في عام 2016 ، هل ستكون البكتيريا أقوى من المضادات الحيوية؟





الى ان انتهى عام 2050، كانت توقعات الخبراء والعلماء ومراكز الابحاث أن» البكتيريا» ستقتل ما يقارب من 10 مليون شخص كل سنة.
هذا الامر جعل «منظمة الصحة العالمية» تحذر باستمرار من أن كوارث الموت بالأمراض المعدية قد تعود خلال هذا القرن، ولا شيء يدعو لاستبعاد أن يعود التاريخ لمئات السنين خلت، حينما فقدت أوروبا 40% من سكانها بفعل الطاعون عام 542، قبل أن يعيد «الموت الأسود» الكرة بين عامي 1346 و1350 ويقضي على حوالي 70% من سكان القارة ، ثم تباغت «الكوليرا» سكان روسيا في خمسينات القرن الثامن عشر وتأتي بمليون ضحية، وبمثلها بعد خمسين عاماً في آسيا وإفريقيا أيضاً، كل ذلك قبل أن تخترع البشرية أخيراً البنسلين، أو المضادات الحيوية «الأنتي بيوتيك» قبل حوالي 90 عاماً.
فالبكتيريا التي تتسبب بالأمراض المعدية تتطور بشكل أسرع من تطور المضادات الحيوية وهذا ما يسبب القلق، فهي تكتسب مناعة يوماً بعد يوم تقاوم بها منقذ البشر -البنسلين-، وهو ما يعني بحسب منظمة الصحة العالمية، أن الأمراض المعدية التي قد يبدو كأن البشرية انتهت منها واكتشفت علاجاً سهلاً لها بالمضادات الحيوية، قد تعود يوماً خلال هذا القرن لتقتل البشر دون وجود علاجٍ فعلي لها، وهو ما أسمته منظمة الصحة في تقريرٍ لها صدر في بدايات عام 2014 بـ»عصر ما بعد المضادات الحيوية»، وحذرت من كونه حقيقة محتملة وقريبة ويجب الحذر منها مهما بدت الفكرة «فنتازيّة».
لا نتحدث هنا عن «الإيبولا» مثلاً التي أتت بـ10 آلاف ضحية خلال الشهور الماضية، ولا عن الأنفلونزا التي قتلت 75 مليون شخص حول العالم في جائحة عام 1918 -أي أكثر من ضحايا الحرب العالمية الأولى حينها-، ولا عن الإيدز الذي قتل أكثر من 30 مليون شخص منذ عام 1960، فجميع تلك الأمراض «فيروسية» (لا بكتيرية) ولا يمكن علاجها بالمضادات الحيوية، وإنما نتحدث عن أمراض تظن البشرية أنها لم تعد قاتلة، كالإسهال والالتهابات البولية والتنفسية والتهابات السحايا وغيرها.
= عقار جديد
وتقول تقديرات «منظمة الصحة العالمية» إن عدم اتخاذ خطوات جدية تجاه هذا الأمر سيعني أننا بعد عشرين عاما من اليوم قد نعود للعصور الغابرة حينما كان الإنسان يموت بفعل التهاب في جرح سببته له عملية جراحية بسيطة، وقد بدأت بوادر الأمر بالفعل، تقضي بكتيريا اسمها MRSA على حوالي 50 ألف شخص في أوروبا وأميركا في كل عام، بسبب الالتهابات التي تسببها في الجلد والدم والرئة، وذلك بعد أن أنشأت مقاومة تمكنها من الصمود في وجه المضادات الحيوية.
إلا أن الجديد يتمثل في قيام باحثين ولأول مرة بالتاريخ، تطوير دواء لا ينتمي لسلالة «المضادات الحيوية» يثبت فاعلية في القضاء على بكتيريا MRSA، وهي نوع فريد استطاعت ان تطور القدرة على الصمود أمام المضادات الحيوية، وهو ما اعتبر أول دواء بديل للمضادات الحيوية بالتاريخ.
وتوفر العقار الجديد على شكل مرهم يقضي على الالتهابات الجلدية التي تسببها البكتيريا، إلا أن الباحثين يعتقدون أنه بالإمكان تطوير الدواء على شكل حبوب وحقن خلال السنوات الخمس القادمة، مستخدمين نوعاً من الأنزيمات التي ينتجها الجسم بشكل طبيعي، ويمتلك القدرة على التمييز بين البكتيريا الضارة والنافعة، بحيث إنه تهاجم تلك الضارة فقط.
وتحاول العديد من الأبحاث إنتاج عقارات مشابهة، بحيث تواجه رعب «عصر ما بعد المضادات الحيوية»، ويبدو أن العقار الجديد يمثل خطوة أولى ستتبعها خطوات قادمة ومركزة خلال الأعوام القادمة.
وطالما كانت تُعتبر المضادات الحيوية من أهم الإنجازات الطبية في القرن العشرين. فقد حولت مسار صحة الإنسان. فبإتاحة الشفاء من العديد من أنواع العدوى أنقذت هذه الأدوية أرواحاً لا تُحصى ولا تُعد، بما في ذلك أرواح المصابين بأمراض كالسرطان أو السكري، وأرواح من يخضعون للعمليات الجراحية وهم جميعاً يكونون معرضين للإصابة بالعدوى. وقد أصبحت المضادات الحيوية تُستعمل على نطاق واسع إلى حد أن الأطباء والمرضى على السواء يعتبرونها من بديهيات العلاج. وكثيراُ ما تُستعمل دون داعٍ. ومما يدعو إلى الأسف أن ذلك أدى إلى تسريع ظهور المقاومة.
وظهرت بصورة طبيعية مقاومة الجراثيم والآفات للأدوية تُستعمل في العلاج منها. وأدى استعمال المضادات الحيوية وإساءة استعمالها إلى تسريع ظهور مقاومة المضادات الحيوية، الأمر الذي تسبب في وضع نجد فيه أنفسنا اليوم أمام مستويا ت عالية غير مسبوقة.