البطالة.. يأس وإحباط تدفع الشبان للانتحار

البطالة.. يأس وإحباط تدفع الشبان للانتحار
13-05-2016





آثار الكشف عن محاولة انتحار جماعي لخمسة شبان من فوق عمارة على دوار الداخلية منذ يومين، بسبب تعطلهم عن العمل، وبحثهم المستمر عن وظيفة؛ موجة من الانفعالات والاستغراب بين الأردنيين، فيما أعادها اختصاصيون إلى صعوبة الأحوال المعيشية والبطالة والتوتر والضغط والتفكك الأسري.
وبالرغم من أن الأجهزة الأمنية تمكنت من ثني هؤلاء الشباب عن الانتحار مبررين محاولتهم “بعدم وجود وظائف”، لكن تلك المحاولة كانت بمثابة دق لناقوس الخطر بما وصل إليه الشباب من إحباط ويأس وفقدان للأمان.
وفي هذا الصدد يرى اختصاصي علم الاجتماع د.حسين الخزاعي أن الوسائل والمسببات الاجتماعية للانتحار عبارة عن “مهيجات” لظهور العوامل النفسية التي تساعد على الانتحار.
ويعزي الخزاعي السبب في ذلك الى غياب عملية التوعية والارشاد والنصح، بالاضافة إلى أن القرار الذي يتخذه المنتحر بالانعزال عن المجتمع هو علامة من علامات رفضه لمجتمعه، فيقرر عزل نفسه عن مكانه.
إلى ذلك، تساهم التربية والتنشئة الاجتماعية الخاطئة، وغياب القدوة والنموذج الحسن في الأسرة كذلك انعدام التكافل الاجتماعي بين الناس، وظروف الحياة بشكل عام وعدم القدرة على مواجهتها، وصعوبة الأحوال المعيشية، وانعدام ثقافة الصبر والتحمل؛ على اللجوء للانتحار كحل، لافتاً الى أنه بالرغم من أن معدل البطالة 13,5 % إلا أن هذا ليس مبررا في الإقدام على الانتحار على الاطلاق.
ويشير الخزاعي أن هناك حالات انتحار منذ بداية العام في معظم مناطق المنطقة ومن مختلف الأعمار، مبيناً أنه بدأ الانتحار بالأردن يأخذ أشكال عنيفة لم تكن تمارس في السابق مثل إطلاق النار والقفز من الأماكن المرتفعة والانتحار شنقاً.
المستشار أول في الطب الشرعي والخبير في مواجهة العنف الدكتور هاني جهشان يبين أن الانتحار عموما نادر في مجتمعنا مقارنة مع الدول الغربية ودوّل شرق آسيا، والانتحار الجماعي لم يسجل سابقا، عدا حالة السيدتين في الجويدة، وكل المؤشرات تدل على أن محاولة الشباب الخمسة هي “نوع من جلب الانتباه لتحقيق مطالب بدى لهم أن محاولة الانتحار الجماعي هي الأجدى لتحقيقها”.
ويضيف جهشان أن هناك حالة إحباط لدى المواطن الأردني بوعود متكررة بمكافحة البطالة، إلا أنها لا زالت بازدياد وفي مثل هذه الظروف هناك احتمال كبير لتولد السلوكيات السلبية بما فيها الانتحار وايضاً الادمان والسلوكيات الجرمية.
ويوضح انه في الأردن كما في أغلب دول العالم الثالث، الأبحاث الأكاديمية غير متوفرة في مجال شيوع ودوافع محاولات الانتحار؛ حيث أن هذه المحاولات لا توثق في أقسام المستشفيات إن كان في القطاع العام أو القطاع الخاص، لأسباب عديدة أهمها الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالانتحار وإخفاق الأطباء من التأكد من أنها محاولة انتحار وكذلك بسبب ضعف الالتزام بتوثيق حالات المراجعين للمرافق الطبية بشكل عام.
ويلفت إلى أن أغلب المنتحرين هم من الفئة العمرية 18 إلى 45 ونادرا جدا ما يسجل حالة إنتحار لدى الأطفال وهذه لم تتجاوز الثلاث حالات في السنوات الثمانية الماضية، علما بأن هناك خطورة في الفئة العمرية من 18 -19 بسبب الكرب المتعلق بامتحان الثانوية العامة.
الناطق الاعلامي في الأمن العام المقدم عامر السرطاوي يبين أن الشباب الذين حاولوا الانتحار أول من أمس، هددوا بالانتحار وكانت مطالبهم الحصول على الوظيفة، واستطاع الأمن مباشرة مفاوضتهم وانزالهم سريعاً. ويبين أن “المحاولة لم تكن جدية بقدر ما كانت رغبة من هؤلاء الشباب بالتعبير عن رأيهم وتوصيل رسالتهم”، لافتا إلى أنه تم تحويلهم بعد ذلك الى المحافظ والاستماع لهم وبعدها قاموا بالتوقيع على تعهدات والافراج عنهم على الفور.
ويشير السرطاوي إلى أن “الشخص الذي ينوي الانتحار الفعلي والجدي لا يخرج على أمام الناس وعلى الملأ انما ينفذ فعلته بتكتم شديد وبشكل منفرد دون أن يعلم به أي أحد”.
ومنذ مطلع العام الماضي سجلت أكثر من 10 حالات انتحار، ومحاولات إضرام النار بالنفس والشنق وتناول جرعات زائدة من الأدوية، حالتان منهما ثبت أن دافعهما مرض نفساني.
وشهد العام الماضي وفق احصائيات رسمية صادرة عن ادارة المعلومات والمعلومات الجنائية؛ 39 حالة انتحار نتج عنها وفاة ومن بينها 9 غير أردنيين أما محاولات الانتحار فقد بلغت 301 فيما سجلت 49 حالة وفاة بسبب الانتحار في العام 2010 من بينها 10 غير أردنيين أما محاولات الانتحار فقد بلغت 391 حالة .
ووفق مدير المركز الوطني للطب الشرعي الدكتور قيس القسوس، فقد بلغ عدد حالات الانتحار سنويا في الاردن ما بين 70-80 حالة معظمهم من الذكور، في حين أن محاولات الانتحار ربما تصل إلى الضعف، لكن لا يوجد لها احصائيات خاصة بها، وأوضح أن محاولات الانتحار مسجلة لدى المدعي العام.
وقال الدكتور القسوس لـ”الغد” أمس إن طريقة الانتحار ترتبط بالمستوى الثقافي والتعليمي للمنتحر، فالمثقفون عادة ما ينتحرون بطريقة أقل ايلاما، كإطلاق العيار الناري على نفسه أو تناول السموم كالمبيدات او كمية من العقاقير المهدئة، بيد أن غيرهم عادة ما ينتحرون بطريقة الشنق أو الحرق.
كذلك، فإن الإناث يرغبن بالانتحار إما عن طريق تناول السموم أو الحرق، في حين أن الرجال بمختلف مستوياتهم وتحديدا غير المثقفين ينتحرون غالبا عن طريق الشنق أو إطلاق عيار ناري.
واشار الى ان أكثر حالات الانتحار المتداولة بالأردن هي (اطلاق عيار ناري، الشنق والحرق وتناول السموم)، في حين أن السقوط عن مرتفع من الصعب إثباتها كحالة انتحار.
ويبين اختصاصي علم الشريعة د.منذر زيتون أن الانتحار يعتبر من كبائر الذنوب، لأنه اعتداء على النفس بغير ما أمر الله، والنفس لها حرمتها فلم يجز إيذاؤها فضلاً عن الاعتداء عليها، والله تعالى يقول (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المنتحر سيعاقب يوم القيامة بمثل ما قتل نفسه به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم قال “مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً”، وقال “مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة”.
ويرى زيتون أن لجوء الناس إلى الانتحار وتزايد عدد تلك الحالات، سببه هو ما يعيشه الناس من توتر وضغط كبيرين، وذلك مما يدفعهم قطعاً إلى رفض الحياة والتخلي عنها، مع أنها في الأصل نعمة، وللأسف فإن المسؤولين وبرغم الأصوات التي تعلو كل يوم وتتطالبهم بالعمل على تيسير الأمور على الناس وسحب فتيل توترهم إلا أننا لم نشهد أية جدية في مواجهة ذلك اللهم سوى التصريحات والاستنكارات ووعود لم تتحقق.
وفي ذلك يرى الاختصاصي النفسي والتربوي د. موسى مطارنة أن الانتحار ينشأ من حالة نفسية محبطة تفجر المقاومة الذاتية عن مواجهة أمر ما يجعله يخرج للواقع لينفذ، لافتاً الى أن حالة الاحباط جاءت من الوضع العام والظروف الاقتصادية والاجتماعية والفراغ الديني والاجتماعي وهذه كلها اجتمعت لتشكل ظاهرة .
ويبين أن الشباب يعانون من مشاكل اقتصادية وفقدان الأمان، وعندما يصاحبها فراغ ديني وثقافي وعدم تفهم وعدم استماع لحاجاتهم بشكل جدي يؤدي ذلك الى الانتحار. وهذا سبب كبير ومهم الى أن الشباب بحاجة الى وقفة والتعامل مع مشكلاتهم بشكل جدي وتفهمها ومعرفة أبعادها.
ويلفت مطارنة إلى أن سبب كل ذلك هو حالة الاحباط والاستخفاف بمشاكلهم، ووجود مجتمع غير قادر على استيعابهم وبيئة غير قادرة على الاحتواء، ما يجعل الشخص يشعر باليأس ويحبط ويصبح فريسة سهلة للتطرف أو المخدرات أو العصابات .
ويضيف مطارنة إلى أنه لا بد من توفير الرضا والعدالة حتى نستطيع تجاوز الإحباط الشديد والخروج من الألم، لافتاً إلى أن الحلول موجودة إلا أنه لا يوجد جدية ولا خطط ولا استراتيجيات تطبق .
ويرى أن الانتحار سلوك احباطي ويائس وخارج عن القدرة الذاتية، واذا أصبح حالة وحل لا يمكن معالجته لذلك لا بد من معالجة الأسباب ووضع الحلول الصحيحة وبناء منظومة قادرة على استيعاب الشباب للحد منها .الغد