18عاما من " التلكؤ الحكومي" في إقرار قانون لحماية المستهلك

18عاما من " التلكؤ الحكومي" في إقرار قانون لحماية المستهلك
29-02-2016





لا تدرك المواطنة رويدة كمال ان مشروع قانون حماية المستهلك ما يزال في الادراج منذ 18 عاما، ولا تعرف كمال معنى قوى الشد العكسي، ولا من هم المستفيدون من عدم سن قانون لحماية المستهلك، ولا تعرف تفسيرا منطقيا لمماطلة الحكومة أو مجلس النواب في سن القانون، كل ذلك لايهمها.
لكن كمال لا تدرك أيضا انه في ظل غياب قانون لحماية المستهلك فإن المستهلك بعد شرائه أية بضاعة غير محمي بموجب القانون، وكأن الحكومة تقول للمستهلك: “إذهب انت والتاجر..إنا قاعدون”، سيما في ظل عدم توفر حماية قانونية تغطي ما يسمى خدمات ما بعد البيع.
وكانت كمال اشترت طقم كنب من أحد محال بيع الأثاث في عمان، ووعدها التاجر بإنجاز الطقم خلال اقل من اسبوع، وبالفعل وصل طقم الكنب في الموعد المحدد، لكن الصدمة الأولى عند كمال عندما وجدت ان اللون الذي تم إحضاره يختلف تماما عن اللون الذي اختارته في المحل، وكانت الصدمة الثانية عندما وجدت كمال ان خشب الطقم مليء بالخدوش والضربات التي قامت بتقشير الدهان، الصدمة الثالتة عندما وجدت كمال ان ثلاثية طقم الكنب مشغولة بطريقة خطأ وأن “الدرزات” فيها ظاهرة بشكل بشع، اما الصدمة الرابعة فكانت من خلال إحضار التاجر لطاولتين فقط في حين يفترض إحضار ثلاث، وعند سؤالها عن الطاولة المفقودة، قال السائق لم نجد في المصنع، فيما إحدى الطاولتين اللتين تم إحضارهما مكسورة!!.
اجرت كمال مكالمة مع التاجر تخبره عن كل العيوب، لكن التاجر انكر اختلاف لون الطقم، وتعهد بإصلاح قماش الكنب، فيما اخذ السائق فرشاة وقام بصبغ الخشب المخدوش.. عندها قامت كمال بإرسال شكوى إلى وزارة الصناعة والتجارة والتموين، لكن الوزارة ابدت اهتمامها بحل المشكلة، إلا أنها لا تملك الصفة القانونية لحماية المستهلك في مرحلة ما بعد البيع..الأمر الذي دعاها بالقبول بإملاءات التاجر التي فرضها عليها، متسائلة من يحمي حقوق المستهلك من استبداد التجار وتغولهم؟.
ويعتبر مشروع قانون حماية المستهلك من المشاريع المتأخرة التي مضى على إنجاز أول مشروع قانون قبل نحو 18 عاما لم يقر حتى اللحظة.
وبرر اقتصاديون غياب قانون حماية المستهلك إلى وجود قوى شد عكسي تضغط لتأجيل اقرار القانون كون وجوده يتضارب مع مصالحها، اضافة إلى عدم وجود جدية من قبل الحكومة ومجلس النواب في حماية المواطنين.
وأكد هؤلاء أن ايجاد تشريع خاص لحماية المستهلك من القوانين الناظمة للسوق المحلية التي يتطلب وجودها انتاج سياسات الانفتاح الاقتصادي لضمان تحقيق التوازن بين جميع أطراف معادلة السوق (الصانع، التاجر، المستهلك)؛ بحيث لا تطغى أي جهة على اخرى.
يشار إلى أن لجنة صياغة القانون التي تم تشكيلها العام 1995 تتكون من أساتذة جامعات لوضع تشريعات وقامت بإحضار قانون حماية المستهلك البريطاني والإسباني، إضافة إلى التونسي لتكون بمثابة المرجعية التي يمكن الاستفادة من بنودها، حيث تمكنت خلال العامين 1997 و1998 من إعداد مشروع قانون لحماية المستهلك تم رفعه خلال هذه الفترة إلى وزارة الصناعة والتجارة لكنه بقي في أدراج الوزارة لغاية 2002 بدون أن يتم عرضه على مجلس الوزراء بحجة أنه ما يزال قيد الدراسة.
وخلال الربع الأول من العام 2012 اقرت الحكومة مشروع قانون حماية المستهلك لسنة 2012، وتم رفعه إلى مجلس الأمة للسير في مراحله الدستورية لإقراره إلا أن بنود مشروع القانون لم يتم مناقشتها حتى اللحظة من قبل اللجان النيابية المتخصصة.
وأكد الخبير الاقتصادي، الدكتور ماهر مدادحة، أن مشروع قانون حماية المستهلك يعتبر جزءا من منظومة اقتصادية متكاملة يجب انجازها منذ سنوات.
وقال مدادحة ان تجزئة التشريعات الاقتصادية يسهم في ايجاد ثغرات، مبينا ان قانون حماية المستهلك جزء مهم من المنظمومة الاقتصادية التي تنظم العلاقات بين جميع اطراف السوق(صانع، تاجر، مستهلك).
وأكد مدادحة ان وجود القانون يسهم بشكل كبير في حماية حقوق المستهلكين، خصوصا في الحصول على سلع ذات جودة عالية وسعر عادل، اضافة إلى ضمان خدمات ما بعد البيع.
واشار مدادحة إلى ضرورة إعطاء مشروع قانون حماية المستهلك الاولوية في الإنجاز ضمن المشاريع الاقتصادية الاخرى كونه من بين القوانين الناظمة للسوق المحلية.
وقال إن جمعية حماية المستهلك في ظل غايب تشريع خاص لا تستطيع ان تقوم بمحاسبة أي شخص يستغل المواطن، وبالتالي فإن دورها يقتصر فقط على التوعية والتنبية فقط.
وحمل مدادحة الحكومة ومجلس النواب مسؤولية تأخير اصدار قانون خاص يحمي المستهلك من أي ممارسات استغلالية في السوق المحلية.
وقال خبير اقتصادي آخر، الدكتور قاسم الحموري، إن مشروع القانون يعتبر من منظومة القوانين الاقتصادية التي ينبغي وجودها منذ سنوات بهدف توفير ابسط انواع الحماية للمواطنين من أي ممارسات استغلالية بحقهم.
وبين الحموري أن مجلس النواب مطالب باقرار مشروع القانون، مؤكدا أن وجود القانون يسهم في ضمان تداول سلع في السوق المحلية ذات جودة عالية وبأسعار مناسبة.
وأرجع الحموري تأخر إصدار مشروع قانون حماية المستهلك إلى وجود قوى شد عكسي تضغط لتأجيل اصدار القانون كونه يتعارض مع مصالحهم.
وأكد رئيس اللجنة المالية النيابية، النائب عبد الرحيم البقاعي، أهمية وجود قانون خاص لحماية المتسهلك، بهدف ضمان حقوق المستهلكين، خصوصا فيما يتعلق بخدمات ما بعد البيع.
واشار إلى أن مشروع قانون حماية المستهلك لاعلاقة له بتحديد أسعار السلع، بحكم ان المملكة انتهجت سياسة السوق المفتوح، وبالتالي فإن من يحدد الأسعار هو الطلب والعرض.
ولفت البقاعي الى وجود مؤسسات تعنى بجودة السلع التي يتم تداولها في السوق؛ وهما الغذاء والدواء والمواصفات والمقاييس، مؤكدا أهمية توحيد دور الجهات الرقابية.
وقال رئيس جمعية حماية المستهلك، الدكتور محمد عبيدات، إن وجود قانون لحماية المستهلك ينظم العلاقة بين المستهلك ومزود الخدمة بحيث يضمن العدالة لجميع الاطراف.
وبين أن قانون المستهلك اذا لم يتضمن ايجاد مرجعية خاصة لحماية المستهلك ولا يجوز ان تخضع لوزارة الصناعة والتجارة والتموين كونه يتعارض مع مهامها، وبالتالي لن يكون هنالك حماية لحقوق المستهلكين.
وأكد عبيدات أهمية التوافق على قانون عصري لحماية المستهلك والاستفادة من تجارب الدول التي تطبق مثل هذه التشريعات للخروج بقانون يعالج جميع الاشكاليات التي تواجه المستهلكين