رسوم تسجيل العقارات الاردن - الدكتور يوسف منصور
نصت المادة 111 من الدستور "لا تفرض ضريبة أو رسم إلا بقانون ولا تدخل في بابهما أنواع الأجور التي تتقاضاها الخزانة المالية مقابل ما تقوم به دوائر الحكومة من الخدمات للأفراد أو مقابل انتفاعهم بأملاك الدولة، وعلى الحكومة أن تأخذ في فرض الضرائب بمبدأ التكليف التصاعدي مع تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وأن لا تتجاوز مقدرة المكلفين على الأداء وحاجة الدولة إلى المال." وهي مادة غاية في الرقي وتتماشى مع روح ما قاله آدم سميث، أبو علم الاقتصاد، عام 1776، "يجب على رعايا كل دولة أن يساهموا في دعم الحكومة، إلى أقصى حد ممكن، وبما يتناسب مع قدرة كل منهم." وما أريد التحدث عنه هو ليس الضرائب بل "الأجور التي تتقاضاها الخزانة المالية مقابل ما تقوم به دوائر الحكومة من الخدمات للأفراد" حسبما وردت في الدستور. فالمفروض أن الضرائب تدفع للدولة مقابل الخدمات التي تقدمها للجميع، أما الرسوم الإضافية فهي لخدمات إضافية (فوق العادة)، كما أنها إن وضعت فيجب أن لا تتعدى كلفة الخدمة الإضافية على الدولة، فمصدر دخل الدولة هو الضرائب وليس الرسوم.

ولقد نص قانون ضريبة بيع العقارات لعام 1974 على أن ضريبة بيع الأراضي والعقار هي (4 بالمئة)، بينما تضع الحكومة رسوم تسجيل بقيمة 5 بالمئة من قيمة العقار الذي تقيمه هي كما تشاء، وفي أحيان كثيرة تقيم العقارات بأسعار أعلى بكثير من تقييم البائع والمشتري أو قيمة العقد الفعلية، وبما أن الحكومة هي المحتكر الأول والأخير لعملية توثيق حقوق العملية التبادلية، فإن المواطن يرضخ ويدفع لها ما تشاء.

تصور أن رسوم تسجيل عملية الشراء والبيع هي 5 بالمئة من قيمة العقار وهي القيمة التي تقررها دائرة الأراضي وكأنها تعلم كل شيء في السوق كما كانت تعتقد وبكل فشل وزارات التموين السابقة قبل بدء عملية الإصلاح الاقتصادي وكما كانت تفعل الدول الاشتراكية بنتائج هادمة لأسواقها، وهو أمر غير صحيح من الناحية العلمية ويؤدي إلى تشوهات لا تحمد عقباها طبعا.

هل حقا تتكلف الحكومة بالنسبة لعقار قيمته 100 ألف دينار مثلا ما قيمته 5000 دينار (5 بالمئة رسوم) من الجهد في تسجيله، أم أنها عملية تحصيل ضرائب إضافية والتفاف غير ذكي حول القانون؟ أعتقد بعدم قانونية الرسوم، فالأساس في وضع الرسوم هو كلفة الخدمة الإضافية على الحكومة، ولا أعتقد أن أي عملية حساب عقلانية ستقيم كلفة عملية التسجيل التي تستغرق بضع ساعات من المراجعة، وأقل من ساعة من وقت الموظف الحكومي، 5000 دينار. وطبعا هنالك عقارات تقيم بالملايين، والرسوم عليها بمئات الآلاف، قس على ذلك.

السؤال هو ما هذه الخدمات الإضافية التي تقدمها الحكومة في دائرة الأراضي والعقارات للرسوم لكي تصل إلى 5 بالمئة من قيمة العقار؟ فهل يعقل أن عملية تسجيل عقار بكل ما فيها من بيروقراطية وازدحام وعطل أجهزة كومبيوتر مليئة بالفيروسات وطابعات لا تعمل في كثير من الأحيان، تستحق مثلا مئات الآلاف من الدنانير الإضافية التي تحصلها الحكومة يوميا؟ ألا يكفي الحكومة الضريبة (4 بالمئة) المنصوص عليها في القانون؟ ماذا تفعل الحكومة فعلا لتتلقى هذا القدر الكبير من المال؟ الأفضل للبلد أن تحول الحكومة الرسوم إلى ضرائب إن أرادت، وبهذا فإنها لن تستطيع أن تتلاعب بها كل شهر سواء في الهبوط أو النزول وحسب أهواء الوزراء والوزارات، فتحل بذلك مأساة الغموض والضبابية التي أصبحت تحيق بهذا السوق.

والأفضل للأردن فعلا تخفيض الرسوم لتصبح لا شيء، فالضريبة بحد ذاتها تعوض الحكومة أكثر بكثير عما تبذله من جهد في تسجيل العملية.