معارض بألفاظ بندار و الإمام أحمد و غيرهما ، فلعل عبد الرزاق اختصره .
قلت : و هو كذلك ؛ فقد أخرجه في موضع آخر من المصنف ( رقم : 6023) و لفظه : ((ومن قرأ خاتمة سورة الكهف أضاء نوره من حيث قرأها ما بينه وبين مكة )) .
و أخرجها أيضًا الحاكم ( رقم : 2073) من طريق الإمام أحمد و من طريق موسى ؛ كلاهما عن ابن مهدي عن سفيان به موقوفا .
و أخرجها أيضا الحاكم ( رقم : 8562) من طريق نعيم بن حماد في الفتن ( رقم :1582 ) عن ابن مهدي عن سفيان و لفظه : من قرأ سورة الكهف كما أنزلت ثم خرج إلى الدجال لم يسلط عليه أو لم يكن له عليه سبيل هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
و كذا تابعهم وكيع عن الثوري ، أخرجه عنه نعيم في الفتن ( رقم : 1579) .
و خالفهم قبيصة بن عقبة في لفظه :
فقد أخرجه البيهقي في الشعب ( رقم : 3038) من طريقه عن الثوري به ؛ و لفظه : قال من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة فأدرك الدجال لم يسلط عليه أو قال لم يضره ومن قرأ خاتمة سورة الكهف أضاء له نورا من حيث كان بينه وبين مكة .
و خالفهم في وقفه يوسف بن أسباط فرفعه عن الثوري : أخرجه المعمري في عمل اليوم و الليلة – كما في النكت الظراف (3/447) – و ابن السني في عمل اليوم (30) – و من طريقه ابن حجر في النتائج (1/344) - و البيهقي في الدعوات ( 59) .

و أما رواية هشيم :فاختلف عليه :
فرواه عنه مرفوعا :
1- نعيم بن حماد لكنه أخطأ في لفظه :
أخرجها الحاكم ( رقم : 3392) و عنه البيهقي ( 3/ 249) من طريق نعيم بن حماد حدثنا هشيم عن أبي هاشم به مرفوعا و لفظه : إن من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين .
و قال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
و قال البيهقي : ورواه يزيد بن مخلد بن يزيد عن هشيم وقال في متنه أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق ورواه سعيد بن منصور عن هشيم فوقفه على أبي سعيد وقال ما بينه وبين البيت العتيق وبمعناه رواه الثوري عن أبي هاشم موقوفا ، ورواه يحيى بن كثير عن شعبة عن أبي هاشم بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قرأ سورة الكهف كما أنزلت كانت له نورا يوم القيامة .
4- و تابعه يزيد بن مخلد بن يزيد ولفظه : من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق .
أخرجه البيهقي في الشعب ( رقم : 3039) و في فضائل الأوقات ( رقم : 279) .
قلت : و رواية سعيد له في سننه – كمافي ( التلخيص الحبير 2/72) – و من طريقه : البيهقي في الشعب ( رقم: 2444) و قال البيهقي عقبه :
هذا هو المحفوظ موقوف ورواه نعيم بن حماد عن هشيم فرفعه .
قلت : و قد توبع سعيد بن منصور عن هشيم على وقفه و لفظه : فقد رواه أبو النعمان عن هشيم موقوفا و لفظه :
أخرجه الدارمي ( رقم: 3407) حدثنا أبو النعمان ثنا هشيم ثنا أبو هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخدري قال : من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق .
كذلك رواه موقوفا أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن ( رقم : 38/2) .
ورواه أيضا موقوفا : أحمد بن خلف البغدادي - و هو غير مشهور كما قال الخطيب – أخرجه الخطيب في تاريخه (4/134) .
قلت : و الكلام على طرق الجملة الثالثة يطول قليلا ، و من أراد الوقوف عليها فلينظر :
الدعاء للطبراني (2/975-976) و العلل للدارقطني (11/307-308) و نتائج الأفكار لابن حجر (1/244-247 – الطبعة الجديدة بدار ابن كثير ) .
هذا ؛ و قد صحح الموقوف جماعة من أهل العلم :
· قال النسائي : وقفه أصح ( التلخيص الحبير 2/72) .
ثم رأيته في عمل اليوم و الليلة ( 6/25- الكبرى ) قال عقب رواية ابن السكن عن يحيى بن كثير : و هذا خطأ ، و الصواب موقوف )) .
· و قال الطبراني في الدعاء عقب رواية يحيى بن كثير عن شعبة : (( رفعه يعني – يحيى بن كثير – عن شعبة ، ووقفه الناس ، و كذلك رواه سفيان الثوري موقوفا )) ( الدعاء 2/976) .
· و الدارقطني في العلل (11/307-308) مقتصرًا على الجملة الثالثة من الحديث (ومن توضأ ثم قال سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة ) .
· و قال البيهقي في الشعب ( 2/474 ) عقب رواية سعيد بن منصور عن هشيم الموقوفة: ((هذا هو المحفوظ موقوف ورواه نعيم بن حماد عن هشيم فرفعه )).
· و في الدعوات (1/42) قال : (( المشهور موقوف )) .
· الذهبي حيث قال في المهذب : و وقفه أصح.( فيض القدير 6/199)
· و ابن حجر حيث قال في الأمالي : ورجال الموقوف في طرقه كلها أتقن من رجال المرفوع .... وفي الباب عن علي وزيد بن خالد وعائشة وابن عباس وابن عمر وغيرهم بأسانيد ضعيفة ( فيض القدير 6/199) .
كذا هنا و لعله في موضع ذكر الحديث من الأذكار للنووي ؛ لكنه في موضع الجملة الثالثة في الدعاء عقب الوضوء صحح رواية يحيى بن كثير المرفوعة عن شعبة و قال في نتائج الأفكار (1/246- طبعة ابن كثير ) : (( قلت : و هو – يعني يحيى هذا – ثقة من رجال الصحيحين ، و كذا من فوقه إلى الصحابي ...فالسند صحيح بلا ريب ..))
ثم عقب على ترجيح النسائي للوقف بأنه على طريقته في الترجيح بالأكثر و الأحفظ ، فلذلك حكم عليه بالخطأ .
أقول : و قال أبو عبيد بعد أن رواه عن هشيم : (( و كان شعبة فيما يروى عنه يزيد في هذا الحديث عن أبي هاشم بهذا الإسناد قوله / من قرأ سورة الكهف كما أنزلت قال : و قرأها أبو مجلز﴿ و كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة ( صالحة ) غصبا ﴾ قال : و هي قراءة أبي بن كعب )) ( فضائل القرآن ص : 131) .
قلت: ففيه أنه اطلع على رواية شعبة و لم يعل بها رواية هشيم ، ففي كلٍّ زيادةٌ لا توجد في الأخرى ، و هذا يدلُّكَ على أن أبا هاشم حدّث كلاًّ في مجلسٍ غير مجلس الآخر ، فأُخِذَ عنه لفظٌ في مجلس – كما في رواية هشيم 0 و آخر في مجلس آخر كما في روايتي شعبة و الثوري - .
و لذا انفرد شعبة و الثوري بجملة ( كما أنزلت ) و هشيم بجملة ( يوم الجمعة ) و اختلفا في الباقي اختلاف لفظ لا معنى .
و من نظر في لفظ هشيم و لفظ من خالفه تبين له ما ذكرنا من أنه يستبع وهم هشيم في ما رواه ، و أن مجلسه مع أبي هاشم غير مجلس شعبة و الثوري .
و على كلٍّ أيضا ، فإن القول بصحة ما زاده هشيم هو الصواب ، لأنه حافظٌ ، و زيادة الحافظ على الحافظ مقبولة ما لم تدل القرائن على خلاف هذا .
أقول : المراد بالحافظ كابن مهدي و وكيع و شعبة و الثوري وهشيم و غيرهم ، فتخطئة أحد الحفاظ بغير برهان لا يجوز الإقدام عليه !!.
و هؤلاء أئمة النقد لما تكلموا على الخلاف في رفعه و وقفه لم يتعرض أحد منهم إلى نقد متنه ، مع علمهم بزيادة هشيم و زيادة شعبة ، كما نقلنا عن أبي عبيد و كذا البيهقي حيث صرح بخلافات المتن في السنن الكبير و لم ير ذلك من باب الخطأ في الزيادة ، فلم يعل زيادة هشيم ، و هذا الأصل في الحكم على ما يرويه الثقة .
و قد ورد عن بعض السلف ما يؤيد هذا ، حيث يروى عن خالد بن معدان مثل ذلك ، لكن لا يحضرني الآن موضعه ، و لعلي إن وقفت عليه ألحقته بالبحث .