مسرح جديد للجرائم ضحاياه مراهقون.. "منى" قصة ابتزاز دفعت نقوداً لحبيبها مقابل عدم نشر صورها

مسرح جديد للجرائم ضحاياه مراهقون.. "منى" قصة ابتزاز دفعت نقوداً لحبيبها مقابل عدم نشر صورها
19-04-2016





لم تتوقع الطالبة الجامعية 'منى' أن تنتهي علاقتها بمن أحبته، والتي استمرت نحو 3 أعوام، بتعرضها للابتزاز، من حيث لم تحتسب، فيما كان 'شك حبيبها بأنها بدأت تتخلى عنه، هو ما أوقعه في براثن حقد أعمى، دفعه لاستغلال الفضاء الإلكتروني المفتوح ووسائل التواصل الاجتماعي، ليرتكب ما بات يعرف بـ(الجريمة الإلكترونية)، عبر اتباع أسلوب 'الابتزاز والتشهير' بمن أحبها سابقا'.
وتعد منى (اسم مستعار) واحدة من 2305 ضحايا، حتى نهاية العام 2015، للجرائم الإلكترونية، التي بدأت 'تهدد' المجتمع الأردني، ولا تقل خطورتها عن خطورة الجرائم 'التقليدية'، بل ربما تكون في أحيان كثيرة أشد خطورة، بحسب مختصين.
كما استمدت هذه الجرائم خطورة إضافية خلال الأعوام القليلة الماضية من اتساع حجم انتشار شبكة الإنترنت والهواتف الخلوية الذكية في المجتمع الأردني، وزيادة الإقبال عليها، بمن فيهم شرائح الأطفال والمراهقين.
وتقدر الإحصاءات الرسمية انتشار الهواتف الخلوية بنسبة 99 % في بيوت الأردنيين، 70 % منها هواتف 'ذكية' توفر تطبيقات واسعة وقدرة على التشبيك بمواقع التواصل الاجتماعي، فيما يقدر وجود نحو ثمانية ملايين اشتراك فعال بخطوط الخلوي في المملكة.
اتساع الظاهرة يستدعي تطوير أدوات مكافحتها
تزايد ارتكاب الجرائم عبر الوسائل الاتصالية الالكترونية الحديثة دفع الى تزايد اهتمام الجهات الأمنية المختصة بمثل هذه الجرائم، ولجوئها إلى تعديلات تشريعية لمواكبتها قانونيا، وزيادة الكادر الذي يتابع ويتعامل مع شكاوى مثل هذه الجرائم.
وبحسب ما تشير إليه وحدة الجرائم الإلكترونية في إدارة البحث الجنائي بالامن العام، فإن عدد جرائم الاتصال التي تعاملت معها العام الماضي وصل الى 75 جريمة، في حين وصلت العام 2014 الى 58 جريمة، كما تعاملت مع 687 جريمة انتحال شخصية، لغايات التشهير العام الماضي، و481 جريمة من النوع نفسه العام 2014.

كما تعاملت الوحدة العام الماضي مع 680 جريمة تهديد وابتزاز إلكتروني، فيما وصلت الى 536 العام 2014، وتعاملت مع 100 جريمة احتيال مالي العام الماضي، وفي العام 2014 كانت 113 جريمة.
كذلك جرى التعامل العام الماضي مع 64 جريمة سرقة بريد إلكتروني 'إيميل'، بينما بلغ في العام 2014، 89 جريمة، إضافة إلى 6 جرائم 'سرقة بيانات' العام الماضي، مقابل 36 العام 2014، فضلا عن 18 جريمة 'اختراق مواقع إلكترونية'.

وبالعودة إلى منى (20عاما)، تقول: 'كان لي حبيب عشت معه علاقة لمدة 3 أعوام، وعندما التحقت بالجامعة بدأ يشعر أنني أنشغل عنه، خصوصا أنني أصبحت في بيئة جديدة وأشخاص جدد وطبيعة حياة مختلفة (...)'. وتضيف: 'بدأ يشك أنني أصبحت أتغير وبات يتهمني بأنني بت أكره الحديث معه، وكان دائما يسألني إن كنت أحببت شخصا غيره، ومن شدة ضغطه علي اضطررت أن أدعي أنني أصبحت على علاقة مع آخر حتى أتخلص منه، ومنذ تلك اللحظة بدأ يهددني'.
وبدأت أشكال التهديد تتطور بالنسبة لمنى، إلى أن تحولت إلى 'تهديد' حبيبها السابق لها بأنها 'إذا رفضت أن تأتي إلى منزله حيث يقطن في محافظة أخرى والحديث معه هناك، فإنه سوف ينشر صورها على 'الفيسبوك' ويرسل بنسخ منها لوالدها'.
وهنا تقول منى: 'خفت كثيرا عندما وصل الأمر إلى هذا الحد، ورضخت لطلبه بأن أذهب الى بيته (..)'، قبل أن 'يعود لتهديدي لاحقا أكثر من مرة بفضح صوري وإرسال نسخ منها لوالدي، الأمر الذي اضطرني إلى أن أدفع له نقودا مقابل أن يتراجع عن تهديده، وبعدها غيرت رقم 'موبايلي' وتوقف التواصل بيننا'.
وعن الدرس الذي تعلمته منى من هذه التجربة، تقول: 'حالة الخوف والرعب التي عشتها في تلك الفترة علمتني أن أكون حذرة ولا أثق بالناس بسهولة، وبأن صوري ملك لي لا يحق لشخص آخر أن يطلع عليها'.
وفي سياق آخر، تظهر قصة صديقة 'أسماء' وهو اسم مستعار، كنوع آخر من الجرائم الإلكترونية، وتشبه بأحداثها الغريبة أفلاما عربية.
تقول أسماء، وهي طالبة جامعية، بأن صديقة مقربة منها، أعجبت بزميل لها في الجامعة، بينما كان هو معجب بطالبة أخرى.
وتشير إلى أنه و'انتقاما لذنب لم يرتكبه الزميل، دفعت الطالبة المعجبة نقودا لشخص، مقابل استدراج فتاته والتحرش بها، وتصوير المشهد، ونجح الأمر، ثم أرسلت الصور لوالد الفتاة الذي أخرج ابنته من الجامعة ومنعها من استكمال دراستها'.
الأمن العام: جرائم غير تقليدية
رئيس قسم الجرائم الإلكترونية الرائد رائد الرواشدة يؤكد أن شكل هذا النوع من الجرائم 'لم يعد تقليديا'، إذ كانت الجرائم الإلكترونية سابقا مقتصرة على عمليات 'النصب والاحتيال والشتم'.
ويلفت إلى أن هذه الجرائم اصبحت اليوم، ومع تطور وسائل الاتصال، عابرة للحدود، فلم يعد المجرم الإلكتروني يعمل داخل بلده فقط، بل أصبح بامكانه استغلال 'السوشيال ميديا' ووسائطها مثل 'فيسبوك'، و'تويتر'، و'تانغو سكايب' ومكالمات الفيديو وغيرها مما يتيحه تطور تقنيات الاتصال المتسارع.
وحدة الجرائم الالكترونية ترصد أشكالا متنوعة من الجرائم الإلكترونية التي تحدث في الأردن، فوفق الرواشدة، تتمحور هذه الاشكال حول: 'التشهير، الابتزاز الجنسي، الابتزاز المالي، الشتم، التصيد والاحتيال'، مشيرا إلى أن 'أكثر فئة عمرية تمارس هذه الجرائم، تتراوح بين 14 و24 عاما'.
وعن نسبة الجرائم الإلكترونية التي تحدث في الأردن، يشير الرواشدة الى أنها 'تتطور باستمرار، ففي العام 2008 بدأت مكافحة الجرائم الإلكترونية عملها بإسناد فني من إدارة البحث الجنائي، ومن ثم أنشئ قسم للجرائم الإلكترونية العام 2013، وفي العام الماضي، تحول إلى وحدة الجرائم الإلكترونية، وخلال هذه الفترة تطورت نسب تلك الجرائم، ففي حين كانت تبلغ سابقا نحو 100 قضية في العام، وصلت مع نهاية العام الماضي إلى 2305 جرائم'.

ويعزو سبب ارتفاع الجرائم الإلكترونية الى 'انتشار التكنولوجيا، وارتفاع عدد مستخدمي الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى ارتفاع عدد السكان والوافدين'.
ولفت الرواشدة إلى أن ذلك استدعى تطوير مهارات الكادر الشرطي العامل في مجال مكافحة الجرائم الإلكترونية، حيث أصبح له متخصصون وإداريون وفنيون ومحققون.

مكافحة الجرائم الإلكترونية مسؤولية مجتمعية وطنية

ولفت إلى أن مكافحة هذه الجرائم، مسؤولية جماعية وطنية، وتحتاج لتفعيلها إلى رفع نسبة الوعي بخطورتها، وتحقيق الجانب الإرشادي بالتوازي مع الجانب الأمني، وكل ذلك يبدأ من المنزل فالمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام.

وفيما يتعلق بالعقوبات بحق مرتكبي هذه الجرائم، بين الرواشدة أن مواد قانون الجرائم الالكترونية عالج هذه الجرائم، وهو الآن بصدد التطوير، حيث 'ستغلظ العقوبات لتصل الى الحبس لمدة 3 أعوام وغرامة 15 ألف دينار، أما جرائم الاستغلال الجنسي الإلكترونية للأطفال فتصل عقوباتها إلى السجن المؤبد'.
وشجع الرواشدة النساء على عدم التردد للتقدم بالشكوى لدى وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية، لافتا الى ان اعتبارات عديدة 'تحول دون إقدامهن أحيانا على تقديم أي شكوى'، مشددا على أن الوحدة تتعامل بسرية تامة مع هذه القضايا، وما يردها من معلومات 'محفوظ ومصان'.

ونوه إلى أن 'الابتزاز الجنسي هو شكل دارج جدا في الجرائم الإلكترونية التي تمارس حاليا، وله دافعان، إما معنوي أو مادي، ويتم عبر أشخاص بالغين'.

وأشار إلى أن 'عدد القضايا التي سجلت كابتزاز جنسي للأطفال في الاردن، كان قليلا لهذا العام ولم يتجاوز 4 قضايا فقط'.

ونبه إلى ان 'جرائم الاحتيال المالي عبر البريد الإكتروني، حيث ترد رسائل تطلب تغيير رقم حسابات البنوك مثلا'، داعيا للعودة الى الطرق التقليدية لحماية الحسابات، فيما أشار في الوقت ذاته، الى أن أغلب هذه الجرائم 'تتم من خارج البلاد'.

ويقول الرواشدة إن 'رسالة المديرية تكمن بمنع الجريمة قبل وقوعها، ورسالتنا في الوحدة تكمن في التوعية والإرشاد والتطوير، ومواكبة التقنيات الحديثة التي تدخل إلى بيوتنا على نحو متسارع'.
الضحية مسؤول أحيانا عن التورط

من جانبه، نوّه رئيس قسم العلاقات العامة في إدارة البحث الجنائي النقيب بلال المومني في حديث مع الى أن 'هناك الكثير من الجرائم الإلكترونية، التي يكون للضحية دور كبير فيها، لعدم إلمامه بالجانب الأمني المعلوماتي، ما يجعله هدفا سهلا'، مشيرا إلى أن 'المعدل المتوسط لحماية أنفسنا من الوقوع في تلك الجرائم، يصل إلى 70 %'.

وأشار المومني إلى أن 'أكثر موقع تتم فيه الجرائم الإلكترونية، هو 'الفيسبوك'، خصوصا للفتيات اللواتي يرين في هذا الفضاء 'منبرا للتعبير عن آرائهن، وعدم خبرتهن الكافية في حماية معلوماتهن'.
واستعرض كيفية حدوث بعض الجرائم الإلكترونية 'كالابتزاز الإلكتروني' كما يحدث في موقع 'سكايب'، إذ تبدأ الفتاة باستخدام تقنية الفيديو فيه، فيما تسجل فيه العصابة أو الجاني الضحية بـ'الفيديو'.

وعبر موقع 'الفيسبوك'، وفق المومني، 'تنتحل العصابة أو الجاني، شخصية فتاة، وإضافة الضحية كصديق، أو تقوم بمحادثة مباشرة معه، وبعد حديث قصير تدعوه لمحادثة 'فيديو'، ما يجعلها فريسة سهلة، ومن ثم تهدد الضحية بنشر 'الفيديو' على مواقع إباحية، وتضطر لدفع مبلغ مالي حتى لا يجري نشره في تلك المواقع'.

وأكد أن 'ارتفاع عدد الجرائم الإلكترونية أمر طبيعي جراء زيادة عدد سكان المملكة والوافدين واللاجئين، إضافة إلى ارتفاع نسبة استخدام الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي'، مؤكدا أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الأردن، بل تعد مشكلة عالمية.

'الفيسبوك' الميدان الأكبر لتسجيل الجرائم أردنيا

بدوره، بين الخبير الإلكتروني المتخصص بمواقع التواصل والاتصال، المحامي الدكتور يونس عرب أن 'هناك خللا في التصنيف القانوني للجرائم الإلكترونية، فجرائم بطاقات الائتمان مثلا تصنف على أنها جرائم احتيال أو تزوير، في حين هي من جرائم أنظمة المعلومات، كما أن جرائم 'الفيسبوك' تصنف على أنها جرائم اتصالات أو ذم وقدح'.

وأشار عرب الى أن 'أكثر الجرائم الإلكترونية انتشارا في الأردن مرتبطة بـ'الفيسبوك'، وجزء منها منظور أمام مختلف المحاكم، وتحال هذه الجرائم باعتبارها مخالفة للمادة 75 من قانون الاتصالات، أي رسائل مخالفة للآداب'.

وأشار الى أن العقوبة فيها 'متدنية، إذ إما تكون غرامة أو حبس لمدة 6 أشهر، ما يقلل من حدة وجود رادع قوي لمرتكبي هذه الجرائم'.

واستعرض عرب عدة مشاهد من تلك الجرائم، 'كنشر صورة لفتاة على جسد عار، باستخدام تقنية الفوتوشوب، أو تسجيل برامج فيديو والتهديد بنشرها'.

وأكد أن 'ارتكاب الجرائم الإلكترونية أمر سهل للغاية، وهي الأكثر خطورة بين الجرائم'، منوها في الوقت ذاته إلى عنصر وصفه بـ'الخطر جدا، وهو الفيروسات التي تهاجم الأجهزة'.

العالم الافتراضي يعكس اضطرابات الواقع!

خبير نفسي يوضح أن 'العالم الافتراضي يعكس البيئة المجتمعية بأمراضها واضطراباتها المختلفة، لكن الفرق يكمن في أن بعض التصرفات في المجتمع العادي غير مكشوفة، لكنها واضحة في العالم الافتراضي'.

ويقول أن 'الضابط الاجتماعي والأخلاقي يقل في العالم الافتراضي، حيث يعتقد الشخص ببساطة أنه محمي وهو وراء شاشة إلكترونية'.

وتشير الدراسات الى أن الفئة العمرية الأكثر ممارسة واستهدافا للجرائم الإلكترونية، هي فئة المراهقين، نظرا لهشاشة النموذج الأخلاقي لديهم، حيث يعلل ذلك بان 'الشخص في هذا العمر يبحث عن متطلباته وأهمها المتطلب الجنسي، إضافة لهشاشة الأخلاق، ما ينتح سلوكا سيئا'.