عمان مدينة بلا رئة

عمان مدينة بلا رئة
13-06-2016





على الرغم من أن الطبيب نصحه بممارسة رياضة المشي يوميا، كأحد طرق مواجهة اصابته بمرض السكري، فإن محمود الدلابيح (50 عاما)، لا يستسيغ فكرة المشي بالطرقات القريبة من منزله، لعدم وجود ارصفة وأماكن مهيأة لذلك، ولخطورته في ظل السرعة الجنونية التي يقود فيها السائقون.
شكوى الدلابيح، تحيل الى مشكلة تقلص وعدم كفاية المساحات الخضراء في عمان وباقي المدن، ونقص الحدائق العامة التي يمكنها التشجيع على رياضة المشي، وتحسين الاجواء البيئية والمناخية للمدينة وسكانها.
ويعد توسيع الرقعة الخضراء، هما يؤرق مواطنين وجمعيات بيئية مختلفة، في ظل انحسار مساحاتها، باعتبارها 'رئة كوكب الأرض'، التي تسهم بخفض نسب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الهواء، الناجم عن عوادم السيارات وتأثيرات ظاهرة التغير المناخي.
ويعاني الأردن من ظاهرة التغير المناخي على موارده المائية والبيئية والزراعية، لذا فإن انتشار المساحات الخضراء، يسهم بخفض معدلات الاصابة بالأمراض المزمنة لدى الاردنيين (السكري، الضغط، والكوليسترول).
ووفق ما كشفته احصائيات وزارة الصحة، فإنه في 'عام 2004 بلغت تكلفة العلاج والتشخيص والإقامة في المستشفيات بشكل مباشر للأمراض الثلاثة السابقة 654 مليون دينار، في وقت يتوقع فيه أن تصل العام الحالي لنحو مليار دينار'.
دراسة أميركية حديثة، نشرت في مجلة الطب الوقائي، تؤيد أن 'زيادة المساحات الخضراء في المناطق السكنية، تقلل بشكل كبير من حالات الإصابة بأمراض مزمنة كالسكري وارتفاع ضغط الدم والكولسترول، إذ وجدوا أن خطر الإصابة بالسكري في المناطق الزاخرة بالخضرة يقل بنسبة 14 %، في حين تقل نسبة الإصابة بارتفاع ضغط الدم بنسبة 12 %، وذلك عبر دراستهم تقارير لربع مليون مريض فوق سن الـ65'.
الدلابيح؛ يؤيد ما ورد بتلك الدراسات، لكنه يشكو من انه يحتاج للوصول لأقرب حديقة لحيه السكني حوالي نصف ساعة في السيارة، لذلك فهو لا يمارس الرياضة.
ولعل مشكلة الادخنة المتصاعدة من المركبات في الطرقات العامة والفرعية، هو الذي يمنع ليلي درويش (38 عاما)، من الخروج من منزلها لممارسة رياضة المشي.
وبرأي درويش، فإن 'تلك المسألة قد تتسبب بزيادة نسبة حساسية الصدر التي تعاني منها'، اذ ترى ضرورة وجود مساحات خضراء بين الأحياء السكنية لممارسة رياضة المشي دون تلويث رئتيها.
وتبدي 'استغرابها من اتخاذ امانة عمان والحكومة قرارات عشوائية بالسماح بتشييد الابنية دون مراعاة مسألة وجود مساحات خضراء بينها، كما هو الحال بدول عربية وأجنبية'.
وتعتبر 'المساحات الخضراء، فضاءات للإبداع والتواصل، اذ يعيش اليوم اكثر من نصف سكان العالم في مدن سيرتفع عدد قاطنيها إلى 70 % بحلول العام 2050'، برأي المدير التنفيذي لجمعية 'إدامة' ربى الزعبي.
وتوصلت أبحاث علمية إلى أن المشي بالمساحات الخضراء يخفف الشعور بالإجهاد، ويساعد على التركيز، ويوطد العلاقات بين سكان الحي والمدينة، علاوة على أن المساحات المزروعة هي فلاتر طبيعية تخفف من التلوث والغبار والآثار الصحية المصاحبة لهما.
ولتعزيز مفهوم توسيع رقعة هذه المساحات، باعتبار أنها تعزز منعة المدينة واستجابتها لما يواجهها من تحديات الضغط السكاني والبيئي، تشارك 'إدامة' بمجموعة عمل شكلتها الامانة، لوضع استراتيجية 'عمان مدينة منعة (او مرنة)' ضمن 3 مدن عربية، لتحقيق تلك الغاية.
وشددت الزعبي على إن 'ادخال مساحات خضراء في المدن المكتظة الخالية من أراض شاسعة، يحتاج للابتكار'، مستندة بذلك إلى أن مدنا عديدة تلجأ لإنشاء حدائق على الأسطح وبتصاميم مبتكرة، توفر مزايا المساحات الخضراء في إطار حضري قريب من السكان.
ويساعد انتشار المساحات الخضراء على زيادة نسب الاكسجين في الاجواء، والتقليل من الأمراض المزمنة، وفق نائب مدير المدينة للمناطق والبيئة المهندس باسم الطراونة، فـ'أينما يذهب المواطن، يرى الحجارة عبر البنايات المنتشرة في أنحاء ومناطق المملكة'.
ولفت الطراونة إلى أن 'هنالك مبادرة ملكية بعنوان عمان خضراء 2020، هدفها الأساس زيادة رقعة المساحات الخضراء، بدأت الأمانة بترجمتها عبر إعادة تأهيل الحدائق العامة'.
وبين أن 'المشكلة الرئيسة في زيادة المساحات الخضراء الديمومة في الزراعة، تكمن بالحفاظ عليها وتنظيفها والعناية بها، كما اننا نفتقر لمفهوم الزراعة من المواطنين وأصحاب العقارات'.
وينتشر في العاصمة 141 حديقة، في وقت سيعاد فيه تأهيل وصيانة 45 حديقة في الأشهر الأربعة المقبلة، علما بأن هنالك أخرى تدار بصور جيدة جدا، وفق الطراونة.
وأضاف أن 'قانون الامانة، يلزم بزراعة 15 % من مساحة البناء الخارجية، لكن المؤسف أنه بعد حصول المالكين على إذن أشغال، يستغلون تلك المساحات ببنائها'.
واستبعد الطراونة إمكانية 'استملاك الامانة للأراضي الملاصقة بالابنية السكنية وتحويلها لمساحات خضراء، تفاديا للبناء عليها، فذلك يحتاج لمليارات الدنانير لتحقيقه'.
ووفق دراسة أجرتها وزارة الصحة العام 2007، فإن نسبة المصابين بمرض السكري لمن هم فوق سن 18 عاما بلغت 16 %‏، وفق مدير مديرية الامراض غير السارية الدكتور أيوب سيايدة.
واما المصابون بأمراض ضغط الدم، بحسب الدراسة ذاتها، فبلغت نسبتهم 26 %‏، في وقت وصلت فيه الى 36 %‏ للمصابين بامراض الكوليسترول.
وستشهد المملكة موجة عواصف رملية متكررة الفترات المقبلة، ستؤدي لانجراف التربة، نتيجة ظاهرة التغير المناخي، تماما كما حدث العام الماضي.
ومن منظور عالمي، هنالك عمل جاد ودؤوب للحفاظ على المساحات الخضراء والأشجار، فالحديث خلال أكثر من مؤتمر دولي، حول أهمية وجود الغابات كونها 'رئة كوكب الارض'، نظرا لمساهمتها بإمتصاص ثاني اكسيد الكربون، وفق مسؤولة حملات الطاقة والمناخ في الوطن العربي لـ'إندي أكت' صفاء الجيوسي.
وأظهر التقرير الوطني الشامل حول التغير المناخي، توقعات بارتفاع درجات الحرارة بحلول العام 2050، بمعدل 1.5 - 2.5 درجة مئوية، مشيرا الى ان العام 2050 سيشهد ارتفاعا بحدود 1.5 درجة مئوية.
ولفتت الجيوسي إلى ان قانون الزراعة المحلي، يمنع قطع الاشجار الحرجية أو المساس بها، لكن هنالك من يتعدى عليها بشكل دائم.
وبرأي الجيوسي 'ليست كل المساحات الخضراء تعني بالضرورة ان تصميمها صحيح، إذ إن الحدائق الخاصة او التابعة للامانة، تتصف بالسوء من حيث زراعة نباتات تحتاج للكثير من الري، في وقت تعد الاردن فيه من الدول الفقيرة مائيا'.
ولا تقع مسؤولية عدم توافر مساحات خضراء وبشكل منظم، بعيدا عن التنظيم العمراني العشوائي على عاتق الامانة، وفق الجيوسي، وانما على عدة جهات حكومية أخرى.