ابن القيّم الجوزيّة

مولود 7 صفر 691 هجرية – 1292 ميلادية
متوفي 13 رجب 751 هجرية – 1350 ميلادية


اسمه ولقبه :

هو محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي الدمشقي أبو عبد الله شمس الدين ابن قيم الجوزية .

سبب التسمية :

أطلق على الشيخ محمد بن أبي بكر بن أيوب ( ابن القيم) واشتهر به ، وكذلك ب(ابن القيم الجوزية) ، وذلك لأن أباه كان قيماً على الجوزية ومديراً لشئونها ، والجوزية هي مدرسة بناها محيي الدين بن الحافظ بسوق القمح بدمشق ، وكان والد بن القيم قيماً عليها فأطلق عليه ابن القيم أي إبن قيم المدرسة والمدير عليها .

ثم صار ابن القيم إماماً بالمدرسة الجوزية ، ثم تحوّلت المدرسة إلى محكمة ثم أغلقت وأفتتحت مكانها مدرسة أطفال ، ثم احترقت في الثورة السورية .

أساتذته :


تتلمذ ابن القيم على علماء كبار وفقهاء ومحدّثين أجلاء منهم :

أبو بكر بن عبد الدايم ، وعيسى المطعم ، وابن الشيرازي ، وإسماعيل بن مكتوم ، والقاضي تقي الدين سليمان ، وفاطمة بنت جوهر . وقرأ الفقه على المجد الحراني وابن تيمية ، وقد ترك ابن تيمية في نفسه أثراً بالغاً واتخذه مثلاً أعلى ولازمه منذ سنة 712 هجرية وأخذ منه الكثير من الآراء ونهج نهجه في محاربة المخالفين لعقيدة السلف ، وقد أطلق عليه تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية .

تلاميذه :

كان لإبن القيم تلامذة أئمة أعلام منهم : الحافظ زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي ، وكذلك شمس الدين النابلسي ، وكذلك ولده عبد الله الذي تولى منصب التدريس بالمدرسة المستنصرية بعد وفاة والده ، كذلك ممن تتلمذ على يديه الإمام المفسّر الحافظ ابن كثير .

أنصاره وخصومه :

أثارت دعوة ابن القيم إلى اعتناق مذهب السلف ومحاربة الآراء المنحرفة والخروج عن التقاليد الموروثة ضجّة حوله وحول آرائه وانقسم الناس ، منهم أنصار متعصّبون لرأيه وخصوم حاقدون عليه ، وقد أصاب ابن القيم من ذلك محنة وأذى شديد كما أصاب شيخه ابن تيمية ، فنتيجة اختلافه في بعض القضايا مع الفقهاء والقضاة ، سُجن مع شيخه ابن تيمية ولم يُفرج عنه إلا بعد موت ابن تيمية . وكان مدة حبسه مشتغلاً بتلاوة القرآن والتدبر والتفكر ، وحج بعد ذلك مرات كثيرة ، وكان كثير العبادة كثير الطواف .

يقول عنه ابن كثير : كان حسن القراءة والخلق ، كثير التودد ، لا يحسد أحد ولا يؤذيه ولا يستعيبه وكنتُ من أحب الناس إليه .

شخصيته :

كان ابن القيم باحثاً حراً ، قوي الشخصيّة ، يعمل بفكره ولا يلتزم رأي غيره ، ولو كان هذا الرأي رأي شيخه ابن تيمية ، بل كان احياناً يخالفه ويرد رأيه ، ومن ذلك مخالفته في مسألة في حكم رضاع الطفل .

ثقافته وثراؤه اللغوي :

استفاد ابن القيم من النهضة العلمية التي سبقته ، فقرأ كل ما وقعت عليه يده من مؤلفات زادته ثقافة وسعة أفق ، وكان شديد المحبّة للعلم وكتابته ومطالعته وتصنيفه ، واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره ، حتى كان أولاده يبيعون منها بعد وفاته دهراً طويلاً .

وكان ابن القيم باحثاً دءوباً أخذ من كل علم ووعى جميع الثقافات التي ازدهرت في عصره في بلاد الشام ومصر ، وكان دائرة معارف حيّة لعلوم عصره ، فألف في الفقه والعلوم والسْيَر وغيرها . وألف ايضاً كتباً في البلاغة ( كتاب الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان ) وذلك بعد ان اطلع على أمهات الكتب في البلاغة وأضاف إليها ما جادت قريحته من فهم أسرار اللغة ومراميها ، وكان يقتبس من الشعر دون أن يشعر القارئ اضطراباً في الأسلوب أو قلقاً في العبارة ، وكذلك كان يقتبس من القرآن الكريم ، وقد كان موطن دراسته التي وهب لها حياته وأوقف عليها نفسه ، وكذلك اقتبس من الأحاديث النبوية الشريفة .
عدم تعصبه للمذهب :

رغم أن ابن القيم كان حنبليّ المذهب ، إلا أنه لم يكن متعصباً لمذهب الحنابلة ، فكان يسير مع الحق أين سارت ركائبه دون النظر إلى الرجال ، فالرجال تُعرف بالحق ، ولا يُعرف الحق بالرجال .

دعوته لمذهب السلف :


كان لابن القيم أهداف سعى إلى تحقيقها ، ودفعه إليها ما آل إليه أمر المسلمين في عصره من ضعف نتيجة الخلافات والإضطرابات ، وأدرك بحس العالم أن القضاء على هذا التدهور والتفرق لا يتم إلا بجمع الآراء ونبذ الخلافات المذهبية ، ورأى أنه من الخير العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح ، ولذلك كان أول أهدافه الدعوة إلى مذهب السلف ، فهو يمثل الدين خالياً من الآراء المنحرفة والأهواء المضللة .

محاربته للتقليد :

دعا ابن القيم إلى التحرر الفكري وعدم الجمود ، ولتحقيق غرضه حارب التقليد الأعمى ، ودعا إلى الإجتهاد وتحرر العقول والتمسّك بالكتاب والسنّة ما أمكن ، وإلا فالإجتهاد على ضوئهما .


محاربته التلاعب بأحكام الدين :


رأى ابن القيم أنواعاً من التلاعب بأحكام الدين باسم الحيل التي تحلل الحرام وتسقط الحق ،فالحقوق يحتال على إسقاطها ، فالرجل يسقط حق الفقراء في ماله بأن يهبه قبل تمام الحول حتى لا يخرج زكاة ماله ، فلم يرض ابن القيم عن هذا التلاعب وحاربه بكل ما أوتي من قوة مبيناً خطورته ومورداً الأدلة الدالة على بطلانه .

دعوته إلى تفهّم مقصود الدين ومراعاته :

من الأهداف التي سعى إليها ابن القيم لتحقيقها أيضاً : الدعوة إلى تفهّم مقصود الدين ، وعدم الوقوف عند الصور والجمود على الألفاظ .

منهج ابن القيم :

اتخذ ابن القيم طريقة في البحث تخالف ما درج عليه الفقهاء من قبله ، فهم يعرضون المسألة ثم يؤيدونها بالدليل ، أما هو فقد اتخذ النصوص أساساً لبحثه ثم يأخذ في الإستنباط منها ، وهذا المنهج أسلم من مناهج مخالفيه لإعتماده على النصوص وأخذ الأحكام منها ، وكان لا يغمص السابقين حقهم بل كان يعرض آراءهم ويختار منها ما يراه مؤيداً بالدليل ، وكان في طريقته للبحث يعرض الأدلة على ما يراه ثم يعرض أدلة المخالفين ويفنّدها ، وكان يسوق الآية ثم يلحقها بما يبيّنها من أحاديث مع عدم تعصبه لمذهب معيّن حتى أننا نستطيع ان نقول أنه مجتهد وليس مقلد ، وكان حريصاً على تحقيق الهدف الذي دعا إليه أميناً في تطبيق منهجه في البحث .

منزلة السنّة من القرآن عند ابن القيم :

رأى ابن القيم ان السنة مكملة للقرآن الكريم ، ووافق الإمام ابن حنبل والإمام الشافعيّ في رأيهما ، وقال السنة مع القرآن على ثلاثة أوجه :
أحدهما ان تكون موافقه له في كل وجه ، فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتضافرها .


الثاني أن تكون بياناً لما أريد بالقرآن الكريم وتفسيراً له .

الثالث أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن الكريم عن إيجابه ، أو محرمة لما سكت عن تحريمه ، ولا تخرج عن هذه الأقسام ، فلا تعارض القرآن بوجه عام ، فما كان زائداً عن القرآن الكريم ، فهو تشريع مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم تجب طاعته فيه .

ولا يجوز رد واحدة من هذه الأوجه الثلاثة ، وليس للسنة مع كتاب الله منزلة رابعة .


موافقته للصحابة في الأحكام الفقهية وتفسير القرآن الكريم :

لم يقتصر ابن القيم في الأخذ بأقوال الصحابة وفتاويهم في الأحكام الفقهية ، بل كان يعتقد بآرائهم في تفسير القرآن الكريم .

نصره لمذهب أهل السنة في باب الأسماء والصفات :

تحمّس ابن القيم لمذهب السنة مثل شيخه ابن تيمية ، وهاجم الجبرية والمعتزلة والأشاعرة ولم يرتضي ما ذهبوا إليه ، كما هاجم غيرهم من أصحاب الآراء المنحرفة .

التصوّف في نظر ابن القيم :

يرى ابن القيم أن التصوف في أصل تسميته أمر محدث ، وأن الحق هو العمل بالسنة واتباع ما أنزل الله تعالى على رسوله ، وهذا ما كان يعتقده أهل التصوف المتقدمين حيث ينسب ابن القيم إلى ابراهيم بن محمد قوله : أصل هذا المذهب ملازمة الكتاب والسنة ، وترك الأهواء والبدع والتمسك بالأئمة والإقتداء بالسلف وترك ما أحدثه الآخرون .


ونلاحظ أن ابن القيم تبعا لشيخه ابن تيمية يتساهل في طريقة المتقدمين ، كسهل ابن عبد الله التستري ، وأبي طالب المكي ، وأبي عثمان النيسابوري وبعض أقوال القشيريممن لم يُفحش قولهم ولم يُعرف عنهم بدعة منكرة أو ضلالة في هذا الباب .

مؤلفاته :

اتسم ابن القيم بسعة الأفق ومعارفه المتعددة وثقافته المتعمقة ، وقد ترك لنا مصنفات عديدة في الفقه والأصول والتصوف والسيرة النبوية والتاريخ وغيرذلك من المؤلفات التي تبين لنا خبرته الواسعة وإلمامه بكثير من العلوم . ومن أهم مؤلفاته :

1- تهذيب سنن أبي داود وإيضاح علله ومشكلاته .

2- شفاء العليل في القضاء والقدر .

3- شرح أسماء الكتاب العزيز .

4- بدائع الفوائد .

5- حكم تارك الصلاة .

6- الفرق بين الخلة والمحبة .

7- الفتح القدسي .

8 - الروح .

9 - تفسير الفاتحة .

10 – تفسير أسماء القرآن .

11- زاد المعاد في هَدْي خير العباد .

12- الطب النبوي .

وغير ذلك من المؤلفات المفيدة..

وفاته :


توفي رحمه الله ليلة الخميس الثالث عشر من شهر رجب سنة 751 هجرية 1350 ميلادية عن ستين سنة ، ودُفن بمقبرة الباب الصغير .

رحمه الله تعالى رحمة واسعة وألحقه بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، ونفعنا والمسلمين بعلمه