المرأة.. أسيرة قلق بسبب العلاقة المتوترة بين عملها والإنجاب





هناك قلق سائد من أن تؤدي زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة إلى انخفاض معدلات الخصوبة وبالتالي مزيد من الانخفاض في عدد السكان، ذلك ما أشارت إليه مقالة في نشرة صندوق النقد الدولي .
وبينت، هناك أدلة في فرادى البلدان على انخفاض أعداد المواليد مع زيادة مشاركة النساء في القوى العاملة. وعلى سبيل المثال، ترى دراسة (Bloom and others 2009) أن كل مولود يؤدي إلى انخفاض المعروض من عمالة النساء بما يقرب من عامين، في المتوسط، خلال العمر الانجابي للمرأة. ورغم وجود علاقة سلبية بين هذه المتغيرات على مستوى فرادى البلدان، توجد علاقة إيجابية بين الخصوبة ومشاركة الإناث في القوى العاملة على المستوى القُطْري المقارن.
وفسر الباحثون هذا التناقض الواضح بالنظر في المساهمة التي يقدمها الرجال لأسرهم، وقد وجدوا أن النساء أكثر قدرة على الجمع بين الأمومة والعمل في البلدان التي تزيد فيها مشاركة الرجال في الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال، مما يؤدي إلى زيادة المشاركة في القوى العاملة عند مستويات الخصوبة العالية نسبيا.
وإلى جانب ذلك، يبدو أن العالقة بين مشاركة الإناث في القوى العاملة ومستوى الخصوبة قد تحولت منذ عام 1985 من عالقة سالبة إلى موجبة في البلدان المتقدمة الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (Brewster and Rindfuss, 2000).
ويعني هذا التحول أنه إذا زاد عدد النساء اللاتي يعملن ويجلبن أجورهن للمنزل، استطاعت الأسر
إعالة المزيد من الأبناء. ويعكس هذا الاتجاه أيضا تغيرات في المواقف الاجتماعية تجاه الأمهات العاملات، ومشاركة الآباء في رعاية الأبناء، والتطورات التكنولوجية التي تتيح مرونة أكبر في مكان العمل. وقد ساعد على ذلك أيضا السياسات العامة مثل زيادة مزايا إجازة رعاية الطفل وزيادة إتاحة رعاية الأطفال.
وفي المرحلة المبكرة من التحول الديمغرافي، قد تُفضِّل المرأة التي تنضم إلى القوى العاملة إنجاب عدد أقل من الأبناء. وعندما يتقلص عدد السكان، لا يكون المزيد من الانخفاض في معدل الخصوبة مرغوبا ولا يمكن تحمله على المدى المتوسط، لذا يجب أن تسهم السياسات والمجتمع بأسره في دعم الظروف التي تمكِّن عدد أكبر من النساء من تحقيق التوازن بين العمل والأسرة.
تقوم المرأة بدور مهم في هذا التحول الديمغرافي. فهي تشكل أكثر من نصف سكان العامل. ونظرا لأن عمر المرأة بوجه عام أطول من عمر الرجل، فإن نسبتها في الفئة العمرية «أكثر من 65 سنة» أكبر بدرجة ملحوظة. ومع ذلك، ظلت نسبة النساء في سن العمل اللاتي يشاركن بالفعل في القوى العاملة في الاقتصاد «المعروفة بنسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة» في حدود 50% على مدى العقدين الماضيين. ويحجب المتوسط العاملي فروقا كبيرة بين المناطق في المستويات والاتجاهات. فمعدلات المشاركة تتراوح من 21% في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أكثر من 60%
في شرق آسيا، وإفريقيا جنوب الصحراء، والولايات المتحدة، وأوروبا الشمالية. وفي حين شهدت أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي ارتفاعاً كبيراً بلغ حوالي 13 نقطة مئوية خلال هذه الفترة، لا تزال المعدلات تتراجع في جنوب آسيا. ورغم الجمود في معدلات مشاركة الإناث، فإن متوسط فجوة المشاركة بين الجنسين «أي الفرق بين معدالت مشاركة الذكور والإناث في القوى العاملة»، يتراجع منذ عام 1990، نظرا لأن انخفاض معدلات مشاركة الذكور في القوى العاملة كان أكبر من ارتفاع معدلات مشاركة الإناث.
من جانب آخر، اشار البنك الدلي عبر أحد مدوناته أن تحقيق المساواة بين الجنسين والتمكين الاقتصادي للمرأة ضرورة أخلاقية واجتماعية على حد سواء – وهو أيضا استثمار مربح.
وتقدر دراسة أجراها معهد مكينزي العالمي أنه في حال قيام جميع البلدان بمضاهاة مستوى التقدم الذي حققته البلدان الأكثر تقدما في مجال المساواة بين الجنسين في مناطقها، فإن إجمالي الناتج المحلي العالمي السنوي يمكن أن يرتفع بما يصل إلى 12 تريليون دولار أمريكي في عام 2025.
لقد شهدت العشرون عاما الأخيرة تقدما كبيرا في رفع مستويات المعيشة وسد الفجوة القائمة بين الرجال والنساء، وخاصة في الصحة والتعليم، حيث ارتفع معدل العمر المتوقع عند الميلاد جنبا إلى جنب مع تراجع معدل الوفيات النفاسية، كما أخذت الفروق في معدلات الالتحاق بالتعليم الابتدائي بين الأولاد والبنات في التلاشي باطراد.
بيد أن هذه المكاسب – وإن كانت كبيرة – تحجب وراءها فروقا بين البلدان والمناطق، وهي غير كافية لضمان إتاحة فرص اقتصادية متساوية للذكور والإناث. إذ أن في بلدان عديدة، يتخرج عدد أقل من الفتيات من المدارس الثانوية مقارنة بالفتيان، كما أن المرأة أقل تمثيلا في التعليم الجامعي في كليات الهندسة والعلوم والتعليم الصناعي. ويسهم ذلك في الفروق التي تتبدى لاحقا بين الجنسين في مجالات التوظيف والإنتاجية والدخل.
وبالرغم من عدد متزايد من النساء يشاركن في الأنشطة الاقتصادية، بالإضافة إلى العمل بدون أجر في بيوتهن. إلا أن المرأة تعاني من استمرار عدم المساواة في أماكن العمل. كما أن هناك فروقا هائلة بين الرجال والنساء من حيث نوع العمل ومستوى الدخل الذي يحصلون عليه، فضلا عن القدرة على الحصول على التمويل والتكنولوجيا.
ومن العوامل المهمة في توضيح الفروق في القدرة على الحصول على الفرص الاقتصادية نسبة الوقت التي يكرسها الرجال والنساء للعمل بأجر أو بدون أجر في منزل الأسرة وأوقات الفراغ.
وثمة عوامل أخرى تعوق مشاركة المرأة في الأيدي العاملة منها: الفجوة في المهارات، والفروق المهنية، ونقص خدمات الرعاية للأطفال والمسنين، والقيود المفروضة على التنقل والانتقال، والقيود القانونية والاجتماعية.
علاوة على ذلك، ونظرا لأن الانضمام إلى الأيدي العاملة يتزامن في مجتمعات كثيرة مع القرارات المتعلقة بالزواج والحمل، تجد المرأة نفسها مضطرة في أحوال كثيرة إلى سلوك مسار منخفض الإنتاجية يحول دون إعادة توجيهها في مراحل لاحقة من حياتها إلى أنشطة أكثر إنتاجية.
ووفقا لوتيرة التقدم الحالي، يُقدر المنتدى الاقتصادي العالمي أن الأمر سيستغرق 118 عاما كي يتمكن العالم من سد الفجوة بين الجنسين. ويبرز ذلك ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة. ولابد أن تركز هذه الإجراءات على تحسين الموارد البشرية المتوفرة، وخاصة من حيث الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية. وينبغي أن تتضمن أيضا إزالة القيود التي تحول دون حصول النساء على المزيد من فرص العمل الأفضل، وتذليل العقبات القائمة أمام المرأة في التملك وحيازة الأصول، كالأراضي والعقارات والتكنولوجيا.
وأخيرا، من الضروري تدعيم مشاركة المرأة في النقاش العام وعملية اتخاذ القرارات، جنبا إلى جنب مع تقديم المساندة للحد من العنف القائم على نوع الجنس.