رأيـنــــا


وضع جلالة الملك عبدالله الثاني الامور في سياقاتها الطبيعية, السياسية والاخلاقية والانسانية والقانونية, خلال الكلمة التي القاها جلالته في الحفل التكريمي الذي استضافته مدينة آخن الالمانية لمنح جائزة شارلمان الدولية لرئيس البرلمان الاوروبي مارتن شولتز تقديراً لجهوده في خدمة مسيرة وحدة اوروبا..
جلالة الملك تحدث بصراحة ووضوح وسمّى الاشياء بأسمائها سواء في ما خصّ المصالح المشتركة والمتجذرة بين اوروبا والشرق الاوسط وشمال افريقيا, كون ما يحدث في أي من منطقتينا يمكن ان يؤثر وكثيراً ما يؤثر بالفعل وبشكل مباشر على ما يحدث في المنطقة الاخرى, مثل تدفق البشر وحركة البضائع وتبادل الافكار بيننا, أم في الاخطار المشتركة التي نواجهها مثل أي حوار.
من هنا, طرح جلالته تفاصيل المشهد الاقليمي بأعلى درجات الوضوح مفنداً كل محاولات قلب الوقائع أو تشويهها أو اختلاق الذرائع والمبررات التي لا تصمد أمام الحقائق وبخاصة ان العزلة ليست الطريق الصحيح لحل المشاكل, وبالتأكيد ليس أقامة الجدران ولا الشك في الطرف الآخر, ما يؤكد حقيقة ساطعة وهي ان تحقيق السلام والازدهار لا يتأتى الا من خلال التعايش, في اطار شراكة تُستثمر فيها القوة المشتركة على اساس الاحترام المتبادل..
وإذ لفت جلالته الى اهمية الدفاع عن مبدأ اساسي وهو الاحترام المتبادل, كون ايديولوجيات الكراهية والعنف تتوخى أسس التعايش وتعزز الخوف من الاسلام, فإن جلالته أكد على جملة من المعطيات التي يجب ان تؤخذ في الاعتبار عند التعاطي مع مسائل معقدة كهذه, وفي مقدمتها ان الانقسامات في الصفوف, انما تخدم المتطرفين الذين انتهجوا العنف سبيلاً وتُبدّد مساهمة المواطنين الصالحين الذين يشكّلون الغالبية العظمى من مسلمي اوروبا, ضارباً جلالته المثال الحيّ والنموذجي الذي نعيشه نحن في الاردن بما هو بلد مسلم يضم مكوناً مسيحياً له جذور ضاربة في التاريخ واننا في بلدنا نعتبر احترام الكرامة الانسانية من أهم قيم التسامح والاعتدال التي نمارسها في وطننا الذي قاد مسيرة الحوار العالمي للأديان, في الوقت ذاته الذي دعا فيه جلالة الملك الى ترسيخ التضامن في ما بيننا في مجال التصدي للارهاب, حيث نشهد في منطقتنا الاثر المدمر للخوارج, اولئك الخارجين عن الاسلام وعلى السلم والترابط المجتمعي, وهم كذلك لا يحترمون الحدود, ما يعني ضرورة أن تكون الاجراءات الوقائية والدفاعية المتخذة لمواجهة هؤلاء القتلة, ذات طابع دولي ومركّز في الآن نفسه..
وكما دأب جلالته في لقاء ومحفل وقمة وزيارة ونقاش ومحاضرة على الدفاع عن القضية الفلسطينية وما يعانيه الشعب الفلسطيني الشقيق على يد الاحتلال الاسرائيلي, فإن جلالة الملك وأمام هذا الحفل المتميز الذي حضرته شخصيات سياسية وبرلمانية وفكرية واقتصادية واعلامية حرص على تذكير الحضور بالصراع الذي طال أمده بين الفلسطينيين والاسرائيليين, بما هي ازمة لا تماثلها أزمة اخرى في نتائجها من انقسام عالمي وتطرّف وخطر على امن المنطقة واستقرارها.
كلمة جلالة الملك كانت مباشرة في التأكيد على ان الاحتلال الاسرائيلي لا يماثله أي احتلال آخر, حيث ينتهك المبدأ الأول في الميثاق الاوروبي وهو مبدأ السلام الذي ينص على ان كرامة الانسان مصونة..
كلمة جلالته تكتسب أهمية اضافية وبخاصة انها جاءت عشية احتفال العالم بالذكرى الـ (67) للنكبة التي شكّلت بداية للشتات الفلسطيني منذ العام 1948, ما يعني أن جلالة الملك يطرح ما يتساءل به احفاد الفلسطينيين الذين يتساءلون أين هي العدالة العالمية التي نسمع عنها؟