التربية الأخلاقية.. نظرة تاريخية
- غالبا ما يتم الحديث عن المدرسة كمؤسسة اجتماعية تساهم إلى حد كبير في تنشئة أجيال من الأفراد الناضجين ، ينتظر منهم حمل لواء الحضارة والعلم والتقدم به إلى أبعد الحدود، إلا أن هذه التنشئة مرتبطة بمجموعة من الأسس والمبادئ التي ما فتئت أن أصبحت أخلاقية في العملية التربوية، ومصدر قوة للتعليم المدرسي، نظرا لعقلانيتها وموضوعيتها.
وتفاعل الفرد مع بيئته تفاعلا سليما بناء يجب أن يوضع في أعلى هرم المبادئ الأخلاقية المدرسية، ذلك أن من واجب المدرسة بذل الجهد في فهم الطبيعة الإنسانية فهما جيدا، وتوجيهها نحو أهداف وغايات اجتماعية يشترك فيها الكل، باعتبار أن هذا الكل، كل عقلاني اجتماعي، وجداني أخلاقي .
إن المسؤولية الأخلاقية للمدرسة فيما يتعلق بربط شكل التعليم المدرسي بالمجتمع واعتباره وسيلة من وسائل ضبط إيقاع للحركات الاجتماعية تعتمد على المناهج باعتبارها أدوات عملية اجتماعية تؤدي وظيفتها في اختلاط وتفاهم أفراد المجتمع وتحقيق أهداف اجتماعية لها أثر نفع على الآخرين، كما أنها أدوات تنمي إلى حد أقصى الذكاء الاجتماعي .
والحديث عن التربية الأخلاقية موضوع قديم حديث، وقد شغل هذا الموضوع الفلاسفة والمفكرين وعلماء التربية والاجتماع . وقد وضعت نظريات كثيرة تناقش فكرة التربية الأخلاقية، كذلك اهتم أولياء الامور والمدرسة بهذا الموضوع، وان أبحاث ودراسة التربية الأخلاقية تحتاج إلى المزيد من العناية خصوصا في هذا العصر المتطور سريعا على إيقاع المعلوماتية والعولمة التي تحيط بالإنسان في كل لحظة .
والبحث الأخلاقي وجد عند كثير من الشعوب، فقد عرف قدماء المصريين اهمية السلوك المنظم، كما نشأ الفكر الأخلاقي في تاريخ الإنسانية مع مشكلات الحياة الاجتماعية والعلمية، ولم ينشأ تحت مطالب الفكر النظري، والواقع إن الفرد في حياته اليومية وعلاقته بالآخرين يمر بصفة مستمرة بالامتحان الشخصي لقيمه بضرورة الاختيار بين بدائل ممكنة في مجال السلوك، ويتساءل ما هو الصواب وما هو الخطأ، ما هو الواجب، وعلى الفرد أن يتخذ حلا أو مخرجا لما يواجه من مشكلات ومواقف أخلاقية.
بدأت مقدمات الاهتمام بالتربية الأخلاقية في علم النفس وعلم الاجتماع ،ومن ابرز رواد هذا الموضوع ويجين Wiggen حيث وضعت في كتابها حقوق الأطفال عام 1892 ما نصه ان الأطفال لديهم إحساس واضح ومقبول بالصواب والخطأ ويحتاجون فقط إلى الإرشاد برفق لاختيار الصواب عندما يطرح أمامهم، وان لديهم إحساسا طبيعيا بما هو صحيح وجيد .
ومن أوائل الرواد أيضا هارتسهورن وماي Hartsshorne & May اللذين كتبا بحثا بعنوان دراسات في طبيعة الأخلاق عام 1929 ، وبياجيه Piaget حيث كتب أول بحث في التربية الأخلاقية عام 1932بعنوان الأحكام الأخلاقية عند الطفل .
وفي أواخر الستينات من القرن الماضي انتشرت الأبحاث في التربية الأخلاقية، حيث قامت مؤسسات متخصصة في هذا الموضوع، منها مركز وحدة فارمنجتون للبحث في التربية الأخلاقية في بريطانيا، واصدر هذا المركز بحثا بعنوان مقدمة في التربية الأخلاقية، وغلب على هذا البحث الطابع النظري والوصفي، ومما ورد فيه ان الإنسان المربى أخلاقيا يتصف بالقدرة على التعاون مع الآخرين واحترام مشاعرهم ورغباتهم ولديه مهارات التفاعل الاجتماعي والقدرة على بلورة المبادىء التي تترجم الصفات إلى أفعال .
ونظمت كلية التربية في جامعة هارفارد عام 1968 سلسلة من الندوات عن التربية الأخلاقية، ومن أشهر المحاضرات التي ألقيت فيها :
- التربية من اجل المسؤولية الأخلاقية .
- المبادئ الراسخة والمشاعر العقلانية .
- التربية من اجل العدالة: صياغة حديثة للتصور الافلاطوني .
- التربية الأخلاقية .
- العنف والشباب: محتوى الأزمة الأخلاقية .
وفي بريطانيا قامت المؤسسة الوطنية للبحث التربوي عام 1975 بعدة أبحاث ضمن مجلد بعنوان التقدم ومشكلات التربية الأخلاقية ، واستهدفت الأبحاث النقاط التالية :
- التربية الأخلاقية ومكانها في المنهاج.
- اتجاه المعلم ، وهل يكون محايدا تجاه محتوى التربية الأخلاقية وطرائقها .
- التهذيب في المدرسة والمجتمع .
ومن البحوث التي صدرت أخيرا عام 1989 بحث بعنوان الأزمة الأخلاقية والروحية في التربية وضعه ديفيد بيريل .
وفي نفس السياق أثمرت اجتهادات أحد الأساتذة الإنجليز وهو البروفسور ج.ج فندلاي، حيث قام بجمع ثلاثة بحوث للفيلسوف جون ديوي ، وأصدرها في مؤلف بعنوان المبادئ الأخلاقية في التربية .
مدير مركز تدريب المعلمين في الأمانة العامة للمؤسسات التربوية المسيحية في الأردن
رد مع اقتباس
المفضلات