سيرة الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه

أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق، (ولد يوم 17 ربيع الأول 80 هـ في المدينة المنورة وتوفي فيها في مساء 25 شوال من سنة 148 هـ)، إمام من أئمة المسلمين وعالم جليل وعابد فاضل من ذرية الحسين بن علي بن أبي طالب وله مكانة جليلة عظيمة لدى جميع المسلمين.
لُقِبَ بالصادق لأنه لم يُعرف عنه الكذب، ويعتبر الإمام السادس لدى الشيعة الإمامية (الإثنا عشرية والخامس عند الإسماعيلية)، وينسب إليه انتشار مدرستهم الفقهية والكلامية. ولذلك تُسمّى الشيعة الإمامية بالجعفرية أيضاً، بينما يرى أهل السنة والجماعة أن علم الإمام جعفر ومدرسته أساسٌ لكل طوائف المسلمين دون القول بإمامته بنصبٍ من الله، وروى عنه كثير من كتَّاب الحديث السنة والشيعة على حدٍ سواء، وقد استطاع أن يؤسس في عصره مدرسة فقهية، فتتلمذ على يده العديد من العلماء. ومن الجدير بالذِكر أن جعفر الصادق يُعتبر واحداً من أكثر الشخصيات تبجيلاً عند أتباع الطريقة النقشبندية، وهي إحدى الطرق الصوفيَّة السنيَّة.
يقال أنه من أوائل الرواد في علم الكيمياء حيث تتلمذ على يديه أبو الكيمياء جابر بن حيان. كذلك فقد كان عالم فلك، ومتكلماً، وأديباً، وفيلسوفاً، وطبيباً، وفيزيائياً.

نسبه:

هو: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. وقد سُمي باسم "جعفر" تيمناً بجده جعفر الطيار الذي كان من أوائل شهداء الإسلام. كُني جعفر الصادق بعدة كِنى منها: أبو عبد الله (وهي أشهرها)، وأبو إسماعيل، وأبو موسى. ولقب بالصادق، والفاضل، والطاهر، والقائم، والكامل، والمنجي.
أم أبيه هي: أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب. أمه هي: أم فروة فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة. أمَّا أم أمه فهي: أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة.
وقد اجتمعت في نسبه خصائص ميَّزته عن غيره كما قال الأستاذ عبد الحليم الجندي: «فجعفر قد ولده النبي مرتين. وعليّ مرتين، والصدّيق مرتين، ليدلّ بهذا المجد الذي ينفرد به في الدنيا على أنه نسيج وحده. ومن الناحية الأخرى ولده كِسرى مرتين. ليدلّ الدنيا - من أعلى مواقعها - على أن الإسلام للموالي والعرب. فذلك هو الدين الذي جاء به رسول الله.».
مولده ونشأته

سيرة الإمام جعفر الصادق الله رسم قديم للمدينة المنورة التي وُلد فيها جعفر الصادق.

وُلد جعفر الصادق في المدينة المنورة بتاريخ 24 أبريل سنة 702م، الموافق فيه 17 ربيع الأول سنة 80 هـ، وهي سنة سيل الجحاف الذي ذهب بالحجاج من مكة. تنص بعض المصادر على أن ولادته كانت يوم الجمعة عند طلوع الشمس وقيل أيضاً يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين، وقالوا سنة ست وثمانين، وقيل في السابع عشر منه. أفاد عدد من علماء الشيعة أن النبي محمد تنبّأ بولادة جعفر الصادق، وأنَّه هو من كنّاه بالصادق، فقد جاء في الحديث: «إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسموه الصادق، فإن الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدَّعي الإمامة اجتراءً على الله وكذباً عليه، فهو عند الله جعفر الكذاب المفتري».
اعتبره البعض من أتباع التابعين، إلا أن الظاهر أنه قد رأى سهل بن سعد وغيره من الصحابة، وروى عن أبيه، وعن عروة بن الزبير وعطاءٍ ونافع والزهري وابن المنكدر، وله أيضاً عن عبيد بن أبي رافع. وقد وُصف الصادق بأنه مربوع القامة، ليس بالطويل ولا بالقصير، أبيض الوجه، أزهر، له لمعان كأنه السراج، أسود الشعر، جعده أشم الأنف قد انحسر الشعر عن جبينه فبدا مزهراً، وعلى خده خال أسود.
والده محمد الباقر هو خامس الأئمة عند الشيعة، وقد اتخذ من ولده جعفر وزيراً، واعتمده في مهمّات أموره، في المدينة وفي سفره إلى الحج، وإلى الشام عندما استدعاه الخليفة هشام بن عبد الملك، وذلك لأنه كان أنبه إخوته ذكراً، وأعظمهم قدراً، وأجلّهم في العامة والخاصة. فكان أبوه الباقر مُعجباً به، ونُقل عنه أنه قال: «إن من سعادة الرجل أن يكون له الولد يعرف فيه شبه خَلقه وخُلقه وشمائله، وإني لأعرف من ابني هذا شبه خَلقي وخُلقي وشمائلي». وعند أهل السنة والجماعة أن جعفر الصادق كان يُدافع عن الخلفاء الراشدين السابقين لعلي بن أبي طالب، ويمقت الذين يتعرضون لأبي بكر ظاهراً وباطناً ويغضب منهم، ومن الأحاديث التي نقلها عنه أهل السنَّة في هذا المجال حديثُ عن زهير بن معاوية؛ قال فيه: « قال أبي لجعفر بن محمد: إن لي جاراً يزعم أنك تبرأ من أبي بكر وعمر. فقال جعفرٌ: برئ الله من جارك، والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر، ولقد اشتكيت شكايةً، فأوصيت إلى خالي عبد الرحمن بن القاسم».
آلت الإمامة - بالمعنى الشيعي- إلى جعفر الصادق عندما بلغ ربيعه الرابع والثلاثين (34 سنة)، وذلك بعد أن توفي والده مسموماً (وفق بعض المصادر)، مثل كتاب الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي، وكان ذلك في ملك هشام بن عبد الملك، وتشير المصادر إلى أن الأخير كان وراء سمّ الباقر. وتنصّ مصادر أخرى على أنَّ جعفر الصادق قال: «قال لي أبي ذات يوم في مرضه: "يا بني أدخل أناساً من قريش من أهل المدينة حتى أشهدهم"، فأدخلت عليه أناساً منهم فقال: "يا جعفر إذا أنا متّ فغسلني وكفني، وارفع قبري أربع أصابع، ورشّه بالماء"، فلما خرجوا قلت له: "يا أبت لو أمرتني بهذا صنعته ولم ترد أن أُدخل عليك قوماً تشهدهم"، فقال: "يا بني أردت أن لا تُنازَع، وكرهت أن يُقال أنه لم يوصِ إليه، فأردت أن تكون لك الحُجة"». ووفق المعتقد الشيعي فإن الإمام الباقر رغب من وراء هذا أن يُعلم الناس بإمامة الصادق من بعده. وفعلاً فقد قام الإمام الصادق بتغسيل والده وتكفينه على ما أوصاه، ودفنه في جنَّة البقيع إلى جانب الصحابة الذين توفوا قبله.
زوجاته وأبناؤه

تزوَّج الصادق من نساءٍ عديدات، منهنّ: فاطمة بنت الحسين الأثرم بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان أبوها ابن عم زين العابدين، ومنهن حميدة البربريَّة والدة الإمام موسى الكاظم، واتخذ إماء أخرىات. وكان له عشرة أولاد، وقيل أحد عشر ولداً؛ سبعة من الذكور وأربع إناث، فأما الذكور فهم: إسماعيل (وإليه ينسب المذهب الإسماعيلي)، وعبد الله، وموسى الكاظم، وإسحاق، ومحمد، وعلي (المعروف بالعريضي)، والعبَّاس. وأما الإناث فهن فاطمة وأسماء وفاطمة الصغرى وأم فروة. كانت زوجة الصادق الأولى هي فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهي أم إسماعيل وعبد الله وأم فروة، وبعد وفاتها ابتاع الإمام أمَةً أندلسية، يرجع أصلها إلى بربر المغرب تُدعى (حميدة بنت صاعد)، فأعتقها وعلَّمها أصول الشرع والدين ثم تزوَّجها، فولدت له موسى ومحمد، وقد أجلّها الشيعة وبالأخص نساؤهم؛ لورعها وتقواها وحكمتها، وعُرفت باسم " حميدة خاتون" و"حميدة المصفّاة" بسبب ما قاله زوجها عنها: «حميدة مصفّاة من الأدناس كسبيكة الذهب».
وكان الإمام شديد الولوع بولده البِكْر إسماعيل وكثير الإشفاق عليه؛ ولذا كان قومٌ من الشيعة يظنون أنه الإمام بعد أبيه، وهؤلاء قد زعموا أن جعفر الصادق نصّ على إمامة إسماعيل، ثم وقع الخلاف بينهم: هل مات إسماعيل في حياة أبيه أم لا؟ والأشهر أنه مات في حياة أبيه سنة 145 هـ. ويفيد أتباع المذهب الإثني عشري أنَّ الصادق كشف عن وجه إسماعيل مرات عديدة بعد وفاته، وأشهد ثلاثين من صحابه على موته فشهدوا بذلك، كما أشهدهم على دفنه، لكن على الرغم من ذلك بقي فريق من الشيعة يعتقدون بإمامته وحياته حتى بعد وفاة والده الصادق. وكان إسماعيل رجلاً تقياً عالماً باراً مطيعاً لأبيه، أمَّا أخوه عبد الله فقد اتُهم بمخالفة أبيه في الاعتقاد، وبأنه كان يخالط الحشوية، ويميل إلى مذهب المرجئة، كما عارض أخاه موسى في الإمامة، وادّعى الإمامة بعد أبيه لنفسه، احتجاجاً بأنه أكبر أخوته الباقين، واتّبعه حشدٌ من الناس قبل أن يرجعوا لإمامة موسى. وأقام نفر من الناس على القول بإمامة عبد الله؛ وهو النفر المعروف بالفطحية تيّمناً بعبد الله الذي كان يُكنى بالأفطح، لأنه أفطح الرأس أوالرجلين - أي كان عريض الرأس والرجلين - على أنَّ عبد الله لم يعش بعد أبيه الصادق إلا سبعين يوماً ومات. وأما إسحاق فقد كان محدّثاً جليلاً وقال بإمامة أخيه موسى. وأما محمد فكان سخياً شجاعاً وفارساً، وقد خرج على الخليفة العبَّاسي المأمون بمكة، لكنه خسر القتال، وصحبه العبَّاسيون إلى بغداد حيث عاش مُكرَّماً بقيَّة أيامه. وأما علي بن جعفر فقد كان راوياً للحديث وقد لزم الإمام موسى الكاظم وروى عنه، وكذلك كان العباس.
حياته خلال العهد الأموي

كان موضوع الخلافة أساس النزاع بين المسلمين، وقد تفرّقت الأمة بسببه إلى فرق وطوائف كثيرة، كما عانت دمويّته لفترة طويلة. فقد رأى قسم من المسلمين - وهم أهل السنة - أنَّ الخلافة تكون بالشورى والاختيار كما قال الرسول محمد، فينتقي المسلمون أفضل الرجال وأكثرهم عدلاً وقسطاً وعلماً، وبناءً على هذا بايع المسلمون أبو بكر وباقي الخلفاء الراشدين من بعده. أمَّا القسم الثاني من المسلمين - أي الشيعة - فاعتبروا أن الرسول لم يعتمد الشورى والاختيار أساساً لاختيار الخليفة، بل إنه أوصى بإمامة علي بن أبي طالب ونصبه على الأمَّة، وابنيه الحسن والحسين من بعده، وهكذا ينصّ كل إمام على الإمام من بعده. ورأى أتباع هذا الرأي أن الرسول محمد نصّ على اثني عشر إماماً بالاسم أوّلهم الإمام علي وآخرهم المهدي المنتظر، وعُرف هؤلاء بالإماميّة الإثني عشرية. وقد عارض الإماميَّة (الشيعة) خلافة بني أميَّة واعتبروها غير شرعية، وقامت عدَّة ثورات شيعيَّة على الحكم الأموي، قام الخلفاء بإخمادها وإطفاء نارها. ولمَّا كان جعفر الصادق سادس الأئمة عند الشيعة، فقد تفتحت عيون الأمويين عليه تحسّباً لأيّة ثورة قد يُقيمها على الحكم في دمشق.
بعد وفاة الإمام محمد الباقر بفترةٍ قصيرة وتولّي جعفر الصادق مقاليد الإمامة الشيعية، خرج عمّه زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسين المدني - خرج على هشام بن عبد الملك بالكوفة يريد قتاله وإرجاع الخلافة إلى بني هاشم. وكان زيدٌ قد واعد أصحابه على الخروج في الليلة الأولى من شهر صفر عام 122 هـ، الموافق لشهر يناير في عام 740م، لكن يوسف بن عمر والي العراق كان الأسرع إلى التحرّك، بعد أن بلغته أنباء التحضير للثورة، فأمر عامله على الكوفة، الحكم بن أبي الصلت، أن يضع حداً لهذه الحركة. فدعا هذا الوالي الناس إلى اجتماعٍ في المسجد قبل خروج زيد بيومٍ واحد، وهدّد كل من يتخلَّف منهم. فلما اجتمعوا حبسهم. وأضحى زيد مهيض الجناح فلم يجد معه سوى مائتين وثمانية عشر رجلاً ممن بايعوه. وواجه مع أصحابه القلائل قوَّات الوالي في شوارع الكوفة وأزقتها، فأصابه سهم، وتوفي متأثراً بجراحه.2 على الرغم من مقتل عمَّه على يد الأمويين، فإنَّ جعفراً لم يثر على الدولة، ورفض فكرة الانتفاضة المُسلّحة على الخلافة، وقد حاول عدد من أتباعه حثّه على الثورة ودعم قضيتهم الهادفة إلى إقامة الخلافة الإسلاميَّة الحق في ذريَّة علي بن أبي طالب، وتشير مصادر أهل السنة والجماعة إلى أنَّ بعض هؤلاء الأتباع من الذين رأوا أن أبا بكر وعمر وعثمان قد اغتصبوا الخلافة غصباً، حاولوا إقناع الصادق بالتبرؤ منهم، لكنه رفض رفضاً قاطعاً، ويفيد أحد هذه المصادر أن سالم بن أبي حفصة قال: «سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَابْنَه جَعْفَراً عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: "يَا سَالِمُ! تَوَلَّهُمَا، وَابْرَأْ مِنْ عَدُوِّهِمَا، فَإِنَّهُمَا كَانَا إِمَامَيْ هُدَىً". ثُمَّ قَالَ جَعْفَرٌ: "يَا سَالِمُ! أَيَسُبُّ الرَّجُلُ جَدَّه، أَبُو بَكْرٍ جَدِّي، لاَ نَالَتْنِي شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ سيرة الإمام جعفر الصادق الله يَوْمَ القِيَامَةِ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَتَوَلاَّهُمَا، وَأَبرَأُ مِنْ عَدوِّهِمَا"». بالمُقابل تنصّ مصادر أخرى على أنَّ الصادق كان يؤمن بأنه الأحقّ في الخلافة التي أوصى بها الرسول لعليّ وذريته من بعده، لكنه رفض الثورة على الحكومة الأمويَّة خوفاً على حياته، وكي لا يصيبه ما أصاب الحركات الشيعيَّة السابقة وقادتها ورجالها من قتل وهزائم وخسائر جسيمة. ويُقال أنه أحرق الرسائل التي وصلته من أتباعٍ يدعونه فيها إلى الثورة ويعدونه بمنصب الخليفة. بناءاً على ذلك، يدّعي أصحاب هذا الرأي أنَّ جعفر الصادق أظهر خلاف ما يُبطن، فأشادوا بصحَّة هذا عند الضرورة القصوى، كأن يكون المرء مُهدداً في نفسه أو في ماله، استناداً إلى فكرة "التقيَّة" التي تعتبر معتقداً مقبولاً في المذهب الشيعي.
حياته خلال العهد العبَّاسي

خلال أواخر العهد الأموي نشأت حركة مُناهضة عُرفت بالحركة العبَّاسيَّة، نظراً لأن مؤسسيها محمد بن علي بن عبد الله وأخوه أبو العبَّاس يرجعان بنسبهما إلى العبَّاس بن عبد المطلب أصغر أعمام النبي محمد، تولّى أبو العبَّاس شؤون الحركة العباسية بناءاً على دعوة أبو مسلم الخراساني بعد وفاة شقيقه؛ وقد نجحت الحركة العبَّاسية في خلع آخر خلفاء بني أميَّة عن العرش والقضاء على هذه الأسرة الحاكمة في دمشق، وبويع أبو العباس بالخلافة ولقب بالسفّاح لكثرة سفكه الدماء، خصوصاً لدى دخوله دمشق حاضرة الأمويين، إذ نهب بيوت الأسرة الأموية والمقرّبين منها وأحرق قصورهم ثم نبش قبور خلفائهم. وقد استمال العبَّاسيون الشيعة الناقمين على الحكم الأموي، فساعدهم هؤلاء في التغلّب على الأمويين، وتوقعوا أن تؤول الخلافة إليهم، لكن حصل عكس ذلك، فبعد وفاة أبو العبَّاس السفَّاح أخذت البيعة لأخيه أبي جعفر المنصور والذي كان السفاح قد عيّنه وليًا للعهد. ولمَّا تولّى المنصور الخلافة وضع نصب عينيه مخاطر ثلاث لا بُدَّ أن يقضي عليها: منافسة عمه عبد الله بن علي له في الأمر، وقد كان موكلاً بتدبير جيوش الدولة من أهل خراسان والشام والجزيرة الفراتية والموصل ليغزو بهم الروم، واتساع نفوذ أبي مسلم الخراساني حتى أصبح وكأنه شريك ذو سطوة وسلطان في حكم الدولة الإسلاميَّة، والقضاء على بني عمومته من آل علي بن أبي طالب الذين لا يزال لهم في قلوب الناس مكان، خاصة محمد بن عبد الله بن حسن بن زيد وجعفر الصادق، فخاف أبو جعفر أن يحاولا الخروج عليه، لا سيَّما وأنهما يُمثلان التيَّار الذي ساعد بني العبَّاس في الوصول إلى الحكم رغبةً بتولّي الخلافة.
وفي واقع الأمر فإنَّ جعفر الصادق كان مُدركاً لعاقبة تعاطيه السياسة والتقرّب إلى الحكَّام منذ أن أخذت الدولة الأموية تلفظ أنفساها الأخيرة، حيث أنَّ أبا مسلم الخراساني حاول أن يزجّ الإمام في الثورة العبَّاسيَّة نظراً لكلمته المسموعة بين الشيعة خصوصاً الذين يرونه معصوماً، وبين سائر المسلمين الثائرين، لكنه رفض المشاركة في الثورة العبَّاسيَّة، وتملَّص من الدعوة، وتفرَّغ لعمله الأهم الذي يعتمد عليه قيام الدين الإسلامي في مواجهة الأفكار الدخيلة والمذاهب الفكريَّة المنحرفة عن الطريق الذي يدعو إليه الإسلام. وقد استغل الإمام جعفر انشغال أبي العبَّاس السفَّاح في بداية العهد العبَّاسي في القضاء على الفتن الصغيرة وتوطيد دعائم الدولة الجديدة، فعمل على نشر العلم والدين والمعرفة، وحضر مجالسه علماء كبار وتناقشوا في أمور الدين والدنيا، ومنهم الإمامين أبو حنيفة النعمان ومالك بن أنس، وقد أدَّت هكذا مناظرات إلى تشكيل المذاهب الإسلاميَّة الكبرى الباقية حتى العصر الحالي. على الرغم من انصراف الإمام جعفر إلى شؤون العلم الديني والدنيوي وابتعاده عن السياسة، إلا أنه بقي محط أنظار الخليفة العبَّاسي، لا سيَّما وأن عدداً من أتباع زيد بن علي انضموا إلى مجالسه واستمعوا لكلامه ومواعظه وإرشاداته بعد أن لاحقهم العبَّاسيّون بلا هوادة، فأقدم العبَّاسيّون على اعتقال الصادق غير مرَّة، وزُجَّ بالسجن لفترة من الزمن على أمل أن تنقطع الصلة بينه وبين تلاميذه الذين يُحتمل أن يهددوا استقرار الدولة وينفذوا انقلاباً على الخلافة. وقد تحمَّل الصادق ما تعرَّض له من مضايقات من قِبل الحكومة العبَّاسيَّة، وصبر على الألم والاضطهاد، واستمر يقيم مجالسه العلميَّة ومناظراته الدينيَّة مع كبار علماء عصره من المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب والملاحدة.
مكانته العلمية













عُرف عن الإمام الصادق اطّلاعه الواسع وعلمه الغزير، حيث شهد له بذلك الأكابر من العلماء، منهم تلميذه الإمام أبو حنيفة حيث نوّه بعلم أستاذه الإمام جعفر الصادق ومقدار فضله حينما سُئل: «"من أفقه من رأيت؟" فأجاب قائلاً: "جعفر بن محمد، لمَّا أقدمه المنصور بعث إليَّ فقال: يا أبا حنيفة إن الناس قد فُتنوا بجعفر بن محمد، فهيّء له مسائلك الشداد، فهيّأت له أربعين مسألة، ثم بعث إليَّ أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه، فلما بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر [الصادق]ما لم يدخلن لأبي جعفر [المنصور]، فسلمت عليه فأومأ إليّ فجلست، ثم التفتّ إليه فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة، فقال: نعم أعرفه. ثم التفتّ إليَّ فقال: ألقِ على أبي عبد الله من مسائلك، فجعلت ألقي عليه ويجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربما تابعنا، وربما تابعهم، وربما خالفنا جميعاً، حتى أتيت على الأربعين مسألة فما أخلّ منها بشيء!" ثم قال أبو حنيفة: "أليس قد روينا: أعلم الناس، أعلمهم باختلاف الناس؟!"».
عاش الإمام الصادق في فترة حاسمة جداً من الناحية السياسية، وهي الفترة التي تلت سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية وعادة ما تعطي الدولة الجديدة هامشاً كبيراً من الحرية والتحرك، ولذا بدأ الإمام الصادق بتأسيس نواة علمية ووضع أركان مدرسته الكبرى التي خرّجت الآلاف من الطلاب والعلماء، حتى قال الحسن الوشّاء عند مروره بمسجد الكوفة:«أدركت في هذا المسجد 900 شيخ كلهم يقول: "حدثني جعفر بن محمد"»، مع العلم أن بين الكوفة والمدينة - التي كانت معقل الإمام الصادق - مسافة شاسعة وهذا يدل على مدى التأثير العلمي الذي أحدثه الإمام جعفر الصادق في ربوع العالم الإسلامي. وهكذا فحينما ارتفع الضغط الذي كان يمارسه الأمويون على مدرسة الإمام بدأ الطلاب يتوافدون على مدرسته من كل حدبٍ وصوبٍ، ينقل الأستاذ أسد حيدر فيقول: « كان يؤم مدرسته طلاب العلم ورواة الحديث من الأقطار النائية، لرفع الرقابة وعدم الحذر فأرسلت الكوفة، والبصرة، وواسط، والحجاز إلى جعفر بن محمد أفلاذ أكبادها، ومن كل قبيلة من بني أسد، ومخارق، وطي، وسليم، وغطفان، وغفار، والأزد، وخزاعة، وخثعم، ومخزوم، وبني ضبة، ومن قريش، ولا سيَّما بني الحارث بن عبد المطلب، وبني الحسن بن الحسن بن علي». وقد كتبت أقلام كثيرة حول علم الإمام الصادق، وخصّصت كتباً وفصولاً حول ذلك، منها كتاب "الإمام الصادق" للشيخ محمد أبي زهرة الذي يقول فيه:

إن للإمام الصادق فضل السبق، وله على الأكابر فضل خاص، فقد كان أبو حنيفة يروي عنه، ويراه أعلم الناس باختلاف الناس، وأوسع الفقهاء إحاطة، وكان الإمام مالك يختلف إليه دارساً راوياً، وكان له فضل الأستاذية على أبي حنيفة فحسبه ذلك فضلاً. وهو فوق هذا حفيد علي زين العابدين الذي كان سيّد أهل المدينة في عصره فضلاً وشرفاً وديناً وعلماً، وقد تتلمذ له ابن شهاب الزهري، وكثير من التابعين، وهو ابن محمد الباقر الذي بقر العلم ووصل إلى لبابه، فهو ممن جعل الله له الشرف الذاتي والشرف الإضافي بكريم النسب، والقرابة الهاشمية، والعترة المحمدية
سيرة الإمام جعفر الصادق الله
ويدخل في هذا السياق مناظراته العلمية والدينية التي دلّت على علمٍ جمٍ وفضلٍ غزيرٍ، فقد كان للإمام جعفر الصادق كثير من المناظرات مع العلماء وغيرهم في الدين والعلوم الإنسانية المختلفة، وقد اتّبع الإمام الصادق منهجاً منطقياً تسلسلياً في المناظرة والنقاش وهو أسلوب علمي يُبرز مكانته العلمية وقدرته على استحضار كافة جوانب الموضوع وحضور البديهة في الرد، وكان من الطبيعي أن يتعرض شخص بهذا المستوى الكبير من الفهم والعلم والمكانة لأسئلة المستفسرين وإنكار الملحدين ومكابرة كثير من الفئات المتأثرة بالعلوم المستقدمة من هنا وهناك، ومن تلك المناظرات:
مناظرة الإمام جعفر الصادق مع الملحدين.
مناظرة الإمام جعفر الصادق مع أبي حنيفة في القياس وأخر في حكم التوسل بالنبي
مناظرة الإمام جعفر الصادق مع رؤساء المعتزلة.
مناظرة الإمام جعفر الصادق مع طبيب هندي.
مناظرة الإمام جعفر الصادق مع عبد الله بن الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم المعروف باسم عبد الله بن الفضل الهاشمي.
مناظرة الإمام جعفر الصادق مع الزنادقة.
مناظرة الإمام جعفر الصادق مع ابن أبي العوجاء.
مناظرة الإمام جعفر الصادق في الحكمة من الغيبة.
ولم تكن الأسئلة التي تُطرح على الإمام الصادق مختصة بالمسائل الفقهيّة أو الحديثيّة، فقد كان عصره عصر ترجمةٍ وعلوم، وكان يأتيه علماء ومفكرون متأثرون بتيارات الفلسفة اليونانية التي كانت منتشرة في تلك الحقبة من الزمن، ويُلاحظ هذا المعنى واضحاً في نقاشات الإمام الصادق مع عبد الكريم بن أبي العوجاء الذي كان يشكّك في الدين والعقيدة الإسلامية من منطلق فلسفي وكلامي، فقد جاء ابن العوجاء إلى الإمام الصادق وأشكل على الآية القرآنية: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ) وقال ما مضمونه: إذا عصت الجلود وعذبها الله ثم بدّلها بجلود غيرها وعذبها، فما هو ذنب هذه الجلود الجديدة حتى تُعذب؟ مع أن الجلود الأولى هي التي عصت؟! فأجابه الإمام الصادق: "هي هي، وهي غيرها"، وأوضح له بأنه لو أخذ طابوقة بناء وصبّ عليها الماء ثم عجنها وقولبها مرة أخرى على شكل طابوقة، فهي نفس الطابوقة من حيث وحدة مادتها وهي غير تلك الطابوقة باعتبار شكلها الجديد. وغيرها من المناظرات في شتى المواضيع، والتي أظهرت للعالم الإسلامي مكانته العلمية المرموقة ومنزلته السامية بين علماء المسلمين.
مذهبه ومنهجه الاجتهادي

يتشابه منهج الإمام جعفر ومنهج علماء أهل السنَّة في أمور أساسيَّة؛ فهو يعتمد بالتدريج على القرآن والسنَّة النبوية والإجماع ثم الاجتهاد. لكنه يضيف إلى ذلك أمراً أساسيّاً عند الشيعة، هو الاعتقاد بالإمامة وما يترتب عليه من تقييم للصحابة وفتاواهم وأحاديثهم واجتهاداتهم بحسب مواقفهم من آل البيت. ويترتب على المفهوم الشيعي للإمامة القول بعصمة الإمام. فكانت اجتهادات الإمام غير قابلة للطعن، لأنه معصوم عن الخطأ والنسيان والمعصية؛ بل إنَّ أقواله واجتهاداته تدخل حكماً في إطار السنَّة. ولا يمكن لكل فرد أن يُدرك معاني القرآن الباطنة؛ بل هذا أمرٌ خاص بالأئمة فقط، لأن اجتهاداتهم أكثر مطابقة من غيرها لمقاصد الشريعة؛ وذلك أنَّ نوراً إلهيّاً حلَّ في النبي محمد وفي الأئمة من بعده، فاجتمع عندهم علم الشريعة بظاهرها وباطنها.
وتشدد الإمام جعفر كثيراً في مسألة القياس. فلا يُقبل القياس ما لم يكن الحكم المُقاس عليه معللاً بعلَّة منصوص عليها. أمَّا القياس المُفتقر إلى علَّة منصوص عليها فيُصبح رأياً عنده. والفقه بالرأي مرفوض، لأنه فعل إنساني ليس فيه ضمانة شرعيَّة. ويُقرّ الفقه الجعفري بالإجماع شرط أن يكون صادراً عن أئمة الشيعة. أمَّا إجماع عامَّة الصحابة فلا يكون حجَّة إلّا إذا كان الإمام علي بن أبي طالب طرفاً فيه. فالإجماع هو من حق الأئمة المعصومين. أمَّا الإجماع العام فهو مرفوض، لأنه لا يوفر أيضاً ضمانة شرعيَّة. وإلى ذلك لابدَّ من الاجتهاد واللجوء إلى العقل الصرف عند عدم وجود نص من قرآن أو سنَّة أو إجماع الأئمة وذلك لتأمين مصلحة المسلمين، وهذا نوع من الاستصلاح. فالمصلحة العامَّة تعتبر أصلاً من أصول التشريع عند عدم وجود نص. لكن الاجتهاد ليس لكل الناس؛ إنه أولاً وأساساً للأئمة المعصومين، ثمَّ لفضلاء العلماء المجتهدين، شرط ألّا يُخالفوا باجتهاداتهم ما جاء به الإمام المعصوم الذي يستمد اجتهاداته الفقهيَّة من النور الإلهي الذي حلَّ فيه. لذلك كان رأي الإمام المعصوم موثوقاً لا يتطرّق إليه الخطأ. والإمام حاضر للظهور إذا أخطأ المجتهدون لكي يُسدد خطاهم؛ ولتبقى الأمَّة على الطريق المستقيم، فالله لا يقطع الحبل الممدود بينه وبين عباده وإلّا فسدت الأرض بمن عليها.
سبب تسمية المذهب الشيعي باسمه




المعروف أن الطائفة الشيعية تعتقد بإمامة الأثني عشر والتي تُطلق عليهم اسم "المعصومين"، ومنهم جعفر بن محمد الصادق، وتعتقد بهم على حدٍ سواء من حيث المنزلة، غير أنه من المُلاحظ نسبة المذهب الشيعي أحياناً إلى الإمام جعفر الصادق دون غيره، فيُقال "المذهب الجعفري" أو "الطائفة الجعفرية"، وقد ذكر بعض الباحثين جملة من الأسباب تقف وراء ذلك، أهمها:
أولاً: إن زمن استقلاله بالإمامة (بناء على النظرية الشيعية) قد جاوز الثلاثين عاماً وهذه الفترة الطويلة نسبياً قد مكّنته من تأسيس العلوم الرئيسية للمذهب الشيعي.
ثانياً: إن أيامه كانت أيام حراك ثقافي واسع ونشاط علمي وفقهي، حيث الكلام والمناظرات، والحديث والرواية، والبدع والضلالات، والآراء المختلفة والمذاهب المتنوعة، وهذه فرصة جديرة بأن يبدي العالم فيها علمه، فكان لنقاشه ومناظراته أثر كبير في تكوين علم الكلام الشيعي، وتحديد معالمه.
ثالثاً: إِنّه مرّت عليه فترة من الرفاهيّة على بني هاشم لم تمرّ على غيره من أئمة الشيعة، فلم يتّفق له على الأكثر ما كان يحول دون آبائه وأبنائه من الجهر بمعارفهم بالتضييق عليهم ومنع الناس عنهم ومنعهم عن الناس من ملوك أيامهم.
رابعاً: انشغال الدولة العباسية في تطهير الأرض من بني أمية وبالتالي لم تعنَ كثيراً بالحركات الدينية والثقافية، فوجد الإمام جعفر الصادق في ذلك فرصة مؤاتية لنشر معارفه وآرائه التي أثرت أثراً كبيراً في تكوين الملامح الأساسيّة للمذهب الشيعي.
لهذا ولغيره من الأسباب صارت الطائفة الشيعية تُنسب إليه وتُسمى باسمه.
تلامذته

كان جعفر الصادق أحد أبرز العلّامات في عصره، فإلى جانب علومه الدينيَّة، كان عالماً فذّاً في ميادين علوم دنيويَّة عديدة، مثل: الرياضيَّات، والفلسفة، وعلم الفلك،والكيمياء، وغيرها. وقد حضر مجالسه العديد من أبرز علماء عصره وتتلمذوا على يده، ومن هؤلاء أشهر كيميائي عند المسلمين أبو موسى جابر بن حيَّان المُلقب بأبي الكيمياء. كما حضر مجالسه وتلقّى من علومه اثنان من كبار الأئمة الأربعة هما الإمامان أبو حنيفة النعمان ومالك بن أنس، وقد نقل الأخير 12 حديثاً عن جعفر الصادق في مؤلفه الشهير "الموطأ"، بالإضافة إلى سفيان الثوري و واصل بن عطاء مؤسس مذهب المعتزلة.
وفاته



توفي جعفر الصادق سنة 148 هـ، الموافقة لسنة 765م كما نصّت على ذلك بعض المصادر التاريخيّة؛ قال ابن كثير (المتوفى سنة 774 هـ): «ثم دخلت سنة ثمان وأربعين ومائة... وفيها توفي جعفرُ بنُ محمدٍ الصادق». وقال ابن الأثير (المتوفى سنة 630 هـ) في معرض حديثه عن الأحداث التي وقعت في سنة 148 هـ: «وفيها مات جعفر بن محمد الصادق وقبره بالمدينة يُزار هو وأبوه وجده في قبر واحد مع الحسن بن علي بن أبي طالب». وغير ذلك من المصادر التاريخيّة المعتبرة. وقد كان الإمام جعفر الصادق في آخر لقاءاته مع أبي جعفر المنصور يقول له: « لا تعجل، فقد بلغت الرابعة والستين وفيها مات أبي وجدي» فرأى بعض الباحثين أن هذه الكلمة توحي بأن الإمام جعفر الصادق كان يشعر باقتراب موته.
وكان آخر ما أوصى به الإمام الصادق هو الصلاة كما يظهر من بعض الروايات منها هذه الرواية التي نقلها أبو بصير وقال: «دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله [الصادق] فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت: "يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت عجباً"، فتح عينيه ثم قال: "اجمعوا كل من بيني وبينه قرابة"، قالت: "فما تركنا أحداً إلا جمعناه"، فنظر إليهم ثم قال: "إن شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة"»
دُفن جعفر الصادق في جنَّة البقيع بالمدينة المنورة إلى جانب والده وأجداده وباقي الصحابة. وتفيد الكثير من المصادر بأنَّ الصادق قضى نحبه مسموماً على يد الخليفة العبَّاسي أبو جعفر المنصور الذي كان يغتاظ من إقبال الناس على الإمام والالتفاف حوله، حتّى قال فيه: «هذا الشّجن المُعتَرِضُ في حُلوقِ الخلفاءِ الّذي لا يجوزُ نفيُهُ، ولا يحلُّ قتلُهُ، ولولا ما تجمعني وإيّاه من شجرة طاب أصلُها وبَسَقَ فرعُها وعذُبَ ثمرُها وبورِكَت في الذرّية، وقُدِّست في الزُّبر، لكان منِّي ما لا يُحمدُ في العواقبِ، لِمَا بلغني من شدّة عيبِهِ لنا، وسوءِ القول فينا»، وأنه حاول قتله أكثر من مرَّة، وأرسل إليه من يفعل ذلك، لكن كل من واجهه هابه وتراجع عن قتله، كما تفيد تلك المصادر أنَّ المنصور كان يخشى أن يتعرَّض للإمام؛ لأن ذلك سيؤدي لمشاكل جمَّة ومضاعفات كبيرة. ومما قيل عن الفتور الذي كان بين الصادق والمنصور، أنَّ الأخير كتب له يقول: "لِمَ لا تزورنا كما يزورنا الناس؟!"، فأجابه جعفر الصادق: «ليس لنا في الدنيا ما نخافك عليه، ولا عندك من الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنّئك بها وفي نقمة فنعزيك بها». فكتب إليه مجدداً: "تصحبنا لتنصحنا". فكتب الصادق إليه: «من يطلب الدنيا لا ينصحك، ومن يطلب الآخرة لا يصحبك». بالمُقابل تنصّ مصادر أخرى على أنَّ المنصور لم يُقدِم على تسميم جعفر الصادق؛ على الرغم من تخوّفه من أيّ انقلاب مُحتمل بقيادته، فقد كان يجلّه ويحترمه، ويرعى فيه صلة الرحم وحقوق العمومة، وحزن عليه أشد الحزن لمّا توفي لأسباب طبيعيَّة، بعد أن تقدَّم به العمر وضعف جسمه. وفي رواية اليعقوبي المذكورة في تاريخه التي تقول: «قال إسماعيل بن علي: "دخلت على أبي جعفر المنصور وقد اخضلّت لحيته بالدموع وكأنه متأثر من مصيبة وألمّه أمر جلل" وقال لي: "أما علمت بما نزل بأهلنا؟" فقلت: "وما ذاك يا أمير المؤمنين؟!" قال: "فأن سيّدنا وعالمنا وبقية الأخيار منا توفي!!" فقلت: "ومن هو يا أمير المؤمنين؟" قال: "ابن عمنا جعفر بن محمد" قلت: "أعظم الله أجر أمير المؤمنين! وأطال بقاءه" فقال: "إن جعفراً ممن قال الله فيهم: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾، وكان هو من السابقين في الخيرات"»، كما لم يذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتابه "مقاتل الطالبيين" أنه قتل مسموماً.
الإمام الصادق كما عرفه العلماء

أقوال علماء السنَّة فيه

يرى أهل السنة والجماعة أن جعفر الصادق إمام من أئمة المسلمين، وعالم من علمائهم الكبار، وأنه ثقة مأمون، وأقوال أئمة الحديث فيه طافحة في الثناء والمدح، ومن بعض الشهادات التي وردت من علماء أهل السنة بحق الإمام جعفر بن محمد الصادق:
قال الذهبي في معرض حديثه عن الإمام الصادق: «جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين الهاشمي أبو عبد اللّه أحد الأئمة الأعلام برّ صادق كبير الشأن وليس هو بالمكثر إلا عن أبيه، وكان من جلَّة علماء المدينة، وحدَّث عنه جماعة من الأئمة، منهم أبو حنيفة ومالك وغيرهما.».
وقال النووي: «روى عنه محمّد بن إسحق، ويحيى الأنصاري، ومالك، والسفيانيان، وابن جريح، وشعبة، ويحيى القطّان، وآخرون، واتفقوا على إِمامته وجلالته وسيادته، قال عمرو بن أبي المقدام: كنت إِذا نظرت إِلى جعفر بن محمّد علمت أنه من سلالة النبيّين.»
وقال ابن خلكان: «أحد الأئمة الإثني عشر على مذهب الإماميّة، وكان من سادات أهل البيت، ولقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر من أن يذكر.»
وقال الشبلنجي:«ومناقبه كثيرة تكاد تفوت حدّ الحاسب، ويحار في أنواعها فهم اليقظ الكاتب».
وقال محمد الصبان: «وأمّا جعفر الصادق فكان إِماماً نبيلاً. وقال: وكان مُجاب الدعوة إِذا سأل اللّه شيئاً لا يتمّ قوله إِلا وهو بين يديه».
وقال سبط ابن الجوزي: «قال علماء السير: قد اشتغل بالعبادة عن طلب الرئاسة» وقال: «ومن مكارم أخلاقه ما ذكره الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار عن الشقراني3 مولى رسول اللّه سيرة الإمام جعفر الصادق الله قال: خرج العطاء أيام المنصور ومالي شفيع، فوقفت على الباب متحيّراً وإِذا بجعفر بن محمّد قد أقبل فذكرت له حاجتي، فدخل وخرج وإذا بعطائي في كمّه فناولني إِيّاه، وقال: إِن الحَسَن من كلّ أحد حَسَن، وأنه منك أحسن؛ لمكانك منّا، وأن القبيح من كلّ أحد قبيح، وأنه منك أقبح؛ لمكانك منّا. وإِنما قال له جعفر ذلك؛ لأن الشقراني كان يشرب الشراب، فمن مكارم أخلاق جعفر أنه رحّب به وقضى له حاجته مع علمه بحاله، ووعظه على وجه التعريض، وهذا من أخلاق الأنبياء».
قال الشيخ محمَّد بن طلحة الشافعي (ت 652 هـ): «هو من عُظماء أهل البيت، ذو علوم جَمَّة، وعبادة موفورة، وأوراد متواصلة، وزهادة بيِّنة، وتلاوة كثيرة، يتتبع معاني القرآن الكريم، ويستخرج من بحره جواهره، ويستنتج عجائبه...».
قال مالك بن أنس إمام المالكية: «وما رأتْ عَينٌ، ولا سمعت أذنٌ، ولا خَطَر على قلب بشرٍ، أفضل من جعفر بن محمّد الصادق، علماً، وعِبادة، وَوَرَعاً»، ويقول في كلمة أخرى: «ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمّد فضلاً وعلماً وورعاً، وكان لا يخلو من إحدى ثلاث خصال: إمّا صائماً، وإمّا قائماً، وإمّا ذاكراً، وكان من عظماء البلاد، وأكابر الزهّاد الذين يخشون ربّهم، وكان كثير الحديث، طيب المجالسة، كثير الفوائد».
قال ابن الصبّاغ المالكي: «كان جعفر الصادق - من بين أخوته - خليفةَ أبيه، ووصيَّه، والقائمَ بالإمامة بعده، برز على جماعة بالفضل؛ وكان أنبهَهُم ذِكراً، وأجلَّهُم قدراً...».
قال حسن بن زياد: «سمعت أبا حنيفة و[قد]سُئل من أفقه من رأيت؟ فقال: ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمّد».
علماء الشيعة

تؤمن الطائفة الشيعية الإثنا عشريَّة بعصمة جعفر الصادق كعصمة الرسول محمد، وأنه مُسدّد من قِبل الله، وبالتالي فإن الإمام جعفر الصادق غير خاضع للجرح والتعديل، لأنه - بحسب الرؤية الشيعية - يأخذ الحديث عن الرسول بإسنادٍ متصلٍ بآبائه وذلك لعصمتهم وصدقهم، ويرون كذلك بأن فقه الإمام جعفر وتعاليمه التي تثبت عنه، لا يجوز تجاوزها أو الاعتراض عليها لأنها من عند الله، والجدير بالذكر أن الإمام الصادق هو أكثر الأئمة رواية في كتب الحديث عند الإثني عشريَّة، بل يُطلَق على الطائفة الشيعية اسم الجعفرية نسبة لجعفر الصادق. وبناءاً على ذلك لا حاجة للاستشهاد بآراء العلماء الشيعة لأنهم مجمعون على عصمته وحجيّة قوله. وإلى جانب الإثني عشريَّة؛ أشاد بعض كبار علماء الإسماعيليَّة بفضل جعفر الصادق وغزارة علمه، ومنهم القاضي النعمان؛ قاضي قضاة الدولة الفاطميَّة، الذي أحاط الصادق بالتبجيل في كتاباته.
أهم الأحداث المتعلقة به بعد وفاته

وقعت وبعد وفاة الإمام جعفر الصادق مجموعة من الأحداث التي ترتبط بشخصه، من أهمها اختلاف الشيعة بعده حول تحديد شخص الإمام الذي عيّنه جعفر الصادق من بعده؛ فهل هو موسى الكاظم أو إسماعيل؟ وكلاهما من أولاد جعفر الصادق.
ومن الأحداث التي ترتبط به أيضاً هو هدم قبره في المدينة من قِبل الدولة السعودية، حينما اعتلى الوهابية سدة الحكم هناك.
وكذلك كتاب صدر لأحد مؤلفي الوهابية يتهجم فيه على الإمام الصادق، وهي سابقة لم يظهر لها نظيرٌ في التاريخ الإسلامي، حيث اتفق علماء الإسلام على احترام الإمام جعفر الصادق وإجلاله.
الاختلاف حول الإمام من بعده عند الشيعة

بعد وفاة جعفر الصادق سنة 148 هـ حصل انشقاق بين الشيعة: فريق ساق الإمامة إلى موسى بن جعفر الصادق، وهو المعروف بالكاظم. وهؤلاء أُطلق عليهم الموسوية، والإمامية، والاثنا عشرية. وفريق آخر ساق الإمامة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، فسُمّوا "الإسماعيلية". وكان إسماعيل هذا أكبر إخوته، وقد رأى الإسماعيليون أن جعفر الصادق نصّ على إمامة إسماعيل. ثم وقع الخلاف بينهم: هل مات إسماعيل في حياة أبيه أم لا؟ والأشهر عندهم أنه مات في حياة أبيه سنة 145 هـ.، ومن رأى أنه لم يمت ذهب إلى أنه هو المهدي المنتظر.
وأما الذين قالوا بوفاة إسماعيل في حياة أبيه فقد ساقوا الإمامة إلى ابنه محمد بن إسماعيل. ومحمد هذا هو الذي يُسمونه: "الفاتح" و"صاحب الزمان".
هدم قبره من قبل الدولة السعودية

عارضت الفرقة الوهابية الكثير من العادات التي كانت تنتشر في جزيرة العرب؛ ومنها التبرك بقبور الأولياء والصالحين، ولما استقام لهم الحكم والنفوذ في الحجاز قاموا بالتعاون مع الأسرة الحاكمة بهدم القباب التي كانت مبنيّة في البقيع وهي قبور بعض الصحابة والتابعين وآل البيت ومنها قبر الإمام جعفر بن محمد الصادق، فهدموا تلك القباب معتمدين على استنباطهم وفهمهم الخاص للأحاديث النبوية الواردة في هذا المجال، واستندوا أيضاً على عدم جواز التبرك بالقبور وضرورة اللجوء وتوجيه الدعاء إلى الله مباشرة، وقد جاء في دائرة المعارف الإسلامية في معرض الحديث عن الأسباب التي دفعت الوهابية إلى هدم المقبرة: «وكذلك يرى الوهابيون في أنفسهم أنهم وحدهم هم الموحّدون، وأن سائر المسلمين مشركون، وأنهم هم أنفسهم المكلفّون بإحياء السنة، وهم يرون أن السنة القديمة وشخصية النبي وجوهر الإسلام -تبعاً لذلك - قد شوّهت بسبب تقديس الأولياء، وهم من أجل ذلك يهاجمون أكثر أماكن الإسلام قداسةً عند أهل السنة وعند الشيعة؛ لأن هذه الأماكن تعتبر في نظرهم معاقل لعبادة الأوثان». وفي ما يخص هدم البقيع ورد: «وزار بورخارت هذا المكان [بقيع الغرقد] بعد غزو الوهابيين فوجد أنه أصبح أتعس المقابر حالاً في المشرق». واستند ابن تيمية في فتاويه التي تحرّم زيارة القبور والتي أخذها الوهابية عنه فيما بعد - استند إلى الحديث المرويّ عن النبي أنه قال: «لا يشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد الحرام ومسجدي والمسجد الأقصى» ولم يوافقه علماء الإسلام في قوله هذا، قال القسطلاني: «قول ابن تيمية حيث منع زيارة قبر النبي وهو أبشع المسائل المنقولة عنه.»
ولم يأخذ الوهابية أقوال بقية المذاهب بعين الاعتبار ونفذوا ما يرونه هم صحيحاً بالقوة، وهدموا مقبرة البقيع في اليوم الثامن من شوال سنة 1344 هـ. ولم يوافقهم أغلب المسلمين في ذلك، واحتجوا بأن سيرة السلف الصالح وأئمة المذاهب كانت جارية على زيارة القبور، فقد كان الإمام الشافعي يتبرك بزيارة قبر الإمام أبي حنيفة النعمان في بغداد، روى الخطيب البغدادي عن عبد الله بن ميمون قال: «قال سمعت الشافعي يقول إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم (يعني زائراً) فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الحاجة عنده فما تبعد عني حتى تُقضى»، وغير ذلك من الأدلة الكثيرة.
ورأى بعض الكتّاب بأن هذا العمل غير مبرر من ناحية الدولة السعودية أيضاً؛ حيث أنه بغض النظر عن المسألة الدينية؛ فإن هذه القبور التي هُدمت تعتبر بنايات أثرية للأمة السعودية وبالتالي لا يجوز هدمها، واستغرب هذا الكاتب من أن الدولة السعودية "تصرف ملايين الدولارات على منطقة (الفاو) في غرب الحجاز والتي تعتبر من أقدم المناطق الأثرية تحت إشراف جامعة الملك سعود"، وهكذا تمّ هدم قبر الإمام الصادق، وقبور الكثير من الصحابة والشخصيات الإسلامية الأولى. وتعتبر الشيعة يوم الثامن من شوال من كل سنة مناسبة حزينة، ويعقدون بعض المجالس للتذكير بالأمر، ويعتلي المنبر رجال الدين الشيعة ويناقشون مسألة زيارة القبور وحياة الأئمة الذين هُدمت قبورهم ومنهم جعفر الصادق.
أول من تهجم على الإمام الصادق

لم يظهر أيّ اختلاف في أقوال علماء الإسلام في حق جعفر بن محمد الصادق عبر كافَّة العصور الإسلاميَّة، فالكل مجمعون على علمه وفقاهته وعلى أستاذيّته في العلوم، وإنما لهم كلام حول ما تعتقده الطائفة الشيعية وتنسبه إليه، ولكن في العصر الحديث صدر كتاب لمؤلف وهابي غير معروف يتهجم فيه على شخص الإمام الصادق، وكانت تلك أوَّل مرة يُكتب فيها كلام ضد الإمام جعفر بن محمد الصادق في تاريخ الإسلام، واسم الكتاب هو: "تبديد الظلام وتنبيه النيام إلى خطر التشيّع على المسلمين والإسلام"، لمؤلفه: إبراهيم بن سليمان الجبهان، بإذن من رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد؛ في 11 \ 7 \ 1400 هـ. رقم 4411 \ 5، وتحت إشراف هيئة البحوث العلمية التابعة للحركة الوهابية، وقد كان تعرضه للإمام الصادق على الأصعدة التالية:
الدعوة إلى عدم تسميته باسم "الصادق"، يقول: «لقد قرنت اسم "جعفر بن محمد" بعلامة استفهام في غير موضع تصحيحاً للخطأ الشائع الذي وقع فيه كثير من أرباب التصانيف بإلصاقهم كلمة الصادق باسم المذكور وجعلها لقباً له وعلماً عليه. والواقع أن هذه التسمية أو بالأصح هذه التزكية ما كان ينبغي أن تُطلق على شخص حامت حوله الشبهات وكثرت فيه الأقاويل ونسبت إليه أقوال مشحونة بالزندقة والإلحاد، لأنه إذا صحَّ صدورها منه (ونرجو أن لا يصح ذلك) فتسميته بالصادق تعني ضمناً تصديق كل ما جاء به من الإفك. وإذا لم يصح صدورها منه فتسميته بذلك تزكية لا داعي لها ولا محل لها من الإعراب وتركها أحوط.»
اتهامه بالبذخ والترف والتشكيك في سلوكه، يقول الجبهان: «زد على ذلك أنني لم أكن أول من شكّ في سلوكه فقد كنت مسبوقاً إلى ذلك ممن عاصروه وشاهدوا بذخه وترفه وقبوله العطايا من شيعته وهي محرمة عليه؛ لأنه لم يكن ممن يستحقونها شرعاً حتى قيل أنه اشترى داراً في البصرة بمبلغ ثلاثين ألف دينار عدا ما كان ينفقه على الدُعاة والمبشرين والجمعيات السرية التي عاثت في كيان الأمة الإسلامية فساداً وتخريباً».
قال عن الإمام الصادق بأنه راضٍ عن أتباعه وعقائدهم: «كما أننا لم نجد فيما أثر عن ثقات الرواة من نقل لنا بأن جعفر لم يكن راضياً عمن كانوا يدعون له أو كان مع أحدٍ منهم على طرفي نقيض» على أن هذا يعتبر عند أهل السنة تأييداً لما يعتقدون أنه ضلال، بينما يعتبر هذا الكلام عند الشيعة مفخرة وامتيازاً حيث يوافقهم الإمام الصادق على معتقداتهم وأفكارهم، وبالتالي فهذه الكلمة من هذا الكاتب يمكن اعتبارها سلاحاً ذا حدين.
اتهمه بالتقصير في وظيفته الدينية واستشهد بآية تتحدث عن المنافقين: «ولكن أقول لك ما علامة قبول جعفر لهذا المنصب وقد قضى حياته قابعاً في جُحر تقيته؟ وهل كان المذكور ممن ينطبق عليه قول الله تعالى﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ أم كان ممن قال الله فيهم ﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ﴾)»
وقد أحدثت هذه العبارات جدلاً، وتصدّى للرد على أقوال الجبهان كثير من العلماء ومنهم: عباس المهري في كتاب أسماه "شعاع من التاريخ".