عمان - د. ماجد جبارة - اكد وزراء تربية سابقون ان امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة (التوجيهي) يحتاج الى رؤية شاملة يضعها مختصون لاحداث إصلاحات جوهرية نوعية تعيد له مكانته والثقة بمجرياته.
وقالوا ان التوجيهي بصورته الحالية يثير الارتباك والتوتر لدى الجميع ، فالطالب يرى في الامتحان تحديداً لمصيره ومستقبلة وكذلك الاهالي متوترون ، وسط «اجواء بوليسية» وحراسات امنية لضبط الفوضى وتأمين قاعات الامتحان ومنع الغش اوتسريب الاسئلة وحماية المعلمين في مشهد يعكس أزمة تربوية وتعليمية.
وطالبوا بتخفيض المواد وربط الامتحان وتفرعاته برغبة الطالب في التخصص الجامعي الذي يريد بما يتناسب واحتياجات سوق العمل وتطوير التخصص المهني.

واوضح وزير التربية السابق الدكتور محمد جمعه الوحش ان موضوع التوجيهي بصورته الحالية يدخل الطالب والاهالي في معركة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى مبينا ان هذا الامر لا يتناسب وقيم التربية والتعليم.
وبين الوحش ان موضوع الغش في الامتحان مرفوض من جميع فئات المجتمع مبينا انه عندما كان وزيرا للتربية والتعليم قام بتخصيص نصف مليون دينار للجهات المختصة لشراء اجهزة التشويش لمنع اجهزة الغش الالكترونية ان تغزوا قاعات الامتحانات.
ونوه الوحش ان كل ما كان يشاع عن طرق تسريب الاسئلة في السابق من بعض الجهات المغرضة، كانت مفبركة لا علاقه لها بالامتحان، وان الوزارة في حالة ثبات ذلك قامت بواجبها على اكمل وجه وان بعض الجيوب التي اساءت للتوجيهي سواء كانوا طلابا او اهالي تمت محاسبتهم وحرمان الطلبة الذين ثبت ان لهم دورا في عمليات الغش.
واشار الوحش الى ان ما تم من اجراءات ومن اعلان مجيش وكأن التوجيهي طوال عشرات السنين في الاردن كان فاشلا هي فبركات وان المنقذين للتوجيهي كما يزعمون اثاروا الرعب لدى الطلبة والاهالي حتى ان المسؤولين في وزارة التربية والتعليم ذكروا ان 40 الف طالب لم يتقدموا لامتحان التوجيهي خوفا ورعبا.
وبين الوزير ان اجراءات وزارة التربية والتعليم التي اعطت علامة او علامتين لطالب ناجح في كل المواد وفي مادة واحدة هي اجراءات معمول بها منذ نشأة الوزارة وان تعليمات التوجيهي اجازت للجنة الامتحانات التي يرأسها الوزير اعطاء هذه العلامات ، تحقيقا للعدالة والمساواة للطلبة الذين بحاجة الى هذه العلامة.
وبين ان ماحدث في السنة الماضية من عدم اعطاء هؤلاء الطلبة علامة او علامتين لتكملة النجاح احدث دربكة ، حيث رسب حوالي 20 الف طالب بالاضافة الى عدد الطلبة الذين لم يتقدموا للتوجيهي والبالغ عددهم 40 الفا مما شكل احراجا لوزارة التربية والتعليم.
وأشار الوحش الى ان اكثر من 340 مدرسة لم ينجح بها اي طالب متسائلا: هل القضية هي قضية وطنية (التوجيهي) ام هي قضية تتعلق بإعادة النظر في فلسفة التربية والتعليم وفي المناهج والكتب وفي تدريب المعلمين والتركيز على الصفوف الاولى؟.
واكد الوحش ان افكار امتحان التوجيهي عرضت على لجنة التربية والتعليم في مجلس الاعيان اكثر من مرة وفي زمن اكثر من وزير، كما عرضت على لجنة التربية والتعليم في مجلس النواب ومطبخ القرارات في وزارة التربية والتعليم (مجلس التربية والتعليم) ثم لجنة التخطيط في الوزارة وتمت مناقشة هذه الافكار ووضع التوجهات والاجراءات المتعلقة بالامتحان، مشيرا الى ان ما نشاهده الان من اجراءات هو الحكم القاطع على كل ما سبق في وزارة التربية وان عمليات الاصلاح كانت تجري وفقا للخطط وكل ما يقال ان هناك خطأ في السابق يدعو للعجب!.
وقال الوحش «انه مع كل التقدير والاحترام للاجهزة الامنية ولوزارة الداخلية او قوات الدرك بصورة خاصة المتعاونين مع الوزارة في ضبط امتحان التوجيهي الا ان الشيء إذا زاد عن حده انقلب الى ضده، فحينما يقدم التوجيهي في ظل اجواء امنية كاملة كيف يستطيع الطالب ان يقدم الامتحان؟!
وتساءل: هل إعادة الهيبة لامتحان التوجيهي ولاحترام التعليمات والقوانين لا تتم الا بالاجراءات القاسية التي تزيد الرعب في نفوس الطلبة والاهالي؟ أم ان الامور بحاجة الى نقلة حضارية تدريجية واثقة يشارك فيها كل المختصين في المجتمع الاردني».
من جهته يرى وزير التربية والتعليم السابق الدكتور ابراهيم بدران ان امتحان الثانوية يحتاج الى إصلاحات تعيد له مكانته وصدقيته وثقة الناس فيه مشيرا الى ان هذه الاصلاحات تتم وفق خطة زمنية تحتاج الى عدد من العناصر اولها: إعادة الثقة بالمدرسة والمعلم واعتبارهما جزءا رئيسيا من نجاح الطلبة في الامتحان، مبينا ان الكثير من الطلبة في سنة التوجيهي يتغيبون عن الحصص ويذهبون الى مراكز ثقافية او دروس خصوصية ، لاعتقادهم ان مدرستهم او معلميهم لن يكون لهم دور في هذا الموضوع.
واضاف بدران في حديث خاص مع «الرأي» انه لا بد من إعادة الثقة بالمدرسة وبالمعلم، من خلال تشجيع المعلمين على بذل جهود أكبر وإعطاء نسبة من علامة التوجيهي لاداء المدرسة بمعنى ان يكون للامتحان النهائي الشامل 80% من العلامات و20% لاداء الطالب في المدرسة خلال السنتين الاخيرتين من الدراسة.
وأشار بدران الى ان العنصر الثاني من اعادة الثقة في امتحان التوجيهي هو تخفيض عدد من المواد التي يتم الامتحان فيها الى ستةمواد ثلاث منها إجبارية وثلاث اختيارية يجتازها الطالب حسب توجهه مستقبلا.
كما طالب بدران بالغاء التفريعات المختلفة والاعتماد لتفرعين فقط مهني وأكاديمي، والغاء التقسيم ادبي وعلمي، بحيث يستطيع الطالب ان يحدد برغبته ما يريد من خلال المواد الاختيارية التي يتقدم بها الطالب للامتحان ، فإذا كان يرغب بتخصصات علمية تكون المواد العلمية فقط وإذا كان يرغب بالتخصصات الادبية يختار من المواد الاختيارية ما يشاء مثل الجغرافيا والتاريخ وعلم الاجتماع واي مادة ذات علاقة بالتخصص الادبي دون ان يكون هناك تقسيم من ادبي او علمي.
وطالب بضرورة ان تقوم الوزارة بتطوير التخصص المهني ليصبح تخصصا تكنولوجيا وذلك برفع مستوى ومضمون هذا التخصص والقيام بوضع اساليب تدريسية ليقترب اكثر واكثر من التكنولوجيا التطبيقية، على ان تتم مراجعة المواضيع حسب تطورات سوق العمل والانتاج وحسب ما تتقدم به التكنولوجيا العالمية.
وأكد ضرورة تشجيع الطلبة على دخول التخصص المهني او التكنولوجي من خلال تبيان فرص العمل وعقد اتفاقيات مع القطاعات الاقتصادية ، ونشر ثقافة العمل التكنولوجي المنتج ودفع التشريعات المتعلقة بالاجور لتقليل الفوارق ما بين الدراسة الاكاديمية والدراسة المهنية مبينا ان على وسائل الاعلام والثقافة والتربية والتعليم ان تلعب دورا في تنوير الطلبة والاهالي لاهمية التخصصات التكنولوجية التطبيقية بعد رفع مستواها وتحصين طرق التدريس فيها.
ويرى الخبير في شؤون التربية والتعليم حسني عايش ان امتحان التوجيهي بحاجة الى عملية إصلاح شاملة مطالبا بربط امتحان الثانوية العامة بعدد المواد وتفرعاتها برغبة الطالب في التخصص الجامعي الذي يريد.
وأكد انه يمكن للطالب الذي يتخصص بالشريعة مثلا ان يتقدم في مواد التربية الدينية واللغة العربية واللغة الانجليزية والتاريخ. أما الطالب الذي يريد التخصص في اللغة العربية فانه يقدم الامتحان باللغتين العربية والانجليزية وبمادة الدين مثلا، بحيث تعتمد له هذه العلامات للتخصص المطلوب اما الطالب الذي يريد التخصص في المواد العلمية فعلية ان يجتاز الامتحان في مواد الرياضيات او الاحياء وغيرها.
ودعا عايش الى ضرورة ان يكون الرابط بين المدرسة والجامعة بحيث تقوم الجامعة بتحديد المواد التي يطلب من التوجيهي النجاح بها في الامتحان ليقبل في التخصص المطلوب، وفي حالة الجامعات في الدول الاخرى تقوم الوزارة في مطلع كل عام بتحديد المواد التي تطلبها هذه الجامعات للقبول فيها، وعن ذلك يختار الطالب التخصص والجامعة في الداخل او في الخارج وفقا للتخصص المطلوب وفي حالة عدم استطاعة الطالب ان يقبل في الجامعة من حقه ان يغير المواد او يضيف موادا اخرى الى الامتحان في المرة القادمة وفقا لتخصصه.
وبين ان الطالب في ذلك سيضمن جودة في التعليم من خلال اختياره للتخصص المراد وفقا للمواد التي لها علاقة في تخصصة.
وحول اجراءات وزارة التربية والتعليم في موضوع الغش بين عايش انه لو كان التعليم في الاردن صحيحا وسليما منذ البداية في الروضة وحتى نهاية المرحلة الثانوية لكان الوازع هو الالتزام بالنزاهة والامانة ذاتيا عند التلاميذ ولما احتجنا الى اجواء بوليسية لضبط اي امتحان ، مبينا ان هذا الوازع حاليا غائب وليس عند التلاميذ فقط وانما عند جملة المعلمين والمعلمات والمجتمع.
واشار عايش الى ان الطلاب في اليابان مثلا يعطون اسئلة الامتحان ويغادر المعلم قاعة الامتحان ويقوم الطلاب بالاجابة على الاسئلة ولا يقوم اي منهم بالغش من كتاب او من زميل لهم بتاتا.
من جهتها حاولت «الرأي» الاتصال بوزير التربية والتعليم اكثر من ست مرات عن طريق مدير مكتبه محمد الدعجة وعن طريق الناطق الاعلامي للوزارة وليد الجلاد ولكن لم نستلم اي رد من الوزارة حتى إعداد هذا التقرير، بحجة ان الوزير مشغول.