أسعار الكهرباء وكرم الحكومة الحاتمي

أسعار الكهرباء وكرم الحكومة الحاتمي
11-05-2016





كلنا سمع بشاعر الجاهلية حاتم الطائي والذي اشتهر بكرمه الشديد حتى بتنا نستخدم تعبير 'كرم حاتمي' نسبه إليه.

لقد كان كرم حاتم مبالغاً به؛ فكان يكرم ضيفه ويطعمه ويعطيه زاداً يكفيه في حله وترحاله بينما زوجته وأولاده جياع، حتى أن زوجته في نهاية المطاف طلقته بسبب هذا الكرم الزائد.

حكومتنا تنتهج 'كرم حاتم' فمنذ العام 2011 ومنذ أن بدأ ارتفاع تكلفة انتاج الكهرباء بسبب انقطاع امداد الغاز المصري واعتمادنا على توليد الكهرباء باستخدام مصادر أخرى وبأسعار النفط والغاز العالمية، لجأت الحكومة الى رفع ممنهج لأسعار الكهرباء للعديد من المستهلكين من الشركات، لكنها أصرت على دعم المستهلكين المنزليين جميعهم بلا استثناء؛ فاليوم تدعم الحكومة جميع مستهلكي الكهرباء المنزليين، وذلك حرصا منها على عدم المساس بهذه السلعة التي تدخل كل بيت وتهم كل مواطن.

نحن نعلم بأن نسبة كبيرة من المواطنين هم بحاجة لهذا الدعم، وعليه نثمن للحكومة دعمها ونشد على يدها للاستمرار في ذلك، إلا أن بعض المواطنين هم في غنى عن هذا الدعم والأولى أن يدفعوا تكلفة الكهرباء الفعلية لا أن تدعمهم الحكومة في ذلك. لو أننا في دولة مثل الإمارات أو السعودية أو الكويت لكان ذلك مقبولا، ولكن نحن هنا في الأردن؛ هذه الدولة التي تتوقع عجزا في الموازنة مقداره 907 ملايين دينار في العام 2016 وتنزف بسبب مديونية تجاوزت 90 % من الناتج الإجمالي المحلي وتعتمد في جزء من موازنتها على المنح والديون، أو ليس الأجدى أن يدفع المقتدر من أبنائها التكلفة الفعلية لخدمة مثل الكهرباء؟

ولكي يقدر القارئ حجم المشكلة وتبعاتها، دعوني أشرح لكم عن أي دعم أتحدث.

إن مستهلكي الكهرباء في المنازل والذين يتجاوز استهلاكهم 600 كيلو واط ساعة في الشهر (أي تتعدى فاتورة الكهرباء الشهرية لمنازلهم 50 دينار) هم بدون شك من المقتدرين، الا أن كل فاتورة تصدر لأي من هؤلاء المشتركين تدعمها الحكومة بمقدار 22 دينارا، كل فاتورة في كل شهر، وجميعهم قادرين على دفع هذا المبلغ (أي مبلغ الدعم) دون أن يتأثر مستوى معيشتهم أو أن يؤدي ذلك لا سمح الله الى اختصار أي من مستلزمات منزله أو عائلته، والا لكان اختصر بادئ ذي بدء من استهلاكه للكهرباء ولم يكن ليصل استهلاكه الشهري 600 كيلو واط ساعة؛ وهو استهلاك عالي نسبيا.

أو ليس الأولى أن يتكفل كل من هؤلاء بكامل تكلفة الكهرباء التي يستهلكونها بدلا من ان تدعمهم الحكومة؟، أو ليس كرم الحكومة في دعمهم هو 'كرم حاتمي'؟، فهي تدعمهم بالرغم من استطاعتهم دعم أنفسهم وبالرغم من عجز موازنتها وغرقها في المديونية!، هي مثل حاتم الطائي الذي يطعم ضيفه غير المحتاج على حساب عائلته الجائعة..، ألا يكفي أن تدعم الحكومة المحتاجين من أبنائها فقط؟

الحل واضح ولكنه بحاجة إلى أن يتفهم الأردنيون المشكلة وان يتفهموا الحل المطروح. الحل هو 'الغاء الدعم عن كل فاتورة كهرباء منزلية يكون الاستهلاك فيها أعلى من 600 كيلو واط ساعة شهريا'، وبالتالي لن يتأثر أبداً المشتركون المحتاجون للدعم وانما يدفع المقتدر الثمن الفعلي لتكلفة الكهرباء التي يستهلكها، وبذلك يذهب الدعم لمن يحتاجه فقط ونساعد الحكومة على رأب الفجوة في الموازنة وتخفيض المديونية.
الحال أشبه بسفينة تعج بركابها، وبسبب ثقلها حل ثقب بأسفلها، السفينة هي الوطن وركابها هم المواطنون والثقب هو البلاء المسمى 'مديونية'، والذي سيؤدي إن لم يعالج الى غرق السفينة بركابها، ولن يستطع ربان السفينة أن يسد الثقب لوحده ما لم تتضافر الجهود ويتعاون الركاب على سدّه، والا سيتسرب الماء إلى السفينة فتغرق بركابها.

أما بلغة الأرقام ، فهذا ما يعنيه الحل المقترح: حوالي 150 ألف منزل في الأردن يستهلك أكثر من 600 كيلو واط ساعة في الشهر واذا ما الغينا الدعم عنهم فسيتوفر للحكومة ما مقداره حوالي 40 مليون دينار سنوياً، أي أننا سنخفض من عجز الموازنة المتوقع حوالي 4 % وذلك من خلال توجيه الدعم لمستحقيه
هل أسمعت يا ترى من بإمكانه تعليق الجرس؟!